شرح فصول أبقراط لعبد اللطيف البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
قصدنا النظر في كتاب الفصول لأبقراط (2) وإثبات شرحه بحسب ما تأدى إلينا ووسعته قوتنا، وانتهت إليه طاقتنا، واقتضاه الوقت الحاضر واحتملته همم أهل زماننا إذ (3) كان هذا الكتاب أشرف الكتب التي تحضرنا لأبقراط، وأجمعها لكليات صناعة الطب العملية وأهمها عند المبتدئ * والناظر (4) في شيء (5) والشادي والنطاسي (6) وأوجبها أن يكون حاضرا لذكر الطبيب الماهر؛ فإن من زاول المرضى ولم يكن ما * في هذا الكتاب عتيدا (7) عند نفسه وحاضرا لذهنه لم يسغ (8) أن يوثق بقضائه (9)، ولا أن يستكان (10) إلى علمه وعمله (11) وكان خطأوه أضعاف صوابه. وهذا الكتاب لم نجد أحدا من المتأخرين تطاول * إلى شرحه إلا على جهة (12) الحواشي والتعاليق، ولكن وصل إلينا عن المتقدمين له شرحان: أحدهما: لجالينوس، بنقل حنين بن اسحاق، وهو المشهور، وعليه اعتمدنا وحذوه احتذينا. والآخر: لبعض اليونانيين (13)، رديء النقل، سيء العبارة وفي (14) جانب عن فصاحة جالينوس وحنين (15). لكن يتبين من حكاية جالينوس ومجادلاته أن هذا الكتاب قد كان له شروح كثيرة انتهت إليه دوننا، ولو كنا لم نعد في كتابنا هذا أقوال جالينوس في شرحه لسميناه اختصارا لكتابه، لكننا (16) زدنا ونقصنا، وقدمنا وأخرنا، وزيفنا من أقواله ما رأيناه يستحق التزييف، وأبدلنا موضعه ما رأيناه يليق به. ومن جملة ما أسقطناه (17) تصريفه ونحوه الذي يستعمله على ما كان تقتضيه لغة (18) PageVW3P002A اليونانيين إذ كان لا جدوى له اليوم عندنا في لغتنا، وأثبتنا نحن من النحو (19) والتصريف في الأمكنة اللائقة به، المفتقرة إليه ما يعين على الفهم ويرشد إلى المعنى. ومن درس كتب القدماء تبين له أنهم كانوا شديدي العناية بالنحو والمنطق وكان ذلك شائعا بينهم، والأديب عندهم هو الذي قد ارتاض بصناعة المنطق؛ ولذلك تجدهم يصدرون PageVW0P002A بقوانينه كتبهم ويستعملونها في تضاعيفها ويصرفونه في جل مخاطباتهم، كما قد كان المتكلمون المتقدمون (20) بالزمان في ملة الإسلام متضلعين من علوم اللسان، أعني النحو واللغة والتصريف والشعر؛ ولذلك تجد (21) كتبهم ومخاطباتهم مشحونة به، فلما جاء المتأخرون جاهلين بذلك، ثقل عليهم سماعه واستهجنوا استعماله ، وهزؤوا (22) من مستعمليه (23) ونسبوه إلى الوقوف مع القشور وسلوا أنفسهم بأنهم الواصلون إلى اللب، الحاصلون على الحقائق. وهذا جالينوس يحض على اقتباس هذين العلمين ويثني عليهما ويستقصر من يقصر فيهما، ثم تراه يستعملهما في جميع كتبه أوجلها، وكذلك أمثاله ممن تقدمه، ومع ذلك فإنه يظهر منه تخليط في بعض مواضع استعمال PageVW1P002A المنطق عند حجاجة الخصوم وتثبيته آراءه. ولما كان المتشاغلون بصناعة الطب في زماننا هذا أكثرهم (24) ليس من أهل اللسان، ولا آخذا (25) نفسه به، وكان غرضهم معيشة الدنيا وتحصيل الخبز، ثقل (26) عليهم النظر في الإعراب وتصحيح الألفاظ، ولم يبالوا بما فاتهم من المعاني لسبب جهلهم بالألفاظ، بل (27) قد (28) أهملوا جل أجزاء الصناعة الذاتية، ولاسيما أصولها العلمية، كل ذلك مبادرة إلى المكتسب، وحرصا على نيل الغاية التي نصبوها لأنفسهم غرضا من غير أن تكون (29) غاية للصناعة بالذات؛ وكل طالب علم أو صناعة جعل غايته منها غير المعرفة فقد جعل غايته غير ما أعدت له، فكان إلى الحيدودة عنها أقرب؛ لأن الصواب PageVW3P002B -بحسب تحصيل الغاية- معلومة (30) لأنها لطالب العلم كالغرض للرامي، فمتى لم يكن محصلا عند بصره لم يتسدد رميه ولم يكد يصيب نبله ولم يفز (31) بالحذق سهمه. ولما كان القدماء هذا أسلوبهم في تعليمهم وتعلمهم (32) انتهجناه ولم نبال بهؤلاء الخبرية (33)، رضوا * أو سخطوا، ذموا أو مدحوا (34)، فالحق أحق أن يتبع، والباطل أحجى أن يجتنب وسبيل الحكماء (35) أولى بأن ينتهج. وقبل الشروع في شرح الكتاب ينبغي أن ننظر في الرؤوس الثمانية التي جرت عادة المتأخرين من الشراح أن يفتتحوا بها شروحهم، وهي: الفحص عن غرض الكتاب، ما هو؟ وعن نحو التعليم المستعمل فيه، وعن نسبته، ومنفعة (36) ما فيه، ومرتبته، وأقسامه، ومعنى عنوانه، واسم واضعه. وفي تعجيل العلم بهذه (37) الرؤوس منافع، منها: أن يطلع المتعلم على جمل أحوال الكتاب بأسرها، فيقدم على التعلم (38) على (39) بصيرة، ويدري (40) مقدار الزمان والفراغ والتعب التي PageVW0P002B يحتاج إليها في قطع الكتاب فيعدها أو ينتظر وقت تهيؤها؛ فإن من شرع في قطع مسافة لا يدري مقدارها وغايتها ومشاقها وعوائقها والقوة عليها والعدة لها، كان حري أن يطلح (41) دون غايتها. ومنها أن النفس طلعت (42) في كل ما (43) تطلبه (44) وتشتاقه على هذه المعاني الثمانية (45). ومنها أن المتعلم إذا وقف على هذه المعاني قبل الكتاب، سلك في تحصيله مطمئن النفس، قرير العين، سالكا على الجدد (46)، يعرف مسالكه (47) ومسافاتها، فلو سقط من الكتاب شيء طلبه، أو أغفله (48) وجهله بحث عنه وتطلب (49)فهمه. ومن منافع هذه الرؤوس أن يمتحن بها من يدعي معرفة الكتاب، فإن جهلها كان بالكتاب أجهل (50)، ولاسيما أقسامه. واعلم أن الأربعة الأول من هذه الثمانية (51) هي مبادئ الوقوف على ما في الكتاب بأكمل وجوه (52)، ومتى أخذت هذه على غير جهتها أو عرفت معرفة ناقصة، عادت (53) المعرفة بجميع ما في الكتاب مختلة (54) أو ناقصة، وورد كثير من الشكوك المحيرة. PageVW1P002B وإذا علم الغرض على ما ينبغي سهل PageVW3P003A الوقوف على المنفعة والمرتبة والنسبة بأهون سعي، فلذلك قدم النظر في الغرض إذ كان أهم الباقية، ولاسيما إذا اتفق أن كان اسم تلك الصناعة يقال على معنيين فصاعدا، بالاشتراك أو بالتشكيك، وعلى جهة التقديم والتأخير، وكان مقصود الواضع معنى خاصا وذهب ذهن السامع والمتعلم إلى معنى آخر، أو لم يتقرر له المعنى المقصود والغرض الذي نحاه المصنف؛ فإذا اختلطت الأغراض والمعاني وظنها واحدا أو ظن بأحدها (55) أنه الآخر، وكان يلزم عن بعضها ما لا يلزم عن الآخر أو ما يلزم ضده عن الآخر، وقع له شكوك وأغاليط يعسر عليه حلها أو التقصي (56) عنها ومعرفة الصواب منها كالهندسة التي تقال (57) على الهندسة العلمية والعملية جميعا بالاشتراك، والموسيقى تقال (58) على العلمية والعملية أيضا؛ وكذلك صناعة الطب تقال (59) بالاشتراك على ثلاثة معان: على (60) العلمية، وعلى العملية، وعلى الصناعة (61) الفاعلة؛ وأن (62) هذه الثلاثة هي أجزاء صناعة واحدة، فالجزء الأول العلمي، يسمى النظري، هو شبيه بالأصول والمبادئ والتوطئات، وجميعه يشتمل (63) على قوانين كلية ليس من شأنها أن تعمل (64) أو (65) تؤخذ (66) لا (67) من جهة ما يعمل. وهذا الجزء هو في تخوم العلم الطبيعي، ولذلك سمي نظريا وعلميا. وأما الجزء الثاني فهو قوانين العمل وذكر كيفيته وتقريب ذلك من الأجناس إلى الأنواع والأصناف، والاجتهاد في تقريبه إلى الأشخاص بضرب الأمثال واقتصاص أحوال أشخاص بأعيانهم حتى يتخيل حالهم المتعلم ويجعلهم مثالا يحتذى عليه في علاج الأشخاص الذين ها هو ذا يعالجهم، ويسمى (68) هذا الجزء العلمي لذلك على طريق النسبة (69) لأنه ليس بعمل في الحقيقة، وإنما هو علم كيفية العمل أو علم الأشياء التي من شأنها أن تعمل (70) ، فلما كان له إلى العمل هذه النسبة قيل له عملي، ولم يقل له عمل لأنه غيره في الحقيقة. وأما الجزء الثالث فهو مباشرة ذلك ومزاولته والقدرة على إخراجه إلى الفعل، وهذا الجزء (71) لا يقال له عملي بل عمل ويقال للملكة عليه قوة عاملة أو فاعلة. والفرق بين الجزء العملي وبين العمل نفسه أن العملي يبتديء في المعرفة من الغايات ثم لا يزال يتدرج بطريق التحليل إلى أن ينتهي إلى القوى؛ وأما العمل نفسه سواء كان عن الصناعة أو عن الطبيعة، فإنه يبتديء من القوى ولا يزال يمعن قليلا قليلا إلى أن ينتهي عند غاية ما، ويقف إما في أرباب الاستعدادات التامة عند (72) أكمل الغايات وأفضلها وآخرها، وإما (73) فيمن دونهم فعند غاية ما، أي غاية اتفق أن كان البدن أو الصانع معدا PageVW1P003A نحوها بالطبع. وحكي فرفوريوس الصوري (74) عن القدماء أن الصناعة عندهم تشتمل (75) على ثلاثة أنواع: أولها الصناعة النظرية، والصناعة العملية، والصناعة الفاعلة. ويحدون الصناعة أنها هيئة مجتمعة من معادن تسوق إلى كمال، وأن أنواعها الثلاثة يتميز بعضها عن بعض بغاياتها. فالنظرية هي علم ما شأنه أن يكون لا عن إرادة الإنسان؛ والعملية تشتمل (76) على علم ما شأنه أن يكون عن إرادة الإنسان؛ وأما الصناعة الفاعلة فهي التي ليس قصدها أن تعلم (77) فقط، لكن أن تعمل (78)، ويعني بذلك أن يكون الإنسان يحتاج في تتميمه أو إخراجه على الفعل إلى تحريك أعضائه بإرادته. وأيضا فالصناعة العملية (79) هي التي موضوعاتها التي يعلمها كليات الأشياء الإرادية من غير أن يشترط فيها أن تكون (80) لها قدرة على استعمالها في الجزئيات، فإذا إنما سميت صناعة عملية ليس لأن تستعمل (81) هي بأعيانها، ولكن لأن جزئياتها من شأنها أن تعمل وتدخل (82) تحت الإرادة. وحد أرسطوطاليس (83) الصناعة بأنها هيئة ما صانعة مع كلمة صدق. وقد بسط هذا الحد بعبارة أعرف فقيل: الصناعة هي ملكة يتوغل بها الإنسان نحو شيء ما يروي فيه على ترتيب. وقد تبين أن ما يعلم (84) في PageVW0P003B الجزء العملي ليس هو نفس ما يعمل، لكن الغاية منه ومنفعته أن يكون أصولا تستنبط (85) منها الجزئيات التي تعمل. ثم أن الجزء العملي يستعان في تعلمه واكتسابه بالقوة المنطقية، والجزء النظري أشد حاجة إليها. وأما الجزء الفاعل فليس يحتاج في تعلمه إلى صناعة المنطق بل اعتماده على الاحتذاء أكثر وعلى تكرير الفعل، فالصناعة الفاعلة سميت بذلك - كما قلنا - لاستعمالها أعضاء الحيوان في اكتسابها لا للدلالة بها على ما في النفس، ولا لأن توقع (86) بها في النفس معارف وحالات كتحريك (87) اللسان بالألفاظ وتحريك كثير من الأعضاء بالإشارة التي تقوم (88) مقام الألفاظ أو تعين (89) الألفاظ وهذه الحركات قد تكون (90) بأعضاء الطبيب نفسه، وقد تكون بآلات، والآلات قد تكون (91) متصلة وقد تكون (92) منفصلة، والمنفصلة قد تكون (93) متنفسة وقد تكون (94) غير متنفسة، والمتنفسة قد تكون (95) ناطقة وقد تكون (96) غير ناطقة، والآلة الناطقة هي بمنزلة العبيد والخدم وإليهم أشار أبقراط في الجزء الثاني من الفصل الأول، وأما الصديق والصاحب فعلى جهة النيابة لأنه يقوم مقام النفس، إذ (97) الصديق كما قال أرسطوطاليس (98): آخر هو أنت. فمن علم ما في كتب أبقراط (99) وجالينوس لا تحصل (100) له صناعة الطب حتى تحدث (101) له قوة PageVW1P003B على الفعل الكائن عن تلك الأصول، فاسم الصناعة ليس يدل على معارف كثيرة (102) تحصل (103) للإنسان، بل على القوة التي بها يفعل عن تلك المبادئ الحاصلة في نفسه، وهذا واجب في الصناعات (104) العملية (105) والنظرية جميعا على حد سواء، فإن الفعل المنسوب إلى الصناعة النظرية هو الاستنباط، وأما العلم نفسه فهو ملكة غير الصناعة أو هيئة أو حالة، لكن الصناعة النظرية تبتدئ من العلوم وتنتهي (106) إلى العلوم. وأما الصناعات الفاعلة فتبتدئ (107) من العلوم وتنتهي (108) عند أفعال أو مفعولات، فلذلك أيضا سميت هذه صنائع عملية، وتلك صنائع نظرية، وقد تسمى (109) علوما لأن غايتها (110) أن تعلم. ولما كان أرباب الكنانيش PageVW1P004B لا يجرون إلى الغاية على السنن ذمت (111) طريقتهم وذلك أنهم يذكرون قوانين كلية ويردفونها بأدوية مقدرة جزئية تقديرا شخصيا، وحينئذ (112) لا يمكن أن تطابقه (113) إلا على جهة الاتفاق والمصادفة لأنه لا يقتضيه بذاته بل إن كان ولابد فبالعرض، وإنما يطابق الكلي كليا (114) والشخصي شخصيا (115)، فإن أخذ ما في الكنانيش PageVW0P004A على أنه أمثلة كان نافعا في العمل، وإن أخذ على أنه هو الذي ينبغي أن يعمل كان ضارا. ولما كان القياس والتجربة يتعاونان في تكميل صناعة الطب بأن تعين التجربة القياس فيما لا يغني القياس فيه، والقياس يعين التجربة فيما لا تغني التجربة فيه، ظن قوم أن كلا منهما تحت الآخر ويرأس عليه وليس هذا الظن صادقا، بل القياس هو الذي يرأس التجربة، كما أن العلم الطبيعي قد يستعين في تبيين مبادئه وتصحيح براهينه بالطب، ولا ينبغي أن يقال أنه داخل تحت الطب أو أن الطب يرأسه. وكذلك العلم الطبيعي قد يرفد علم ما بعد الطبيعة ويعطيه كثيرا من مبادئه ومع ذلك فهو يرأس العلم الطبيعي ولا يسوغ أن يقال أنه تحته. وكذلك (116) الطب أيضا صناعة ترأس صنائع كثيرة، كصنائع عمل الآلات كالمباضع والمحاجم وآلات البط والشق والتشريح، وكعمل الأشربة والأدهان والمعاجين وخلط العطر وصناعة الطبيخ (117) وجميع الأعشاب وسائر الأدوية ومعرفة أعيانها ومعادنها وصناعة الصيدلة، فهذه وأمثالها كلها تحت صناعة الطب لأنها تعد لها الآلات وتخدمها في تحصيل غاياتها. ولنأخذ في بيان غرض الكتاب فنقول: غرضه تعليم (118) صناعة الطب العملية على طريق القياس، وهذا المعنى موجود في (119) قوله: "العمر قصير والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر" على ما يشهد (120) به شرحنا. وقد علمت مما سبق أن بين تعريف القوانين الكلية وإحصائها واحدا PageVW1P004A واحدا وتبيين ماهياتها وإحصاء الأفعال الكلية الصادرة عنها وبين إعطاء السبيل (121) في إفادة الصحة الجزئية بالتدبيرات الجزئية فرقا ظاهرا، وكذلك القدرة على إعطاء ماهية القوى والطبائع والأمزجة وجوهرها والأفعال * الكلية (122) عنها غير القدرة على إعطاء السبيل الجزئية والتدبير (123) الجزئي في إفادة الصحة؛ لأن الأشياء التي تعطينا القوانين (124) الكلية تكون بأقاويل برهانية أو جارية مجراها، وأما التي ترشدنا إلى الأمور الجزئية فأشياء ظنية وإقناعية وحدوس صناعية تستند إلى (125) تلك القوانين الكلية؛ فلذلك لا يكتفى في تحصيل الصحة الجزئية بتلك القوانين الكلية دون القدرة على التدبيرات الجزئية. وينبغي أن تعلم أنه ليست البراهين في الأمور الضرورية الدائمة فقط كما يظن ذلك من لا حنكة عنده، بل وفي الأمور الأكثرية أيضا فإن البرهان يقوم عليها على أنها أكثرية، كما أشير إلى ذلك في أنالوطيقا الثانية ولقد صرح به ثاوفرسطس PageVW0P 4B في برهانه، فهذه حالها مادامت (126) كلية. فأما الجزئي الحاصل منها بالفعل أوالذي مزمع (127) أن يحصل بالفعل فليس يكتسب علمه (128) أو يتوصل إلى تحصيله بالفعل بذلك البرهان بعينه، بل بقوة أخرى وبأقاويل أخر (129). فأما نفس تحصيله بالفعل فيحتاج إلى المباشرة والعلاج واستخراج الجزئي من ذلك وتقدير ما يحتاج إليه منه (130) بقوة أخرى ليست الأولى ولا الثانية؛ فإن احتيج إلى عمل باليد كالبط (131) والقطع والكي والجبر افتقر إلى تدريب * اليد مرات كثيرة، كما يحتاج الخياط والنجار إلى تدريب (132) يده في عمل صناعته (133) كيما لا تضطرب ولا تزول عن موضع الغرض ولتفعل أفعالها على ما ينبغي من غير كلفة ولا كبير عمل (134). وهذا القسم من الصناعة أشد أجزائها حاجة إلى الاحتذاء، وأقلها استغناء بالوصف والقول حتى تجد القول وحده لا يكاد يجدي فيه ولا يستوفيه. ويليه في ذلك القسم الذي قبله فإن الوصف فيه أنجع، ويكاد القول فيه يفي، والاحتذاء مرات قليلة يكفي. وأما القسم الأول فالقول فيه مجد جدا ويكفي في تعلمه الوصف فقط، لأنه قوانين علمية، وإن احتيج في تعلمها إلى الجزئيات المحسة فعلى جهة التمثيل والوثاقة في التفهيم. فهذا الكتاب لم يوضع بحسب مداواة أمة بعينها أو أشخاص معينين، بل على جهة العموم لجميع نوع الإنسان، فأما التنزيل إلى الأصناف الأخيرة والأشخاص (135) المحسة فيحتاج إلى قوة (136) وتدربات (137) بحسبهم، ألا ترى أن من سلك أسلوبا (138) في مداواة الحبشة لو انتقل إلى بلاد الصقالبة لم يسعه أن يسلك ذلك الأسلوب بل تلجئه ضرورة الصناعة إلى سلوك غيره. وأقرب من ذلك أنه قد يحتاج إلى تبديل الأسلوب في أهل مدينتين متقاربتين، بل ربما كان ذلك في أهل مدينة واحدة PageVW1P004B ذات جهتين. وأما تنزيل ذلك بحسب العادات والسير والأسنان والصناعات وأشباهها، فاختلافه ظاهر. وقد تكررت وصية أبقراط (139) وجالينوس بمراعاته وملاحظته، ومن الأمثلة المنبهة (140) لك على الفرق بين كليات الصناعة وجزئياتها صنفا (141) العلامات المحمودة والعلامات المذمومة المحصاة في كتاب تقدمة المعرفة وغيره، فإن إحصاء كل من الصنفين على حياله، ومعرفة قوة دلالة كل علامة على انفرادها وعند اجتماعها مع مثلها أو أمثالها عن صنفها، أو عند اجتماعها مع ضدها أو أضدادها من غير صنفها، والموازنة والمقايسة بينهما PageVW0P005A ومعرفة دلالتها في أوقات المرض وأسنان المريض وأوقات السنة والبلدان وغير ذلك، فإن هذا كله من العلم الكلي الذي يمكن أن يقام عليه برهان (142) على أنه أكثري. وأما تأمل ذلك في يد (143) المريض مثلا، ومعرفة تلك العلامات فيه بالحس والحكم عليه بأن حاله كذا، أو تؤول إلى كذا، أو قد كانت كذا فكله من جزء العمل يفتقر فيه إلى مزاولة وتدرب ويحصل بملكة أخرى غير تلك الأولى، وأكثره لا يمكن أن يعطى فيه إلا الإقناع وغلبة الظن. وفي صناعة الطب صنف يصدق الحكم عليه صدقا قويا مع خفائه وعدم القدرة على الإقناع فيه يسمى التكهن والحدس المصيب، وهذا الصنف أكثر ما يكون عندما تقوى الملكة قوة تفوق (144) القول. ولهذا أمثلة كثيرة من صنائع متعددة، فإن صناعة الفروسية تعلم الإنسان كيفية اختلاس الطعن والضرب (145)، وكيف يتوقى ذلك من خصمه، وكيف يجنبه (146) عنه، فإذا نازل العدو ولم يسعه أن يستعمل ذلك بعينه، لا بد أن يتصرف فيه بالزيادة والنقصان بحسب ما يقتضيه الوقت الحاضر وسائر المخصصات وربما وقعت هيئات لم يعلمها لكن يكون لها عنده نظير أو يستخرج لها جوابا بقوة ملكته. وكذلك المجادل والمخاصم، إذا كان قد لقن حججه (147) ودفع حجج الخصم، إن لم يكن له من نفسه تصرف واستنباط وزيادة ونقصان بحسب الحال الحاضرة واتكل على أن يستعمل ما لقنه بعينه، كان بعيدا عن الفلح (148) جديرا بالانقطاع والتبكيت، فالقوة التي بها لقن ما لقن غير القوة التي بها يستنبط ويزيد وينقص، وهذه القوة إنما تحصل بطول المزاولة وتكرر الممارسة. وأما القوة الأولى التي بها يعلم ما في الكتاب فتحصل بمجرد الحفظ والفهم، وأما تنزيلها إلى الأشخاص بقوة أخرى تحصل بالمباطشة، وقد أشار إلى ذلك أبقراط نفسه في الجزء الثاني من الفصل الأول بقوله: "وقد ينبغي لك ألا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون المريض ومن يحضره PageVW1P005A كذلك". فإن فعل ما ينبغي هو تنزيل القوانين إلى الأشخاص وتعيين الكلي في الشخص، وتوخي ذلك هو الاجتهاد في تعيينه (149) على أقصى ما يمكن من الصحة والصواب بالتقريب جدا. وبالجملة فمن عرف (150) ما في هذا الكتاب ولم يكن له قوة على تنزيل الأشخاص واستنباط ما ينبغي لكل واحد من الأقدار (151) لم يكد ينتفع بما في هذا الكتاب في تحصيل PageVW0P005B الصحة، كما أن من لقن حجج الجدال ولم يقدر على تنزيلها بحسب المخاطبين لم يكد يغلب؛ فهذا كاف في معرفة غرض الكتاب. وإذ (152) قد عرفت الغرض فإنه يسهل منه تبين المنفعة والنسبة والمرتبة. فأما منفعة ما في هذا الكتاب: فالبعيدة منها أن تصير الأبدان الإنسانية على أفضل ما يمكن من الصحة. وأقرب من هذه أن تصير (153) لنا قدرة على حفظ الصحة وشفاء الأسقام، وأن يتخذ ما في هذا الكتاب من القوانين معتصما يلتجأ إليه من الزلل والحيد (154) عن طريق الصواب، فإن الفرق بين الغرض والمنفعة أن الغرض هو المقصود من الشيء في نفسه وهو الذي قصد تعريفه في الكتاب. وأما منفعته (155) فهي جدواه (156) في شيء آخر خارج عنه. وأما نسبة ما في هذا الكتاب إلى جملة صناعة الطب فهي أنه كليات الجزء العملي، وقد تبين من قولنا أن صناعة الطب تنقسم إلى جزئين: علمي، وعملي. وأن الجزء العلمي (157) هو معرفة الأشياء التي ليس إلينا وجودها. وأن الجزء العملي ينقسم قسمين: أحدهما كليات الأمور التي إلينا وجودها، إذ (158) هي نافعة في ذلك نفعا أوليا. والقسم الثاني هو التمرن في مزاولة الجزئيات ومباطشتها والقدرة على تقدير ما يخص شخصا شخصا ويخص هذا بصناعة العمل؛ فهذا الكتاب يحتوي على معظم كليات الجزء العملي ويكاد يكون جوامع كتب أبقراط (159) لأنه يشارك أكثر كتبه، وأحراها بذلك كتاب ابيديميا وإن كان خاصا بالأمراض الوافدة، وهذا الكتاب كأنه خاص بالأمراض المدنية والأمراض التي يجرى فيها القياس أكثر وأقوى. وأما مرتبة هذا الكتاب فقد اختلف الناس فيها وجعلوا لكتب أبقراط ترتيبا في القراءة واختاروا منها اثنى عشر كتابا ورتبوا هذا الكتاب منها في مراتب، وأما أنا فأرى أنه ينبغي أن يبتدأ أولا بعهد أبقراط (160) الذي عهده إلى الأطباء الغرباء فيقرأ (161) أولا ويفهم أغراضه فيه، ويتقبل (162) ما فيه من الأخلاق والصفات، ثم يبتدأ بعده بكتاب الفصول، ثم بكتاب تقدمة المعرفة. وأما نحو التعليم المستعمل فيه فهو طريق الفصول، وهي طريق الاختصار والاقتصار على قضايا كلية تؤخذ مهملة (163) على أنها كذلك على الحكم الغالب، وأما جهة ثبوتها فأكثرها مصحح بالتجربة معضودا (164) بالقياس، وبعضها بالقياس وحده وهو الأقل. وفي بعض الفصول تنبيه (165) على العلة إذا كانت خفية، وهذه القضايا تقوم عليها البراهين الأكثرية PageVW1P005B لا الضرورية كما قلنا ذلك، فإن أرسطوطاليس (166) إذا ذكر الأشياء الطبيعية للأمر جعلها الأشياء الدائمة اللزوم له، PageVW0P006A أو الأشياء اللازمة له على الأكثر، ويجري الأشياء الكائنة على الأكثري (167) مجرى الأشياء الاضطرارية، والأشياء الذاتية توجد في المواد الممكنة كما توجد في الأمور الاضطرارية، وقد صرح في كتاب ما بعد الطبيعة أن الأشياء الذاتية هي إما اضطرارية، وإما على الأكثر، ويقتصر في البراهين الممكنة من شرائط اليقين المطلق على بعضها فيشترط في المحمول أن يكون ذاتيا ومناسبا على ما يخص (168) معناهما في كتاب البرهان، ويسقط من الشرائط أن يكون ضروريا ودائما ويجعل مكانه أن يكون أكثريا. وقد علم في غير هذه المواضع أن أنحاء التعاليم ثلاثة أجناس: ما يسهل تفهيم الشيء، وما يبين (169) أنه حق، وما يسهل حفظه. فأما ما يسهل فهم الشيء فهو الحد والرسم والقسمة والتحليل وإبدال الاسم. وما يبين (170) أنه حق هو القياس. وما يسهل حفظه هو وجازة اللفظ وجودة البيان. وأبقراط استعمل في هذا الكتاب ما يسهل فهمه وما يسهل حفظه بما فيه من الإيجاز وجودة البيان، ووصف الشيء بأخص صفاته. وأما ما يبين أنه حق فقلما استعمله، واتكل فيه على أنه مقبول (171) وسيصححه السامع والمتعلم بالتجربة والقياس عندما يتبحر. وأما أجزاء الكتاب الكبار، فهو سبع مقالات. وأما أجزاؤه (172) الصغار (173) فهي (174) فصول كل (175) مقالة وهي محصاة فيها. وأما أغراض كل مقالة فليست محصورة في ترتيب، بحيث يسهل إحصاؤها إلا بقراءة الفصول أنفسها، لكن فيها تكرير وتداخل، والتكرير (176) قد يكون باللفظ عينه، وقد يكون بالمعنى. وأما التداخل فأن يكون الفصل يقوم مقام فصل آخر ويشتمل (177) على معناه. وفيها فصول يظهر من أمرها أنها منحولة إلى أبقراط (178). ويوجد في بعض النسخ القديمة فصول كثيرة بعضها مكرر اللفظ والمعنى، وبعضها مكرر المعنى ركيك اللفظ، وبعضها ركيك اللفظ رديء المعنى، وأكثر ما يوجد ذلك (179) في آخر المقالة السابعة؛ ويتبين من حال هذه الفصول أنها ليست من كلام أبقراط لأنها مجانبة لفصاحته وطريقه في إيجاز لفظه وصحة معناه، فلذلك أضربنا عن كثير منها. وقد يوجد في بعض الفصول ما يعده قوم فصلا واحدا؛ ويقسمه قوم إلى فصلين. وأما عنوانه فهو كتاب الفصول، وقد قلنا أن طريق الفصول هو طريق الإيجاز والاختصار والاقتصار على القضايا الكلية المصححة، التي هي (180) نتائج القياس والتجربة ليسهل حفظها وضبطها والعمل بها، وهذه التسمية مطابقة PageVW0P006B لمعناه. وأما واضعه فهو أبقراط (181) بشهادة جالينوس وغيره من المتقدمين والمتأخرين، وأن ما فيه PageVW1P006A مبثوث في سائر كتبه باللفظ أو بالمعنى وخصوصا كتاب أبيديميا، ثم إنه من نوع كلامه في (182) سائر تصانيفه. على أن العلم بواضع الكتاب ليس ضروريا ولا نافعا في فهم ما فيه اللهم إلا بالعرض (183)، لأن المتعلم إذا عرف من واضعه كانت نفسه إليه أسكن ، وقلبه به أوثق، وربما صار حرصه على تعلمه أزيد متى اعتقد في واضعه الحذق والنباهة. فهذه هي الرؤوس الثمانية التي جرت العادة بتقديمها أمام (184) الشروح، وكنا قد بسطنا القول في هذه الأعراض بسطا تجاوز الحد اللائق بالتوطئة، وذكرنا حد الطب لجالينوس وحللناه وبسطناه، وذكرنا أيضا حدودا أخرى لغيره وشرحناها وقايسنا بينها وبينا عوارها (185)، وذكرنا حدا خاصا بنا، وذكرنا أجزاء الطب وكيفية قوله عليها بالاشتراك، وكيفية تولد الطب، وطرفا من أخبار أبقراط وجالينوس، وأشياء أخر، فلما رأيناه قد خرج عن حد التوطئة أفردناه وجعلناه كتابا قائما برأسه ولقبناه برسالة * في حد الطب (186) واقتصرنا على هذا المقدار أمام هذا (187) الشرح. وقد حان لنا أن نأخذ في شرح الفصول فصلا فصلا على التوالي، وبالله التوفيق * وهو المسهل والمعين (188). PageVW2P001B
المقالة الأولى من كتاب الفصول (189)
[فصل رقم 1]
[aphorism]
(190) قال أبقراط (191) العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر، وقد ينبغي لك ألا (192) تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
قال عبد اللطيف (193): صدر كتابه بأمور عامة ونافعة معا، وقصد بهذا الفصل أن يعرفنا ما يلحق الصناعة من الخلل والنقص على مذهب أرباب التجربة، وما يلحقها من الكمال والبراءة من ذلك الخلل على رأي أرباب القياس، وأن يعرفنا أنه إنما وضع كتابه هذا على رأي أرباب القياس، فوفى قوله بالرد (194) على التجريبيين (195) والنصرة للقياسيين، وتبيين (196) طريق تعليم هذا الكتاب وتقديم وصايا نافعة في جميع أعماله، وإقامة المعذرة لواضعه في عدوله عن طريق أرباب التجربة المعهودة إلى هذه الطريق. وقوله: العمر قصير ، أي الزمان الذي شأن PageVW2P002A الإنسان أن يدرك فيه المعارف الطبية (197) قصير بالقياس إلى طول صناعة الطب (198)، فكأنه يقول لو اتكلنا PageVW0P007A في جميع المعارف الطبية على أن نعلمها من قبل التجربة لاضطررنا إلى تجربة جزء جزء من كل مرض وصحة، ومن كل دواء وغذاء، مفردا أو مقترنا، وعلى كل حال ممكنة فيه، وهذا مما لا يفي العمر به ويقصر دونه بل ذلك في مرض واحد ودواء واحد عسر. وقوله: والصناعة طويلة، يشير بها إلى صناعة الطب PageVW1P006B ويشير بطولها إلى كثرة أجزائها التي لا يمكن حصولها وتجربتها إلا في زمان طويل، فإذا كان العمر قصيرا لا يفي والصناعة طويلة تحتاج في تجربة جزئياتها إلى زمان طويل أدى ذلك إلى أن لا تعرف صناعة الطب على مذهب أرباب التجربة، أو تعرف معرفة ناقصة رديئة نزرة. والصناعة: كل ملكة اعتيادية يمعن الإنسان بها على ترتيب نحو غرض ما. والطويلة: هي التي لها أجزاء كثيرة، أو التي إنما يحصل ملكه في زمان طويل. وقوله: والوقت ضيق، يريد به وقت المرض، ويريد بضيقه (199) قصره وأن المرض، بل البدن، لا يثبت على حالة واحدة لكنه سريع الاستحالة سهل التغير من نفسه، فضلا عن تغيره (200) من أسباب خارجة، فإذا يتعذر على الطبيب أن يجرب كل ما يؤثر تجربته من وجهين، أحدهما (201): أن وقت المرض قصير فيضيق عن أصناف التجربة. والثاني: أن المرض لسيلانه وسرعة تغيره في الزيادة والنقصان لا يدعنا نثق بالتجربة إلا بعسر وذلك من وجوه كثيرة: منها أنه قد يصادف فعل الطبيعة (202) في المرض ما كنا نتوقعه من فعل العلاج أو الدواء فنحيله عليه وإنما هو من فعل الطبيعة. ومنها أن يكون بالعكس. ومنها أن يكون قد زاد المرض عن مقدار الدواء أولا فلا يؤثر لذلك، أو نقص فحدث PageVW2P002B عن الدواء ضرر بمقدار زيادته عن الحاجة. وبالجملة فإنما نثق بالتجربة متى تكرر فعل واحد في أشياء كثيرة متفقة في حال واحد من كل وجه أو من أكثر الوجوه ووجد أن هذا عسر؛ فحاصل هذا أن الحكم على مريض ثان بما جرب في مريض أول من غير استعمال القياس (203) فيما يخص الثاني خطأ أو خطر. وقوله: والتجربة خطر، أي غرر وإقدام بالفعل على غير بصيرة ولا ثقة، وإنما يستعمل هذه اللفظة، أعني الخطر في شيء شريف خطر (204) يقدم على مزاولته من غير ثقة بسلامته، وبدن الإنسان مما هو شريف فالإقدام على معالجته بالتجربة من غير ثقة بسلامة العاقبة خطر والطبيب يعالج المريض ليبريء لا ليجرب، فإن التجربة تكرير (205) الإحساس في شيء لتثق النفس أن فعله وانفعاله PageVW0P007B منسوب إليه لذاته لا واقع على طريق الاتفاق. والمجرب متعلم، فإذا كنا أبدا مجربين فيا ليت شعري متى نكون مداوين. وقوله: والقضاء عسر، يريد بالقضاء بت الحكم عن قياس تقدمه، وعسره ظاهر لأن القياس شروطه كثيرة وإحصاء (206) جميعها واجب، والإخلال بشيء منها مغلط ولا جرم في المواد السيالة، فكأنه يقول: فإذا كان القضاء والحكم عن القياس وعن المقدمة الكلية عسرا لكثرة شروطه، فما ظنك بالقضاء على مذهب أرباب التجربة المنتقلين PageVW1P007A من جزئي إلى جزئي من غير جامع كلي. وإن شئت كان التقدير هكذا: والتجربة خطر، والقضاء باعتبارها من غير قياس عسر، ويريد بعسره إما بطء التفطن له وصعوبة إدراكه، وإما كثرة اختلافه وقلة صوابه. هذا آخر الفصل عند قوم، وشطره عند آخرين، وكيف ما كان فإن من (207) أول الكتاب إلى هنا صفة للطبيب كيف ينبغي أن يكون، ووصية له بما ينبغي أن يأخذ به نفسه، وما بعد إلى قوله: ومن يحضره PageVW2P003A كذلك، وصية للمريض كيف ينبغي أن يكون، فإن الطب صناعة فاعلة بصفة ما فيقتضي منفعلا وقابلا بصفة ما، فذكر أولا صفة الفاعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يصدر منه الفعل على الصواب؛ ثم تلاه بصفة المنفعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يقبل فعل الفاعل ويحصل منه الغرض والغاية، فكأنه قال: ينبغي أن يكون الطبيب بصيرا بكل ما ينبغي أن يفعل، فطنا بكل تغير، قادرا على المقايسة. وينبغي أن يكون المريض قابلا لما يأمر به الطبيب، ممتثلا لما يرسمه على ما سنقول فيه إن شاء الله تعالى، وقد قيل في الغرض (208) بهذا الصدد أقاويل أخر غير ما قلناه، أشبهها قولان: أحدهما: قالوا الغرض أن يبين العلة في أن جعل طريق تعليمه على هذا النحو، أي على طريق الفصول، لأن استقصاء جميع ما قصد إليه بالإيجاز والإحاطة من أنفع الأشياء لمن أراد تعلم صناعة طويلة في عمر قصير، فكأنه بين غرضه في نحو تعليمه . والثاني: قالوا أنه أخبر بمنفعة وضع الكتب لأن قصر العمر وطول الصناعة يوجبان للمبتدئ بهذه الصناعة أن لا يبلغ غايتها، فإذا وضع الأول للثاني ما علمه (209) في كتاب وتأدى (210) إلى الآتي ذلك العلم في زمان قصير أضاف إليه ما استخرجه هو، ولا يزال الأمر كذلك إلا أن تكمل الصناعة، فكأنه قال: هذا مقدار ما حصل لي علمه وثبت عندي قوانينه فليأخذه من وصل إليه وليزد ما حصل له عليه لينمي العلم ويكمل الصناعة. وقوله: وقد ينبغي لك، هو عند أكثر الناس PageVW0P008A فصل قائم برأسه، وأخرجه مخرج المشورة والنصيحة لأن ذلك أدعى إلى القبول وألطف بالمتعلم. ومعنى ينبغي لك: أي يجب عليك أيها المتعلم، كأنه يقول: إن أردت أن تعرف وتخبر حقيقة ما في كتابي هذا (211) فليس ينبغي لك أن تقتصر على فعل ما يجب فعله دون أن يكون المريض PageVW2P003B مطاوعا والخدم فرها أكياسا، والأشياء التي من خارج وهي مثل المنازل والأهوية وما يعرض للمريض من غم وغضب ونحو ذلك، فإن كثيرا ما يعرض بسبب ذلك أن تبطل صحة ما يتقدم بمعرفته أو يفسد العلاج فلا ينجح، أو يعرض الأمران جميعا، فإن جرى أمر هذه كلها على ما ينبغي لم يوجد من جميع ما في هذا الكتاب شيئا باطلا. وقصد بهذا الفصل تعريف الأشياء الثلاثة التي لا تحصل غاية صناعة الطب إلا بانضيافها PageVW1P007B إلى معارف الصناعة، الأول: إرادة الطبيب أن يفعل عن المعارف الحاصلة في نفسه، وإلى هذا أشار بقوله: على فعل ما ينبغي أن يفعله. فإن الذي ينبغي أن يفعله الطبيب هو ما تقتضيه المعارف الحاصلة في نفسه، الملخصة في هذا الكتاب وغيره. والثاني: طاعة المريض ومن يحضره لما يريد الطبيب ويأمر به. والثالث: موافقة الأشياء الخارجة. ومتى لم تجتمع هذه الثلاثة إلى المعرفة الصحيحة لم يبلغ غاية الصناعة بالضرورة.
[فصل رقم 2]
[aphorism]
قال أبقراط: إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق فإنها (212) إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه البدن (213) نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وينبغي أن ينظر أيضا في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي البلد، وفي السن، وفي (214) الأمراض هل توجب استفراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما فرغ فيما تقدم من صفة الطبيب والمريض وكيف ينبغي أن يكون كل واحد منهما من الأحوال المتصلة والمنفصلة حتى يحصل الشفاء PageVW2P 4A ابتدأ بالقوانين الذاتية للصناعة، وابتدأ بها بهذا الفصل لكونه عام النفع، كثير الوقوع، ولأن الحاجة فيه إلى القياس أمس، وظهور الحذاقة وقوة PageVW0P008B الصناعة فيه أبين، وذلك أن العلاجات والأشفية (215) أكثر ما تكون بالاستفراغ، ولأن ذلك شيء تفعله الطبيعة (216) دائما في حال الصحة والمرض، والطبيب من شأنه أن يتقبل فعل الطبيعة ويقتفي (217) آثارها ويتلطف مجتهدا أن يبلغ مقاصدها وأنحاءها؛ ولذلك يقال: أن الطبيب خادم الطبيعة على ثلاثة أنحاء: إما أن يجدها ناهضة بشفاء المرض فيتركها على حالها، أو مقصرة فيقويها، أو عادمة آلة أو مسلك فيقوم لها بذلك مثل رد الخلع وتسوية الكسر، وفتح العرق. وينسب إليه الأول بالعرض، وأما الثاني والثالث فبالذات؛ وغايته بفعله (218) في البدن أن يجعله على أفضل هيئاته وأكمل أحواله وأقربها إلى الاعتدال وأن يبقى على ذلك أطول زمان، كل ذلك بحسب ما يمكن في ذلك البدن لا على الإطلاق، وإنما تحصل له هذه الغاية بثلاثة أصناف من الاعتدال، الأول: تعديل كيفياته بأن تغلب فيه الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة فيرده إلى الاعتدال بكسر سؤرة هذه الكيفيات ومقاومتها بأضداها أو تنقص فتنمى بأشباهها. الثاني: تعديل كمية أجزائه (219) بأن ينقص منه دم، أو لحم، أو روح، أو غير ذلك فيرد إلى الاعتدال بما ينمي تلك الجواهر الناقصة ويزيد فيها. أو بأن يزيد شيء من ذلك فينقص: إما بالنقص (220)، أو بالقطع، أو الحمية. والثالث: PageVW1P008A تعديل وضع الأعضاء بعضها من بعض كالخلع وتفرق الاتصال، ويرد إلى الاعتدال بالتوصيل وجمع الأجزاء المتفرقة، أو تعديل وضع العضو في نفسه كالكسر والكي، ويرد إلى الاعتدال بالجبر (221) PageVW2P004B ورد الأشكال الطبيعية. ولما كان تغير البدن في كيفياته من غير مادة قليل الوقوع، سهل التلافي في الغالب، لم يبدأ به، وكذلك الكمية المطلقة والوضع يسهل (222) أمرهما (223) ويحسن (224) أكثرهما ويقل وقوعهما، فلذلك بدأ بهذا الفصل المتضمن الكلام في الكيفيات مع المادة ذات الكم، وبدأ منه بتنقيص الزائد واستفراغ المؤذي، لأن ذلك مما تعم فيه البلوى، ولأن الطبيعة كثيرا ما تستقل بفعله من غير أن تفتقر في ذلك إلى القوة الإرادية البتة فكان تقبل الطبيب بها في فعلها المجرد لها أحرى على القياس، وأحرى في حفظ النظام، فلذلك بدأ بالاستفراغ للشيء المؤذي بكيفيته، والدليل على أن هذا الفصل في كيفية ما يستفرغ لا في كميته شيئان، أحدهما: تكريره اسم النوع مرتين، ولو أراد الكمية لقال من المقدار الذي ينبغي. والثاني: قوله: ينقي منه لأن النقاء إنما يكون PageVW0P009A من الشيء المؤذي بكيفيته، قال جالينوس: إن أبقراط (225) يسمى كل استفراغ خلاء العروق، لأن العروق تخلو في كل استفراغ، ولا يريد به ترك الطعام فقط. فقوله: إن كان ما يستفرغ من البدن أي ما ينقص من أخلاطه وكيموساته بأي وجه كان، سواء كان يقطع ما يرد البدن خلفا عما تحلل، أعني الغذاء. أو ينقص ما في البدن، إما بحيث يحس كالقيء والإسهال والفصد ونحوه، وإما بحيث لا يحس كالتعريق والرياضة والتعب ونحوه، وفي كل ذلك تخلو العروق، ولا يريد خلوها بكل وجه وإنما يريد تنقيص ما فيها بحيث يصير فيها خلو ما فيخف على الطبيعة وتسلك القوى والأرواح مسالكها وتفعل أفعالها. وقوله: "عند استطلاق البطن والقيء" لم يرد الاقتصار عليهما بل ذكرهما مثالا لما سواهما، فهذا خاص يراد به العموم وإنما ذكرهما لأنهما من الاستفراغ المحس بخلاف التعريق والرياضة، PageVW2P005A ولأنهما أكثر ما يكونان للمؤذي بكيفيته (226) لا بكميته (227) بخلاف الفصد والرعاف فإنهما قد يكونان للمؤذي بكميته فقط، ولأنهما أيضا يكونان طوعا وبالإرادة والاستدعاء جميعا، بخلاف الرعاف فإنه لا يكون إلا طوعا، وبخلاف الفصد فإنه إنما يكون بإرادة، ولأن الاستفراغ بهما يغني أو ينفع في أكثر أصناف الاستفراغ، وأما الاستفراغ بغيرهما فقلما يغني عنهما، فلذلك اقتصر عليهما دون ماعداهما. وقوله: "يكونان طوعا" أي من تلقاء الطبيعة لا بالاستدعاء (228)، أو باستدعاء يسير. وقال: طوعا لأن أبقراط يأمر الطبيب أن يقتدي بالطبيعة فيما ينبغي أن يفعل، أي ينبغي للطبيب PageVW1P008B أن يستفرغ الكيموس الرديء المؤذي لا غيره، فإن الطبيعة هكذا تفعل وذلك أنها إنما تدفع عنها وتخرج الكيموس الرديء المؤذي، وتضن بالجيد النافع. ويستدل على غلبة الكيموس بلون (229) البدن، إلا أن تكون الكيموسات قد غارت في عمق الدم وليست منبثة في البدن كله بالسواء، فتحتاج إذا أن تنظر في الوقت والبلد والسن والأمراض. ولكل كيموس إذا غلب خاصة تدل عليه، كما تدل حمى الغب والحمرة على غلبة الصفراء، والربع والسرطان على السوداء، والنائبة (230) على البلغم، والمطبقة على الدم؛ فإذا علمنا ذلك بعلاماته استفرغنا الكيموس المؤذي على بصيرة وثقة. وقوله: "نفع ذلك وسهل احتماله" أي نفع في نقصان المرض أو زواله وسهل احتماله على القوة فلا تخور (231) معه. وقوله (232): "وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد" أي إن (233) لم يكن الشيء المستفرغ مما ينبغي أن ينقى منه البدن، لم ينفع في نقصان المرض ولم تحتمله القوة بل تخور (234) معه عاجلا و (235) لا تجد لخروجه (236) راحة. مثاله: في مرض صفراوي حدث PageVW0P 9B معه إسهال مرار أصفر، فإنه كلما خرج خف المرض PageVW2P005B ووجد المريض راحة ولم يؤثر فيه الضعف كثير أثر، فإن كان الإسهال بلغما لم يجد في نقصان المرض وخارت القوة معه سريعا. وقوله: "وكذلك خلاء العروق" يريد به كل استفراغ كما ذكرنا، فعم بعدما خص كعادته. ولما ذكر الاستفراغ على الإطلاق عاد وذكره مجددا فقال: وينبغي أن تنظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة والبلد (237) والسن والأمراض والعادة، فحدد الاستفراغ بهذه الشروط، أي إنما يستفرغ إذا ساعدتك هذه كلها أو أكثرها. مثاله: حمي صفراوية في الصيف وفي بلد حار جنوبي (238)، وفي سن الشباب ، ولمن صناعته الحدادة ونحوها، فإن هذه كلها تعين على تولد الصفراء، فحينئذ يقدم على استفراغها، فإن ساعد البعض وخالف البعض رجح بينها وعمل بالأكثر أو بالأقوى فإن بعض هذه أقوى شهادة من بعض على ما ذكر في موضعه. وإنما ذكر الاستفراغ أولا غير محدد؛ لأنه قرن به ما يكون طوعا من الطبيعة وفعلها غير محدد، ثم ذكره ثانيا (239) محددا لأنه أراد به الصناعي الكائن عن إرادة.
[فصل رقم 3]
[aphorism]
قال أبقراط: خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر إذا كانوا بلغوا منه الغاية القصوى وذلك أنهم لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقرون ولما كانوا لا يستقرون، فليس (240) يمكن أن يزدادوا صلاحا وبقي أن يميلوا إلى حال أردأ، فلذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغاية القصوى، فإن ذلك خطر، لكن بمقدار احتمال طبيعة (241) البدن PageVW1P009A الذي يقصد إلى استفراغه، وكذلك أيضا كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر، وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى PageVW2P006A فهو خطر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل المتقدم قانون استفراغ المواد المؤذية بكيفيتها، ذكر في هذا الفصل استفراغ المواد المؤذية بكميتها، فالفصل الأول في الكيف وهذا في الكم، والفصل الأول في علاج المرضى وهذا في تدبير الأصحاء. ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة قوانين: الأول أعطى فيه وجوب هذا التنقيص. الذي هو يقدمه لحفظ (242) الصحة. والثاني أعطى فيه الأشياء التي يقدر بها هذا التنقيص. والثالث أعطى فيه أن كل تنقيص فإن بلوغ الغاية القصوى فيه خطر، سواء كان تقدما بحفظ (243) أو مداواة، وهذا القانون يشتمل هذا الفصل والفصل PageVW0P010A السابق، ووضع خصب البدن مثالا كعادته فإنه يقيم الجزئي في البيان مقام الكلي تسهيلا على الناظر، ويعني بالخصب زيادة الكيموسات ووفورها في الكم وجودتها في الكيف، فلهذا لا يلزم أن يحدث معها مرض. ويعني بأصحاب الرياضة الذين جعلوا الرياضة مهنة لقوة أبدانهم وتزيد حجمها كالمصارعين، ولم يرد أصحاب الكد كالحمالين لأن خصبهم لا يبلغ الغاية القصوى، لأن المصارعين ونحوهم قصدهم تعظيم أبدانهم وهذا إنما يحصل بتكثر (244) الكيموسات، وفي هذه (245) الحال لا يؤمن أن تنصدع العروق أو تختنق الحرارة فيحصل منه الموت فجأة. وأما الخصب لأصحاب (246) الكد فمأمون، لأنه لا يبلغ فيهم الغاية القصوى. فقوله: "خصب البدن المفرط" أي زيادة الكيموسات بإفراط، ويريد بالمفرط ما يزيد نهاية الزيادة حتى لا يبقى في البدن متنفس ولا في القوى احتمال. وقوله: "خطر" أي لا يؤمن حدوث الموت عنه. وقوله: "إذا بلغوا منه الغاية القصوى" أي إذا بلغوا من الخصب أقصى ما يمكن، يعني إنما يصير الخصب المفرط خطرا إذا بلغوا PageVW2P006B فيه الغاية القصوى. ويجوز أن يكون قوله إذا بلغوا فيه الغاية القصوى كالتفسير لقوله المفرط. وقوله: "وذلك إنهم (247) لا يمكنهم أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا" تفسير للخطر وذلك أن التعدي والنضج وإحالته فيهم دائمة، والقوة بذلك ناهضة والكيموسات في ازدياد. والبدن قد امتلأ بأقصى ما يمكن فلا تجد الكيموسات المتولدة مسلكا ولا منفذا، فإما أن تسترق جهة فتفتق عرقا (248)، وإما أن تغمر الحرارة الغريزية فتنختنق وتنطفيء لعدم سلك التنفس، وهذا (249) معنى قوله: فبقي أن يميلوا إلى حال هي أردأ، وهذا هو الخطر الذي كان لا يؤمن وقوعه فلذلك ينبغي أن ينقص خصب أبدانهم بلا تأخير، أي يستفرغون على الفور ولا ينتظر (250) بهم صلاح حال (251) من PageVW1P009B غير استفراغ. وقوله: "كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء" أي يصير فيه متسع ومتنفس فتسلك فيه القوى والحرارة ويجد الغذاء مواضع خالية (252) يكون فيها. ولما كان هذا الاستفراغ تقدما بحفظ (253) الصحة قدره بطبيعة البدن وما يتعلق بها. ولما كان الفصل الذي قبله في المداواة قدر الاستفراغ فيه بطبيعة الأمراض وما يتعلق بها. وقوله: "ولا يبلغ من استفراغه الغاية القصوى فإن ذلك خطر" أي لا ينبغي أن يفرط في استفراغه فإن خطر الاستفراغ PageVW0P010B المفرط ليس بدون خطر الامتلاء المفرط، وينبغي أن يقدر الاستفراغ بحسب طبيعة (254) البدن (255) وقوته لأن الأبدان تتفاوت في احتمال الاستفراغ، فكأنه يقول: لا ينبغي أن يفرط في الاستفراغ ولا في الامتلاء فكلاهما خطر وجعل خصب البدن مثالا، فكأنه يقول: إن كيموسات أصحاب الرياضة معتدلة (256) المزاج، وقواهم قوية، وإفراط الامتلاء فيهم PageVW2P007A مذموما، واستفراغهم على الفور واجب؛ ومع ذلك لا ينبغي أن يبلغ في استفراغهم الغاية القصوى فبالحري أن لا يبلغ الغاية في استفراغ من عداهم، وينبغي أن يستفرغ ما لم تخر القوة، فإن خارت (257) أمسكت وإن بقي من الفضل بقية. وقوله: "وكل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر" هذا قانون يعم الفصلين جميعا سواء كان الاستفراغ مداواة أو حفظ صحة. وقوله: "كل (258) تغذية هي عند الغاية القصوى فهي (259) خطر" أي كل تغذية (260) عند الغاية القصوى في القلة فهي خطر، لأن تقليل الغذاء ضرب من الاستفراغ ويمكن أن يكون قوله: وكل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر قانونا لكل استفراغ. ويكون قوله: وكل تغذية هي عند الغاية القصوى فهي خطر قانونا لكل امتلاء، ويكون قوله: هي عند الغاية القصوى يعني به الكثرة. وهذا التأويل أشبه لسياق الفصل فإنه ذكر في أوله خصب البدن واستفراغه ثم ذكر في آخره قانونا عاما في الاستفراغ وقانونا عاما في الامتلاء.
[فصل رقم 4]
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة عسر، مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة، والتدبير الذي يبلغ (261) فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قصده في هذا الفصل أن يبين منازل الأغذية (262) بحسب منازل الأمراض والمرضى (263) على العموم، كما كان قصده فيما سبق أن يذكر قوانين الاستفراغ المفرط والامتلاء المفرط على العموم أيضا. فقوله: التدبير يريد به (264) تقدير الغذاء بحسب المرض والمريض، أما المرض فأن ينظر: هل هو حاد أو مزمن؟ وإذا كان حاد، فهل هو حاد في الغاية القصوى أو حاد (265) جدا أو حادا مطلقا. وأما المريض، فأن ينظر PageVW1P010A قوته ويقايس (266) بينها PageVW2P 7B وبين قوة المرض وهل تبقى إلى وقت منتهى المرض وتفي (267) به أو تخور (268) قبل المنتهى فيمدها من الغذاء بقدر ما تبقى (269) وتفي، ولتجعل هذا الغرض غايتك أبدا (270) في تغذية المرضى على الإطلاق، فتدبير الغذاء وتقديره مستخرج من المقايسة بين (271) قوتي المرض والمريض، فإذا كان المرض في الغاية القصوى وقوة المريض قوية يمكن أن PageVW0P011A تثبت إلى منتهى المرض من غير تغذية فامنع الغذاء أصلا، وهذا هو التدبير البالغ في اللطافة جدا. فإن كانت القوة غير قوية، و لا تثبت إلى وقت المنتهى إلا بغذاء، فأعط غذاء لطيفا بقدر ما يمسك القوة أن تخور (272). وإذا كان المرض حادا جدا، لكن لا في الغاية القصوى فأعط غذاء لطيفا بقدر ما يمسك القوة، كماء العسل وماء (273) الشعير وشيء من الكشك. وإذا كان المرض حادا مطلقا، فأعط غذاء لطيفا وأغلظ من الأول كالحساء مع الكشك؛ وفي هذه الأحوال الثلاث تجعل الغذاء بقدر ما لا تخور (274) معه القوة وإن أثر فيها ضعفا. وأما الأمراض المزمنة فإنك تجعل الغذاء فيها ما (275) يحفظ القوة على ما كانت عليه، لا يزيد فيها ولا ينقص منها، ولا يزال كذلك إلى وقت منتهى المرض فحينئذ تعود وتلطف التدبير. وينبغي أن تعلم أنا لسنا نعنى (276) في المرضى بالزيادة في قواهم على الأكثر، بل إنما نعنى (277) في الأمراض المزمنة بحفظ القوة على الحال الموجودة، وفي الأمراض الحادة بأن لا تنقص نقصانا فادحا (278). والغذاء الزائد في القوة هو الغليظ ولا يستعمل في مريض أصلا. والغذاء الذي يحفظ القوة على حالها هو المعتدل (279) ويستعمل في الأصحاء وفي ذوي الأمراض المزمنة. والغذاء الذي ينقص من القوة هو اللطيف، ويستعمل في ذوي الأمراض الحادة؛ فإذا كان المرض في الغاية القصوى استعمل التدبير الذي في PageVW2P008A الغاية القصوى، وذلك هو منع الغذاء أصلا، إن كانت القوة تفي، أو الاقتصار على ماء العسل وماء الكشك ونحوه إن لم تثق (280) بالقوة، وإذا لم يكن المرض في الغاية القصوى زيد في غلظ الغذاء بحسب ذلك، فأبقراط أمرنا (281) في هذا الفصل أن نتجنب دائما في الأمراض المزمنة التدبير اللطيف، ونتجنبه أيضا في الحادة أحيانا، لأن أكثر الحادة تحتاج إلى اللطيف وبعضها يحتاج إلى البالغ في اللطافة وهو ترك التغذية رأسا والاقتصار على ماء العسل إلى أن يأتي البحران، وأما أكثرها فيحتاج إلى اللطيف لا في الغاية، وهو تناول اليسير من الغذاء أو ما يغذو يسيرا كماء الكشك. وينبغي أن تعلم أن المرض الحاد هو السريع الحركة، القريب المنتهى، الوشيك (282) الانقضاء، وأكثر ما يطلق ذلك على ما كانت مادته حادة جدا ويكون معه حمى قلما تقلع، وقد تكون المادة في جميع البدن، وقد تكون في عضو بعينه كذات الجنب أكثر (283) ما يتطاول إلى اليوم (284) الرابع عشر، وأقله ثلاثة أيام أو أربعة، وأوسطه PageVW0P011B PageVW1P010B سبعة أيام، فالمرض الذي يأتي بحرانه في اليوم الرابع وما قبله يقال أنه في الغاية القصوى، والذي يأتي بحرانه في اليوم (285) السابع يقال أنه حاد جدا، والذي يأتي بحرانه في الرابع عشر (286) يقال أنه حاد مطلقا. وأما المرض المزمن فهو الذي طبيعته تقتضي أن يتجاوز اليوم الرابع عشر، ولكن (287) ما كان من الأمراض بحرانه (288) فيما (289) بعد الرابع عشر إلى الأربعين هو (290) متردد بين الحاد والمزمن، وما (291) بعد ذلك فهو مزمن على الإطلاق واسمه مشتق من الزمان، وأكثر تولده عن مواد باردة عسرة النضج ولهذا (292) يشهر ويسنى. وقوله: التدبير البالغ في اللطافة: يريد به منع الغذاء أو (293) الاقتصار على ماء العسل. وقوله: عسر مذموم: يعني به ما يجب فيه الموت أو يقاربه وذلك في جميع الأمراض المزمنة. وقوله: لا محالة: يريد به بت الحكم PageVW2P008B ودوامه مطلقا بلا شريطة. وقوله: والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم: ذكره (294) مقترنا بشريطة أن تكون القوة ضعيفة لا مطلقا. وأما في الأمراض المزمنة فذكره مطلقا، ثم أنه لم يقل هنا لا محالة لأنه لا يريد بت الحكم ودوامه ووثاقته كما هو في الأمراض المزمنة، ولهذا صرح بالسود (295) أعني الجميع في الأمراض المزمنة، وذكر الأمراض الحادة مهملة. وإنما استعمل لفظ (296) التدبير دون التغذية ليدخل في جملته منع التغذية أصلا، فإنه لو قال: التغذية التي في الغاية القصوى لم يفهم منه القسم الذي يمنع فيه الغذاء أصلا، فالمرض الحاد عند أبقراط هو كل مرض يتحرك بسرعة وفيه خطر، والحمى فيه دائمة. فكل مرض حاد عنده فلا محالة هو قصير، وليس كل قصير بحاد، فإن حمى يوم قصيرة (297) وليست حادة. وأما أرخيخانس (298) فإنه لا يشترط في المرض الحاد إلا قصر الوقت والخطر فقط، فعلى هذا يكون الفالج والسكتة واختناق الرحم من الحادة إن عني بقصر الوقت الذي اشترطه وقت الحدوث، فأما إن عني به وقت جميع المرض فإن هذه تكون مزمنة في الأكثر، فكل مرض طويل فهو بطئ الحركة، وليس كل مرض بطئ الحركة طويلا، فإن حمى يوم أبطأ حركة من المحرقة (299)، ومع هذا فهي أقصر مدة منها (300).
[فصل رقم 5]
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه أعظم مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ يسير، ومن قبل PageVW0P012A هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطر، لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل، ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في (301) أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن PageVW2P009A الخطأ الحادث من التدبير اللطيف هو PageVW1P011A انحلال القوة (302) وهو أمر قلما يتلافى، وأما الخطأ الحادث من تغليظ الغذاء فهو زيادة يسيرة في المرض، وزيادة المرض (303) أسهل من انحلال القوة، والطبيب ينتفع بمعرفة هذا القانون منفعة ليست باليسيرة وذلك أنه (304) إذا أشكل عليه الأمر في مرض ما من الأمراض الحادة، هل هو مما يحتمل التلطيف (305) أو مما لا يحتمله (306)، كان ميله إلى ما له غلظ يسير أولى، لأن الرأي إذا تجاذبه أمران متضادان مال إلى أسلمهما (307) عاقبة. قوله: "في التدبير اللطيف" قدمه للعناية (308) به. وقوله: "قد يخطئ المرضى على أنفسهم" قرنه بحرف قد ليعلم أنه متوقع ممكن ليس بواجب، وأضاف (309) الخطأ إلى إرادة المرضى دون الأطباء لمعنى جليل، وذلك أن المريض يحس بالقوة والضعف من نفسه أكثر من غيره حتى أن الطبيب في أغلب (310) الأحوال إنما يستعلم مقدار القوة من إخبار المريض له، فكأنه يقول: إذا كان المريض، وهو اعلم بقوته، قد يخطئ على نفسه في التدبير اللطيف فما ظنك بغيره (311). وقوله: "يعظم ضرره عليهم" أي يخاف عليهم العطب منه، وما بعده تفسير له والهاء (312) في منه تعود على التدبير اللطيف. وجملة ما في هذا الفصل تكرير التحذير من التدبير اللطيف مطلقا في الأصحاء والمرضى، إلا إذا كان منتهى المرض في غاية القرب والمريض في غاية القوة، ومع ذلك فإنك تستعمل التدبير البالغ في اللطافة على حذر وتوق (313) لأن الخطأ فيه أعظم من الخطأ في ضده.
[فصل رقم 6]
[aphorism]
قال أبقراط (314): أجود التدبير (315) في الأمراض التي (316) في الغاية القصوى، التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف (317): يريد بها الأمراض الحادة جدا، التي في غاية العظم. وقوله: "أجود التدبير" أي أجود ما ينبغي أن يفعل بحسب الأفضل لا بحسب الاضطرار، فإنه لو دبر في الأمراض التي في الغاية القصوى بغذاء له غلظ يسير وليس هو في الغاية PageVW2P009B القصوى من اللطافة لم يكن ذلك خطأ، ولكن الأفضل أن يستعمل التدبير الذي هو في الغاية القصوى على أنه خطر. وقوله: "أجود التدبير" أي أنجحه وأقربه إلى البرء. فأما التدبير بما له غلظ يسير فليس أقرب إلى البرء، ولكنه أسلم عاقبة وأقل PageVW0P012B خطرا.
[فصل رقم 7]
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدئا، ويجب ضرورة أن تستعمل فيه (318) التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة؛ فإذا لم يكن كذلك، لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون التدبير (319) على حسب لين (320) المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. * وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن تستعمل التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة (321).
[commentary]
قال عبد اللطيف: منتهى المرض هو الوقت أو الحال الذي المرض (322) فيه أعظم ما يكون في أعراضه وأوجاعه، وعند ذلك تكون المقاومة والمجاهدة بين الطبيعة والمرض مجاهدة يكون عنها الانفصال وغلب أحدهما قولا واحدا، PageVW1P011B وفي ذلك الوقت وتلك الحال لا ينبغي أن يغذى المريض أصلا، لأن الطبيعة مشغولة بمقاومة المرض ومصارعته عن أن تصرف عنايتها إلى إنضاج الغذاء وهضمه فتبقى (323) بين أمرين كلاهما ردئ، وذلك أنها إن عطفت على إصلاح الغذاء، وجد المرض الفرصة عليها وأمكنته من نفسها، وإن طرحته ثقل عليها وسدد مسالكها وفسد بإعراضها عنه فصار ألبا (324) عليها وعونا لعدوها. واعلم أن المرض الحاد في الغاية يأتي منتهاه بدءا وفي أوله وذلك في أربعة أيام وما حولها، والتدبير البالغ في اللطافة واجب في منتهى المرض؛ فلذلك هو واجب في أول الأمراض الحادة في الغاية لأن منتهاها في مبتدئها، فإذا علمت من طبيعة المرض أن منتهاه يتجاوز الرابع فغلظ الغذاء يسيرا، وكلما بعد المنتهى PageVW2P010A فزد في تغليظ الغذاء إلى أن تخرج إلى حد الأمراض المزمنة فحينئذ تجعل الغذاء بما يحفظ القوة على حالها الموجود (325)، وكلما قرب المنتهى فزد في تلطيف الغذاء، فإذا علمته في غاية (326) القرب فامنع الغذاء. وفي جميع ذلك تغيير تقدير الغذاء بحسب المرض والمريض جميعا كما سبق. فقوله: إذا بلغ المرض منتهاه: أمر يعم جميع الأمراض الحادة والمزمنة؛ وما كان من الحادة يتأخر منتهاه، وما كان منها يأتي (327) منتهاه في أوله، فإنه أمر أن يلطف التدبير عند منتهى المرض لأن الطبيعة إذ ذاك مكبة على انضاج المرض مشغولة بمدافعته فلا تتفرغ لما عداه. وجميع هذا القول من أبقراط (328) إنما [ط. 15 ب] هو في الأمراض التي يعقب منتهاها انحطاط المرض، فهذه هي التي تقبل العلاج، ولها ينبغي أن يصرف عناية التدبير (329). فأما التي يأتي عند PageVW0P013A منتهاها الموت فلا ينظر فيها إلا من جهة تقدمة المعرفة والإنذار بكونه فقط. وقوله: فإذا لم يكن كذلك: يعني إذا لم يكن المرض قد بلغ منتهاه بعد، لكن كان (330) يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من التدبير البالغ في اللطافة، فينبغي أن يكون الانحطاط عن الغاية القصوى في التدبير على حسب انحطاط المرض عن الغاية القصوى في الحدة (331) والقوة.
[فصل رقم 8]
[aphorism]
قال أبقراط (332): وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى (333) تأتي فيه بدئا، فيجب (334) ضرورة أن تستعمل فيه (335) التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة، فإذا لم يكن كذلك لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك (336) فينبغي أن يكون التدبير (337) على حسب لين المرض ونقصانه (338) عن الغاية القصوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قريب مما قبله جدا، وهو في كثير من النسخ غير موجود وكأنه مكرر أو هو ما قبله. فأما في النسخ التي (339) فيها موجود، فيوجد (340) الفصل الذي قبله على هذه الصورة: PageVW2P010B إذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة (341) أن تستعمل التدبير الذي (342) في الغاية القصوى من اللطافة. ولا فرق (343) بينهما إلا أن الفصل الذي قبله على هذه النسخة هو خاص في الأمراض التي يتأخر منتهاها، أو هو عام فيها وفي التي يأتي بحرانها (344) في أولها، وهذا الفصل خاص بالأمراض الحادة جدا التي يأتي بحرانها في أولها. فنقول: إن الأمراض التي في الغاية القصوى تأتي الأوجاع التي في الغاية القصوى فيها بدئا وهذه علامات حدتها، فحينئذ (345) يجب ضرورة، أي لازما (346) وواجبا إذا رأيت هذه العلامة أن تستعمل التدبير الذي في الغاية القصوى، وهذه (347) الأوجاع هي نوائب (348) الحمى وسائر (349) الأعراض. وقوله: في الغاية القصوى: أي في غاية العظم. وقوله: تأتي فيه بدئا: أي في أوله، وهي أربعة أيام وبعدها بقليل، فإن المرض الحاد جدا هو الذي يكون منتهاه بدئا، فلهذا PageVطP016أ ينبغي أن يلطف التدبير في أوله، لأن التدبير ينبغي أن يلطف في منتهى الأمراض، فإذا كان المنتهى بدئا استعمل التدبير اللطيف بدئا. وعلى هذا كلما كان المنتهى (350) أبعد وجب أن يكون تغليظ الغذاء أكثر، وكلما كان المنتهى أقرب وجب أن يكون تغليظ الغذاء أيسر. وغرضه في (351) هذا الفصل تعريف القانون في تدبير المرضى بحسب أمراضهم من جهة (352) طولها وقصرها، وجعل علامات قصرها ظهور الأوجاع العظيمة في أولها.
[فصل رقم 9]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P013B وينبغي أن تزن أيضا قوة المريض فتعلم إن كانت تثبت إلى وقت منتهى المرض، وتنظر: أقوة المريض تخور (353) قبل غاية المرض ولا تبقى على ذلك الغذاء؟ أم المرض يخور (354) قبل وتسكن عاديته؟
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا شرط آخر في تقدير التدبير فكما (355) عرف في الفصل المتقدم تقدير التدبير بحسب قرب المنتهى وبعده، PageVW2P011A عرف هنا تقدير التدبير بحسب قوة المريض وضعفه، فإذا تقدير التدبير ينبغي أن يعتبر بالمرض والمريض جميعا، فإذا كان المرض قريب المنتهى وقوة المريض تفي بالبقاء إلى ذلك الأمد فينبغي أن يلطف التدبير جدا. وإن اختل أحد الشرطين بأن تكون القوة لا تفي وإن كان المرض قريب المنتهى، أو كان المرض بعيد المنتهى وكانت (356) القوة تفي فينبغي إذ ذاك تغليظ الغذاء، حتى أنا قد نغذى عند المنتهى إذا خفنا أن تنحل القوة، فإن تلطيف التدبير كما أنه يضعف المرض كذلك أيضا يضعف (357) القوة. وتغليظ التدبير كما أنه يقوي المرض كذلك أيضا يقوي القوة، فإن كان للقوة (358) فضل استظهار (359) لطفنا (360) التدبير * ليضعف المرض، وإن لم يكن في القوة فضل استظهار غلظنا التدبير لئلا تخور القوة، فإن إضعافها بمنزلة خسارة رأس المال، فينبغي (361) أن تجعل تغليظ التدبير وتلطيفه بحسب المرض والقوة. وتزنهما (362) أي تقايس بينهما بأن تنظر أيهما أقوى وكم مقدار قوة أحدهما على الآخر، وكم مقدار ما تحتاج الطبيعة إليه من معاونة الطبيب لها حتى تظهر على المرض، وبأي شيء ينبغي أن تعان، وفي أي وقت وعلى أي حال، وتقرب PageVطP016ب ذلك إلى التحقيق بكل (363) ما أمكن، فحينئذ تكون قمنا أن يصدق حدسك.
[فصل رقم 10]
[aphorism]
قال أبقراط (364): والذين (365) يأتي منتهى مرضهم بدئا، فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدئا. والذين (366) يتأخر منتهى مرضهم، فينبغي أن تجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ، ثم تنقص من غلظه قليلا قليلا كلما (367) قرب منتهى المرض، * وفي وقت منتهاه (368) بمقدار (369) ما تبقى قوة المريض عليه (370). وينبغي أن تمنع من الغذاء في وقت منتهى المرض، فإن الزيادة فيه مضرة. PageVW2P011B
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل أعم مما قبله، لأن ما قبله في الأمراض الحادة جدا، وهذا الفصل عام في جميع الأمراض التي يأتي منتهاها بدئا، أي بعيد أولها. وعرف بقوله: بمقدار ما تبقى قوة المريض: أن الغرض في تغذية المريض إنما هو حفظ رمقه وقوته الضرورية في حياته (371) لا (372) الزيادة فيها. وقوله: وينبغي أن تمنع من الغذاء وقت المنتهى (373): * ينبغي أن تفهم ذلك بشرط ألا تتجاوز انحلال القوة، فإن خفت فاغذ. وقوله: PageVW0P014A فإن الزيادة فيه مضرة: أي إذا قصدت بالغذاء في وقت المنتهى (374) الزيادة في القوة فإن ذلك الذي توهمت أنه زيادة في القوة مضر، أي ناقص من القوة لا زائد فيها. ويحتمل أن يكون قوله: فإن الزيادة مضرة: أن الزيادة في البدن، الحاصلة من كيموس الغذاء مضرة حيث تثقل (375) على الطبيعة وتصير زيادة في مادة المرض.
[فصل رقم 11]
[aphorism]
قال أبقراط (376): وإذا كان للحمى أدوار، فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ما سبق شرط في التغذية بحسب المريض والمرض مطلقا، وهذا شرط بحسب أجزاء المرض، فجعل كل نوبة من المرض بمنزلة المنتهى في أنه يمنع فيها الغذاء. ولعمري أن كل نوبة فهي منتهى خاص لجزء من المرض، والمنتهى العام هو الذي يكون به الانحطاط عن جملة المرض، وحكم الجزء حكم (377) الكل فينبغي أن تمنع الغذاء وقت النوبة وقبيلها (378).
[فصل رقم 12]
[aphorism]
قال أبقراط: إنه يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، الأمراض أنفسها وأوقات السنة، وتزيد الأدوار بعضها على بعض، نائبة كانت في كل يوم، أو يوم ويوما لا، أو في أكثر من (379) ذلك من الزمان، والأشياء أيضا PageVطP017أ التي تظهر بعد. مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات PageVW2P012A الجنب، فإنه إن ظهر النفث بدءا من أول المرض كان المرض قصيرا، وإن تأخر ظهوره (380) كان المرض طويلا، والبول والبراز والعرق إذا ظهرت فقد تدلنا (381) PageVW2P014B على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل معروف بالفصل الذي قبله لأنه لما أمرنا بمنع الغذاء في أوقات النوائب وجب أن يعرف بماذا (382) يستدل به (383) على النوائب، والنوائب إنما تكون في الحميات التي تأخذ وتترك، والنوبة هي مدة أخذها، والدور هو أخذها الثاني مع أخذها الأول، وأقل ما (384) يكون الدور نوبتان. ونظام المرض هو تناسب نوائبه ولزومه (385) فيها وفي سائر أعراضه ترتيبا واحدا. وأما مرتبة المرض فهو: النظر فيه هل، هو حاد أو مزمن؟ وإن كان حادا، فهل هو حاد جدا؟ أو حاد مطلق؟ وكذلك المزمن. ومن يعرف ذلك كله يتبين منتهاه متى يكون، وهذا هو النظر في مرتبة المرض. وتقدير الغذاء ينبني على تعرف ثلاثة أمور، أولها: قوة المريض وتعرف من النبض والأفعال (386) النفسانية والحيوانية والطبيعية PageVW1P013A وسائر ما ذكر في تقدمة المعرفة، وذلك ممكن PageVW0P014B بأول وهلة. والثاني: مرتبة المرض ونظامه، وقد ظن قوم أنها لا يمكن تعرفها قبل كونها، وأما أبقراط وشيعته فيرون أن بعضها يمكن أن يعلم علما قريبا (387) من اليقين، وبعضها يمكن أن يعرف بحدس صناعي، وليس هو بالحدس العام كيفما (388) وقع. وبمعرفة المرتبة والنظام يعلم متى يكون المنتهى وفي أي وقت تعود النوبة، فيقدر الغذاء بحسب ذلك. وقد استقصى جالينوس بيان ذلك في المقالة الأولى من كتاب البحران. واعلم أن طبيعة المرض تدل على تناسب النوائب وعلى نظام المرض. مثاله أن الحمى الغب تدل على قصر المرض وسرعة البحران، والنائبة تدل على الطول والبطء، PageVW2P012B والربع تدل على طول وإبطاء أكثر. والحميات يعرفها الطبيب الفاره في أول يوم ولاسيما إن كانت PageVطP017ب الحمى بسيطة، ومن عرف نوع الحمى في أول الأمر قدر غذاء المريض على حسب ما ينبغي (389) في أول وهلة، أي قدره بحسب طول المرض وقصره، فإن كان المنتهى قريبا لطف الغذاء، وإن كان بعيدا غلظ الغذاء. ثم أن التلطيف والتغليظ على مراتب بحسب مراتب قرب المنتهى وبعده. وينبغي أن تنظر أولا هل (390) المرض حاد أو مزمن، وإن كان حادا فمن أي أنواع الحاد (391) هو، فإن ذات الجنب وذات الرئة والسرسام أمراض حادة، والاستسقاء وشدة الخوف (392) والوسواس (393) والسل أمراض مزمنة. ثم أن الحمى في ذات الجنب والسرسام أكثر ما تنوب غبا، وفيمن به خراج مقيح في معدته أو كبده أو به سل في كل يوم ولا سيما بالليل، وفيمن مرضه من طحاله، وبالجملة من المرة السوداء تنوب ربعا. وقوله: وأوقات السنة منسوب (394) على قوله: الأمراض أنفسها: أي أن الأمراض أنفسها تدل على (395) طبيعة المرض ونظامه، وأوقات السنة أيضا تدل، وليست أوقات السنة وحدها تدل، بل سائر الأشياء الضرورية المواصلة والخارجة. فإن الربع في الصيف أحد منها في الشتاء، وفي سن الشباب أحد منها في سن الكهول، وفي أرباب الجوع (396) والرياضات وفي البلدان الجنوبية ومع الصنائع النارية والأغذية الحارة اليابسة والأمزجة الحارة اليابسة ومن يتضحى للشمس كثيرا أو يطيل المكث في الحمام ونحو ذلك. فإن هذه الأحوال إذا أقرنت (397) إلى الغب * أذنت (398) بحدتها وسرعة حركتها، وإذا اقترن (399) بالغب (400) أضداد هذه أذنت (401) بفتورها وبطء حركتها، وإن اقترن بها البعض PageVW0P015A دون (402) البعض حكمت بالأغلب وحصل توسط بين ذينك. وليس PageVW2P013A يكفيك في تقدير الغذاء أن تعلم أن الحمى الربع مثلا طويلة حتى تضيف إليه النظر في السن والوقت والمزاج وسائر الباقية، فإن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة، والخريفية طويلة، ولاسيما متى اتصلت بالشتاء. وحمى الغب قصيرة، لكنها في الصيف أقصر وأسرع بحرانا، وفي الشتاء أطول وأبطأ. PageVطP018أ وأبقراط اقتصر من هذه الأسباب على أوقات السنة على جهة التمثيل PageVW1P013B والاستغناء (403) عن إعادتها هنا بذكرها في مواضع أخر، ولأن أوقات السنة أبين عند الجمهور وأظهر (404) للحس من سائر تلك الباقية. قوله (405): وأما تزيد الأدوار بعضها على بعض، فإنه يريد (406) به تزيد (407) نوائب الحمى التي تكون في الأدوار، وتزيد الأدوار يدل على قرب منتهى المرض. ويعرف التزيد من ثلاثة أشياء: بقدم وقت النوبة، وطولها وعظمها، وشدتها وقوتها. وهذه الثلاثة إنما تعلم بالقياس إلى نوبة أخرى تقدمت في وقت معلوم، وفي مسافة من الزمان معلومة، وبشدة معلومة فجاءت النوبة الثانية متقدمة للأولى في الوقت، وأطول زمانا منها، وأشد أعراضا منها، وقد تجتمع هذه الثلاثة، وقد يوجد بعضها، فإنه قد (408) تتساوى النوبتان في وقت الأخذ وطول الزمان، وتختلفان بالقوة والضعف، وقد تتفقان في وقت الأخذ وتكون الثانية أطول زمانا وأشد أعراضا ، وقد تكون الثانية أقل لبثا (409) من الأولى (410)، لكنها أشد وأقوى وأعظم. وقد علمت أن الدور هو زمان (411) الأخذ والترك، وأما النوبة فهي زمان الأخذ خاصة، وهي أردأ (412) زماني الدور، وأما الترك فأصلح زمانيه. وإذا تقدم (413) وقت النوبة الثانية عن الأولى ولبثت زمانا أطول وكانت في ذاتها أشد وأعظم دل ذلك على تزيد المرض وقوة حركته وقرب منتهاه دلالة أقوى؛ فإن انفرد (414) بعض هذه PageVW2P013B الثلاثة دل، ولكن أقل من الدلالة الأولى وذلك أنه لا يمكن أن (415) تتزيد النوائب إلا عند قرب المنتهى، ثم إن كان تزيد النوبة في الجهات الثلاث قويا ودفعة دل على قرب المنتهى جدا، وإن كان التزيد قليلا قليلا ويضعف دل على أن (416) المنتهى أبعد. وإذا علمت وقت المنتهى قدرت غذاء المريض في مرضه كله، وإذا علمت وقت النوبة قدرت أوقات غذائه كل يوم. مثاله (417): إذا كانت الحمى تنوب غبا خالصا، وتأخذ في الساعة PageVطP018ب الأولى PageVW0P015B وتترك في العاشرة، استعملت التدبير الملطف لقرب المنتهى، وغذوته في كل (418) يوم وقت (419) الراحة وبعد المفارقة. وقوله: نائبة كانت في كل يوم: يريد البلغمية. وقوله: أو يوما ويوما لا: يريد الصفراوية، ومعناه أو (420) يوما نعم (421) ويوما لا ، أي يوما تأخذ ويوما لا تأخذ. وقوله: أو في أكثر من ذلك: أي أو كان الأخذ والترك، وبالجملة الدور، في أكثر من ذلك، وذلك إشارة إلى مقدار زمان دور الغب (422)، ويمكن أن يكون إشارة إلى زمان الترك فقط، لأنه قد تقدم أخذ اليوم الذي لابد منه، فأما الترك فقد يكون يوما وقد يكون يومين وقد يكون أكثر من ذلك، وقدم ذكر زمان الأخذ على زمان الترك لأنه هو الأهم وبه يحد الترك، فإن الأخذ حركة والترك (423) سكون، وبالحركة يحد السكون. وقوله: من ذلك: أي من الزمان المتقدم، ومن هذه هي التي للمفاصلة وهي لابتداء (424) الغاية. وأما PageVW1P014A من في قوله: من الزمان، فيحتمل ثلاثة معان (425)، الأول: أن يكون بدلا من الأولى، أي أكثر من الزمان المتقدم. والثاني: أن يكون لبيان الجنس، أي أكثر من ذلك الذي هو الزمان، فبين أن ذلك هو الزمان. وقوله: والأشياء التي تظهر بعد: منسوق على ما تقدم أي هي مما يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته، وهذه الأشياء هي علامات وأعراض، العلامات بعضها مقوم، وبعضها لاحق، واللاحقة تخص PageVW2P014A باسم الأعراض، واسم العلامات يجمعها (426). ومن العلامات ما يدل على البحران، ومنها ما يدل على النضج، ومنها ما يدل على الهلاك. والفرق بين المقومة واللاحقة أن المقومة لا تفارق (427) المرض أصلا، وأما اللاحقة فربما ابتدأت مع المرض، وربما حدثت بعد، وربما لم تحدث البتة. وأما علامات النضج فلا سبيل أن تبتدئ مع المرض، وكذلك علامات البحران. وأما علامات عدم النضج فتبتدئ مع المرض وربما حدثت بعد ابتدائه، وكذلك علامات الموت. وقد يفهم من اسم الابتداء ثلاثة معان، أحدها (428): أول نقطة (429) من المرض يقال لها أول. والثاني: مدة ثلاثة أيام من أولها. PageVطP 19أ والثالث: يطلق على أحد أجزاء المرض الأربعة، التي هي: الابتداء، والتزيد، والانتهاء، والانحطاط. وقوله (430): مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب: هو مثال ضربه (431) لما يستدل به على نظام المرض كله بالأشياء التي تظهر بعد. ولما ينفث في ذات الجنب أربعة مراتب: ألا ينفث PageVW0P016A شيئا أصلا، وهذا دال على أن (432) المرض في الغاية القصوى من عدم النضج؛ وأن ينفث شيئا رقيقا، وأن يكون (433) ما ينفث غليظا، وأن يكون تام النضج وهذا هو المرتبة الرابعة. لكن إذا ظهر هذا في اليوم الثالث والرابع لم يمكن أن (434) يتجاوز المرض السابع. وعلامة النضج التام أن يكون النفث أبيض، مستوي الأجزاء في جميع الأيام، ليس برقيق ولا مفرط الغلظ، فإن نقص من هذه العلامات شيء دل على نضج ضعيف. وأما النفث الأحمر الناصع والأسود والزنجاري فإنها تدل على الهلاك الوحي كما أن الأول يدل على البرء السريع. وأما عدم النضج فيدل (435) على أن المرض يطول، وليس فيه دلالة على البرء أو العطب دون أن تقيس منتهى المرض بقوة المريض هل تفي (436) إلى المنتهى، فمن هذه الجهة تعرف (437) السلامة من العطب. وقوله: البول والبراز والعرق إذا ظهرت (438) فقد تدلنا على جود (439) بحران المرض ورداءته، وطول المرض وقصره: هذا مثال آخر ذكره (440) في الدلالة على البحران، فإن من (441) العلامات ما يدل على نضج المرض، وبالجملة يدل على جودته ورداءته، ومنها ما يدل على جود (442) البحران أو رداءته. فأما ما يدل على جودة المرض ورداءته وعلى نضجه ونهوته (443) فهي أبدا تدل على ذلك دلالة دائمة، فعلامات النضج تدل على الخير، وعلامات عدم النضج تدل على طول PageVW1P014B المرض. وأما العلامات الدالة على البحران فإنها إن ظهرت في الوقت الذي ينبغي دلت على بحران محمود، وإن تعجلت قبل وقتها دلت على بحران مذموم ولهذا قال أبقراط: إن العلامات التي تكون في وقت البحران إذا ظهرت ثم لم يكن بحران ربما دلت على الموت، وربما دلت على أن البحران يعسر. وقال أيضا: إن الأشياء التي PageVطP 19ب تدل على أن البحران إلى الحال التي هي أفضل لا ينبغي أن تظهر بدئا، فأما علامات النضج ففي أي وقت ظهرت فهي محمودة، من قبل أن هذا الجنس كله من العلامات دال على الخير لا محالة، وكتاب تقدمة المعرفة في ذلك كاف إن شاء الله تعالى.
[فصل رقم 13]
[aphorism]
قال أبقراط: المشايخ أحمل الناس للصوم (444)، ومن بعدهم الكهول؛ والفتيان أقل احتمالا له. وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة (445) فهو أقل احتمالا له.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW0P016B جدوى هذا الفصل عائدة على تدبير غذاء المرضى وتقديره وتقليله وتكثيره وتلطيفه وتغليظه، وكان قد عرفنا فيما سبق تدبير الغذاء بحسب طبيعة المرض وقرب منتهاه وبعده، وبحسب نوائبه وأدواره، وبحسب قوة المريض وضعفه، وأما هذا الفصل فيتبين منه تدبير الغذاء بحسب سن المريض. والأسنان أربعة (446): سن المشايخ، وسن الكهول، وسن الفتيان (447)، وسن الصبيان (448). والحار الغريزي في سن المشايخ أضعف منه في سائر PageVW2P015A الأسنان، فلذلك تضعف هضومهم ويقل ما يتحلل من أبدانهم لضعف حرارتهم وصلابة أعضائهم، وهم لذلك قليلو (449) الحاجة إلى الغذاء صبورون على تركه زمانا أطول، وهو الذي عبر عنه بالصوم. وبعدهم الكهول في قلة احتمال الصوم، لتوفر حرارتهم وقوة هضومهم ولين أعضائهم. وأما الفتيان فأقل احتمالا للصوم من الشيوخ والكهول لاشتعال حرارتهم وقوة هضومهم وكثرة ما يتحلل من أبدانهم. وأما الصبيان فهم أقل جميع الناس احتمالا للصوم لتوفر حرارتهم ورطوبة أبدانهم، فتقبل لذلك سرعة التحلل وحاجة أبدانهم إلى الخلف عما تحلل وزيادة معدة للنمو، فمن سوى الصبيان إنما يحتاجون إلى الغذاء لمعنى واحد وهو العوض (450) عما يتحلل (451)، وأما الصبيان فيحتاجون إلى الغذاء لهذا المعنى، ولزيادة النمو أيضا، مع أن التحلل فيهم أكثر لرطوبة أبدانهم، والشيء الرطب يسرع إليه التحلل أكثر. والصبيان والشيوخ طرفان بينهما غاية المضادة، والفتيان والكهول PageVطP020أ واستطان بينهما، لكن الفتيان أقرب إلى طبيعة الصبيان، والكهول أقرب إلى طبيعة المشايخ. ثم أن من كان من الصبيان أقوى شهوة بالطبع فهو أقل احتمالا للصوم، كما أن من كان من المشايخ أموت شهوة فهو أكثر احتمالا له، وكذلك الكهول والفتيان، فإذا فرضنا صبيا وشيخا مرضا مرضا واحدا حادا وتشابها PageVW1P015A في جل الأحوال، وكانت طبيعة المرض تقتضي التدبير (452) اللطيف (453) جدا، أعني ترك الغذاء والصوم، ارتكبناه في حق الشيخ بقوة جأش (454)، وأما في حق الصبي فبحذر واحتياط، وذلك إما بأن لا نصيمه البتة، وإما أن نصيمه مدة أقصر. وأما الشيخ الفاني فمستثنى من هذه القضية، ولاحق بالصبي (455) في قلة الاحتمال للصوم. وربما كان كثير من المشايخ كثيري (456) PageVW0P017A الأكل في حال صحتهم أكثر منهم (457) في حال شبابهم وذلك لعلة أخرى ليست مما نحن PageVW2P015B فيه، قد ذكرناها (458) في كتابنا المسمى بالمسائل الطبيعية. وبدأ هنا بالمشايخ لأنه ناظر في تلطيف الغذاء، وألطفه الإمساك عنه، والمشايخ أحمل لذلك من سائر الأسنان. وذكر الصوم دون الإمساك وترك الغذاء ونحوه لأن الصوم أدل على الامتناع من كل ما يلج الجوف (459) جملة، ومعنى احتمال الصوم أن ترك الغذاء لا يضر بهم ضررا (460) كثيرا ولا يضعفون عليه ضعفا بينا. وقوله: "ومن كان من الصبيان أقوى شهوة" فيه فائدة أخرى غير الفائدة بالأسنان وهي تقدير كمية (461) الغذاء بحسب طبائع الأبدان، لأن قوة الشهوة وضعفها تابعا (462) لطبائع الأبدان. وقد (463) تضمن هذا الفصل تقدير كمية (464) الغذاء بحسب الأسنان (465) وطبائع الأبدان.
[فصل رقم 14]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأبدان في النشوء (466) فالحار (467) الغريزي فيه (468) على غاية ما يكون من الكثرة، ويحتاج من الوقود إلى أكثر مما يحتاج إليه سائر الأبدان، فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. وأما في الشيوخ فالحار الغريزي قليل فيهم، فمن قبل ذلك ليس يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير لأن حرارتهم تطفأ من PageVW3P020B الكثير، ومن قبل هذا أيضا ليس تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في الذين (469) في النشوء (470)، وذلك لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل هو علة الفصل (471) السابق، ولذلك رأى بعضهم أن يجعلهما فصلا واحدا وأن ينسق بينهما بالواو فيقول: ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له وذلك أن ما كان من الأبدان في النشوء (472) فهو يحتاج إلى غذاءين: للنشوء (473)، ولخلف (474) ما يتحلل. وابتدأ في هذا الفصل بالأبدان التي في النشوء لتكون العلة قريبة (475) من المعلول وذلك (476) أنه ختم الفصل السابق بأن PageVW1P015B الصبيان أقل احتمالا للصوم؛ فبدأ هذا الفصل بتعليل (477) ذلك وجرى على الترتيب إلى أن بلغ PageVW2P016A إلى ذكر علة احتمال الصوم في المشايخ. وينبغي أن تعلم أن الحرارة في سن الصبيان (478) والشباب سواء، لكن الرطوبة في الشباب أقل منها في الصبيان، هذا الذي استقر عليه رأى الأفاضل، وأن الصبيان أقل ما (479) في أبدانهم الجوهر الأرضي، وأكثر ما فيهم الجوهر الهوائي والمائي لقربهم إلى جوهر المني وكل يوم تقوي فيهم الأرضية وتقل الهوائية والمائية. فإذا انتهوا إلى سن المشايخ أنقلبت الحال فصار الجوهر الأرضي PageVW0P017B أكثر ما فيهم والجوهر الهوائي والمائي (480) أقل ما فيهم. وعلى هذا الحال (481) النبات، يبدأ (482) صغيرا والغالب عليه المائية المرطبة (483) وأرضيته قليلا، وكل يوم تزداد أرضيته وتقل رطوبته حتى إذا تناهى عسا وصار خشبا صلبا قد استولت عليه الأرضية. وقوله: "ما كان من الأبدان في النشوء" أي في (484) النمو وهو ما بين الولادة إلى نحو عشرين سنة وأزيد منها قليلا، وكلما (485) كان أقرب إلى زمن الولادة كان النشوء أقوى، وكلما بعد كان النشوء أضعف، فأما عند الاحتلام فيحصل انقلاب قوي وتغير ظاهر، وعند العشرين يحصل أيضا انقلاب ولكنه دون الأول. وقوله: "فالحار الغزيري فيهم على غاية ما يكون من الكثرة". لا يريد أنه أكثر مما في الشباب، بل أكثر مما في الكهول والشيوخ، ومثل ما في الشباب في الكم PageVW3P021A لكنه مع الصبيان في جوهر رطب، ومع الشباب في جوهر اليبس ما هو. وقد علمت أن الجوهر الرطب تحلله (486) الحرارة أسرع مما تحلل الجوهر اليابس، فإن النار تحلل الماء أسرع مما تحلل الشمع، وتحلل الشمع أسرع مما تحلل الخشب والرصاص والحديد، وإذا كان المتحلل من أبدان الصبيان أكثر فإنها تحتاج من الوقود إلى أكثر مما تحتاج إليه سائر الأبدان، ويريد بالوقود الغذاء لأنه يمد الحار الغريزي كما يمد الدهن نور السراج، فإن لم (487) يتناول صاحب هذا المزاج من الغذاء ما يحتاج إليه ذبل بدنه PageVW2P016B ونقص. والذبول (488): الأخذ في الجفاف، وذلك يكون في الأشياء الرطبة، وأصل استعمال هذه الكلمة في النبات الرخص إذا أخذ في الجفاف وبقيت فيه بقية رطوبة، كالبقل (489) يقال فيه ذبل، فإذا ذهبت رطوبته أصلا قيل جف، فإن تناهي جفافه قيل قحل. وأما النقصان فهو في اللحم وفي القوة وسائر الأفعال؛ وحاجة الصبي إلى الغذاء كما قلنا من ثلاث جهات: جهة مشتركة لسائر الأسنان، وهي البدل (490) عما يتحلل. والجهتان الباقيتان يختصان بالصبيان: إحداهما (491): أن التحلل من أبدانهم أكثر منه في سائر الأسنان لرطوبتها، فحاجتهم إلى الخلف أكثر. والجهة الثانية: أن أبدانهم في النمو، فتحتاج أن يكون PageVW1P016A في الغذاء من الكثرة بمقدار ما يفي بالخلف عما تحلل ويبقى منه بقية صالحة للنمو، وأما سائر الأبدان فليس يفتقر إلا إلى الخلف فقط. وأما في الشيوخ فالحار الغريزي فيهم قليل، وما يتحلل من أبدانهم فقليل لقلة حرارتهم وصلابة PageVW0P018A أعضائهم، فلذلك لا يحتاجون من الغذاء والخلف إلا إلى اليسير، والغذاء الكثير يطفئ حرارتهم كما يطفئ الزيت الكثير إذا غمر (492) نور المصباح وإن كان مادته. ومما يدل على نقصان الحار الغريزي فيهم أنه لا يكاد يعرض لهم حمى قوية ملتهبة لأن الحرارة القوية سريعة القبول للالتهاب (493) والخروج عن الاعتدال، وليست الحرارة الضعيفة كذلك بل هي إلى قبول الإنطفاء أميل منها إلى قبول الالتهاب؛ ولذلك إذا عرض PageVW3P021B للشيخ (494) حمى ملتهبة كان وشيك الهلاك لأنها لم تعظم إلا لقوة مادتها وقوة السبب الموجب لها، فالحرارة العظيمة يسهل مصيرها إلى غاية الإفراط، وأما اليسيرة فليس يسهل ذلك فيها إلا أن تستكره غاية الاستكراه. والكثرة والقلة تقال في الحار على معنيين: على الكيفية، وعلى الجوهر الحار، فالحار الغريزي في الشيوخ PageVW2P017A قليل بالمعنيين جميعا.
[فصل رقم 15]
[aphorism]
قال أبقراط (495): الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع، والنوم أطول ما يكون. فينبغي في هذين الوقتين * أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر وذلك أن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين (496) كثير، ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير (497)؛ والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل عائد بالفائدة (498) في تدبير الأصحاء والمرضى جميعا وهو اعتبار أوقات السنة الأربعة، فإن الفصل السابق أعتبر فيه تدبير الغذاء بحسب الأسنان وهذا الفصل اعتبر فيه الغذاء بحسب أوقات السنة الأربعة مناسبة للأسنان الأربعة، فالربيع مناسب لسن الصبيان، والصيف لسن الشباب، والشتاء لسن الكهول، والخريف لسن المشايخ (499)، لكن الشتاء تقوى فيه الحرارة الغريزية ويقل ما يتحلل منها فإذا توفر الحار الغريزي وقوي، قوى فعله وتصرف في الغذاء تصرفا تاما فجاد الهضم وتحللت الفضول الغالبة وتفتحت المسام ونشطت النفس وانتعشت وتنبهت الشهوة (500) فأحتيج إلى غذاء أكثر وضعف احتمال الصوم والصبر عن الغذاء زمانا طويلا. ولأن النوم أيضا في الشتاء يكون أطول لطول الليل فيجود الهضم لذلك أيضا وتقوى الشهوة، ولذلك صار يحتاج في هذين الوقتين من الغذاء إلى مقدار أكبر مما يحتاج إليه في الصيف والخريف لتوفر الحار الغريزي الفاعل للهضم في هذين الوقتين. قال: "والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين" أما الأسنان PageVW1P016B فكالصبيان فإن شهوتهم أقوى لمناسبتهم مزاج الربيع ، وأما الصريعون فلأن الحرارة الغريزية PageVW3P022A في أبدانهم PageVW0P018B لا تزال مشتعلة لكثرة رياضتهم فيجود هضمهم (501) وتتحلل (502) فضولهم، وتتفتح (503) مسامهم فيحتاجون إلى غذاء أكثر من غيرهم. فجعل الأسنان والصريعين دليلا له في أن كثرة الحار الغريزي في الشتاء والربيع PageVW2P017B توجب كثرة الشهوة. والصريع فعيل كالشريب (504) والسكير والخمير (505)، وهذا البناء يدل على المواظبة على الشيء والاستكثار منه، فإن الشريب هو المواظب على الشرب، والفسيق هو المكثر من الفسق، والصريع هو المواظب على الصراع والمستكثر منه. واعلم أن الصيف وإن كان معينا في تحليل الفضول، فإنه يحلل أيضا الحار الغريزي الذي هو (506) مبدأ كل فعل جميل ومحمود، وإذا ضعف ضعف (507) الهضم. وأما في الشتاء فيتوفر الحار الغريزي ويقوى فتجود أفعاله ويحسن أثره، وإذا قوي حلل الفضول ودفع ونقى وفتح وغسل وجذب وهضم وفعل كل فعل (508) جميل محمود، ويكون تحليله خفيا بالبخار الرطب. وأما الصيف والهواء الحار (509) فإنه يحلل بالعرق والبخار (510) الدخاني، ونسبته في التحليل والانضاج نسبة النار الجاهلة التي تنضج بها ثمرة فجة بأن تطبخ أو (511) تشوى. وأما الحار الغريزي فبمنزلة انضاج الشمس للثمرة ونقلها إلى كمالها من اللين والحلاوة والتلوين وغير ذلك مما يتبع النضج الطبيعي. فأوقات السنة مما له حظ عظيم في تدبير الغذاء ولذلك تقوى شهوة الناس للغذاء في الشتاء ويجود استمراؤهم أكثر منهم في الصيف أضعافا مضاعفة. وكذلك جل الحيوان إلا ما كان من الحيوان قليل الدم أو عديمه فإنه يتحجر في الشتاء في باطن الأرض والأسراب ويعدم الحس والحركة ويستغني عن الغذاء وربما هلك أصلا، وذلك أن البرد ينفذ من سطوح أبدان هذا الحيوان إلى أعماقه، فينطفئ الحار الغريزي أصلا أو يكاد. ومثال ذلك ما يفعله الاستحمام بالماء البارد، فإنه أول ما يلقي سطح البدن ينهزم (512) عنه الحار الغريزي إلى عمقه، فيقوى هناك وتشتد سخونة الباطن، فإن دام وقوي نفذ إلى الأعماق فأخرج الحار الغريزي PageVW2P018A عن مستقره وأطفأه أصلا أو كاد، فأحدث الخدر والسكتة. فالحار والبارد يتغالبان (513) على المحل الواحد، فإن غلب البارد PageVW3P022B على سطح البدن قوي الحار في باطنه واشتعل، فإن قوي البارد ونفذ إلى الباطن الحار إنبرد موضعه واستوى (514) البرد PageVW0P019A ظاهرا وباطنا، وطفئت حرارة البدن أصلا. والتحلل اللطيف في الشتاء يكون أكثر لاشتعال (515) الحار الغريزي باطنا، فتزداد (516) الحاجة إلى الغذاء، لأن مقدار الغذاء على قياس (517) مقدار التحلل. والتحلل الخفي بفعل الحار (518) الغريزي، وكلما كانت الحرارة الغريزية أقوى كان التحليل أخفى عن الحس؛ ولذلك ذهب قوم إلى أن العرق خارج عن PageVW1P017A الأشياء الطبيعية، لأن الطبيعة إذا استولت على الغذاء وقهرته على ما ينبغي لم ينبعث من الجلد رطوبة تحس. فأما العرق فإنما يكون من أسباب تستكره الطبيعة كالحمام والرياضة ونحو ذلك. ومن أعظم الأدلة على أن الحار الغريزي في الشتاء أوفر وأكثر وأقوى أن جميع أمور البدن تجري في الشتاء على ما ينبغي من الهضم وخصب البدن واستفراغ الفضول استفراغا خفيا وخروجها من الجلد مع التنفس وفي البول وغير ذلك، فإن رسوب بول الشتاء أكثر مما في الصيف، والبول أيضا في الشتاء أكثر، واغتذاء البدن وزيادة لحمه ودمه أكثر لكنه مع كثرته يكون مكتنزا متلبدا مداخلا للأعضاء مستقرا فيها. وأما (519) في الصيف فيعرض له أن يرق وينتشر، ويعرض له شبيه بالغليان فتضيق عنه الأوعية (520) فربما شقها أو أكلها أو مال إلى عضو استضعفه (521) فأحدث ورما فلغمونيا. وقد علم الناس هذا فإنهم في آخر الربيع يستفرغون الدم من أبدانهم ومن دوابهم. وأبقراط (522) قد ذكر الربيع PageVW2P018B ههنا (523) بقول مطلق، وينبغي أن يفهم على التحديد كما حدده هو في موضع آخر؛ وذلك أن أول الربيع شبيه بالشتاء، وآخره شبيه بالصيف، وأوسطه بينهما، وقد يكون ربيع بارد يشبه (524) الشتاء، وربيع آخر (525) حار يشبه الصيف، وربيع آخر معتدل بينهما، فينبغي أن يختلف الغذاء بحسب أول الربيع وآخره، وبحسب طبيعته (526) العارضة له.
[فصل رقم 16]
[aphorism]
قال أبقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع PageVW3P023A المحمومين، لاسيما الصبيان وغيرهم ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كان قد ذكر فيما سبق تدبير الغذاء بحسب الكم، وأما في هذا (527) الفصل فذكره بحسب الكيف واختصره غاية الاختصار اتكالا على فهمه مما سبق، فإن الأشياء التي ذكرها في الكم شبيه (528) بالأشياء التي ينبغي أن يذكرها PageVW0P019B في الكيف، وكان قد ذكر أن مقدار الغذاء في الكم يختلف بحسب الأسنان والأزمان والعادات وغير ذلك مما ينبغي أن يضاف إليه وينظر فيه. فكذلك كيفية الأغذية تختلف بحسب ذلك كله فإن (529) الأغذية الرطبة توافق سائر المحمومين على جهة المضادة لأن الحمى مرض حار يابس والعلاج ينبغي أن يكون بالضد، وتوافق الصبيان للمشاكلة فإن الغذاء ينبغي أن يكون مشاكلا للمغتذي، وأما الدواء فمضاد، فالغذاء الرطب للصبي (530) المحموم غذاء له بسبب المشاكلة، ودواء لحماة بسبب المضادة والمنافرة. وقوله: "وغيرهم" يريد به أصحاب العادات كأصحاب (531) الترف (532) والدعة والخفض والأمزجة الرطبة كالخصيان والنساء، فبين في هذا القول الوجيز كيف يقاوم المرض بضده، وكيف تحفظ الصحة بشكلها، وكيف يعتبر ذلك في المزاج الطبيعي والمزاج العادي، وأن العادي (533) لاحق بالطبيعي PageVW1P017B وقد اعترض على أبقراط بمستسق PageVW2P019A محموم فإن استعمال الغذاء الرطب فيه خطأ، فنقول: هذا إلزام (534) ساقط عن أبقراط لأن هذا مرض مركب ومرضان لا مرض واحد، فينبغي أن يركب له العلاج أو يقصد له قصد علاجين اثنين، فإن كان أحدهما أقوى وأخطر صرفت العناية إليه أكثر، وإن كانا سواء كانت العناية إليهما سواء. وقوله: "الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين". قضية (535) جزئية يريد بها قانونا كليا فأقامها (536) مقام قولنا: الأغذية ينبغي أن تكون مضادة لكيفية المرض. يريد به (537) الأغذية الباردة الرطبة وحذفه اختصارا كعادته، وإنما اقتصر على قوله: "الرطبة" لأن مقاومة الحمى بالرطب PageVW3P023B أحرى (538) من مقاومتها بالبارد اليابس، لأن من شأن الحمى تجفيف البدن، والرطب من شأنه أن يرطب اليابس ويكسر سؤرة الحار، وأما اليابس فإنه إذا كان باردا قاوم الحمى ببرده (539) فقط، وربما سدد المسام بتكثيفه فحصل احتقان فزادت الحمى نكاية. ثم أن اليابس يجفف البدن ويمنع من تحلل المادة، والرطب يرخي ويفتح ويمنع المادة ويلين البطن ويفتح المسام ويطرق لنفوذ المادة فهو نافع للمحموم على الإطلاق، واليابس ضار على الإطلاق. وأما الحار فقد يضر من (540) كونه موافقا لطبيعة المرض، PageVW0P020A وينفع من جهة تفتيحه المسام وتحليله المادة. وأما البارد فقد ينفع لمضادته (541) الحمى، وقد يضر من جهة تخديره وتفجيجه ومنعه (542) من تحلل المادة بالتجميد، فإذا حصل احتقان زادت نكاية الحمى وقويت كيفيتها.
[فصل رقم 17]
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أن يعطي بعض المرضى غذاءهم في مرة واحدة، وبعضهم في مرتين، ويجعل ما يعطونه منه أكثر أو أقل (543)، وبعضهم قليلا قليلا. وينبغي أيضا أن يعطي الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا، والبلد والعادة (544) والسن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P019B لما بين لنا كمية الغذاء وكيفيته (545)، أخذ يعرفنا جهة استعماله فليس يكفينا أن يعرف (546) أن هذا المريض يعطي من الغذاء الرطب مثلا مقدار كذا حتى يعرف هل ينبغي أن يعطاه (547) المريض في دفعة واحدة أو في (548) دفعتين أو قليلا قليلا؛ فإن القوة إذا كانت محتملة وكانت عادته في الصحة احتمال ذلك أعطي غذاءه دفعة واحدة، وإن لم تكن القوة محتملة وكانت عادته في صحته (549) أن يغتذي مرتين، أعطى غذاءه في حال المرض في مرتين ويجعل ما يعطي في المرة والمرتين أقل أو أكثر بحسب القوة والحاجة والاحتمال والعادة، فإن كانت الحاجة شديدة جدا والقوة ضعيفة جدا أعطى غذاءه قليلا قليلا في مرات؛ وينبغي أن يعتبر في ذلك وفيما سبق سائر الشروط من اعتبار الوقت الحاضر والبلد والسن والعادة وغير ذلك. وإذا كانت قوة المريض ضعيفة، وحاجته PageVW3P024A إلى الغذاء شديدة أعطى غذاءه قليلا قليلا. وإذا كانت المادة كثيرة الفساد PageVW1P018A أعطى غذاءه قليلا قليلا، وإن كانت القوة قوية؛ لأن الفساد يحتاج إلى القمع والتعديل. وإن (550) كانت القوة ضعيفة وليس حال البدن حال نقصان ولا حال فساد فينبغي أن تغذو المريض مرارا (551) قليلة قليلا قليلا، فإن كانت القوة قوية وحال البدن حال نقصان أو حال (552) فساد، فينبغي أن يعطي المريض غذاء كثيرا مرارا (553) كثيرة لأن الحاجة داعية والقوة تفي بإنضاج الغذاء. فإن عاقتنا (554) كثرة النوائب عن كثرة الأوقات للغذاء، فينبغي أن يعطى ذلك المريض ذلك الطعام الكثير في مرار قليلة. وإن (555) كانت القوة قوية والامتلاء كثير (556) أعطى طعاما قليلا في مرار قليلة. فضعف القوة يوجب تفريق الغذاء، ونقصان البدن يوجب PageVW2P020A تكثير الغذاء، ووفور القوة يحتمل تكثير الغذاء، والامتلاء يوجب PageVW0P020B تقليل الغذاء، فإذا اجتمع ما يوجب الكثرة والتفريق فعل، وإذا اجتمع ما يوجب اثنين متناسبين فعل بسهولة، فإن (557) اجتمع ما يوجب اثنين متباينين (558) توسطت (559) الحال بينهما. وأما في أوقات السنة: فأما في الصيف فينبغي أن يعطي المريض غذاءه قليلا قليلا، وفي مرار كثيرة، لضعف القوة في الصيف، وكثرة ما يتحلل. وأما في الشتاء فيعطي غذاءه كثيرا في مرات أقل، أما الكثرة فلنهوض القوة، وأما تقليل المرات فلقلة تحلل الروح. وأما الربيع فينبغي أن يعطى المرضى غذاءهم فيه غذاء قليلا فيما بين أوقات طويلة، لأن الربيع شبيه بأمراض الامتلاء مع توفر القوة، ولاسيما في وسط الربيع وقرب الصيف. وأما الخريف فيشبه (560) حاله حال الأمراض التي تعرض من فساد الكيموسات، ولذلك من لم يحم في ذلك الوقت يحتاج إلى زيادة متتابعة من غذاء محمود، فإن كانت القوة قوية (561) أعطوا غذاء كثيرا في مرار كثيرة، فإن كانت القوة ضعيفة أعطوا غذاء قليلا في مرار كثيرة. وعلى هذا المثال يؤخذ الاستدلال من الأسنان PageVW3P024B ومن العادات والبلدان.
[فصل رقم 18]
[aphorism]
قال أبقراط: أصعب ما يكون احتمال الغذاء على الأبدان في الصيف والخريف. وأسهل ما يكون احتماله عليها (562) في الشتاء، ثم من بعده في الربيع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل لاحق بالفصل (563) السابق الذي ابتدأه بقوله (564): "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع" وتتمة له؛ لأنه عرف فيه الأوقات التي يحتاج فيها إلى تكثير الغذاء ويحتمل بسهولة ويجود (565) استمراؤه، وهو زمانان: الشتاء، والربيع. أما الشتاء فلتوفر الحار الغريزي في الباطن. وأما الربيع فلهذا ولملاءمته الكون بالطبع. ثم عرف في هذا الفصل الأوقات PageVW2P020B التي يحتاج فيها إلى تقليل الغذاء، ولا يحتمل بسهولة ولا يجود استمراؤه، وهي زمانان (566): الصيف، والخريف. أما الصيف فينقص فيه PageVW1P018B الحار الغريزي لكثرة التحلل، وأما الخريف فلهذا ولمضادته (567) الكون بطبعه. ثم قال: "وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء، ثم من بعده في الربيع" على جهة التنبيه والتذكير والتأكيد، وأشعر بقوله: "ثم من بعده في الربيع (568)" على أن احتمال الطعام في الشتاء أكثر منه في الربيع، لأن تكون (569) الحار الغريزي في الشتاء أكثر وفعله في الباطن أقوى منه في الربيع، وكما أن الربيع يتلو الشتاء في هذا المعنى، كذلك PageVW0P021A الخريف يتلو الصيف. ولما فرق بين هذين الفصلين بفصلين آخرين ذكر في الثاني بالأول لما طال الكلام، وإنما فرق بينهما بذينك الفصلين لأن فيهما توصية وتعريفا بكيفية الغذاء في نفسه وكيفية تناوله، هل في مرة؟ أو في مرتين؟ أو قليلا قليلا؟ وكان هذا الترتيب صوابا ومناسبا، لأنه لما ذكر الوقت الذي يحتمل فيه كثرة الغذاء تلاه بذكر كيفيته وجهة تناوله، ثم ذكر بعد ذلك في هذا الفصل الوقت الذي لا يحتمل فيه كثرة الغذاء، ويفتقر (570) إلى تقليله فيه. وذكر الكيفية والترتيب أشد مناسبة لاحتمال الكثير منها لتقليله وعسر احتماله. وجالينوس يرى أن هذا الفصل اختصه بتدبير المرضى، والفصل الذي أوله: "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون PageVW3P025A بالطبع"، اختصه بتدبير الأصحاء. وأنا أرى أن كليهما صالح لتدبير الأصحاء والمرضى، وأنه ليس فيهما تكرير كما زعم قوم. وأيضا فإنه عرف في هذا الفصل صعوبة احتمال كثرة الطعام في الصيف والخريف، وسهولة احتماله في الشتاء والربيع، وذكر في الفصل السابق أن الأجواف في الشتاء والربيع أسخن، والنوم أطول، والحار الغريزي أوفر، والحاجة إلى الغذاء أكثر. وذكر في PageVW2P021A هذا الفصل أن احتماله في الشتاء أسهل، وسهولة احتمال (571) الغذاء غير شدة الحاجة (572) فهذان معنيان متباينان، لكن ربما (573) لزم أحدهما عن صاحبه وذكر اللازم ليس بتكرير (574) مع أن الأول علة للثاني (575)، وذكر المعلول مع العلة ليس بتكرير؛ فإن (576) سخونة الجوف وطول النوم وتوفر الحار الغريزي (577) سبب لسهولة احتمال الغذاء وعلة له لأنه (578) لا يقوى معه الهضم ويجود الاستمراء.
[فصل رقم 19]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت (579) نوائب الحمى لازمة لأدوار، فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا، أو نضطره (580) إلى شيء، لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل الذي أوله "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع"، وهو فصل يعرف فيه (581) الوقت الذي ينبغي أن يكثر فيه الغذاء تلاه بفصلين في كيفيته وكيفية استعماله وترتيبه ثم ذكر الفصل الذي أوله: "أضعف ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف" وهو فصل يعرف فيه الوقت الذي ينبغي أن يقلل فيه الغذاء PageVW1P019A تلاه بهذا الفصل في منع الغذاء عند النوائب. وتدبير الغذاء يفتقر إلى النظر في الكم، والكيف، وجهة الاستعمال. فأما الكم PageVW0P021B والكيف فنعلمه (582) من طبيعة المرض والمريض، من غير حاجة إلى النظر في النوائب. وأما وقت تناول الغذاء فيستدل (583) عليه من نوائب الحمى، فإنها (584) أكبر دليل على أوقات الغذاء الجزئية، هذا إذا كانت نوائب الحمى لازمة لطريق واحدة ونظام متسق. ومعنى لزوم النوائب لدور أن تعلم وقت مجيء النوبة قبل كونها، بحيث يكون إذا رأينا النوبة الأولى علمنا PageVW3P025B متى تكون الثانية ومتى تكون الراحة، فنتوخى بالغذاء وقت الراحة، ونتوقاه (585) وقت النوبة وقبلها بقليل؛ وأما الأمراض التي نوائبها لا تلزم أدوارها فلا يمكن ذلك فيها، وأردأ (586) ما كان الغذاء في وقت ابتداء النوبة PageVW2P021B وقبلها (587). وقوله: "أو نضطره إلى شيء" وصية عامة وتنبيه على العلة. فكونها عامة من جهة أنه يندرج تحتها النهي عن الغذاء وعن الدواء وعن الاستفراغ والحركة والرياضة وغير ذلك من الأشياء التي تفتقر إلى حركة الطبيعة وإتعابها. وكونها تنبيها على (588) العلة فمن (589) جهة أنه سماه اضطرارا، والاضطرار عنف على الطبيعة وتكليف لها، ولا يجوز ذلك إلا عند فراغها وخلوها عن مقاومة المرض، فأما وقت النوبة فالطبيعة مشغولة بمقاومة المرض عن تدبير الغذاء وتصريف الدواء واحتمال الحركة. وقوله: "لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات". يعني ينقص من الكيموسات إن كانت هائجة، أو ينقص من الأغذية قبل أوقات النوائب. وقوله: "من قبل أوقات الانفصال". فإن الانفصال يراد به انفصال المرض وذلك عند المنتهى، والمنتهى إنما يكون بالبحران، وكل نوبة فهي منتهى ما جزئي، وفيه بحران ما جزئي ؛ فيقال له انفصال، لكن الانفصال الحقيقي أو الكلي هو الذي يكون عند المنتهى لجملة المرض بالكلية وعند البحران الكلي الحقيقي. والأولى أن يحمل الانفصال هنا على المنتهيات (590) الجزئية يعني النوائب، فكأنه (591) يقول: لكن ينبغي أن ينقص من زيادة الأغذية قبل أوقات النوائب، يعني لا يكفي أن يمنع من الغذاء في أوقات النوائب، بل وأن ينقص منه قبل أوقات النوائب.
[فصل رقم 20]
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي يأتيها، أو قد أتاها، بحران على الكمال، لا ينبغي أن تحرك ولا (592) يحدث فيها حدث، لا بدواء مسهل (593) ولا بغيره من التهييج (594)، لكن تترك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما فرغ من تدبير الغذاء أقبل على فن آخر، فعلمنا متى ينبغي لنا أن ندع الطبيعة وفعل PageVW0P022A جميع ما ينبغي أن يفعل بالمريض من غير أن نتكلف نحن شيئا، ومتى لا ينبغي أن نخلي الطبيعة ونتكل PageVW3P026A عليها لكن نعينها. فقال: PageVW2P022A إذا كان البحران كاملا فينبغي أن نترك الطبيعة وفعل كل ما ينبغي (595) أن نفعله (596) لأن PageVW1P019B الطبيعة القوية كافلة بشفاء الأسقام وفعل كل ما ينبغي، فلا حاجة بها إلى معين من خارج في فعل البحران الكامل، لكن إذا كان البحران ناقصا ولم تف الطبيعة بفعل ما ينبغي جميعه احتاجت إلى معين من خارج. وقوله: "الأبدان التي يأتيها، أو قد أتاها" فإنه أتى بالمستقبل ثم بالماضي وقرن الماضي (597) بقد ليدل على قرب الزمان من الحال، وقد يمكن أن يفهم منه الحال أيضا بطريق الأولى والأحرى (598). وقوله: "الأبدان التي يأتيها" أي في المستقبل وذلك إذا كانت الإنذارات تدل على بحران كامل سيأتي، ويمكن أن يكون قوله: يأتيها، يريد به الحال أي الأبدان التي ها هو ذا يأتيها، ويمكن أن يراد به الحال والاستقبال فإنه صالح لهما على جهة الاسم المشترك وعلى جهة الاسم المتواطئ أيضا. وقوله: "أو قد أتاها" هذه "أو" التخيير (599) في الحكم، وأما "قد" فإنها تدل (600) على قرب الماضي من الحال، فكأنه يقول: الأبدان التي هي في البحران والتي أتاها بحران عن قرب. وقد ذكر هذا الفصل بعينه في كتاب الكيموسات، لكنه ذكر موضع الكمال التمام ومعناهما واحد في قصده، ومتى كان البحران تاما وكاملا لا نقصان فيه، فلا ينبغي أن يحدث فيه حدث، وإن كان في البحران نقصان فينبغي أن يزاد (601) ما نقص لأن ما يبقى بعد البحران يحدث عودة من المرض. والبحران التام الكامل هو الذي جرت أموره كلها على ما ينبغي ولم ينقص من علامات حمده شيء، وتلك العلامات ست: أن يكون البحران بالاستفراغ فهو أفضل منه بالخراج، وأن يستفرغ الكيموس المؤذي والغالب والذي هو علة المرض، وأن يكون على استقامة ومن الجانب الذي فيه المرض ، وأن يوجد معه راحة وخفة، وأن يكون بعد ظهور (602) علامات النضج وأن PageVW2P022B يكون في يوم بحران. وقوله: "لا ينبغي أن تحرك" PageVW3P026B أي لا تحرك حركة طبيعية. وقوله: ولا يحدث فيها حدث (603)، أي من جهة الطبيب، لا بدواء مسهل أي مستفرغ ولا بغيره من سائر الأدوية من خارج وداخل كالأدوية الممسكة والمعرقة (604) والمرخية والمقوية وغير ذلك من أصناف الأدوية. وقوله: "من التهييج (605)" تشعر هذه اللفظة (606) وهي "التهييج" (607) بتحريك المرض والكيموسات تحريكا رديئا أي غير مأمون الغائلة، فإن لفظة التهييج (608) إنما تستعمل غالبا في إثارة الشرور وما لا يؤمن غائلته.
[فصل رقم 21]
[aphorism]
قال أبقراط: الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل، بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر في الفصل السابق أن البحران التام لا يحتاج إلى معونة من الطبيب فهم منه أن البحران الناقص يحتاج إلى معونة منه، فذكر في هذا الفصل كيفية المعونة وكيفية (609) PageVW1P020A الاستفراغ فقال: "الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ" أي الأخلاط المولدة للأمراض التي أتى بحرانها غير تام ينبغي أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل، ونبه في هذا على غرضين: أحدهما أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من أقرب الأعضاء من العضو المريض؛ وبالعضو الصالح للاستفراغ كالمعا والمثانة والرحم من أسفل، وكالمعدة من فوق، وكالمنخرين والأذنين والحنك من الدماغ، وكالجلد من سائر الأعضاء. وينبغي أن يكون على المحاذاة (610) لأنه أقرب، فإن الرعاف إذا كان من خلاف الشق الذي فيه العلة فهو رديء، فإن كان ميل الكيموس إلى عضو شريف يتوقع منه (611) ضرر عظيم فينبغي أن يصرف عنه المادة ويجذبها إلى ناحية أخرى. مثاله: أن الكبد إذا كان فيها كيموس يجب أن يستفرغ ثم مال إلى المعدة والأمعاء بالقيء أو الإسهال أو إلى الكلى بالإدرار فذلك محمود لأنه استفراغ بالأعضاء PageVW2P023A التي ينبغي أن يستفرغ بها (612)، والمعدة كذلك فينبغي أن تعاون ويطرق لها وتزال الموانع والعوائق، فإن مال الكيموس إلى الصدر والرئة والقلب PageVW3P027A فذلك رديء ينبغي أن يمنع ويجذب إلى ضد تلك الناحية.
[فصل رقم 22]
[aphorism]
قال أبقراط: إنما ينبغي لك أن تستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض، فأما ما دام نيئا، أو (613) في أول المرض فلا ينبغي أن تستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجا (614)، وليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر مهتاجا (615).
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما الدواء فيراد به الدواء المسهل خاصة، والتحريك هو تحريك الطبيعة والأخلاط بالدواء المسهل والمقيء. وفي ذكر التحريك بعد ذكر الدواء تنبيه على فعل الدواء وعلى العلة في الامتناع (616) منه لأن الدواء يحرك الطبيعة، وإنما ينبغي أن يتعرض لتحريك الكيموس بعد نضجه وإمكانه وسلاسة انقياده للدواء المسهل. ونضج المرض هو فعل الطبيعة فيه فعلا محمودا وتهيئتها له للاستفراغ، ويتبين ذلك من التفسرة (617) ومن أشياء أخر. وقوله: "فأما (618) مادام المرض نيئا" أي لم ينضج ولم تفعل فيه الطبيعة فعلها المحمود، فهو غير منقاد (619) لفعل الدواء. وقوله: "أو في أول المرض" يريد بالأول هنا الثلاثة الأيام الأول (620) من ابتداء المرض، وهذا معنى غير معنى كونه نيئا، فإنه قد يبقى المرض نيئا أياما كثيرة وشهورا، ويسمى هذا الزمان كله زمان الابتداء بالمعنى الثالث. وأما قوله: أو في أول المرض؛ فيريد به المعنى الثاني من معاني الابتداء، وهو الثلاثة الأيام الأول. وقوله: "فلا ينبغي أن تستعمل ذلك" أي لا تستعمل الدواء والتحريك، وذلك يصلح أن يكون إشارة إلى اثنين فصاعدا، ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى التحريك وحده فإنه أعم. وقوله: "إلا أن يكون المرض مهياجا" هذا استثناء من قوله: أو في أول المرض PageVW1P020B لا من قوله PageVW2P023B "نيئا" فإن النيء لا يكاد يكون معه اهتياجا، فأما أول المرض فقد يكون معه اهتياج. ولفظة (621) المهتاج للفاعل والمفعول به (622) جميعا بمنزلة المختار بقول (623): اختار الله فلانا، فالله مختار وفلان مختار، فاللفظ واحد والتقدير مختلف لأن أصل الكلمة إذا أريد بها اسم الفاعل مختير (624) بالكسر والمفعول مختير بالفتح. وكذلك مهتاج (625) أصله الكسر لأنه PageVW3P027B للفاعل وهو افتعل من الهيجان، يقول: اهتاج اهتياجا فهو مهتاج وأصله من هيجان النار واضطرابها ولهبانها (626)، ومنه يقال للحيوان المتحرك للسفاد (627) هائج ومهتاج لأن الشهوة نحو البضاع (628) شبيه بالنار (629) تقلقله وتزعجه (630) وترهقه، فكذلك الكيموسات ربما أقلقت المريض وأزعجته وآلمته بحركة قوية * وسالت من عضو إلى عضو فلم تدعه PageVW0P022B يستقر، وإذا كانت بهذه الحال (631) فينبغي أن يستفرغ في أول الحال. فأما متى كانت الكيموسات قارة راسخة في عضو من الأعضاء، فلا ينبغي أن تحرك بشيء من العلاج، ولا تستفرع بالدواء المسهل حتى تنضج، فحين إذن تكون الطبيعة معاونة لنا على استفراغها بل نحن معاونون لها على ذلك، فإن الطبيعة إذا أكملت (632) النضج ميزت الكيموسات ودفعت الفضل. وقوله: "وليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر مهتاجا" عرف بهذا القول أن الأمر الغالب على الأمراض ألا تستفرغ (633) في أولها حتى يقع النضج، وأن المرض المهتاج في أوله قليل الوقوع فالحاجة إلى الاستفراغ في أول المرض قلما تكون. وقوله (634): "ليس يكاد يكون المرض في أكثر الأمر" معناه بل يكاد يكون في أقل الأمر، لأن إيجاب هذا يكاد يكون في أكثر (635) الأمر * وسلبه ليس يكاد يكون في أكثر الأمر وإيجاب هذا يكاد يكون في أقل الأمر (636).
[فصل رقم 23]
[aphorism]
قال أبقراط: ليس ينبغي أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ من البدن من كثرته، لكنه ينبغي أن يغتنم (637) الاستفراغ، مادام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي PageVW2P024A يستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة. وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي، وإنما ينبغي أن تفعل ذلك متى كان المريض محتملا له.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر الاستفراغ، وكيف يكون، ومتى يكون، وكيفية ما يستفرغ في الفصل الذي أوله: "في استطلاق البطن والقيء اللذين (638) يكونان طوعا" ذكر في هذا الفصل كمية ما يستفرغ فإنه إلى الآن لم يذكره. ولاينبغي أن يستدل على مقدار ما يستفرع وكميته من كثرته، فإنه قد يستفرغ مقدار كثير والحاجة (639) داعية إلى أكثر منه، وقد يستفرغ مقدار قليل والحاجة داعية إلى أقل منه. لكن ينبغي أن يستدل بعلامات، منها استقلال المريض بما يستفرغ، فإنه إن استفرغ (640) الكيموس PageVW3P 28A المؤذي وجد خفا PageVW1P021A وراحة، وإن استفرغ مع الشيء الخارج عن الطبيعة شيء طبيعي فإن المريض يسترخي ضرورة ويضعف، فلذلك لا ينبغي أن يلتفت إلى ظاهر المقدار المستفرغ. ومنها أن يكون الشيء الذي * يستفرغ هو الشيء الذي (641) ينبغي أن (642) يستفرغ. مثاله: أن تكون مادة المرض صفراوية فيكون ما يستفرغ صفراء، أو بلغميا PageVW0P023A فيستفرغ بلغما. قوله: "وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي". معناه وحيث ينبغي المبالغة في الاستفراغ فليستعمل الاستفراغ حتى يعرض الغشي. وقوله: "وحيث ينبغي" يتعلق بقوله فليكن، معناه فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي حيث ينبغي ذلك الاستفراغ، وفاعل ينبغي هو ضميره. وينبغي أن يفسر (643) الغشي المعتبر في هذا الاستفراغ، فإنا لا نعني الغشي العارض عن جبن (644) المفصود (645) عند رؤية الدم، ولا الغشي العارض عن خلط لذاع في فم المعدة يجلب (646) في (647) وقت العلاج أو قبله، فليس هذه الأصناف من الغشي بحد للمقدار (648) الكافي من الاستفراغ، لأنها قد تكون قبل بلوغ المقدار الكافي. وقد يعرض الغشي لبعض المحمومين PageVW2P024B بسبب انتصابه (649) ونهوضه، وبسبب عارض نفساني من غضب وحرد وغير ذلك، وإنما نعني هاهنا الغشي الكائن بسبب (650) الاستفراغ خاصة لا بسبب آخر. ويكون هذا الاستفراغ في الأورام الحارة التي هي في غاية العظم، وفي الحميات المحرقة جدا، وفي الأوجاع الشديدة المفرطة بشرط أن تكون القوة قوية. وجالينوس قد جرب ذلك (651) مرارا لا تحصى فوجده عظيم (652) النفع ولم يجد علاجا أبلغ منه، وذلك أنه كان يفصد (653) في الحمى المفرطة الحرارة حتى يعرض الغشي فيبرد البدن كله على المكان وتطفأ الحمى دفعة ويستطلق البطن ويدر العرق كثيرا، فبعضهم يسكن مرضه سكونا تاما، وبعضهم ينتفع به منفعة عظيمة وتنكسر عادية المرض. قال: ولا اعلم في الأوجاع الشديدة المفرطة علاجا أقوى وأبلغ من الاستفراغ حتى يعرض الغشي، بعد أن نحدد ونعلم هل ينبغي أن يفصد أو يستعمل PageVW3P028B الإسهال.
[فصل رقم 24]
[aphorism]
قال أبقراط: قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها، وينبغي أن يفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما عرف أن استعمال الدواء والتحريك إنما يكون بعد نضج (654) المرض، إلا أن يكون مهتاجا وقلما يكون مهتاجا، عرف في هذا الفصل أنه قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى استعمال المسهل في أولها، وأتى بكلمة قد ليدل على أن ذلك قلما يقع لأن قد مع المستقبل تدل على قلة وقوع الشيء وندوره. وقوله: في الندرة توكيد التقليل، فأما الأمراض المزمنة فيتربص باستفراغها إلى PageVW1P021B حين نضجها، كذلك الأمراض الحادة إلا أن تكون مهتاجة جدا فتستعمل المسهل في أولها ولكن بحذر وتحرز شديد ونظر شاف، PageVW0P023B ولذلك قال: ينبغي أن يفعل ذلك بعد أن تتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي" ويحتمل PageVW2P025A هذا ثلاثة معان، أحدها: أن يكون تدبير الأمر على ما ينبغي أن يتقدم فيهيئ بدن المريض للاستفراغ. والثاني: أن تتقدم فتنظر حتى ترى التهيؤ والاستعداد. والثالث: أن تنظر في صحة اهتياجه وإمكان استفراغه خاصة (655) لذلك نظر عناية واستقصاء ولا تقصر (656) وتفرط فتظن أنه ينبغي استفراغه والأمر بخلاف ذلك فإنك تجلب بهذا الخطأ على المريض بلية عظيمة لأن خطره عظيم، إذ الأدوية المسهلة كلها حارة يابسة * والحمى في ذاتها حارة يابسة (657) وإنما الدواء ينتفع (658) به إذا استفرغ الكيموس المولد للحمى، فإذا استعمل على غير ما ينبغي صادف الكيموس غير نضيج ولا متهيئ للإنبعاث فصار الدواء ألبا على المريض وزيادة في المرض. فإن أرباب التخم والذين أغذيتهم غليظة لزجة والذين بهم تمدد وانتفاخ فيما دون الشراسيف فينبغي أن يتربص بهم النضج، فإذا كان الكيموس سهل الجريان رقيقا غير لزج ومجاريه واسعة مفتوحة كان لنا استفراغه، فإن لم يكن الأمر بهذه المثابة فينبغي أن نفعلها نحن بالمريض ونهيئه هذه التهيئة. فأما الأمراض المهتاجة فليس يمكن تهيئة PageVW3P029A البدن لها في اليوم الأول والثاني، فأما في أكثر من ذلك فيمكن أن يهيأ بأن يسقى المريض ماء العسل المطبوخ فيه زوفا أو فوتنج جبلي أو بري أو حاشا (659) أو نحو ذلك مما له تلطيف. وقوله: "فتدبر الأمر" بضم التاء، هكذا يقرأه (660) أكثر الناس ومعناه كما قلنا على أنه من التدبير، ويجوز فتح التاء وأصله تتدبر على أنه من التدبر وهو الفحص واستقصاء النظر.
[فصل رقم 25]
[aphorism]
قال أبقراط: إن استفرغ (661) البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه، نفع ذلك واحتمل بسهولة. وإن كان الأمر على ضد ذلك، كان (662) عسرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل محصور في فصل تقدم أوله: "إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن PageVW2P025B والقيء اللذين (663) يكونان طوعا" ؛ لكن لما ذكر هنا الاستفراغ (664) وشروطه وكان هذا المعنى من جملة الشروط لم ير بأسا بإعادته على جهة التذكير به وضمه إلى نظرائه من سائر الشروط.
تمت المقالة الأولى وجملتها أربعة وعشرون فصلا.
المقالة الثانية:
[فصل رقم 26]
[aphorism]
PageVW0P024A قال أبقراط (1): إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا، فذلك من علامات الموت. وإذا كان النوم ينفع، فليس ذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالوجع هنا الضرر الذي هو ضد النفع، ولهذا جعله بإزائه بقوله: وإذا كان النوم ينفع. والضرر PageVW1P022A الذي يحدثه النوم ضربان: عام: وهو الحادث عند نوم المريض في ابتداء نوائب الحمى. وخاص في بعض الأمراض: وهو الحادث عند نوم المريض في غير وقت (2) ابتداء النوائب، وهذا الخاص مراد أبقراط هنا لأن الأول لا يدل على الموت ولا على مكروه، وإنما هو تابع لطبيعة (3) ذلك الوقت لأن الحرارة والكيموسات تميل إلى عمق البدن في ابتداء النوائب ولاسيما فيمن يعرض له قشعريرة أو نافض أو برد شديد في ظاهر بدنه فإذا نام طالت (4) مدة هذه الأعراض ولم تنته (5) حماه منتهاها إلا بكد، وإن كان في أحشائه ورم زاد، وإن كان في معدته بعض الكيموسات لم تنضج بل تزيد، ولذلك يؤمر المريض بالانتباه لتميل الروح والدم إلى ظاهر البدن ويعد PageVW3P029B ذلك من أعظم العلاج جدوى. واعلم أن النوم وقت انحطاط النوبة قد ينفع (6) نفعا بينا، وفي وقت منتهى النوبة فربما نفع أيضا إذا كان في آخر تزيد النوبة وقرب المنتهى، فإن كان يضر في وقت منتهى النوبة وتزايدها فإنه يدل على الهلاك ولكن دلالة أقل، فإن أضر في وقت الانحطاط فدلالته على الهلاك أقوى ما يكون، وذلك أن الشيء الذي منفعته أبلغ PageVW2P026A إذا لم ينفع وتجاوز ذلك إلى أن يضر فواجب أن يدل على الموت. ومضار النوم هي أضداد منافعه، وهي ألا تنقص، وأن يزيد الوجع، وأن يكثر سيلان ما يسيل إلى بعض نواحي البدن، وأن يزيد في الأورام، وربما تكلم كلاما مختلطا، وعرض له سبات، ويتنبه في مدة طويلة وليس معه عقله، وهذه الأشياء كلها إنما تعرض لخبث الكيموسات ورداءتها لأن الحرارة الغريزية متى كانت أقوى من الكيموس أنضجته، فإن ضعفت عنه أثقل الأحشاء وأقلق الطبيعة وعرض ما وصفنا. وقد علمت أن (7) الحرارة الغريزية تميل في وقت النوم إلى عمق البدن وباطنه، فإذا اجتمعت في الأحشاء فلم تقو (8) على غلبة (9) العلة دل ذلك على الهلاك.
[فصل رقم 27]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P024B متى سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة (10).
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل كأنه مثال على الفصل السابق ويمكن أن يجعل متصلا به كأنه يقول: وإذا كان النوم ينفع فليس ذلك من علامات الموت، مثال ذلك أنه متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة (11) صالحة. وجعل المثال في اختلاط الذهن لأنه من أقوى الأعراض، وهكذا ينبغي أن يكون المثال حتى يكون غيره أضعف، فإن النوم إذا سكن الوجع فذلك علامة محمودة، ولكنه قال في الفصل السابق: فليس ذلك من علامات الموت وقال هنا: فتلك علامة صالحة وهذا القول أدل على السلامة والبعد من الموت لأنه PageVW1P022B قال في الفصل السابق: "وإذا كان النوم ينفع" فذكر النفع على طريق العموم، وهو على مراتب بعضها أقوى من بعض PageVW3P030A فقرن به قوله: فليس ذلك من علامات الموت لأنه أيضا قول عام، ولما أتى في هذا الفصل بنفع خاص من أردأ الأعراض وهو اختلاط الذهن صرح معه بأنه علامة صالحة فقرن بالخاص الخاص كما قرن بالعام العام.
[فصل رقم 28]
[aphorism]
قال أبقراط: النوم والأرق إذا جاوز كل واحد منهما المقدار القصد، PageVW2P026B فتلك علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لا يريد بالنوم النوم الطبيعي القصد بل النوم الذي تطول مدته حتى تجاوز الاعتدال ويكون مع ذلك ليس يعسر الانتباه منه (12) فهذا يسمى نوما طويلا، ويكون من برد الحاس الأول، أعني الدماغ لأن البرد إذا قوى وخالطته رطوبة حدث منه المرض المسمى ليثرغس (13) وهو السرسام البارد، ومتى كان معه يبس، حدث الجمود. فأما الأرق فيكون من سخونة الحاس الأول، وتلك السخونة قد تكون مزاجا رديئا محرورا مجردا (14)، وقد تكون لغلبة الصفراء. وقد يكون الأرق يسيرا قصيرا، وقد يكون عظيما طويلا.
[فصل رقم 29]
[aphorism]
قال أبقراط: لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء محمودا (15)، إذا كان مجاوزا للمقدار الطبيعي.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قانون عام يشمل (16) الفصل السابق وغيره، وذلك أنه لما كانت الصحة اعتدالا وجب أن يكون الخروج عن الاعتدال مرضا على حكم عكس النقيض، فإن الخروج عن (17) الاعتدال: عدم الاعتدال؛ PageVW0P025A والمرض: عدم الصحة؛ هذا إن بعد عن الاعتدال بعدا كثيرا، وإن لم يبعد جدا دل على تولد المرض وتهيؤ البدن له (18).
[فصل رقم 30]
[aphorism]
قال أبقراط: الإعياء الذي لا يعرف له سبب، ينذر بمرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الإعياء ألم (19) يحدث في أبدان الحيوان (20) من الحركة المجاوزة للاعتدال، فإذا حدثت هذه الحال من غير سبب، قيل إنه إعياء لا يعرف له سبب. وهذا (21) الإعياء ثلاثة أصناف، أحدها: ما ألمه شبيه بالقرحة. والثاني: ما ألمه ألم (22) تمدد. والثالث: ما ألمه ألم الورم. والأول يكون من كيموس ردئ، والثاني من كثرة الفضل، والثالث من الأمرين إذا اجتمعا. وإذا كان كذلك فواجب أن الإعياء الذي لا يعرف له سبب ينذر بمرض.
[فصل رقم 31]
[aphorism]
قال أبقراط: من PageVW3P030B يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته، PageVW2P027A فعقله مختلط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الوجع قد يطلق على المرئي بالبصر وهو الأثر، وتارة يطلق على ما يؤلم ويقلق، وتارة يطلق على السبب الفاعل لذلك، وها هنا إنما يراد به ما يقلق ويؤلم، كمن به الورم المسمى حمرة، والجروح والشدخ، والفسخ، وما أشبه ذلك؛ فإن كان بالمريض واحدة من هذه الأشياء فكان لا يحس به ففهمه مختل، PageVW1P023A ولا فرق هنا بين أن يقال ذهن أو عقل أو فهم أو فكر.
[فصل رقم 32]
[aphorism]
قال أبقراط: الأبدان التي تهزل في زمان طويل، فينبغي أن تكون إعادتها بالتغذية إلى الخصب بتمهل، والأبدان التي ضمرت في زمان يسير، ففي زمان يسير ترجع إلى الخصب.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما الأبدان التي ضمرت في زمان طويل فقد ذابت منها الأعضاء الأصلية الجامدة والتي بها الهضم والتغذية وسائر الأفعال الطبيعية وتصريف الغذاء (23). وأما الأبدان التي ضمرت في زمان يسير فإنما ذاب منها الشحم واللحم والرطوبات المتصلة. فأما الأعضاء (24) الأصلية الجامدة باقية على حالها من القوة، فلذلك صار خصب الصنف (25) الأول في زمان طويل وبتمهل، وصار خصب الصنف الثاني بسرعة. وأيضا فإن من ضعفت أعضاؤه الأصلية التي بها (26) الهضم وسائر الأفعال المحمودة وضعفت حرارتها الغريزية لم يمكن أن يحمل عليها من الغذا مقدار ما يحتاج إليه البدن، PageVW0P 25B بل يعطى قليلا قليلا وعلى تدريج. فأما البدن الذي هزل لحمه وشحمه فقط فإنه يمكننا أن نحمل على آلات الغذاء مقدار ما يحتاج إليه البدن لأن آلات الهضم قوية سالمة، ولذلك مثال من المصباح فإنه إن قل الزيت مع بقاء قوة النور أمكن أن يعاد إلى حاله بأن يزاد عليه الزيت دفعة، فأما متى وصل الضعف إلى نور السراج فقل نورها ثم جعل عليها الزيت دفعة لم يؤمن أن ينطفئ PageVW2P027B رأسا، وإنما ينبغي أن يغذى به قليلا قليلا وبتمهل وعلى تدريج.
[فصل رقم 33]
[aphorism]
قال أبقراط: الناقه (27) من المرض، إذا كان ينال من PageVW3P031A الغذاء وليس يقوى به، فذلك يدل على أنه يحمل على بدنه منه أكثر مما يحتمل. وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الناقه (28) هو الذي ذهب عنه المرض بأعراضه وبقي الضعف وأثر الذوبان الذي أكسبه المرض. ومعنى ينال: يشتهي الطعام ويرزأ منه. ومعنى كونه يقوى به، أن يتراجع به إلى حال الصحة، وصرح بقوله به لأنه هو الذي ينبغي أن يكون السبب الفاعل لقوة البدن ورده إلى حال الصحة. وقوله: "يحمل على بدنه"، أي يزيد في كمية الغذاء زيادة فوق القوة فلا تفي بها، والغذاء إذا لم تف به القوة كان ثقلا على الطبيعة وألبا، وربما لم يكن (29)لم يقو فقط بل يزيد البدن ضعفا. وقوله: ذلك، إشارة إلى قوله: ليس يقوى به، أي: وإذا كان الناقه ليس يقوى به مع كونه ينال من الطعام ويرزأ منه، فذلك يدل على أن بدنه مملوء أخلاطا (30) رديئة تفتقر إلى استفراغ وتنقية. والاستفراغ يكون بالفصد إن كان الامتلاء من سائر الأخلاط، وبإسهال الخلط الغالب إن كان. وجالينوس PageVW1P023B يصل (31) هذا الفصل بالفصل الثالث (32) بعده حتى يكون القول هكذا: وإذا كان ذلك، وهو (33) لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ، وذلك أن البدن الذي ليس بنقي كلما غذوته إنما تزيده شرا، بحيث يصير هذا القول علة الفصل (34) الآتي، ويمكن أن يكون هذا الفصل مستقلا لا يفتقر إلى غيره.
[فصل رقم 34]
[aphorism]
قال أبقراط: كل بدن تريد تنقيته، فينبغي أن تجعل ما تريد إخراجه منه يجري فيه بسهولة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التنقية إنما تطلق على استفراغ خلط ردئ الكيفية بالإسهال PageVW0P026A أكثر ذلك، وأما الاستفراغ PageVW2P028A فيطلق على كل (35) تنقيص من البدن بأي وجه كان. وإذا أردت أن تجعل ما تريد إخراجه من البدن يجري فيه بسهولة فلطف الأخلاط ورقق منها ما يمكن أن يترقق وقطع (36) منها PageVW3P031B ما كان غليظا (37) لزجا ووسع المجاري وفتحها إن كانت مسددة أو ضيقة وقو (38) الطبيعة إن كانت ضعيفة، فإن عسر إخراج الخلط قد يقع إما من جهة غلظه فلا ينطاع ولا ينقاد، وإما من قبل ضيق المجاري فلا ينفذ، وإما من قبل ضعف الطبيعة عن الدفع، فإذا زالت الموانع عن الخلط الذي يقصد إخراجه تسهلت (39) سبيله، وجملة هذا يسمى التدبير الملطف. وقد ظن قوم أن تسهيل سبيل القيء أن تهيجه بدواء القيء مرارا (40) متواترة. وتسهيل سبيل الإسهال أن يلين البطن مرارا (41) متواترة حتى تصير المسالك مستعدة متهيئة، ومن اقتصر على هذا دون التلطيف كان وقوع ما يروم عسرا شاقا، وكثيرا ما يعرض منه الغشى والكرب والدوار والمغص وسوء النبض (42) والجهد الشديد. فأما إن استعملت التلطيف والتفتيح كان الإسهال والقيء على أفضل حالتهما وينقى البدن باستقصاء وعلى أفضل الوجوه وأسهلها (43)، وذلك أن الطبيعة حينئذ تصير هي الفاعلة من ذاتها، وأما إن عنفت عليها وأكرهتها فإما أن لا تفعل ولا تجيب، وإما أن تجيب (44) بمشقة؛ وكل فعل يشق على الطبيعة فإنه يضعفها ويجهدها ولا يحصل كاملا.
[فصل رقم 35]
[aphorism]
قال أبقراط: البدن الذي ليس بالنقي، كلما غذوته إنما تزيده شرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البدن الذي ليس بالنقي هو الذي فيه أخلاط رديئة فاسدة الكيفية يحتاج البدن أن ينقى منها، فإذا ورد الغذاء على هذا البدن واتصل بالخلط الرديء (45)، استحال إلى الفساد والرداءة فزاد في مقداره فكثرت المادة الرديئة وكثر الشر في البدن فحينئذ يصير الغذاء زائدا في كمية المرض ورداءته لا في كمية البدن وإصلاحه. وأنا أمثل لك في ذلك (46) PageVW2P028B مثالا وهو: إن من كان في معدته خلط صفراوي ثم يتناول لبنا أو حساء الشعير (47) أو نحو ذلك فإنه يستحيل إلى الصفراء فيكثر مقدارها وتزداد PageVW1P024A رداءة. وقد علمت PageVW0P026B أن الصفراء لا يغتذي بها البدن بل هي شر عليه، فإذا زادت كميتها زاد البدن شرا. فأما من كان في معدته خلط PageVW3P032A بلغمي فإن هذه الأغذية تستحيل فيه بلغما ويزداد مقداره بها فيزداد البدن فسادا وشرا، فإذا نقيت المعدة من الخلط الغالب فيها ثم وردها الغذاء وهي نقية فإنه يستحيل استحالة صالحة ويغتذي به البدن ويزداد قوة وخيرا. ولفظة كلما تقتضي تكرار المرار، ولفظة إنما تقتضي تأكيد القضية والحصر، فيصير المعنى أنه متى أعطى الغذاء إزداد شرا دائما وأن الأمر لا يكون إلا كذلك. ولو صرح بالفاء فقال: كلما غذوته فإنما تزيده شرا، لكان وجه الكلام لأن كلما فيها معنى الشرط، والفاء فيها معنى الجواب والمجازاة (48). وقوله: "إنما (49) تزيده شرا" مفهومه أنه قد كان به الشر قبل الغذاء وإنما ازداد بالغذاء شرا على شره الأول، فالشر الأول هو الحاصل فيه من عدم النقاء ووجود الامتلاء من الخلط الرديء، والشر الثاني هو الذي اكتسبه من الغذاء لما استحال إلى الخلط الرديء وزاد في كميته وعجزت الطبيعة عن إصلاحه وإحالته إلى ما ينمي الجسد ويزيد فيه.
[فصل رقم 36]
[aphorism]
قال أبقراط: لأن يملأ البدن من الشراب، أسهل من أن يملأ من الطعام.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر من يحتاج إلى الغذاء حتى يعود بدنه إلى ما كان عليه، ذكر أصناف الأغذية وأيها يغذو أسرع، فعرف أن الأغذية الرطبة (50) تغذو أسرع * من غيرها، وأن الشراب يغذو أسرع من الطعام، وأن الشراب الرقيق المائي قليل الإغذاء * سريع النفوذ والتلطيف ولهذا يدر البول (51) وأن الغليظ الأحمر أكثر الأنبذة إغذاء ويملأ الأبدان التي استفرغت واحتاجت إلى زيادة PageVW2P029A بأسرع ما يكون (52). فالغذاء الرطب أسهل انهضاما وأسرع (53) تغذية للبدن ولاسيما إن كان حارا، لأنه برطوبته ينفعل بسرعة وبحرارته ينفذ وينضج بسرعة لأن في جبلته ما يعين الحار الغريزي على نضجه.
[فصل رقم 37]
[aphorism]
قال أبقراط: البقايا التي تبقى من الأمراض من بعد البحران، من عادتها أن تجلب عودة من المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بقوله: "الناقه إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى به" لأنه علة لما أمر (54) به من استفراغ الناقه بقوله: وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ (55). ويعني بالبقايا ما يبقى PageVW0P027A من الكيموسات الرديئة بعد البحران، وإنما يكون ذلك في البحارين الناقصة، وهذه البقايا على طول الأيام تعفن فتولد حمى، لأن كل رطوبة غريبة PageVW3P032B من طبيعة الجسم الذي يحويها لا يمكن أن تغذوه فيؤول أمرها إلى العفونة ضرورة، فإن كانت في عضو حار عفنت أسرع وأقوى.
[فصل رقم 38]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW1P024B إن من يأتيه البحران، قد يصعب مرضه في الليلة التي قبل نوبة الحمى التي يأتي فيها البحران، ثم في الليلة التي بعدها يكون أكثر ذلك أخف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البحران تغير (56) سريع من المرض يميل بالمريض إلى الصحة أو إلى الموت وذلك عند نهوض الطبيعة لتمييز الشيء الرديء من الجيد وتهيئتها له للاندفاع (57) والخروج، فواجب أن يعرض عند هذا الحدث اضطراب وقلق، والأولى أن يحدث هذا القلق في الليل أكثر منه في النهار لأن من شأن الليل أن ينام الناس فيه ويسكنوا فقلق المريض يتبين فيه بيانا واضحا. والثاني أن الطبيعة في الليل يقوى فعلها في الباطن وتتفرغ لإنضاج المرض ومقاومته ودفعه، على أن هذا الاضطراب قد يكون نهارا إذا كان البحران متهيئا أن يكون في الليلة التي بعده (58). فأما قوله: "ثم في الليلة التي بعدها يكون أكثر ذلك PageVW2P029B أخف"، فلا يوجد في بعض النسخ، وقصده أن يعرفنا فيه أن الليلة التي بعد البحران أخف من الليلة التي قبله على الأمر الأكثر، لأن أكثر البحارين تؤول إلى السلامة إلا في حال الوباء فإن أحوال الأمراض والمرضى لا تجري فيه على نظام ولا تكاد البحارين تؤدي إلى السلامة كما يكون ذلك في الهواء الصحيح.
[فصل رقم 39]
[aphorism]
قال أبقراط: عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز، إذا لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كان استطلاق البطن إنما هو استفراغ وجب أن يكون كلما كانت أصناف البراز المستفرغة أكثر وأردأ، كان خروجها أدل (59) على نقاء البدن. وقوله: "إذا لم يكن تغيره إلى أنواع منه رديئة"، يريد البراز (60) الدسم والبراز الخبيث الرائحة وغير ذلك من الأصناف التي ذكرها في كتاب تقدمة المعرفة، وبالجملة (61) متى كان ما يستفرع من الأصناف الرديئة هو المقدار PageVW3P033A الرديء دل على النقاء والصلاح، ومتى كان ما يخرج أنموذجا على ما في البطن دل على الهلاك.
[فصل رقم 40]
[aphorism]
قال أبقراط: متى اشتكى الحلق، أو خرجت في البدن بثور أو خراجات، PageVW0P027B فينبغي أن ينظر ويتفقد ما يبرز من البدن، فإنه إن كان الغالب عليه PageVW2P030A المرار فإن البدن مع ذلك عليل، وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح، فكن على ثقة من التقدم على أن تغذو.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "متى اشتكى الحلق" أي اندفعت إليه كيموسات من الدماغ. وقوله: "أو خرجت في البدن بثور أو خراجات" أي اندفعت الكيموسات التي في البدن إلى سطحه وكان (62) فيها من الغلظ ما لا يتحلل بالعرق والبخار فيكون عنها بثور إن تفرقت وانبثت في سطح الجسد كله أو معظمه، أو خراجات إذا اجتمعت واندفعت إلى موضع بعينه. وقوله: "فينبغي أن ينظر ويتفقد إلى ما يبرز من البدن". أي تتأمل PageVW1P025A ذلك بعناية واستقصاء، فإن كان الغالب على (63) مايبرز المرار فإن البدن مع ذلك عليل وغير نقي، فلا ينبغي أن تقدم على تغذيته (64) حتى تستنقيه (65) لأن البدن الذي ليس بنقي كلما غذوته فإنما تزيده شرا، لأنك إنما استدللت على أن البدن عليل وليس بنقي بما برز (66) منه من المرار بالقيء أو البول أو بالبراز، وذلك أن الطبيعة لما دفعت الكيموس الرديء إلى سطح البدن أو الحلق لو (67) كانت قد استنظفت المادة ونقى منها البدن لم يبرز في البول والبراز والقيء شيء من المرار، فلما ظهر شيء من المرار دل على أن البثور والخراجات لم يستنق به المرار ولم يكتف البدن بهذا المقدار من الاستفراغ بل يحتاج إلى معونة الطبيب. وقوله: "وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح، فكن على ثقة من التقدم على أن تغذو المريض". أي فكن على ثقة من أن بدنه قد نقى واكتفى بما اندفع إلى سطحه، والبدن النقي ينبغي أن تقدم على تغذيته بلا خوف ولا حذر. وهذا الفصل يشتمل على حكمين PageVW3P033B طوى من الأول منهما النتيجة، وطوى من الثاني المقدمة واكتفى بما صرح في هذه عما صرح في هذه. وإذا بسط القول كان هكذا: فإن البدن مع ذلك عليل، فينبغي أن لا تغذوه حتى تستنقيه، وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح فإنه نقي، فينبغي أن تغذوه بثقة وأمن.
[فصل رقم 41]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان بإنسان جوع، فلا ينبغي أن يتعب.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الجوع يطلق على ما كان بإرادة الإنسان وعلى ما يكون بغير إرادة PageVW0P028A كما يعرض في القحوط ويخص ذلك باسم المجاعة، فيقول أبقراط في إبيذيميا: إن أهل أثينس (68) لما أكلوا الحبوب في الجوع أصابهم ضعف في أرجلهم، يريد به القحط والمجاعة. وأما قوله: "إذا كان لحمه رطبا فينبغي أن يعالج بالجوع فإن الجوع يجفف"، فإنه يريد به (69) الحمية، والتقلل وبالجملة فهو يسمى كل ضيق شديد في الطعام PageVW2P030B جوعا، اختيارا كان أو اضطرارا، وهذا الفصل عام في كليهما، وهو أيضا عام في تدبير الأصحاء والمرضى. فقوله: "متى كان بإنسان جوع". أي من كان مزمعا ألا يأكل فلا ينبغي أن تشير عليه (70) باستعمال شيء من التعب في ذلك اليوم الذي يمتنع فيه من الطعام، وإلا فصح أن يضم أول "يتعب" ويبنى الفعل لما لم يسم فاعله، ليكون النهي عن التعب المنسوب إلى مشورة (71) الطبيب وإرادة المريض ألا يرى أن ما يقع ضرورة وقسرا فليس إليه النهي عنه. وإن فتحت الياء وبني الفعل للفاعل فالمعنى: أنه لا يصلح له التعب على كل حال فيكون حكما أعم من الأول. وينبغي أن يفهم من التعب الحركة القوية الشديدة التي هي لكل بدن ما يليق به، فالتعب للأصحاء هو الذي يسميه أبقراط الرياضة، وذلك في قوله: ينبغي أن يتقدم التعب الطعام، فلا ينبغي أن يؤمر الأصحاء بالرياضة مع ترك الطعام، ولا يعالج PageVW1P025B المرضى بشيء مما يحرك أبدانهم حركة قوية مع ترك الطعام لا بفصد ولا بإسهال (72)، ولا باستفراغ بقيء ولا بدلك (73)، وبالجملة لا يحرك البدن حركة قوية أصلا فإن القوة عند هذه الحركات كلها PageVW3P034A تخور وتنحل إذا لم ينل البدن غذاء، صحيحا كان البدن أو سقيما، وأبقراط يحرص دائما بجهده أن تكون القوة المدبرة لبدن الحيوان قوية، ولا فرق بين أن يقول قوة أو قوى، فقد قال أبقراط في كتاب الغذاء أن القوة واحدة، وليست واحدة تعني واحدة في الجنس، ولها أنواع شتى.
[فصل رقم 42]
[aphorism]
قال أبقراط: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة كثيرا، فإن ذلك يحدث مرضا، ويدل على ذلك برؤه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل يحتمل ثلاثة تفاسير: الأول يكون في الامتلاء من الغذاء الذي هو أكثر من احتمال القوة، وقد علمت أن الكثير يقال بالإضافة كالقليل ونحوه، والكثير يقال على الأبدان بنحوين: أحدهما بالقياس إلى PageVW2P031A سعة الأوعية. والآخر بالقياس إلى القوة التي بها تدبير الأبدان، وهذا المعنى هو المقصود في هذا الفصل فإن الإنسان (74) قد يملأ معدته من الغذاء بحيث تكاد تنفر ثم يستمرئه إذا اتفق أن كانت القوة الهاضمة PageVW0P028B قوية (75). وقد يتناول من الغذاء في بعض معدته ولا يستمرئه إذا كانت قوته الهاضمة ضعيفة. وهضم الغذاء يكون في ثلاثة مواطن: في المعدة، ثم في الكبد، ثم في الأعضاء. وهذا هو الغذاء الحقيقي لأنه هو الزائد في كمية الأعضاء بالفعل وهذا إنما يقال فيه أكثر وأقل بقياس القوة، فإذا استولت عليه القوة ونضج على ما ينبغي تغذي به البدن، وإذا لم تستول (76) عليه ولم تنضجه فسد وولد مرضا. وهذا الفصل يتضمنه فصل آخر يقول فيه: "لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من الأشياء محمودا (77) إذا كان ذلك مجاوزا لمقدار الطبيعة. والثاني: أن يكون بحسب الملاءمة، فإن كل عضو له غذاء يلائمه يرد عليه ويغتذي به، فمتى ورد على العضو غذاء خارج عن طبيعته وكان كثيرا، أحدث ذلك مرضا. والثالث: أن يكون المراد بالغذاء الخارج عن الطبيعة، الذي خرج في مقداره بحيث جاوز - في الكم- الاعتدال (78) جدا. فالقول الأول يراد به الخروج عن الاعتدال بالقياس إلى جملة (79) البدن، والقول الثاني الخروج عن الاعتدال بالقياس إلى طبيعة عضو عضو، والثالث الخروج PageVW3P034B عن الاعتدال في الكم. والقول الأول هو الوجه. وقوله: "كثيرا" بالنصب على ما عليه سائر النسخ يكون على الحال، أي ورد على البدن في حال كونه كثيرا والعامل فيه ورد، وذلك أن الغذاء الخارج عن الطبيعة متى ورد على البدن قليلا لم يوجب إحداث المرض. وإنما الذي هو أحرى أن يحدث مرضا ما كان وروده كثيرا. ويجوز PageVW1P026A فيه النصب على أنه صفة مصدر محذوف، كأنه يقول: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة خروجا كبيرا (80) فإن ذلك يحدث مرضا PageVW2P031B لأن الخارج عن الطبيعة خروجا قليلا لا يوجب حدوث المرض. ويجوز أن يكون كثيرا صفة مصدر من ورد، كأنه يقول: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة ورودا كثيرا كأنه يقول مرارا كثيرة لأن الوارد مرة أو مرارا قليلة لا يوجب إحداث المرض؛ وهذه الأوجه الثلاثة كلها جيدة مختارة، لكن الأخير أقواها (81) في المعنى، فإن المواظبة على الإكثار من الغذاء الخارج عن الطبيعة قمين (82) بإحداث الأمراض، مع أنه يجوز في كثير الرفع على أنه صفة لغذاء، كأنه يقول: PageVW0P 29A متى ورد على البدن غذاء كثير خارج عن الطبيعة، فيكون الغذاء على هذا كثير المقدار خارجا عن الطبيعة معا فقد جمع رداءة الكيف والكم بخلاف ما إذا جعل حالا من خارج فإنه يكون به معنى واحد، وإذا جعل أيضا حالا من ورد كان له معينان أيضا الخروج عن الطبيعة وكثرة المرات. وقوله: "يدل على ذلك برؤه" أي برؤه بعد استفراغ ذلك الكيموس الزائد بالفصد إن كان الامتلاء من سائر الكيموسات بالسواء، أو بالإسهال والقيء إن كان الامتلاء بواحد منها. ومما يجري مجرى الفصد الحجامة على الكعبين والدلك والحمام والتجوع، لكن الاستفراغ بالتجوع هو بالعرض لأن ترك الطعام لا يستفرغ بنفسه وإنما هو على طريق التحليل الطبيعي فإذا لم يرد البدن شيء تحللت الكيموسات وتنقصت. وجالينوس يرى زيادة: "مما" أي (83) ومما يدل على ذلك برؤه. لأنه ليس هذا فقط يدل بل هو بعض ما يدل، وذلك أن مريضا يكثر (84) من الغذاء PageVW3P035A ووجد عقيبه ثقلا وحمرة لون وانتفاخ العروق توهمنا أن مرضه من الامتلاء وكثرة الأخلاط، فإذا استفرغ وانتفع بذلك صح عندنا ما توهمناه أولا. ويمكن أن يحتال لقول أبقراط ويقال: لا يحتاج إلى هذه الزيادة التي زادها (85) جالينوس من قبل أن الاستدلال على امتلائه PageVW2P032A ببرئه هي المصححة لسائر الدلائل المتقدمة؛ فلما كانت هي المصححة والتي هي أقوى من غيرها اعتمد عليها وجعلها كأنها ليس غيرها. واعلم أن الامتلاء هو كثرة الأخلاط، والأخلاط قد تكثر على القوة من غير أن تفسد، لكنه لا يمكن أن تلبث (86) على جودتها زمانا (87) طويلا، إلا أنا ننسبها إلى الكثرة مادامت لم يتبين فيها الفساد، فإذا نقصت عادت إلى الصلاح، فإن عمها الفساد لم يمكن أن تعود إلى حال الصلاح ولا تقدر الطبيعة أن تنضجه وتعيده دما محمودا. ومثال ذلك الأنبذة فإنه إذا ابتدأ فيها الفساد أمكن إصلاحها، فإذا صارت خلا خالصا لم يمكن إعادتها إلى حال الصلاح أصلا.
[فصل رقم 43]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW1P026B ما كان من الأشياء يغذو سريعا دفعة، فخروجه أيضا يكون سريعا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما ما يغذو سريعا فهو ما يتشبه بالمعتذي في زمن قصير ويكون ذلك في طبعه، ويمتحن في الصحيح الذي لا يذم PageVW0P029B من صحته شيئا. وقوله: دفعة أي لا يستحيل إلى المغتذي قليلا قليلا وأولا أولا بل دفعة وفي زمان قصير وعلى جهة التلاحق، فإن كان في الغذاء حدة تهيج البدن إلى دفعه كان نفوذه وخروجه سريعا، وإن كان فيه لزوجة يحتبس بها كان نفوذه بطيئا. وأبلغ الأشياء كلها في أن يغذو سريعا دفعة، النبيذ؛ وأكثرها إبطاء في الهضم، لحم البقر والأصداف والبيض المسلوق جدا والعدس والنمكسود. ويدل على أن الغذاء الوارد البدن قد غذاه، عظيم (88) النبض وشدته ونهوض قوة البدن، فإن من انحلت قوته باستفراغ أو بتعب أو صوم ثم تناول غذاء سريع الإغذاء، أعاد النبض والقوة وخرج (89) عن البدن بسرعة ، وإن لم يكن PageVW3P035B سريع الإغذاء كان الأمر على الضد. وقوله: فخروجه أيضا يكون سريعا. يفهم منه معنيان: أحدهما خروجه عن البطن بالبراز. والآخر خروجه عن البدن كله بالتحلل، PageVW2P032B فكل ما يغذو سريعا فإنه يتحلل عن البدن سريعا. وليس كل ما يغذو سريعا يخرج عن البطن سريعا، فأما الأشربة والأنبذة فإنها تغذو سريعا وتتحلل سريعا وتخرج عن البطن سريعا، ولاسيما ما كان منها رقيقا فإنه خاص بالإدرار وقد قال في كتاب الغذاء ما يشهد أنه يريد بالخروج التحلل، قال: "إن ما كان من الغذاء بطيء الاستحالة فهو بطيء التحلل، وما كان منه سريع الاستحالة فهو سريع التحلل" لكن لفظة الخروج أكثر ما تستعمل على ما يخرج بالبراز. وقوله: "سريعا" نصب على أنه صفة مصدر محذوف، أي إغذاء سريعا. وقوله: "دفعة" نصب على الظرف، أي في دفعة، ومعناه في مرة واحدة.
[فصل رقم 44]
[aphorism]
قال أبقراط: إن التقدم بالقضية في الأمراض الحادة، بالموت كانت أو بالبرء، ليست تكون على غاية الثقة، لا على الموت ولا على الصحة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: القضية بمعنى القضاء، والأمراض الحادة هي التي حركتها قوية ويأتي بحرانها سريعا، وبالموت خبر كانت واسمها مضمر فيها وهو ضمير القضية. وبالبرء عطف عليه بأو، و"أو" هذه للتخيير، لأنه لابد من وقوع أحدهما لا بعينه، و"ليست تكون" هي خبر إن، وتأنيث ليست للقضية وكان الواجب أن يذكر لأنه خبر عن التقدم، لكن لما كانت القضية هي المقصودة وهي متعلقة بالتقدم ومتصلة به كان حكمها حكمه فأنث على المعنى لأن التقدم بالقضية قضية، وفي لسان العرب مثل ذلك كثير، PageVW0P 30A منه قولهم: سقطت بعض أصابعه وتهدمت سور المدينة، ونحو ذلك؛ PageVW1P027A لأن المضاف يسري (90) إليه حكم المضاف إليه، والمضاف إليه يسري (91) إليه حكم المضاف، ولاسيما إذا كان بعضه، ومتصلا (92) به. وقوله: "على غاية الثقة" خبر تكون، وفي بعض النسخ هذا آخر الفصل، وفي بعضها يوصل به قولنا: "لا على الموت ولا على الصحة" فيعيد (93) PageVW3P036A القول على جهة التأكيد. واعلم أن الأمراض الحادة PageVW2P033A صنفان: أحدهما ما كان من كيموس حاد ليس بمتحيز ولا مستقر في موضع واحد في البدن لكنه في الأعضاء كلها بالسواء. والثاني: أن يكون متحيزا كما في ذات الجنب وذات الرئة. والحمى في المرض الحاد (94) تكون مطبقة دائمة على الأمر الأكثر لأن بعض الأمراض الحادة ليس معه حمى كالفالج والسكتة. وأما الأمراض المزمنة المتطاولة فتكون من كيموس غليظ لزج بارد لا ينضج سريعا. فأبقراط يتقدم بالقضية في الأمراض المزمنة على غاية الثقة، وليس هو في جميع الأمراض الحادة من الثقة على تلك الحال، لكنه قد أقر بأنه يمكن أن يقع في بعضها خطأ كأنه ليس يصح الحكم على الأمراض الحادة في جميع الحالات بل قد يخطئ الطبيب الحاذق في الندرة وصوابه أكثر، وإنما يعرض له الخطأ لسرعة (95) تغير المرض عن كيموس حاد، ولأن الكيموس ربما سال من عضو إلى آخر بغتة فوقع ما لم يكن في حسبان الطبيب (96). والمرض الحاد سريع الانقضاء، عظيم؛ فإن حمى يوم سريعة الانقضاء لا عظيمة، والفالج عظيم لا سريع الانقضاء.
[فصل رقم 45]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بطنه في شبابه لينا، فإنه إذا شاخ يبس بطنه. ومن كان في شبابه يابس البطن، فإنه إذا شاخ لان بطنه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه القضية أكثرية، لا دائمة، وإنما يصح امتحان ذلك واعتباره إذا كان التدبير في سن الشباب والشيخوخة تدبيرا واحدا بعينه، فإن اختلف (97) بأن كان تدبيره في شبابه بما يقبض كالزعرور والعدس والشراب القابض، وفي شيخوخته بما يلين كتدبير أهل الإسكندرية بأن يقدم في صدر طعامه السمك والكراث ويشرب على طعامه الفقاع، أو كان (98) الأمر بالعكس لم يكن الامتحان صحيحا ولا موثوقا (99) به. وعلة هذه القضية أن البطن إنما يميل إلى اللين إذا قل ما ينفذ من الغذاء إلى الكبد، ويميل إلى اليبس إذا نفذ إلى الكبد PageVW0P030B جميع ما في الغذاء من الرطوبة. وإنما يقل PageVW2P033B نفوذ رطوبة الغذاء من المعدة إلى الكبد إما لكثرة مقداره عن حاجة الكبد PageVW3P036B أو عن قوتها، وإما لسرعة انحدار الغذاء وخروجه فيفوت الكبد جذب ما يحتاج إليه منه. وسرعة انحدار الغذاء قد تكون من قبل كثرة (100) المرار المنصب إلى المعا فيهيج إلى دفعه، وقد يكون من قبل ضعف القوة الماسكة في المعدة والمعا وتقوى فيها الدافعة. ثم إن شهوة الغذاء تكون أكثر إذا كان فم المعدة أبرد. والكبد تجتذب PageVW1P027B أقل إذا كان بردها أكثر، وإنما تضعف القوة الماسكة من المعدة إذا كثرت رطوبتها. وإنما تقوى القوة الدافعة ليبسها، فمن كان في شبيبته لين البطن من قبل برد فم معدته فإن شهوته للغذاء تكثر ويتناول منه مقدارا كثيرا، فهذا إذا شاح تفاقم برد معدته فقلت لذلك شهوته وقل غذاؤه بالقياس إلى حاجة الكبد فجذبت رطوبة الغذاء (101) باستقصاء فجف برازه. وكذلك من كان لين بطنه في شبابه بسبب انصباب المرار الأصفر إلى أمعائه فإن حاله عند الشيخوخة ينتقل إلى الضد (102) لقلة تولد المرار الأصفر في المشايخ. فأما من لان بطنه في شبابه من قبل ضعف القوة الماسكة فليس ينتقل عند الشيخوخة إلى الضد ضرورة وذلك بحسب مقدار الحرارة التي مع الرطوبة، فإن كانت إلى البرد أميل فعند الشيخوخة يفرط بردها ويستمر ضعفها، وكل مزاج مفرط يضعف الأفعال ويبطلها، فإن كانت المعدة إلى الحر أميل فإنها عند الشيخوخة تقوى وتبقى على قوتها زمانا طويلا. فأما من كان بطنه في شبابه أميل إلى اليبس، فإنه عند الشيخوخة يميل إلى اللين لأضداد الأسباب المذكورة. فمن كان يبس بطنه لقوة الحرارة فإنه عند الشيخوخة ينقص فيتبعه لين البطن. ومن كانت قوة معدته الماسكة شديدة لميل مزاجه (103) PageVW2P034A إلى اليبس، فإنه إذا شاح ضعفت بإفراط اليبس فيلين برازه. فأما من جف برازه لقلة المرار المنصب (104) إلى معدته وأمعائه، فإذا شاخ أمكن أن يلين بطنه لإفراط (105) البرد على كبده، ويمكن أن يبقى على تلك الحال إن لم يفرط البرد. والأولى أن يقال: "فإنه إذا شاخ يلين بطنه"، أو يسقط "إنه" ويقال: "فإذا شاخ لان بطنه" لأن خبر إن يقبح (106) أن يكون ماضيا.
[فصل رقم 46]
[aphorism]
قال أبقراط: شرب الشراب يشفي الجوع.
[commentary]
قال عبد اللطيف : PageVW0P031A يعني بالشراب الخمر، ويعني PageVW3P037A منه ما كان مائلا إلى الحرارة والغلظ، قليل الرقة والعفوصة، ويعني بالجوع الشهوة الدائمة التي لا تفتر والمسماة بالشهوة الكلبية، فشرب هذا الشراب يشفي هذا (107) الجوع لا الجوع الكائن عن الصوم الطويل أو عن اختلاف كثير، أو عن غيره من الاستفراغات، فإن من كان جوعه (108) من أحد هذه الاستفراغات فإن الشراب يضره فضلا عن أن يناله من شربه منفعة، فإن شربه هؤلاء قبل طعامهم لم يؤمن أن يعرض لهم التشنج واختلاط الذهن سريعا. فأما الجوع الكلبي فشفاؤه شرب الشراب لا الإكثار (109) من الطعام. وصفة تدبيره أن يطعم أولا غذاء دسما عديم العفوصة والقبض، ثم يسقى بعده شرابا أحمر ناصعا أو قانيا ليس فيه قبض ويمسك عن الماء؛ فإن جوعه يسكن في الحال، فإن ألح (110) عليه بهذا التدبير زمانا طويلا أقلع PageVW1P028A أصلا، والعلة في ذلك أن هذه العلة إما من برد مزاج مفرط، وإما من كيموس حامض يشربه جرم المعدة. والشراب الذي وصفنا يشفي الأمرين جميعا. وقد ظن قوم أن أبقراط عني الجوع الكائن عن سقوط القوة من البرد العارض من خارج وأوله يكون جوعا (111) ثم يبطل.
[فصل رقم 47]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأمراض يحدث عن الامتلاء، فشفاؤه يكون بالاستفراغ. * وما كان منها يحدث عن الاستفراغ، فشفاؤه يكون بالامتلاء (112) وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة. PageVW2P034B
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر نوعين عامين من أنواع الأمراض وهما: الامتلاء، والاستفراغ. وعرف أن مداواة الامتلاء تكون بضده، أعني الاستفراغ. ومداواة الاستفراغ تكون بضده وهو (113) الامتلاء، ثم ذكر حكما عاما (114) شاملا لجميع أنواع الأمراض، وذلك قوله: وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة. ويريد بالامتلاء والاستفراغ ما أفرط حتى صار مرضا. وقوله: يحدث هو فعل حال أو مستقبل، ولا يجوز أن يقال حدث بصيغة الماضي لأن المرض إذا حدث عن الامتلاء ثم زال ذلك الامتلاء ولم يكن موجودا فلا يكون شفاءه بالاستفراغ، وأما إذا كان المرض ها هو ذا حادث (115) عن الامتلاء أو سيحدث فشفاؤه يكون باستفراغ PageVW3P037B تلك المادة. أما استفراغ المادة في المرض الذي هو في الحدوث فهو مداواة المرضى. وأما استفراغ المادة التي يتوقع عنها حدوث مرض، فهو من باب التقدم بحفظ الصحة. والامتلاء يفهم منه كثرة الكيموسات الزائدة في الكم أو في الكيف PageVW0P031B أو فيهما جميعا. وأما الاستفراغ الذي هو مرض فلا يكون إلا عن كيموس صالح في الكم، للبدن إليه حاجة والغذاء يخلفه. وأنواع الاستفراغات كثيرة: بالقيء، والاختلاف، والعرق، والجماع، والفصد، والتعب، والصوم، وغير ذلك. وعلاج الجميع إخلاف ما خرج عن البدن في أسرع ما يقدر عليه. وقد ظن قوم أن الاستفراغ لا يحدث مرضا البتة كأنهم يتوهمون أن المرض هو الحمى فقط، ولم يعلموا أن كل حال تضر بالفعل فهي مرض، وكل مزاج مفرط يضر بالأفعال، فإن استفراغ الدم من الرحم بإفراط، أو من أفواه العروق، قد يضر ببعض الأفعال أو كلها (116) وربما أحدث الاستسقاء، PageVW2P035A وكذلك الصوم الطويل ربما أثار الحرارة وأحدث حمى نارية. وإزالة الأسباب التي من شأنها أن تحدث الأمراض هي من باب التقدم بالحفظ والحياطة (117). وإذا كان السبب الفاعل للمرض قد زال فإنما يبقى شفاء المرض فقط، وإذا كان في الحدوث ولما يحدث بكماله فالعلاج مركب من (118) التقدم بالحفظ ومن الشفاء، ولما كان هذا الصنف مركبا، جاز أن يسمى تارة التقدم بالحفظ، وتارة الشفاء، ولاسيما بالأغلب عليه.
[فصل رقم 48]
[aphorism]
قال أبقراط: إن البحران PageVW1P028B يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشر يوما.
[commentary]
قال عبد اللطيف: حال (119) البحران تغير (120) عظيم للمريض، إما إلى النجاة، وإما إلى العطب، وإما إلى حال هي أردأ، وإما إلى حال هي أفضل. والمرض الحاد بقول مطلق لا يتجاوز بحرانه العظيم أسبوعين، أعني أربعة عشر يوما، وقد يحدث بحرانه في دون هذا المقدار؛ وما ينقضي في أربعين يوما فقد يسمى مرضا حادا لا بقول مطلق بل بشريطة كما قال أبقراط في كتاب تقدمة المعرفة، فقال: قد (121) ينبغي أن تعلم أن لجودة التنفس قوة عظيمة جدا في الدلالة على السلامة في جميع الأمراض الحادة التي يكون معها حمى، PageVW3P038A ويأتي فيها البحران في أربعين يوما. واعلم أن المرض قد يبتدئ لينا ضعيفا ثم يشتد ويطبق فتتجاوز جملته أربعة عشر يوما، لكن اشتداده وحددته تكون أربعة عشر يوما وما دونها. وقد يبتديء قويا حادا ثم يعرض بحران ناقص يميل بالمرض إلى حال هي أفضل، ويلين مرضه، ثم يأتي بحرانه الكامل في الأربعين يوما فما دونها؛ ولكن إنما كانت حدة المرض وإطباقه أربعة عشر يوما فما دونها. فيتبين (122) لك PageVW0P032A من جميع ما قلنا صحة قول أبقراط أن الأمراض الحادة بقول مطلق إنما يأتي بحرانها في أربعة عشر يوما فما دونها. فإنه جعل الأسبوعين نهاية PageVW2P035B لا تحديدا، لأنه قد يكون في أقل منها كالتاسع والحادي عشر والسابع والرابع، ولكن لا يمكن أن يبقى مرض على حدته وهيجانه فوق أربعة عشر يوما، فإن زادت أيام (123) المرض على ذلك كان الزائد لينا، إما من أوله وإما من آخره، على أن بعض الأمراض تلين تارة وتحد (124) أخرى على غير ترتيب ولا نظام، ولكن لا تجاوز حدته أربعة عشر يوما. وأنت إذا تأملت جميع الأمراض الحادة المتصلة (125) الحدة (126)لم تجد فيها ما يتطاول اتصال حدته فوق أربعة عشر يوما، بل لابد أن يعرض له أحد التغايير الأربعة.
[فصل رقم 49]
[aphorism]
قال أبقراط: الرابع منذر بالسابع؛ وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن والمنذر اليوم (127) الحادي عشر لأنه الرابع من الأسبوع الثاني. واليوم السابع عشر أيضا يوم إنذار، لأنه الرابع من اليوم الرابع عشر، واليوم السابع من اليوم الحادي عشر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر بحران الأمراض الحادة تلاه بالأيام المنذرة بالبحران، وأيام الإنذار هي الأيام التي تظهر فيها علامة تدل على بحران يأتي بعد. وقد تسمى أيام النظر، وقد ذكرها وأجرى (128) أمرها على أربعة أربعة، وقسم كل أسبوع بقسمين، وفصل بين الأسبوع الأول والثاني يعني (129) جعل كلا منهما (130) سبعة كاملة، حتى يكون مجموعهما أربعة عشر يوما، وأول الثاني اليوم الثامن، ووصل بين الأسبوع الثالث والثاني PageVW1P029A حتى جعل مجموعهما ثلاثة عشر يوما، وجعل الثلاثة الأسابيع بكلمة (131) عشرين يوما، وذلك بأن جعل أول الأسبوع (132) الثالث آخر الأسبوع الثاني أعني اليوم (133) الرابع عشر، فلما اشتركا في هذا اليوم سقط من عدة PageVW3P038B الأسابيع يوم واحد، ووقع نصف الأسبوع أعني الرابع يوم السابع عشر، وعلى هذا الحساب والنظام يجري أمر كل ثلاثة أسابيع PageVW2P036A حتى يقع البحران لنهاية الأمراض الحادة يوم الأربعين، وعلى هذا النسق تقع بحارين الستين والثمانين والمائة والمائة (134) والعشرين، وإنما فعل أبقراط ذلك ولم يحسب الأسابيع كاملة مراعاة للشهر والسنة (135)، فإن الشهر القمري لا يكون ثلاثين يوما، وإذا حسب من وقت PageVW0P032B افتراق (136) القمر عن الشمس إلى وقت الاجتماع كان سبعة وعشرين يوما ونصف يوم وكسرا تقريبا. والسنة القمرية ثلاثمائة وخمسون يوما وربع يوم تقريبا، وأيضا فإن الأمر على هذا وقع والتجربة من أبقراط وجالينوس ومنا بصحة هذا تشهد، فإنا نجد البحارين في اليوم العشرين مرارا (137) كثيرة لا تحصى ولا نجدها في اليوم الحادي والعشرين إلا قليلا ونادرا، فنصف كل أسبوع منذر بتمامه، فالرابع منذر بالسابع لأن نصف السبعة يقع في اليوم الرابع. وقوله: "وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن" يدلك على أن الأسبوع الأول يعد كاملا ومنفصلا عن الأسبوع الثاني. وقوله: "والمنذر الحادي عشر" فهو منذر بالرابع عشر لأنه الرابع من الأسبوع الثاني، وأجد (138) في كثير من النسخ "والمنذر بالحادي عشر" بالباء (139) على أن يكون الثامن هو المنذر بالحادي عشر (140)، * وهو من غلط النساخ فإن الحادي عشر (141) منذر لا منذر به. والسابع عشر منذر بالعشرين لأنه نصف الأسبوع الثالث إذا حسب متصلا وجعل ابتداؤه من اليوم الرابع عشر، فلذلك قال: لأنه الرابع من اليوم الرابع عشر. وهو أيضا اليوم السابع من اليوم الحادي عشر إذا حسب أيضا متصلا. وإنما ذكر أنه السابع من اليوم الحادي عشر لمعنيين: أحدهما: لتوكيد الاتصال وتحقيق الاشتراك. والثاني: لأنه قد يقع في السابع عشر بحران كامل فينبهك على أنه السابع من PageVW2P036B اليوم الحادي عشر فيكون منذرا باعتبار أنه الرابع، ويقع فيه بحران كامل باعتبار أنه سابع.
[فصل رقم 50]
[aphorism]
PageVW3P039A قال أبقراط: إن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة، والخريفية طويلة ولاسيما متى اتصلت بالشتاء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر بحارين الأمراض الحادة تعرض لذكر الأمراض المزمنة فمنها الربع وجعلها مثالا. والصيفية هي التي تبتديء في الصيف، والخريفية تبتديء في الخريف. وإنما تقصر (142) الصيفية (143) لحرارة الوقت ورقة الكيموسات وانقيادها إلى الاستفراغ، وتطول (144) الخريفية لبرد الوقت وعسر انقياد المواد ولأن هذا PageVW1P029B الفصل معين في توليد الأمراض المزمنة والسوداوية، والشتاء يعقبه فيجمد ما حدث فيه. وذكره للصيف والخريف يمكن أن يجعل مثالا لسائر الأمراض الحادة والمزمنة، وذلك PageVW0P033A أن الحمى الحادة الصيفية هي أشد انقضاء (145) منها في الخريف والشتاء، والعلة العامة لجميع ذلك أن الكيموس في الصيف ذائب منتشر والقوة خائرة، فإما أن يستفرغ الكيموس بسرعة فيقع البرء، وإما أن تخور القوة بسرعة فيقع التلف. وأما في الشتاء فالكيموس متحجر ساكن، والقوة قوية (146) فلا الكيموس ذائب مجيب حتى يقع البرء وشيكا، ولا القوة خائرة فيهلك المريض.
[فصل رقم 51]
[aphorism]
قال أبقراط: لأن تكون الحمى بعد التشنج، خير من أن يكون التشنج بعد الحمى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يعني بالتشنج هنا التشنج الامتلائي الحادث بغتة عن امتلاء العصب من خلط بارد لزج، فإذا عقبه حمى سخن البدن وسخن هذا الكيموس وكان حريا أن يذوب ويتحلل فيقع البرء لأن الضد شفاؤه بالضد. وأما إذا كان بإنسان حمى محرقة فجففت (147) بدنه وعصبه وعرض له من ذلك تشنج فلا يكاد PageVW2P037A يسلم لأنه يحتاج أن يبرأ مما ناله في مدة طويلة، وشدة المرض لا تمهله فتنحل القوة قبل وتجلب موتا وشيكا.
[فصل رقم 52]
[aphorism]
قال أبقراط: لا ينبغي أن يغتر بخف يجده (148) المريض، بخلاف القياس، ولا أن تهولك أمور صعبة تحدث على غير القياس، فإن أكثر ما يعرض من ذلك ليس بثابت، ولا يكاد يلبث، ولا تطول مدته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر البحارين في الأمراض الحادة والمزمنة نبه في هذا الفصل على أمرين متضادين (149)، كثيرا ما يعرضان في البحارين، فأحدهما: أن يجد المريض سكونا وخفا (150) وراحة من مرضه من غير سبب موجب PageVW3P039B لذلك، ولا استفراغ (151) بين من قيء وعرق واختلاف ورعاف ونحو ذلك، فإن هذا سكون عرض للمريض (152) لا يعتد به ولا يوثق إليه، فإن السبب الفاعل للمرض باق بحاله فكيف يرجى زوال المرض مع بقاء السبب، فإن النار القوية في المادة الغزيرة (153) كيف يرجى انطفاؤها ولم يعرض سبب من خارج فهذا معنى قوله: لا ينبغي أن يغتر بخف يجده المريض بخلاف القياس". يعني بخلاف ما يوجبه القياس من استفراغ السبب الفاعل، ويريد بالقياس ما تشهد به التجربة ويقتضيه العقل كما قلنا. وأما الثاني فهو قوله: ولا أن تهولك أمور صعبة تحدث على غير القياس. فقوله: "يهولك" معناه يفزعك بحيث تتخوف PageVW0P033B على المريض الموت، وهو ضد الاغترار بالصحة والسلامة. وقوله: تحدث. أي لم تكن في أول المرض وهو في قبالة تجده. وقوله: على غير القياس. أي تحدث هذه الأمور الصعبة في الوقت الذي يظن ألا يحدث فيه على المريض ذلك. وقوله: فإن أكثر ما يعرض من ذلك ليس بثابت". أي أنه ينذر ببحران كائن عن قرب وخلاص وشيك، وذلك أنه متى ظهرت PageVW1P030A علامات النضج البين، PageVW2P037B ثم عرض للمريض نفس رديء، واختلاط ذهن، أو صعوبة في الحمى، أو نافض قوي، فلا ينبغي أن يهولك ذلك، فليست ثابتة بل تزول سريعا، ولا تدل على الهلكة بل على بحران محمود قد قرب حدوثه، وهذه (154) الحال ضد الخف الذي يجده المريض بغتة من غير استفراغ ولا ظهور النضج، فلا ينبغي أن تغتر بهذا ولا تعتمد (155) عليه، فكثيرا ما يعقب (156) هذا السكون حركة خبيثة حثيثة. وقد يمكن أن يكون قوله: "فإن ذلك" إشارة إلى الشيئين الحادثين جميعا (157)، أعني الخفة التي يجدها المريض (158) على خلاف القياس، والأمور الصعبة، فكلاهما ليس بثابت ولا تدوم مدته، لكن أحدهما ينتقل إلى الرداءة والهيجان عن السكون، والثاني ينتقل إلى الجودة والسكون عن القلق والاضطراب. وفي هذا الفصل عدة منافع: القدرة على تقدمة المعرفة PageVW3P040A وجودة الإنذار والتحذير مما يقع فيه كثير من المتطببين الجهال فإنهم قد يرون من المريض خفا فيغترون بذلك، ويقدمون على تغذيته والتقصير في مداواته فيغلطون (159) عليه أغاليط كثيرة، والرأي الحق في ذلك أن تدوم على ما كنت عليه من العلاج وتدبره التدبير الذي ينبغي لمن لم يجد خفا حتى تجعل ما ظهر من الخف كأن لم يوجد ولا تعتمد عليه ولا تعطيه حكما، ودم على ما كنت عليه من التدبير والعلاج. وأيضا فقد يرون قلقا من المريض واضطرابا فيفزعهم ذلك فييئسون من صلاحه فيقصرون في علاجه وأخذ الأهبة لما يحتاج إليه بعد (160) وربما أخذوا في تسكين ذلك الاضطراب وعلاجه فيوقعون المرضى في العطب وما ذلك إلا لجهلهم بالسبب والغاية.
[فصل رقم 53]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به حمى ليست PageVW0P 34A بالضعيفة جدا، فإن كان (161) بدنه يبقى على حاله، ولا ينقص شيئا، أو يذوب أكثر مما ينبغي، فذلك (162) رديء؛ PageVW2P038A لأن الأول ينذر بطول من المرض، والثاني يدل على ضعف من القوة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: وضع في هذا الفصل ضدين شبيهين بالضدين اللذين (163) تضمنهما (164) الفصل السابق، فإن بقاء البدن على حاله لا ينقص شيئا شبيه بالخف الذي يجده المريض من غير سبب ظاهر، وأن (165) يذوب البدن أكثر مما ينبغي شبيه بالأمور الصعبة الحادثة على غير القياس. ويريد ببقاء البدن على حاله، الخصب الذي كان عليه في حال الصحة. ويريد بالذوبان، الهزال والضمور الذي جرت عادة المرضى به لا الذي يكون في حمى الدق. وقوله: "ليست بالضعيفة جدا" شرط فاضل، فإن الحمى الضعيفة جدا إذا بقي البدن معها على حاله ولم يهزل لم يكن ذلك رديئا. والحمى الصعبة جدا إذا هزل البدن معها هزالا كثيرا لم يكن ذلك رديئا جدا. وإنما (166) إذا كانت PageVW1P030B الحمى متوسطة الحال، ليست زائدة الضعف ولا زائدة القوة ثم بقي البدن على حاله ولم يهزل دل على كثرة الامتلاء وغلظ الكيموس وقلة التحلل وذلك رديء. وكذلك إذا (167) ذاب البدن وضمر أكثر مما توجبه قوة المرض، دل ذلك على ضعف القوة PageVW3P040B وانحلالها وذلك أيضا رديء. واعلم أن بقاء البدن على حاله لا ينقص شيئا ليس بزائد الرداءة ولا دائمها. أما أنه ليس بزائد الرداءة فلأن أكثر ما يتوقع (168) منه، طول المرض. وأما (169) أنه ليس بدائم الرداءة فلأنه متى كانت القوة قوية والمادة قليلة والهواء باردا لم يكن ذلك رديئا جدا. فأما أن يذوب البدن أكثر مما ينبغي فإنه رديء على كل حال، سواء كانت الحمى قوية أو ضعيفة؛ لكنها إذا كانت ضعيفة، كان (170) ذوبان البدن أكثر مما ينبغي أدل على ضعف القوة. والمقدار الذي ينبغي من الهزال يعرف بالقياس إلى حال PageVW2P038B البدن في خصبه، وهزاله (171) في حال الصحة، وإلى (172) قوة الحمى، وطول (173) المرض، والسن، والوقت الحاضر، والاستفراغ، والسهر، والهم، ومقدار المطعم (174) والحركة وغيرها، فإن ذلك يختلف بالقياس إلى هذه كلها. فالحمى القوية تذيب أسرع، والطويلة تذيب أكثر، والصبي والشيخ أسرع هزالا عند المرض، وفي الصيف PageVW0P034B والهواء الحار والبلد الحار أسرع ذوبانا. وأما استفراغ البدن بالرعاف والعرق والاختلاف والحركة والسهر وغير ذلك، فهزال البدن عنها ظاهر بين. ومما يوجب سرعة الهزال رقة الكيموسات وتخلخل البدن ويسمى ذلك: التحلل الخفي.كما أن غلظ الكيموس وتكاثف البدن يوجبان أن يبقى البدن على خصبه لا ينقص شيئا. وتكميل القول هكذا: من كانت به حمى ليست بالضعيفة جدا فإن يبقى بدنه أو يهزل بأكثر مما ينبغي رديء؛ لأن بقاء (175) بدنه بأكثر مما ينبغي يكون من كثافة الجلد وغلظ الكيموس وكثرته ولذلك ينذر بطول من المرض. فأما هزاله بأكثر مما ينبغي فربما كان لرقة الكيموس وتخلخل الجلد، وربما كان لضعف القوة فقط.
[فصل رقم 54]
[aphorism]
قال أبقراط: مادام المرض في ابتدائه، فإن رأيت أن تحرك شيئا فحرك. وإذا صار المرض إلى منتهاه، فينبغي أن يستقر المريض ويسكن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "مادام المرض في ابتدائه" يريد الأمراض التي يغلب عليها السلامة، فإن المرض المهلك لا ينبغي أن يحرك صاحبه PageVW3P041A بشيء، لا في ابتدائه ولا في منتهاه (176) لكن في الأوقات التي قبل ذلك، وذلك (177) أنه لا ينبغي لأحد أن يتعاطى علاج من علته غالبة على قوته، لكن يتباعد عنه بعد أن ينذره بما يكون من عاقبة أمره. فأما المرضى الذين يرجى لهم السلامة، فينبغي إن رأيت في أوله موضع شيء (178) من العلاج القوي أن تستعمله في ذلك الوقت. والعلاج PageVW1P031A القوي هو الفصد PageVW2P039A خاصة، وربما استعمل الإسهال، ولا ينبغي أن تستعمل أحد هذين عند المنتهى لأن الطبيعة إن كانت قد أنضجت المادة أو أكثرها (179) فقد أغنت عن الاستفراغ، وأيضا فإن القوة النفسانية تكل وقت المنتهى، وإن كانت الحيوانية والطبيعية باقيتين على قوتهما، ولذلك ينبغي أن يستقر (180) المريض ويسكن في وقت المنتهى. وقوله: "إن رأيت أن (181) تحرك شيئا، فحرك" جعل المشورة معلقة بالتفويض والنظر منك، لأنه قد يمنع من الاستفراغ السن والبلد وضعف القوة وغير ذلك. ويريد بالتحريك: الاستفراغ؛ لأن الاستفراغ يكون معه تحرك البدن وتحرك الكيموسات أيضا، والاستفراغ في أول المرض المرجو منه السلامة يعين على سرعة النضج لأن المادة تقل فتقوى الطبيعة PageVW0P035A على إنضاجها.
[فصل رقم 55]
[aphorism]
قال أبقراط: إن جميع الأشياء في أول المرض وفي أخره، أضعف؛ وفي منتهاه، أقوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل هو علة للفصل السابق، ويريد بالأشياء أعراض الأمراض، وهي تكون في أول المرض وفي آخره أضعف، وخاصة في الأمراض السليمة العاقبة، فلذلك أمر بالاستفراغ والتحريك في هذين الوقتين لقلة الأعراض الرديئة والآلام فيهما، وذلك كالنوائب والأرق والوجع والكرب والعطش.
[فصل رقم 56]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الناقه يحظى من الطعام ولا يتزيد بدنه شيئا، فذلك رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بفصول تقدمت، وهي نحو قوله: إذا كان الناقه من المرض ينال من الغذاء فلا يقوى به فالحظوة من الطعام بمنزلة النيل منه. وقوله: ولا يتزيد بدنه، بإزاء قوله: فلا يقوى به، لكن التزيد يريد به PageVW3P041B الخصب. والقوة تكون في الحركات والأفعال وأحدهما لازم عن صاحبه PageVW2P039B غالبا. وامتناع تزيد البدن وخصبه مع (182) الحظوة من الطعام ربما كان لضعف القوة الغاذية، وربما كان من قبل الأخلاط وكلاهما (183) رديء. فإن كان لضعف القوة الغاذية، فينبغي أن يقوى وأن يقلل من مقدار الغذاء. وإن كان من قبل الأخلاط، فينبغي أن ينضج ويستفرغ.
[فصل رقم 57]
[aphorism]
قال أبقراط: إن في أكثر الحالات، جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر فلا يتزيد بدنه شيئا، فإنه بآخره يؤول أمره إلى (184) أن لا يحظى من الطعام. فأما من يمتنع (185) عليه في أول أمره النيل من الطعام امتناعا شديدا ثم يحظى منه بآخره، فحاله يكون أجود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كأن هذا الفصل مقول (186) في حق الناقه بدليل قوله: "فلا يتزيد بدنه شيئا" فإن العادة جارية أن يقال التزيد في حق الناقه الذي نقص بدنه المرض (187)، ويمكن أن يكون عاما في الناقه وغيره، وهو PageVW1P031B كل من حاله رديئة وبه مرض ما هزله، فإنه إذا كان يحظى من الطعام في أول أمره ويشتهيه فلا يتزيد به بدنه ولا يخصب ولا يزداد صلاحا، فإنه في آخر الأمر تضعف القوة والشهوة وتكثر الفضول في بدنه من الغذاء الذي لم ينهضم على ما ينبغي فتسقط شهوته بآخره ويمتنع من الطعام أصلا. فأما من يمتنع من الغذاء في أول مرضه ولا يشتهيه لغلبة الكيموس الرديء وقلة الشهوة، فإنه بالإمساك عن الطعام تنضج الطبيعة الفضل، فإذا صار يحظى من PageVW0P035B الطعام دل على نهوض القوة ونضج الفضل والإقبال، فلذلك كانت حال هذا أجود من الذي سبق، لأنه ضده. وقوله: "فإنه يؤل أمره" هو خبر إن الأولى وأعاده (188) على جهة التوكيد. والفاء في قوله: "فإنه" جواب لما في الكلام من معنى الشرط الموجود في "من" من قوله: إن في أكثر الحالات جميع من يأتيه.
[فصل رقم 58]
[aphorism]
قال أبقراط: صحة الذهن في كل مرض PageVW2P040A علامة جيدة، وكذلك الهشاشة إلى الطعام؛ وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما صحة الذهن فدليل على سلامة الدماغ وما يليه. وأما الهشاشة إلى الطعام فدليل PageVW3P042A على سلامة الكبد والمعدة والأمعاء وسائر آلات الغذاء وما يليها. وإذا كانت هذه الأعضاء سليمة (189) فليس رجاء السلامة بضعيف. وينبغي إذا سمعت أبقراط يقول: علامة جيدة أو رديئة أو محمودة أو مذمومة، ألا تجعلها دليلا على السلامة والعطب قطعا ويقينا، بل تجعل الحكم على ذلك منك وهو أن تحصي العلامات المحمودة على انفرادها والمذمومة على انفرادها، وتوازن بينها في القوة والضعف وتغلب بعضها على بعض وتحكم بالموت والسلامة من جهة الأقوى والأضعف والأقل والأكثر.
[فصل رقم 59]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان المرض ملائما (190) لطبيعة المريض وسنه وسحنته (191) والوقت الحاضر من أوقات السنة، فخطره أقل من خطر المرض إذا كان ليس بملائم لواحدة من هذه الخصال.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالطبيعة ههنا (192) المزاج الكائن من الأسطقصات (193) الأول، وهذا هو المعنى الذي يقصده في كتاب طبيعة الإنسان وفي أكثر كتبه، فكأنه يقول: إذا كان المرض ملائما لمزاج البدن الأول ولمزاجه الحاضر الحادث بسبب سنه أو سحنته (194) أو الوقت الحاضر فخطره أقل، فالمرض الحار يلائم المزاج الحار وسن الشاب والصيف والبلدان الجنوبية ونحو ذلك. وعلى هذا القياس الأمراض الباردة والرطبة واليابسة تلائم ما يشابهها من هذه الأشياء. والعلة في هذه القضية أن المرض إذا كان ملائما لطبيعة المريض لم يدل على إفراط قوته وغلبته PageVW0P036A على الطبيعة، PageVW1P032A فلا يكون فيه عظيم خطر، وأيضا فيقبل العلاج بالضد PageVW2P040B من غير خطر ولا توق وحذر، كشاب حار المزاج عرضت له حمى محرقة في الصيف في بلد جنوبي فإنا نستعمل المبردات بلا حذر ولا توق. فأما المرض الذي ليس ملائما لطبيعة المريض والسن والسحنة (195) وغيرها، فإنه لم يظهر إلا وقد غلب عليها بأسرها واستولى وقوى لأن من شأن هذه أن تكفه وتمنع من حدوثه، فحيث لم تفعل ذلك دل على أنها مغلوبة وأنه الغالب. وإذا كان المرض PageVW3P042B غالبا في أول الأمر، كان خطرا، وأيضا فإنا لا يمكننا أن نقابله بالضد مطلقا بل بتوق وحذر، كما يعرض لشيخ هرم حمى محرقة في الشتاء وفي بلد شمالي فإنا لا نستعمل (196) معه المبرادات بفعل مطلق بل بقدر مع تحرز وتوق. وإذا كان مانع عن مقابلة المرض بالضد على ما تقتضيه طبيعته لم يكن العلاج تاما، ولم يكن رجاء النضج وشيكا وثيقا. وقد ظن قوم خلاف ذلك، وأن الحمى المحرقة في الشتاء أسرع برءا (197) منها في الصيف. قالوا: لأن الوقت الحاضر يعين في التبريد (198)، ولم يعلموا أن المرض لم يهج إلا والوقت لم يقو (199) على مقاومته وعجز عن ردعه لغلبته، ثم إن التجربة تشهد بضد ما ذهبوا إليه، وبصحة ما قاله أبقراط، وذلك أنك إذا تأملت حمتين (200) محرقتين متساويتين حدثت إحداهما في الصيف والأخرى في الشتاء، وجدت التي في الشتاء أقرب إلى الهلاك. فأما الحمى التي تعرض والهواء حار ثم يبرد فليست غير ملائمة، وكان برد الهواء مما يعين على شفائها، لأنها عندما حدثت كان الهواء ملائما لها بحرارته، فلم يدل على قوة هيجانها وغلبتها، فإذا برد الهواء صار سببا معينا على الشفاء، فصار الوقتان جميعا ملائمين للمرض، ولم يكن في ذلك تناقض لأن الهواء الذي PageVW2P041A كان فيه ابتداء الحمى غير الهواء الذي كان فيه انقضاؤها، فهذا وما أشبهه ليس بمتناقض. وكذلك قوله" "إن البحوحة والنزلة في الشيخ الفاني لا ينضجان" ليس بمناقض لهذا الفصل وإن كانت هذه الأمراض ملائمة لسن الشيخ فإنه لم يكتف (201) بقوله: "شيخ" حتى قال: فان. وفرق بين ألا ينضج الشيء، وبين أن يكون ذا خطر. وأيضا فإن كونه ذا خطر هو لضعف قوته لا لكونه شيخا، وإن كانت سنه ملائمة لطبيعة المرض. ومما يوهم من قوله التضاد وليس بمتضاد، ما PageVW0P036B قاله في كتاب ابيديميا أن أكثر من كان يموت، من كانت طبيعته مائلة إلى السل. فإنه إنما يريد هنا بالطبيعة خلقة الأعضاء، لا مزاج الاسطقصات (202) PageVW3P043A لأن خلقة البدن قد تسمى طبيعة. وقد ظن قوم أن المرض الملائم هنا هو المضاد، وليس ذلك بصحيح.
[فصل رقم 60]
[aphorism]
قال أبقراط: إن الأجود في كل مرض، أن يكون ما يلي السرة، والثنة (203) له ثخن، ومتى كان PageVW1P032B رقيقا جدا منهوكا، فذلك رديء. وإذا كان ذلك أيضا كذلك، فالإسهال معه خطر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ينبغي أن يكون البطن سليما من كل حال خارجة عن الطبيعة على كل حال. والثخن يريد به السمن (204). والرقة يريد بها الهزال. وهزال هذه المواضع علامة رديئة وسبب رديء، أما كونه علامة رديئة فلأنه دال على ضعف تلك الأعضاء وذوبانها، وأما كونه سببا (205) رديئا، فلنقص الاستمراء به، لأن جودة الهضم والاستمراء إنما يتم بثخن هذه الأعضاء وما يغشيها (206) من الشحم فتسخن وتحتقن حرارتها، فإذا زال ما يغشى لحقها من الضرر بإزاء ما يلحقها من الانتفاع قبل. وظاهر (207) أن الإسهال مع رقة هذه الأعضاء خطر. وذكر الإسهال دون القيء، لأن أمر القيء ظاهر، ثم إن الإسهال في هذه الحال أخطر. وأما الثنة فخاص PageVW2P041B بالإسهال أكثر لأنه أسفل البطن، فأقسام البطن ثلاثة: ما دون الشراسيف، وما حول السرة (208)، الثنة. فإن الثنة (209) ما بين السرة والفرج.
[فصل رقم 61]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيء بدواء، أسرع إليه الغشي، وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما من كان بدنه صحيحا فلا عجب أن يحدث القيء والإسهال به غشيا من قبل أن الدواء من شأنه أن يخرج الفضل الرديء، فإذا لم يجد فضلا رديئا استفرغ الشيء المحمود المحتاج إليه، المحبوب عند الطبيعة، ومن شأن الطبيعة ألا تسمح بما تحتاج إليه ولا تعين في دفعه كما تعين في دفع الشيء المؤذي فيحصل بين الدواء والطبيعة مقاومة ومجاذبة، فإن كان الدواء ضعيفا قهرته الطبيعة ولم يكد يؤثر، وإن كان قويا قهر الطبيعة وابتزها ما (210) تؤثره وأجهدها ذلك فحدث بها كلال وغشي. وأيضا فإن الدواء في البدن السقيم يستفرغ الخلط PageVW3P043B الرديء، فتجد الطبيعة خفا PageVW0P037A وراحة بفراقه. وفي البدن الصحيح إنما يستفرغ الشيء الضروري المحتاج إليه، فتنحل القوة بفراقه، فيحصل الغشي. وأيضا فإن البدن الذي فيه كيموس رديء، من شأن الطبيعة أن تنهض لنفضه، فإذا عجزت أعينت بالدواء فيجتمعان جميعا على استفراغ ذلك الكيموس. فإن كان البدن صحيحا، كانت الطبيعة تحتفظ بالكيموس الجيد ولا تمكن الدواء من نفضه ولا تسمح به إلا بعد أن تضعف عن حفظه وتخور عن مقاومة الدواء فتنحل قواها ويعرض الغشي؛ فالدواء في البدن الصحيح معين (211) على (212) الطبيعة، كما أنه في البدن المريض معين لها. وأيضا فإن الأدوية المسهلة كلها سمية ومؤذية للمعدة والأمعاء والكبد والقلب، تنهك المعدة وأكثر الأعضاء PageVW2P042A لكن يحتمل أذاها لما يعقبه من إخراج الخلط الردئ الذي لو بقي لكان أشد إضرارا فيحتمل هذا لهذا. وأما في PageVW1P033A البدن الصحيح فيتمخض الأذية والمفسدة (213) ولا يكون في قبالتها مصلحة تتلافى بها وتحتمل لأجلها. وأيضا فإن الأدوية تجتذب من الأخلاط الرديئة ما يلائمها، فإذا لم تجد اجتذبت من الشيء النافع. وأيضا فإن الأعضاء الصحيحة السليمة قوية الإحساس، فإذا ورد عليها الأدوية نكت فيها بقوة وسرعة. وأيضا فإن الأعضاء السليمة والبدن الصحيح مهيأ لقبول الغذاء فإذا ورد عليه الدواء، أقبل (214) أولا بطبعه على هضمه فإذا (215) لم يجده قابلا للهضم انعكس فعله ورجع القهقري في قصده، وكل ذلك يوجب فسادا وانحلال قوة. وأما الصنف الآخر فهو ضد الصنف الأول، وهو البدن الذي الغالب عليه الفساد وقد استولى عليه الكيموس الردئ، سواء كان الغذاء الرديء يرد عليه من خارج فإنه غذاء بالقوة القريبة لأنه يفعل دما رديئا، أو كان في البدن متولدا، فإن البدن الممتليء من الغذاء الردئ إذا حرك بدواء لم يكن في قوة الدواء أن يستفرغ هذا الخلط كله فيثور كامنه PageVW3P044A وينتشر مخبوءه ويسيل جامده ويغلب على الأعضاء، فيكون منه غشي ظاهر، لأنه يخنق (216) الأعضاء بكثرته وسيلانه وانتشاره، والطريق في استفراغ من هذا سبيله تلطيف الغذاء وإصلاحه بالتدريج واستفراغه بعد ذلك قليلا قليلا.
[فصل رقم 62]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه صحيحا، PageVW0P037B فاستعمال الدواء فيه يعسر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يعني بالدواء هنا المسهل والمقيء (217) خاصة، وهذا الفصل أعم حكما من الفصل المتقدم لأنه حكم في المتقدم بصنف واحد مما يعرض لمن بدنه صحيح وهو الغشي، وحكم هنا بأمر عام وهو PageVW2P042B قوله "يعسر"، لأنه يعرض لهم منه دوار ومغص وعسر ما يخرج فيسرع إليهم الغشي. وإنما يعرض لهم هذه الأعراض من قبل أن الدواء المسهل يتوق إلى اجتذاب الكيموس الملائم له من الصفراء أو السوداء أو البلغم أو الفضلة المائية (218)، فإذا لم يجد فضلا، جاذب الدم واللحم واستكرههما لينزع منهما (219) ما فيهما مما يلائمه.
[فصل رقم 63]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا، إلا أنه ألذ؛ فينبغي أن يختار على ما هو منهما أفضل، إلا أنه أكره.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "أخس قليلا" معناه أقل منفعة، وشرط أن يكون أخس قليلا لأنه إن كان أخس كثيرا وكان كثير الرداءة لم تف لذته بمضرته، فأما إن كان أخس قليلا فإن لذته تفي بمضرته. فإن الشيء قد يكون فاضلا في حاسة المذاقة وليس الشيء المتولد عنه فاضلا، وقد يكون مستكرها في حاسة المذاقة لكن الدم المتولد عنه فاضل. وليس تمكين المريض من اللذيذ (220) مع كونه أخس قليلا على جهة المساهلة في حقه فقط، بل لأن PageVW1P033B اللذيذ تحتوي عليه المعدة وتقبله النفس وتشتمل عليه القوة فيجود هضمه؛ وليس المستكره كذلك فإنه قد يحدث عنه قيء وغثي لنفور النفس عنه.
[فصل رقم 64]
[aphorism]
قال أبقراط: الكهول، في أكثر الأمر، يمرضون أقل مما يمرض (221) الشباب، إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة، على أكثر الأمر، يموتون وهي بهم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنما صاروا يمرضون PageVW3P044B أقل من الشباب لقلة الأخلاط الحادة في أبدانهم، وإنما صارت الأمراض المزمنة، على أكثر الأمر، يموتون وهي بهم من قبل ضعف قواهم، وأن الأمراض المزمنة كلها باردة تحتاج إلى حرارة قوية تنضجها؛ وهذا يكون في الكهول الذين (222) يملكون شهواتهم ويتحفظون في طعامهم وشرابهم، PageVW2P043A فأما من لم يضبط منهم نفسه فلا يلزم أن يكون مرضه أقل من مرض الشباب بل ربما كان أكثر.
[فصل رقم 65]
[aphorism]
قال أبقراط: إن ما يعرض من البحوحة والنزل للشيخ الفاني، ليس PageVW0P038A ينضج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بالفصل الذي (223) قبله على جهة المثال له، فإنه ليس البحوحة والنزل فقط يلزم الشيخ الفاني إلى الممات، بل علل الكلام والمفاصل، والنقرس، والنسا، والعلل الباردة العارضة في المعا وفي الطحال والربو والسعال، وأصناف الحدبة، أعني ما يكون منها إلى خلف وإلى قدام وإلى جانب، وسائر ما يعرض من الأخلاط الباردة، التي لو عرضت لبعض الشباب عسر برءها فيهم فضلا عن الشيخ. والنزل على فعل كالضرب مصدر جعل اسما لما ينزل من الرأس إلى الصدر فيحتاج إلى نضج، ويحتمل أن يكون نزل بضم أوله وفتح ثانيه، جمع نزلة كقرية وقرى، ويكون النزل بمنزلة (224) النزلات كما هو موجود في بعض النسخ. وقوله: "ليس ينضج" في "ليس" ضمير عائد إلى ما (225).
[فصل رقم 66]
[aphorism]
قال أبقراط: من يصيبه مرارا كثيرة غشي شديد، من غير سبب ظاهر، فهو يموت فجأة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: صحة هذا الحكم تحتاج إلى ثلاث شرائط: أن يكون الغشي مرارا (226) كثيرة، وأن يكون الغشي شديدا (227)، وأن لا يكون الغشي (228) من سبب ظاهر، فإن من اعتراه الغشي من طول المكث في الحمام، أو من بعد عهده بالطعام، أو نحو ذلك من الأسباب الظاهرة لم يدل ذلك منه على موت الفجاءة؛ فإن من عرض له الغشي الشديد من غير سبب ظاهر مرارا (229) كثيرة دل ذلك منه (230) على ضعف القوة الحيوانية واستيلاء كيموس رديء على الأعضاء الرئيسة (231)، فإن أتى بقوة خنق الروح فحصل عنه PageVW3P045A موت الفجاءة.
[فصل رقم 67]
[aphorism]
قال أبقراط: السكتة إن كانت قوية، لم يمكن أن يبرأ (232) صاحبها منها؛ PageVW2P043B وإن كانت ضعيفة، لم يسهل أن (233) يبرأ (234).
[commentary]
قال عبد اللطيف: السكتة تختلف في القوة والضعف بحسب قوة السبب الفاعل لها، وجميع أصنافها رديئة خطرة (235) PageVW1P034A لا يكاد يرجى منها السلامة، لكن الرجاء في بعضها منقطع، وفي بعضها ضعيف، وفي بعضها أقل ضعفا. فالسكتة بالجملة هي أن يعدم البدن كله الحس والحركة بغتة. فأما حركة النفس (236)، فإن عدمها أيضا فالسكتة أعظم ما يكون وأقوى وأوحى؛ وإن لم يعدمها لكن كان تنفسه باستكراه فسكتته (237) أيضا قوية لكن دون الأول؛ فإن كان تنفسه سهلا من غير PageVW0P038B استكراه ولا مجاهدة لكنه مختلف لا يلزم نظاما واحدا فهي دون الأول لكنها قوية أيضا؛ فإن كان يتنفس صاحبها تنفسا منتظما فهذا وحده سكتة ضعيفة، ويمكن إذا أحسن تدبيره أن يبرأ لكن يعسر أيضا. واعلم أن السكتة لا يجري معها الروح النفساني إلى ما دون الرأس من البدن، إما لعلة في الدماغ من جنس الورم، وإما لامتلاء (238) بطون الرأس رطوبة بلغمية وبحسب مقداره يكون عظم السكتة. والعجب تحرك عضل التنفس فيها مع بطلان سائر العضل، وكأن ذلك إنما يكون لا لكثرة (239) الحاجة كما يعرض في أصحاب الرياضة، بل لضعف القوة كما يعرض لمن به حمى قوية فيضطر العضل كله أن يطلب الحركة ليجتمع من حركة جميعه جملة ذات قدر.
[فصل رقم 68]
[aphorism]
قال أبقراط: الذين يختنقون ويصيرون إلى حد الغشي، ولم يبلغوا إلى حد الموت، فليس يفيق منهم من ظهر في فيه الزبد.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "الذين يختنقون" أي الذين هم في الاختناق وفي طريقه، وقد ابتدأت بهم أسبابه. وقوله: "ويصيرون إلى حد الغشي" أي وظهر بهم من أسباب الاختناق ما أوصلهم إلى حد الغشي، لكن لم يصلوا (240) PageVW2P044A إلى حد الموت، أي لم يموتوا بعد، فإن من ظهر منهم في فيه (241) الزبد PageVW3P045B مات ولم يفق، وهذا الحكم على الأمر الأكثر لا أنه واجب. وإنما كان الزبد دليلا على الهلاك لأنه يدل على أمر خانق أكره الرئة على حركة عنيفة، وذلك أن آلات التنفس إذا ضاقت لعارض من داخل يسد المجاري (242)، أو من خارج كمن يجعل (243) في عنقه (244) وهق، فإن القلب عند ذلك ينحبس فيه فضل دخاني كثير فيضطر (245) أن يدفعه عنه إلى الرئة فيحفزها (246) ذلك ويضطرها إلى الحركة فيختلط الجوهر المائي لحفز الحركة بالجوهر الدخاني والبخاري وتتصغر أجزاؤها وتتداخل فيكون عنه الزبد. فصار الزبد دليلا على احتقان حرارة القلب وغليانه وضيق مجاري التنفس واستكراه حركة الرئة ومجاهدتها، وهذا كله دليل على الموت. واعلم أن كل زبد إنما يتولد من مداخلة الريح للرطوبة وتصغر أجزائهما، فإن كانت الرطوبة لزجة (247) والمداخلة قوية وتصغر الأجزاء كثيرا عسر انحلال الزبد كالزبد المجتمع PageVW0P039A في أفواه الخيل إذا ركضت، وفي أفواه الخنازير البرية إذا غضبت، وقد يكون المبدأ PageVW1P034B الفاعل لذلك حركة كما يعرض لموج البحر، وقد يكون حرارة كما يعرض للخنازير البرية، وقد يكون منهما جميعا كما يعرض للخيل المركوضة وكما يعرض للمختنق.
[فصل رقم 69]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بدنه غليظا جدا بالطبع، فالموت إليه أسرع منه إلى القضيف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: غلظ البدن هنا لا يريد به عظم الجثة ولا الفخامة، بل البدن البار الشحم (248) ويكون ذلك له بالطبع، فإن عروق من هذه حاله ومجاري روحه ضيقة والدم والروح في بدنه قليلان، فهذا إذا تمادت به السن طفئت حرارته من أدنى سبب. فأما المهزول PageVW2P044B القضيف فليس يخاف عليه من هذا الوجه، لكن من جهة أن أعضاءه (249) الرئيسة (250) بارزة ليس لها ما يسترها فتسرع إليها الآفة مما يلقاها من خارج. وإنما زاد لفظة جدا ليخرج عنه الغليظ المعتدل، فإنه أفضل من هذا ومن القضيف؛ لأنه وسط بين طرفين مذمومين. وزاد "بالطبع" ليخرج عنه من عرض له العبالة بعد أن كان PageVW3P046A قضيفا أو معتدلا كمن تودع أو استعمل أدوية مسمنة أو رياضات لذلك (251) فشحم شحامة بإفراط، فهذا وإن كان قد جاوز حد الاعتدال كالأول فإن عروقه واسعة بالطبع، وإن كان قد حصل لها ضيق لمزاحمة (252) الشحم لها، لكنه لا يبلغ حد من ولد ضيق العروق. وأفضل الأحوال أن يكون البدن حسن اللحم معتدلا، لا (253) غليظا ولا مهزولا، فإن فاته الاعتدال، فإفراطه في الهزال أجود، وإفراطه في الغلظ أردأ (254). وإنما ذكر هذا الفصل بعد ذكر السكتة ليعرفك أن من كان غليظ البدن بالطبع، ضيق العروق، قليل الدم والروح منذ المولد، فهو مهيأ للسكتة والاختناق، وأنه إذا عرضت له سكتة كان الموت أسرع إليه من القضيف إذا عرضت له سكتة.
[فصل رقم 70]
[aphorism]
قال أبقراط: صاحب الصرع إذا كان حدثا، فبرؤه (255) منه يكون خاصة بانتقاله في السن والبلد والتدبير.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الصرع قريب من السكتة لأن موضعهما واحد وهو الدماغ، والكيموس الفاعل لهما واحد وهو كيموس بارد غليظ، لكن السكتة تعدم معها PageVW0P039B الحركة بأسرها، فأما الصرع فمعه حركة مضطربة. وقوله: "بانتقاله في السن" أي في سن (256) الشباب وهي سن حارة يابسة، فبالحري أن تبرئ ما كان باردا غليظا وتحلله. ولا يريد هنا الانتقال إلى سن PageVW2P045A * الكهول والشيخوخة بل إلى سن (257) الشباب خاصة لأنها سن تقوى (258) فيها الحرارة وتقوى (259) القوى الطبيعية والحيوانية والنفسانية كلها، ويقوى فيها الدماغ وقوى الحس والحركة والتمييز، وإذا قويت هذه فبالحري أن تدفع عنها الأذى وتنضج الفضل النيء (260) وتلطف ما غلظ منه، ولذلك إذا لم يبرأ الصرع في الانتقال إلى سن الشباب لم يرج (261) برءه فيما بعد. وقوله (262): "والبلد والتدبير" أي يكون برءه بانتقاله (263) إلى بلد PageVW1P035A غير بلده، وغذاء غير غذائه. وينبغي أن يكون البلد المنتقل إليه أحر وأيبس من البلد المنتقل عنه، وكذلك الغذاء المنتقل إليه على قياس السن، أعني أن يكون أحر PageVW3P046B وأيبس. وذكر التدبير ليكون عاما للغذاء والرياضة وكل ما يأخذ به المرء نفسه.
[فصل رقم 71]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان (264) وجعان معا، وليس هما في موضع واحد، فإن أقواهما يخفي الآخر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "إذا كان وجعان معا" أي معا في الجسد، ولكن (265) في عضوين متباينين كالساعد والساق، لا في مكانين من عضو واحد (266)، ولا في مكان واحد منه؛ فإن ذلك يزيد في الألم ولا يخفي أحدهما الآخر. وكلما كان العضوان الوجعان أكثر تباينا، كان إخفاء أقواهما أضعفهما أظهر. وأمراض النفس على وزن (267) أمراض الجسد، فإن من اغتم من أمرين عن سبب واحد أو من جنس واحد ازداد غمه، فإن كانا (268) مختلفين أنسى أقواهما وأهمهما الآخر. فإن من مات له فرسان فهو أزيد هما ممن مات له فرس واحد (269)؛ ومن مات له حمار وسرق له ألف دينار، لم يظهر غمه على الحمار.
[فصل رقم 72]
[aphorism]
قال أبقراط: في وقت تولد المدة، يعرض الوجع والحمى أكثر مما يعرضان (270) بعد تولدها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن المدة جسم سيال متولد PageVW2P045B عن الدم المستحيل إلى حالة متوسطة بين الجودة والرداءة، لأن الجودة المطلقة أن يبقى دما صحيحا، والرداءة المطلقة أن يعفن وينتن. فأما المدة فمتوسطة بينهما، فإن حدوثها ليس من الحرارة الغريبة مطلقا كالشيء العفن المنتن، ولا عن الحرارة الغريزية وحدها كالدم المطلق، بل تغير الدم إلى المدة يكون بهما جميعا، PageVW0P040A فالحرارة الغريبة تخرجه عن حقيقة الدم، والحرارة الغريزية (271) تنضجه وتمنعه من النتن والعفونة، ثم إن العضو الممد (272) يسخن ويتمدد ويؤلم فتتبعه الحمى لمشاركة القلب، وهذان يعرضان (273) عندما يعرض للدم الاستحالة الشبيهة (274) بالغليان والاحتراق، فإذا تكامل وصار قيحا عاد بمنزلة الرماد المحترق من الخشب فيسكن اللهيب وتفتر الحرارة، ولاسيما إن خرجت المدة. وأيضا فإن المدة إنما تتكون عن دم انصب (275) عن موضعه الطبيعي إلى فضاء غير طبيعي لكونه، فإذا أخذ يعفن أخذت الطبيعة في دفعه وإخراجه، PageVW3P047A ولا يمكنها ذلك وهو على حاله والعضو أيضا على حاله من القوة والتكاثف فتعفنه وتخلخل (276) العضو وتهيئ له مخرجا وتتلطف في ذلك وتبذل الجهد. وكلما كان العضو أقوى وأشد اكتنازا (277) كانت مجاهدتها أكثر، فلذلك يحصل في العضو تمدد وألم، وفيها تعب المجاهدة وحركة غير طبيعية، فيتبع ذلك حمى الروح؛ فإذا أنضجت الفضل وخلخلت (278) العضو، فرغت من شغلها وقرت (279) وأخذت في الراحة والسكون، كما يستريح أحدنا ويسكن إذا فرغ من أمر وجب عليه فعله. وأيضا PageVW1P035B فإن الطبيعة تستعين في فعلها من الإنضاج وتفتيح المسام بالحرارة فتستثيرها (280) لأنها آلتها (281) * وتستجيش (282) بها لأنها PageVW2P046A جندها (283) فإذا زادت حرارة البدن كان عنه الحمى، كما تعرض الحمى من طول اللبث في الحمام وفي الشمس، فإذا أنهت (284) فعلها واستغنت عن الحرارة كمنت وسكنت وسكن الألم التابع لذلك القلق والاضطراب وخف.
[فصل رقم 73]
[aphorism]
قال أبقراط: في (285) كل حركة يتحركها البدن، فراحته حين يبتدئ به الإعياء تمنعه من (286) أن يحدث له الإعياء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالإعياء هنا الألم العارض عقيب الحركة المفرطة لأعضاء الحركة بحيث لا يقدر على المعاودة على الفور إلا بجهد. ومن استراح وتسكن حينما يبتدئ به الإعياء، وقبل أن يتمكن، لم يحدث له إعياء، فإن من أخذ يقطع مسافة (287) * طويلة، فصار كلما أحس بالإعياء استراح، ثم عاود المشي، قطع المسافة (288)ولم يعرض له إعياء، فإن مشى مشيا متواصلا عرض له إعياء، وربما لم يبلغ غاية المسافة. وقوله: "في كل حركة يتحركها البدن" أي هذه القضية صادقة في كل حركة للبدن بأسره، كحركة اليد والرجل والرأس والعين وسائر الأعضاء، وهذا الفصل فائدته في تدبير الأصحاء أظهر منها (289) في تدبير المرضى، مع أنه لا غنى في تدبير المرضى عنه، فإن المريض قد يحتاج أن يتحرك أو يحرك إما ضرورة وإما منفعة وإما شهوة PageVW0P040B وغير ذلك.
[فصل رقم 74]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتاد تعبا ما، فهو وإن كان ضعيف البدن أو شيخا، فهو أحمل لذلك التعب الذي اعتاده، ممن لم يعتده، وإن كان شابا قويا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن الأعضاء التي تراض وتحرك كثيرا تصير أقوى من غيرها ويغلظ PageVW3P047B جلدها وربما تمحل (290) وتثفن، لأنه أول ما يلقى الحركة يعيى (291) ويضعف ويدمي (292)، وإن كان يلاقي أشياء صلبة ولها حدة كالمقصين والمطرقة والإبرة وغير ذلك، فإذا دام على ذلك أرسلت إليه الطبيعة جوهرا صلبا كالجنة والوقاية وكونت منه جسما قويا PageVW2P046B قليل الإحساس مقاوما لملاقاة تلك الصلابات، ولا يفعل ذلك إلا بمقدار الحاجة، وفي موضع الحاجة، ووقت الحاجة، ويسمى هذا الثفنات تشبيها (293) بثفنات البعير وهي مباركه التي تلقى الأرض ويسمى المحل وأثر العمل. وكل إنسان له رياضة تخصه، وتعب قد اعتاده، فيقوى ذلك العضو المستعمل في تلك الرياضة فيصير الإنسان لذلك أحمل لما اعتاده مع كثرته وقوته ممن لم يعتده، وإن كان ما يستعمل منه قليلا وضعيفا، ويصير الضعيف البدن والشيخ أحمل لذلك التعب الذي اعتاده - مع كثرته - من الشباب القوي إذا لم يكن قد اعتاده، وإن استعمل منه قليلا. وكثيرا ما يرى الفلاحين والمكارين والحمالين (294) وغيرهم من أرباب الرياضات أضعف كثيرا ممن اعتاد (295) الرفاهية والخفض، لكنه يقدر على الفعل الذي PageVW1P036A اعتاده، ويعجز عنه المترفه مع قوته. واتفق لي في سفري عن مصر أن احتجت إلى شد حبل من الليف وعقده، وكان معنا شاب قوي جدا لكنه من أرباب الدعة فأخذ يمارس الحبل زمانا فعجز عنه، فأتى شيخ حمال ضعيف فلواه في أسرع وقت وأحكم عمل، ففكرت في ذلك وإذا بيد (296) الشاب القوي ناعمة مترفة تتألم من ممارسة الحبل وتتسلخ جلدتها، وأمسكت (297) يد الحمال فوجدتها أخشن من الحبل وأصلب من الحجر، تؤثر في الحبل ولا يؤثر فيها، فعلمت أن قوة الآلة، أعني يده (298) وخشنها، هي التي أعانته، لا قوته في نفسه؛ وأن نعومة يد الشاب هي التي خانته، لا قوته.
[فصل رقم 75]
[aphorism]
قال أبقراط: ما قد اعتاده الإنسان منذ زمان طويل، وإن كان أضر مما لم يعتده، فأذاه له أقل؛ فقد ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الحكم عام في كل ما اعتاده الإنسان من الطعام والشراب PageVW2P047A PageVW3P048A والحركة والسكون والاستحمام والسهر والهم والغم وأضداد هذه الأشياء، PageVW0P041A وأما الفصل الأول فمقصور على الحركة والرياضة فقط. فقوله: كل ما اعتاده الإنسان منذ زمان طويل يعني صار ملكة. وقوله: "وإن كان أضر مما لم يعتده". معناه أن يكون ما اعتاده رديئا أو ليس (299) بجيد بالقياس إلى البدن المعتدل، فأذاه له أقل من أذاه لمن لم يعتده وربما لم يؤذ (300) من اعتاده أصلا وكان أذاه (301) بينا ظاهرا فيمن لم يعتده. وقوله: "فقد ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده" له معنيان: أحدهما أن الإنسان إذا كان قد اعتاد ما هو أردأ ولم يظهر تضرره به فينبغي أن ينتقل إلى ما هو أفضل لتحصل له صحة وثيقة (302) فإن صحة من اعتاد الغذاء الرديء غير موثوق (303) بها. والمعنى الثاني: أنه نهى (304) الإنسان عن ملازمة شيء واحد واعتياده وحده وأمره بالانتقال إلى أشياء كثيرة وتجربتها لتألف (305) طباعه الانتقال، فإنه إن لم يألف الانتقال واضطرته حوادث الزمان التي هي الحاكمة علينا إلى الانتقال عن المعتاد إلى غيره كان من ذلك العطب أو الخطر، فإذا كان الانتقال عن (306) المضر إلى ما هو أفضل، خطرا أو غررا (307)، فما ظنك بالانتقال عما هو أفضل إلى ما هو أردأ. وينبغي أن يفهم من الانتقال هنا، الانتقال دفعة. فأما الانتقال على تدريج وبوسائط فلا يظهر له ضرر ولا خطر. وقد بينا ذلك ملخصا في مقالة لنا في العادة وذكرنا فيها عادات النفس وعادات (308) الجسد. واعلم أن الطعام والشراب يكسبان المعدة طبيعة خاصة، ثم تسري تلك الطبيعة المستفادة إلى سائر الأعضاء، وذلك أن البدن، وإن كان قاهرا للأطعمة والأشربة أولا، فإنها تحيل وتؤثر فيه وتغيره أخيرا، وأولا PageVW2P047B أولا (309)، وقليلا قليلا، وإنما يظهر ذلك فيمن PageVW1P036B لزم طعاما واحدا أو شرابا واحدا؛ وأكثر ما يتبين ذلك في الشراب، فإن من اعتاد شرب الماء صعب عليه الخمر، ومن اعتاد الخمر عسر عليه هضم الماء.
[فصل رقم 76]
[aphorism]
قال أبقراط: استعمال الكثير بغتة مما يملأ البدن، أو يستفرغه، PageVW3P048B أو يسخنه، أو يبرده، أو يحركه (310) بنوع آخر من الحركة - أي نوع كان - فهو خطر. وكل ما كان كثيرا، فهو مقاوم للطبيعة. فأما ما يكون قليلا قليلا، فمأمون متى أردت انتقالا من شيء إلى غيره، ومتى أردت غير ذلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما الكثير هنا (311) فهو بالقياس إلى القوة، ولاسيما قوة من لم يعتده. وقوله: "بغتة" أي من غير عادة متقدمة، فإن الشيء الذي لم يعتده الإنسان لا ينبغي أن يباغت عليه بالمقدار الكثير، بل أقل مما تحتمله PageVW0P041B قوته، ثم تدرج في الزيادة، والأفضل أن يخلل بين ما لم يعتده ما يعتاده (312) إيناسا للطبيعة ومداراة (313) لها. وقوله: "مما يملأ البدن" يعني من الأطعمة والأشربة. وقوله: "أو يستفرغه" يعني القيء والإسهال وغير ذلك من أنواع الاستفراغ. وقوله: "أو يسخنه" كالاستحمام والتعب. وقوله: "أو يبرده" كالتعرض للهواء البارد والماء البارد والأدوية الباردة والأغذية والأشربة الباردة. وقوله: "أو يحركه" عام لكل حركة ذكرها، أو لم يذكرها. وقوله: "وكل ما كان كثيرا، فهو مقاوم للطبيعة" أي كل شيء كان كثيرا على القوة، فهو مقاوم للطبيعة مؤذ لها، ثقيل عليها. وينبغي أن تكتب ما مفصولة لأنها اسم لا صلة. وقوله: "فأما ما يكون قليلا قليلا فمأمون" فإن قليلا الأول ضد الكثير، وقليلا الثاني ضد بغتة، ومأمون ضد خطر. ويجوز أن يكون قليلا قليلا معناه على التدريج، كأنه قال: فأما ما يكون (314) PageVW2P048A استعماله قليلا قليلا على التدريج. وقوله: "متى أردت انتقالا من شيء إلى غيره" أي متى أردت قبول مشورة أبقراط في الفصل المتقدم في قوله: "فقد ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده". وقوله: "ومتى أردت غير ذلك" أي ومتى أردت انتقالا آخر غير الذي أشرت به، أو أي أمر ألجأك (315) الحال إلى استعماله.
[فصل رقم 77]
[aphorism]
قال أبقراط: إن أنت فعلت جميع ما ينبغي أن تفعل، على ما ينبغي، فلم يكن ما ينبغي أن يكون؛ فلا تنتقل إلى غير ما أنت عليه، ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ما أشرف هذا وأغزر (316) جدواه وأعظم منفعته في سائر الصناعات الطبيعية PageVW3P049A التي تفتقر إلى مداومة الفعل الواحد زمانا ما معينا حتى يظهر التأثير، فإن قلق الإنسان وعجل ولم يصبر على العمل إلى غايته المحدودة وانتقل عنه أفسده، أو لم يحصل غرضه. وإنما يعجل (317) الإنسان ويعدم الصبر على ملازمة العمل، إذا لم يكن على ثقة من حصول الغاية (318)، ولم يقف على مقدار PageVW1P037A زمان العمل. وإنما يعدم الثقة بحصول الغاية من قبل ضعف قياسه وسوء تمييزه (319)، وعدم التجربة والمزاولة، فإن من سلك طريقا اعتاده وعرفه، كان على ثقة من بلوغ الغاية، ويعلم مقدار المسافة، ومقدار الزمان الذي فيه الوصول، ومقدار الحركة التي يقطع بها هذه المسافة في هذا الزمان، فإذا كان عالما بهذا كله PageVW0P042A علما محصلا ارتقب بلوغ الغاية في الوقت الذي من شأنه يبلغ فيه، ولم يطلب الغاية قبله. وأما من (320) كان جاهلا بذلك كله، فإنه يخبط في عمياء، فربما تجاوز الغاية وهو لا يشعر، وربما ارتصدها قبل حينها، فإذا لم يجدها قلق، وتوهم أنه ليس على الجادة وأنه ضال، فزال عن السمت فضل عن (321) الحقيقة وبعد عن بلوغ الغاية. فقوله: "إن أنت فعلت PageVW2P048B جميع ما ينبغي" أي جميع ما يقتضيه القياس، وتوجبه صناعة الطب، وزاد لفظة جميع، لأن الطبيب إن فعل بعض ما ينبغي ولم يجد ما ينبغي فقد يحتمل أن يكون إخلافه لتركه ذلك البعض الآخر، وأنه لو فعله لوجد ما ينبغي. فإذا فعل الطبيب جميع ما ينبغي على ما ينبغي، أي على شروطه (322) من غير إخلال بشيء من ذلك مما (323) يمكن أن يحال الإخلاف عليه فلم يكن ما ينبغي، فلا تنتقل، فكأنه يقول: إن أنت فعلت جميع ما ينبغي من العلاج مما يقتضيه القياس، على ما ينبغي من الشروط، فلم يكن ما ينبغي من الصحة، فلا تنتقل. فما ينبغي الأول هو الفاعل، وما ينبغي الأخير (324) هو الغاية، وعلى ما ينبغي الأوسط داخل في الأول. وقوله: "فلا تنتقل إلى غير ما أنت عليه" أي فلا تغير التدبير والعلاج إلى ضده أو خلافه عملا منك أنك كنت أولا على الخطأ، فإن هذا PageVW3P049B المقدار لا يكفي في أن يتبين به الطبيب خطأ نفسه، فإنه قد يكون تأخر ظهور النجح لأنه يحتاج إلى زمان أطول من ذلك الزمان. فإنه ليس الزمان الذي ينضح فيه لحم الفروج بقدر الزمان الذي ينضج فيه لحم الديك العتيق. وقوله: "ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا (325)" هذه الشريطة الشريفة يريد بها: ما دام ما أدى إليه نظرك واجتهادك ثابتا، يعني إن ظهر لك قياس أصح من قياسك الأول، * أو تزيف قياسك الأول (326) أو ظهر لك علامة تدلك على فساد قياسك، فإن انتقالك -حينئذ- ليس بخطأ، بل هو عين الصواب. فقوله: "ما رأيته" هو من الرأي لا من الروية، على أنه يجوز أن يفهم منه الرؤية بالبصر، أي ما دامت العلامات التي رأيتها في أول الأمر ثابتة لم تتغير، وما دامت الأشياء التي تقصدها بالعلاج PageVW2P049A وتروم زوالها به ثابتة لم تزد ولم تنقص، فإنها إن نقصت وثقت بأن علاجك على النهج القويم، وإن زادت PageVW0P042B وثقت بأن علاجك خطأ فانتقلت عنه، وإن بقيت (327) ثابتة فإياها عنى أبقراط وفيها أشار عليك بأن لا تنتقل وأن النجح متوقع إذا حان (328) أوانه، فإنك إذا فعلت ما ينبغي ولم يظهر PageVW1P037B للنجح أثر، احتمل أن يكون علاجك على غير صواب. لكنك ينبغي أن تنظر، هل ما كنت رأيته أولا ثابت على حاله، أم تزايد؟ فإن تزايد علمت أن علاجك غير صواب، وانتقلت عنه. وإن وجدته ثابتا على حاله، علمت أن علاجك صواب، وإن تأخر النجح من قبل قصر الزمان فإنه سيظهر فيما بعد إذا استوفى الزمان المحتاج إليه.
[فصل رقم 78]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت بطنه لينة، فإنه ما دام شابا، فهو أحسن حالا ممن بطنه يابسة، ثم يؤول حاله عند الشخوخة إلى أن يصير أردأ؛ وذلك أن بطنه يجف - إذا شاخ - على الأمر الأكثر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد تقدم، وتقدم الكلام عليه، لكنه صرح فيه بقوله: على الأمر الأكثر؛ وأضمره هناك. والبطن تذكيره أفصح في اللغة. فقوله: "فإنه" خبر من، والفاء جواب لما في من من معنى PageVW3P050A الشرط. وقوله: "فهو أحسن حالا" الفاء جواب لما في الكلام المتقدم من معنى الشرط، وهو قوله: ما دام، وهو رباط، وهو الذي يسميه أهل النحو: العماد والفاصلة (329)، ويجوز أن يكون "فهو" بأسره زيادة (330) على جهة التأكيد، كأنه يقول: فإنه مادم شابا أحسن حالا.
[فصل رقم 79]
[aphorism]
قال أبقراط: عظم البدن في الشبيبة ليس يكره، بل يستحب. إلا أنه عند الشيخوخة يثقل ويعسر استعماله ويكون (331) أردأ من البدن الذي هو أنقص منه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قد رأى جالينوس أن عظم البدن PageVW2P049B يراد به الطول فقط، فإنه عند الشيخوخة ينحني (332) وتعسر حركته، ويكون أردأ من البدن الذي هو أقل طولا، وذلك عند الشيخوخة؛ فإن عظم البدن يطلق بالحقيقة على البدن الطويل العريض العميق، وقد يطلق على البدن الطويل فقط، وعلى العريض العميق، وهذا أخص باسم الغليظ من العظيم، كما أن الذي قبله أخص باسم الطويل. ولا استبعد أن يكون مراد أبقراط بعظم البدن، زيادته في الأقطار الثلاثة، أو في قطرين، وأن يريد الأقسام الثلاثة، فإن القوة (333) المدبرة للبدن هي التي تحمله، فإذا كان زائد العظم، لم تعجز عن حمله في حال الشبيبة. فأما عند الشيخوخة والهرم، فإنها تضعف وتعجز عن حمله، كما تعجز عن حمل الأشياء الثقيلة.
تمت المقالة الثانية (334).
المقالة الثالثة (1)
[فصل رقم 80]
[aphorism]
قال أبقراط: إن انقلاب أوقات السنة، مما يفعل في توليد الأمراض، وخاصة إذا كان في الوقت الواحد منها التغير (2) الشديد في البرد أو في الحر؛ وكذلك في سائر الحالات، على هذا القياس.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنه (3) يريد بانقلاب أوقات السنة تغير الفصول عن طبيعتها الخاصة بها وانتقالها إلى الحر، أو البرد، PageVW1P038A أو الرطوبة، أو اليبوسة. والانقلاب هو انتقال ما، فإن الانتقال قد يكون دفعة، وقد يكون تدريجا؛ والانقلاب خاصة يشعر بالتغير دفعة. ومعلوم أن البدن يغتذى بالنسيم كما يغتذي بالطعام والشراب بل أضعاف ذلك، فإذا (4) كان الانتقال من الأطعمة والأشربة المعتادة دفعة مما يفعل في توليد الأمراض، فبالحري أن يفعل الانتقال PageVW3P050B إلى أهوية مختلفة دفعة. ثم قال: "وخاصة إذا كان في الوقت الواحد منها التغير الشديد" PageVW2P050A لأن التغير اليسير قد لا يؤثر، أو يؤثر (5) أثرا ضعيفا. وقوله: "وكذلك في سائر الحالات" يفهم منه معنيان: أحدهما أعم، وهو أن يريد كل تغير (6) شديد دفعة، وكل انقلاب إلى الضد بغتة، كان ذلك في الأطعمة والأشربة، أو في الأوقات والأهوية، أو في انفعالات النفس والرياضات، أو في غير ذلك. والمعنى الآخر أخص وهو أن يريد به رطوبة الهواء ويبوسته، وهبوب الرياح وركودها، وهذا هو الأشبه بسياق الفصل. وقوله: "على هذا القياس" يعني أن يكون فيها التغير (7) الشديد بغتة. وقد ذهب قوم إلى أنه يريد بانقلاب أوقات السنة، الفصول، وليس ذلك بحق لأن انقلاب الزمان إلى الفصول المنتظمة ليس مما يذم، وإن كانت تحدث أمراضا، فإنها تبريء أمراضا أخر، فليس حكمه عليها بتوليد (8) الأمراض أولى من حكمه عليها بشفاء الأمراض. واعلم أنه لا يمكن أن يجتمع العلم بهذا الباب، أعني اختلاف الأوقات وما يحدث فيها، من التجربة وحدها دون القياس وقد شهد بذلك أبقراط ثم جالينوس. والعلة في أن (9) التجربة وحدها لا يلتئم (10) منها هذا الباب دون القياس، عسر الوقوف PageVW0P043B على أجزاء الأزمنة والأوقات، وتعذر تحصيل أسباب تغيراتها والحوادث فيها بحيث لا يفوت منها شيء، وقلة تشابه الفصول، وبعد ما بينها؛ فلذلك كله لا تحصل تجربة كاملة لكن تجربة ناقصة قاصرة تفتقر أن تعضد بالقياس وتصحح (11) به.
[فصل رقم 81]
[aphorism]
قال أبقراط: إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود، وفي الشتاء أردأ. ومنها ما يكون حاله في الشتاء أجود، وفي الصيف أردأ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالطبيعة هنا مزاج البدن من الاسطقسات الأربع، وهي تسعة أمزجة: واحد معتدل، وثمانية خارجة عن الاعتدال، فأربعة بسيطة، وأربعة مركبة؛ فلذلك جمع الطبائع لأنها بمعنى الأمزجة وأوقات السنة PageVW2P050B الأربعة لها أيضا PageVW3P051A أمزجة، ولكل (12) فصل أيضا ثلاثة أمزجة أوله، وآخره، ووسطه. فالبدن دون المزاج (13)، يحسن حاله في الفصل الذي مزاجه ضد مزاجه على جهة الدواء، فالبدن الحار اليابس يحسن حاله في الشتاء البارد الرطب، والبدن البارد الرطب يحسن حاله في الصيف الحار اليابس، والبدن الحار الرطب قد يحسن PageVW1P038B حاله في الخريف لبرده ويبسه، وقد يوافقه (14) الشتاء ببرده والصيف بيبسه. وأما المزاج المعتدل فيوافقه (15) الوقت المعتدل، وسائر الأزمنة تؤثر فيه، ولكن أثرا ضعيفا.
[فصل رقم 82]
[aphorism]
قال أبقراط: كل واحد من الأمراض، فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ، وأسنان ما عند أوقات من السنة وبلدان وأصناف من التدبير.
[commentary]
قال عبد اللطيف: رأى جالينوس أن الأفصح في هذا الفصل أن يساق هكذا: كل واحد من الأمراض والأسنان، فحاله عند شيء دون شيء من أوقات السنة (16) والبلدان وأصناف من (17) التدبير أمثل وأردأ. وأنا أرى أنه لو زيد (18) على نظم أبقراط كلمة انصلح، بأن يقال: وأصناف من التدبير كذلك. واعلم أن الأمراض كلها خارجة عن الاعتدال، فتولدها الأوقات والبلدان المشابهة لها، ويبرئها من ذلك ما ضادها. فالمرض الحار اليابس يتولد في الصيف، وفي البلد الحار اليابس، ويبرأ في الشتاء، وفي البلد البارد الرطب. وعلى هذا سائر الأمزجة، فإن حال الضد عند (19) الضد أصلح، وحال الشبه عند الشبه أردأ. وكذلك في التدبير بالأطعمة والأشربة، فإن الغذاء الحار اليابس PageVW0P044A أوفق لصاحب المرض البارد الرطب. والتدبير البارد الرطب أوفق لصاحب المرض الحار اليابس، فأما التدبير الحار اليابس للمرض (20) الحار فإنه (21) أردأ. وكذلك الأسنان، فإن حال الشيخ في الصيف PageVW2P051A أحسن، وفي الشتاء أردأ. وحال الشاب (22) بالضد، فالضد يشفى بالضد، ويحفظ بالشبيه. ولما كان قصدنا في المزاج المعتدل وحده حفظه على حاله، كان ذلك بالشبيه (23) PageVW3P051B من التدبير والبلد والوقت. ولما كانت الأمزجة الثمانية خارجة (24) عن الاعتدال، كان حفظها بأضدادها. ولما كان التاسع وحده هو المعتدل، كان حفظه بشبيهه.
[فصل رقم 83]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان في أي وقت من أوقات السنة، في يوم واحد، مرة حر ومرة برد، فتوقع حدوث أمراض خريفية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: متى كثر اختلاف أوقات السنة واشتد، وتقاربت (25) أوقات الاختلاف، بحيث ينتقل من الضد إلى الضد بغتة وعن قرب، اضطربت الأبدان باختلاف النسيم والاستحصاف (26) تارة، والتخلخل أخرى، في أزمنة متقاربة ومباغتة. فبينما البدن في الاستحصاف باغته ما (27) يخلخله، وبينما هو في التخلخل باغته ما يحصفه، فيصير في قلق، ويعدم الاستقرار على حالة واحدة بعينها زمانا له (28) قدر (29) فيسوء الهضم (30)، وتتولد فضول رديئة تستعد (31) بها الأبدان لقبول الأمراض الخريفية. فإن الخريف إنما يولد الأمراض لاختلافه كثيرا، فإذا حدث ذلك الاختلاف في أي زمان كان، عاد حكمه حكم الخريف في توليد الأمراض، والأمراض (32) الخريفية هي يختص تولدها في الخريف أكثر، وقد أحصاها فيما بعد.
[فصل رقم 84]
[aphorism]
قال أبقراط: الجنوب تحدث PageVW1P039A ثقلا في السمع، وغشاوة في البصر، وثقلا في الرأس، وكسلا واسترخاء، فعند قوة هذه الريح وغلبتها، يعرض للمرضى هذه الأعراض. وأما الشمال فتحدث السعال، ووجعا في الحلوق (33) والبطون اليابسة، وعسر البول، والإقشعرار ووجعا في الأضلاع والصدر (34)، فعند غلبة هذه الريح وقوتها، فينبغي أن يتوقع في الأمراض حدوث هذه الأعراض. PageVW2P051B
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن الجنوب حارة رطبة، ومن شأن الحار الرطب أن يرخي البدن، ويملأ الرأس فضولا رطبة؛ فإذا ابتل أصل العصب وترطب، استرخي البدن، وثقل الرأس، وعرض كسل PageVW0P044B عن الحركات. ولما كان البخار الرطب من جنس الضباب عرض منه في السمع ثقل، وفي البصر غشاوة وتكدر، وثقل شهوة الغذاء، كما تعرض هذه الأعراض كلها في الحمام لأن مزاجه حار رطب. فأما الشمال PageVW3P052A فباردة يابسة، فتحصف (35)، وتكثف، وتجفف، وتضر بالأعضاء العصبية القليلة اللحم أكثر كالمثانة وتقبضها (36)، ولذلك تحدث عسر البول، وتحدث الإقشعرار ببردها (37)، ووجعا في الأضلاع والصدر بسبب (38) حركة التنفس، فإن الحركة مع الشمال تعسر ولا يتعدى هذا الضرر إلى القلب والرئة لغلبة حرارتهما وكثرة حجبهما (39)؛ وإذا حدث في الحلق يبس بسببها (40) تبعه سعال ووجع. وأما يبس البطون ، أعني البراز، فلأن ريح الشمال يابسة تجفف الأبدان، فتجذب (41) من رطوبة الغذاء مقدارا كثيرا (42) فيجف الثفل. وأيضا فإن المنافذ إذا تكاثفت بهذه الريح، طال (43) لبث فضول الغذاء في الأمعاء، فنشف (44) البدن رطوبتها، فجف البراز لذلك. وأيضا (45) فإن الشمال يجود معها الهضم، لأن منزلتها (46) منزلة الشتاء، وإذا جاد الهضم استقصت الأعضاء مص رطوبة الغذاء فيبس الثفل (47). وإنما لم يذكر أبقراط الصبا والدبور لعلتين: أحدهما (48): إنه اكتفى (49) بذكر الشمال والجنوب عنهما، وجعل ما ذكر مثالا ودليلا على ما ترك. والثانية: إن الصبا والدبور لا يطول زمان هبوبهما كما يطول زمان الشمال والجنوب، فلما قصر زمانهما قصر في ذكرهما. فإن قيل: لم اقتصر على ذكر مضار الجنوب والشمال دون منافعهما. قيل: إن قصده بهذا (50) الفصل المضار التي PageVW2P052A تلحق المرضى (51) خاصة من هاتين الريحين حتى يفرق الطبيب بين ما يعرض للمرضى من قبل أمراض بهم (52)، وبين ما يعرض لهم من (53) قبل أشياء خارجة عنهم؛ فإنه إن لم يفرق بين ذلك أوشك أن يغلط، فإنه إن عرض للمريض (54) إقشعرار من قبل الشمال، فتوهم (55) أنه من قبل كيموس حاد صفراوي أو بارد بلغمي، وأخذ في التدبير (56) بحسبه كان قمينا (57) بالغلط. فإذا ميز بين ما (58) يعرض من نفس المرض (59)، وبين ما (60) يعرض من سبب خارج، كان حكمه على المرضى أصح وأوكد. وقوله: "والبطون اليابسة" PageVW1P039B ينبغي أن يكون منصوبا بالنسق (61) PageVW3P052B على السعال، لأنه مما تحدثه الشمال. * فإن قيل: فكيف تحدث الشمال (62) البطون وهي جوهر، والشمال إنما تحدث الأعراض. قيل (63): PageVW0P045A لما وصفها بقوله يابسة صارت في حكم الأعراض، كما يقال: فلان به البطن. أي مرض البطن، فيستغنون بذكر موضع المرض عن المرض، وعلى هذا تصح الرواية الأخرى (64) وهي هكذا: فأما الشمال فتحدث السعال، والحلوق، والبطون اليابسة. ويريد بالحلوق أوجاع الحلوق، فحذف (65) للعلم به. وفي بعض النسخ قد يقسم هذا الفصل فصلين، فعند قوله: وأما الشمال يكون ابتداء الفصل الثاني.
[فصل رقم 85]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الصيف شبيها بالربيع (66)، فتوقع في الحميات عرقا كثيرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف (67): قوله: "إذا كان الصيف شبيها بالربيع" أي إذا كان حارا رطبا # مثل الربيع. وقوله: "فتوقع في الحميات عرقا (68) كثيرا (69) أي توقع أن تكون البحارين بعرق كثير، والعلة في ذلك أن العرق إنما يدر ويغزر مع الحرارة والرطوبة، فإن الحرارة مع اليبوسة تحلل الفضل بالبخار وتجففه، والرطوبة مع البرودة تحقن البخار وتمنعه من التحلل. فأما البرودة مع اليبوسة فتجمده (70) أصلا، فصارت الحرارة مع الرطوبة هي سبب درور (71) العرق لأن الحرارة تجذب المادة PageVW2P052B إلى سطح الجسد وظاهره، والرطوبة تمنعها أن تبخره وتلطفه فيجتمع تحت الجلد منه مقدارا كثيرا (72)، وينبعث عرقا.
[فصل رقم 86]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا احتبس المطر، حدثت (73) حميات حادة، وإن كثر ذلك الإحتباس في السنة، ثم حدث (74) في الهواء حال يبس، فينبغي أن تتوقع في أكثر الحالات هذه الأمراض وأشباهها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "إذا احتبس المطر، حدثت حميات حادة" أي إذا تأخر عن زمان (75) مجيئه، يبس الهواء، فاجتذب أخلاط البدن فكانت الأخلاط الحادثة حادة مرارية، فإن كثر ذلك الاحتباس وازداد يبس الهواء، كان توقع الحميات الحادة وأشباهها من الأمراض الصفراوية والحادثة عن اليبس أكثر، فإن قيل: هذا الفصل مناقض لفصل يأتي بعد، يقول (76) فيه: إن من حالات الهواء (77) PageVW3P053A في السنة بالجملة أن (78) قلة (79) المطر أصح من كثرة المطر وأقل موتا. فنقول: أفرق (80) بين أن يقال حدثت حميات (81) حادة، وبين أن يقال كثرت (82) الحميات الحادة. فإن قلة (83) المطر تقل معها (84) الأمراض، لكنها إذا حدثت (85) كانت حادة. فأما كثرة المطر فتكثر فيه الأمراض، لكنها تكون طويلة؛ والعلة PageVW0P045B في ذلك أن المطر يرطب الهواء فتمتلئ الأبدان كيموسات بلغمية تقبل العفن. ويبس الهواء أفضل للأبدان من رطوبته؛ لأن الرطوبة معفنة.
[فصل رقم 87]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها، وكان في كل وقت PageVW1P040A منها ما ينبغي أن يكون فيه، كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام، حسن البحران. وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة لنظامها، كان ما يحدث فيها من الأمراض غير منتظم، سمج البحران.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما النظام في أوقات السنة، فأن يلزم كل فصل طبيعته وتنقله على تدريج، ولا ينقلب من حر إلى برد أو من برد إلى حر دفعة، ويكون كل فصل حافظا لطبيعته (86) بأن PageVW2P053A يكون الصيف حارا يابسا لا بإفراط بل بحسب ما جرت به العادة في ذلك الصقع، وأن يكون الشتاء باردا رطبا (87) لا بإفراط، وكذلك الخريف والربيع. وقوله: "وكان في كل وقت منها ما ينبغي أن يكون فيه" أي وكان في كل فصل من الأمطار والرياح ما يليق به وبحسب ما تقتضيه طبيعته، فالفصل الذي جرت العادة أن يأتي فيه المطر، يأتي فيه (88) بالمقدار الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي. والفصل الذي لم تجر العادة بمجيء المطر فيه ينبغي ألا يأتي. فإذا كانت أوقات السنة صحيحة خالصة لازمة لنظامها، كانت الأمراض الحادثة فيها حسنة الثبات والنظام، حسنة البحارين. فأما حسن ثبات المرض ونظامه فأن تتمخض فيه أوقاته الأربعة؛ أعني الابتداء، والتزيد، والانتهاء، والانحطاط، بحيث تتميز ولا تختلط، ويكون في كل واحد منها ما (89) ينبغي أن يكون فيه ولا تختلط أوقاته؛ فإذا حفظت أوقات المرض نظامها، ظهرت الإنذارات PageVW3P053B وعلامات النضج في أوقاتها، وجاء البحران في وقته تاما كاملا، وصدقت - حيئنذ - حكومات (90) الطبيب. وإذا كانت أوقات السنة مختلطة، كانت الأمراض أيضا مختلطة، وكانت (91) البحارين سمجة مهلكة وشديدة ومضطربة وفي غير أوقاتها، ولم يكد - حينئذ - يصدق للطبيب حكم.
[فصل رقم 88]
[aphorism]
قال أبقراط: إن في الخريف، تكون الأمراض أحد ما يكون، وأقتل في أكثر الأمر. وأما في (92) الربيع فأصح الأوقات، وأقلها موتا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ينبغي أن يقال: وأما الربيع فأصح الأوقات بإسقاط حرف في، وإنما يكون الربيع أصح أوقات السنة * والخريف أسقمها إذا كانت أوقات السنة (93) جارية على طبائعها، لازمة لنظامها، كان PageVW0P046A الخريف رديئا بالقياس إليها، وكان الربيع أعدلها لأنه حار رطب. وإنما PageVW2P053B صار الخريف رديئا لأربعة أسباب اجتمعت فيه لا تكون في شيء من فصول السنة غيره، وهي: اختلاف هوائه، مرة حر ومرة برد. وأنه يصادف الأبدان وقد أحرق (94) الصيف كيموساتها وأضعفها. وأن الكيموسات تتحرك فيه - لبرده - من سطح البدن إلى قعره، على الضد من الربيع فإن الكيموسات تتحرك فيه من قعره إلى سطحه. والسبب الرابع خاص بمن (95) يسيء التدبير، ويكثر من تناول الفاكهة.
[فصل رقم 89]
[aphorism]
قال أبقراط: الخريف لأصحاب السل، رديء. PageVW1P040B
[commentary]
قال عبد اللطيف: الخريف، مع أنه رديء على الإطلاق، فهو لأصحاب السل أردأ، لأنه بارد يابس مختلف (96) المزاج. ويعني بأصحاب السل، أصحاب قرحة الرئة، أو كل من يذوب بدنه وينهك بسبب من الأسباب، فإنه ضار لجميعهم.
[فصل رقم 90]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما في أوقات السنة، فأقول: أنه متى كان الشتاء قليل المطر، شماليا، وكان الربيع مطيرا جنوبيا فيجب (97) ضرورة أن يحدث في الصيف حميات (98) حادة، ورمد، واختلاف دم. وأكثر ما يعرض اختلاف الدم، للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر أوقات السنة اللازمة لنظامها، أخذ يذكر تغيرها وانتقال بعضها إلى بعض، وابتدأ بالشتاء والربيع، وهذا تغير (99) يسير. وقوله: "فيجب ضرورة" دل بقوله ضرورة، أن هذا الحكم منه إنما هو من جهة القياس لا التجربة، وأن التجربة وحدها PageVW3P054A غير كافية في الحكم على الأوقات، لأنه لا يتمكن الإنسان الواحد أن يشاهد أوقاتا كثيرة مختلفة، لأن ترصد ذلك يحتاج إلى زمان طويل لا يفي العمر به، فإنه إن وقع ذلك في العمر وقع مرة أو مرات معدودة، وليس هو بمنزلة الدواء فإننا (100) يمكننا أن نجربه ونمتحنه في أشخاص كثيرين (101) دفعة واحدة. لكن قد يمكن امتحان تغير PageVW2P054A الأوقات بالتعاون والتواريخ، بأن ينقل الأول إلى الآخر، والسابق إلى اللاحق، كما قصدنا ذلك في كتابنا: أخبار مصر. وبهذا الوجه أيضا يصحح أحكام النجوم ويجرب تأثيرات الكواكب والقرانات. ولا ينبغي أن يكتفي (102) الطبيب بأن ينظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة، دون أن ينظر في الوقت المتقدم الذي انقلب عنه الوقت الحاضر، PageVW0P046B فإنه ليس تأثير الهواء الحار بعد الهواء البارد كتأثير الهواء الحار بعد الهواء الحار؛ وليس تأثير الهواء الحار اليابس بعد الحار الرطب كمثل تأثيره بعد البارد الرطب أو البارد اليابس. فلذلك حكم بوجود حميات حادة ورمد في الصيف بنظره في حال الربيع قبله، وفي حال الشتاء قبل الربيع، فالشتاء إذا كان قليل المطر، شماليا؛ نال الأبدان منه ضرر يسير كالسعال، ووجع الحلق والصدر والأضلاع، وعسر البول، والإقشعرار، لأن حال (103) احتباس المطر أصح من كثرته، فلذلك لا تحدث حميات ولا رمد ولا اختلاف دم. وإذا كان البدن قد تقدم فجف في الشتاء الشمالي، القليل المطر؛ ثم جاء الربيع، انتفع به. فإن دامت (104) رطوبة الربيع وكثرت، صار البدن إلى ضد الحالة (105) الأولى وتكثر فيه الرطوبة فيلقاه الصيف وهو رطب والأرض بعد رطبة، فتجتمع حرارة الصيف مع رطوبة الأبدان فتستعد لقبول العفونة، فتحدث الحميات والرمد واختلاف الدم. لكن أكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء، والصبيان، وأصحاب الطبائع الرطبة، لأنه PageVW1P041A تجتمع في البدن رطوبة المزاج ورطوبة الكيموس، وكثرة الرطوبة مادة العفن (106)، كما أن الحرارة هي السبب الفاعل. ومتى عفن شيء في البدن ثم بقي في جوفه، حدثت (107) منه PageVW3P054B الحميات ، فإن خرج من الأمعاء حدث PageVW2P054B منه اختلاف الدم. فإن حدث بعد طلوع الشعري مطر وشتاء وهبت الرياح التي تهب (108) كل سنة في ذلك الوقت، فقد يرجى سكون تلك الأمراض، وأن يكون الخريف صحيحا؛ وإن لم يحدث ذلك، لم يؤمن وقوع الموت بالنساء والصبيان، فأما الكهول (109) فأبعد الناس من ذلك. ومن أفلت من أولئك، لم يأمن أن يقع في حمى ربع، ومن حمى ربع في الاستسقاء، هذا كله قول أبقراط في كتاب الأهوية والبلدان.
[فصل رقم 91]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان الشتاء جنوبيا مطيرا دفيئا، وكان الربيع قليل المطر شماليا، فإن النساء اللاتي يتفق ولادهن نحو الربيع، يسقطن من أدنى سبب، واللاتي يلدن (110) منهن، يلدن أطفالا ضعيفة الحركة مسقامة أبدانهم طول حياتها، حتى أنهم إما أن يموتوا على المكان، وإما أن يبقوا مسقومين منهوكين (111) طول حياتهم. وأما سائر الناس، فيعرض لهم اختلاف الدم والرمد اليابس. PageVW0P047A وأما الكهول، فيعرض لهم من النزلات ما لا يفنى ويقتل (112) سريعا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل ضد الفصل السابق لأنه وصف فيه الشتاء بأنه مطير جنوبي، والربيع بأنه قليل المطر شمالي. وكنا قلنا أن الشتاء إذا كان قليل المطر شماليا والربيع مطيرا جنوبيا، لم يعرض منه (113) كثير ضرر. فأما إذا كان الأمر على الضد، فإنه يعرض في الربيع أمراض، فالنساء اللاتي يلدن فيه يسقطن من أدنى سبب؛ لأن الشتاء كان حارا رطبا فتخلخلت أبدانهم، ثم قرعها برد الربيع فاستضرت به واقشعرت (114) فكان سبب إسقاطهن. والأطفال أيضا (115) إذا قرعهم الربيع ببرده، وقد كان الشتاء خلخل أبدانهم بحره (116)، ضعفوا وصارت أبدانهم مسقامة، قابلة للأمراض والآفات، PageVW2P055A فإما أن يموتوا على المكان، وإما أن يعيشوا حياة رديئة معرضين للآفات. وأما سائر الناس فيعرض لهم اختلاف الدم، ولاسيما لأرباب الأمزجة الرطبة، لأنه يكثر انحدار البلغم من الرأس إلى البطن؛ وذلك أن الرؤوس في مثل هذا الشتاء تمتلئ ثم تبرد في الربيع. ومن شأن الدماغ إذا PageVW3P055A برد، لم يقو على إصلاح (117) غذائه، فيولد في الرأس فضولا بلغمية، فإن كان مع البلغم حرارة في (118) المزاج، كان فالجا (119)، فإذا انحدر إلى البطن أورث اختلاف الدم لأنه يجرد الأمعاء ويسحجها (120). فأما من كان الغالب عليه الحرارة والمرة الصفراء، فإنه يتولد له ورم العينين. ويعني بالرمد، الرمد اليابس، الذي لا يسيل معه من العين شيء. واعلم أن الفضل إذا احتقن في الدماغ، اندفع إلى أقرب PageVW1P041B المواضع، وأضعف (121) الأعضاء. فمن كان فضله مراريا وعينه ضعيفة المزاج، انصبت إليها المادة، وهي تستحصف ببرد (122) الهواء أن يتحلل (123) منها الفضل، فيكون - حينئذ - الرمد اليابس. فالذين يغلب عليهم البلغم، يعرض لهم اختلاف الدم عند انحدار البلغم من الرأس إلى الأمعاء. ومن يغلب عليهم المرار، يعرض لهم الرمد اليابس لحرارة لحمهم ويبسه. وقوله: "وأما الكهول" يريد المتناهين في سن الكهولة والشيوخ الهرمى، وقد صرح بذلك في كتاب الأهوية والبلدان فقال: وأما الشيخ الفاني فيعرض PageVW0P074B له النزل (124) لسخافة العروق وذوبانها، حتى أنهم يهلكون بغتة، ومنهم من يعرض له الفالج في شقه الأيمن. وقوله: فيعرض لهم من النزلات ما يفنى سريعا. لا يريد بالنزلات ما ينزل في قصبة الرئة وفضاء الصدر، فإن ذلك لا ينضج سريعا ، وإنما يريد ما ينحدر من الرأس في العروق إلى ما دون الرأس من PageVW2P055B الأعضاء، ولذلك ألحق به قوله: "ما يفنى سريعا" لأن بحران هذا النزل يكون سريعا، وأما سائر النزل فيطول لبثها. وقد فهم قوم من النزل ما ينزل إلى الصدر والرئة، فزادوا لفظة "لا" فيصير هكذا: "فيعرض لهم من النزلات ما لا يفنى سريعا" لأن النزل الباردة في المشايخ لا تكاد تنضج. ويروى: "ما يقتل سريعا" وهو موافق للمعنى. وقوله: "يلدن أطفالا ضعيفة الحركة، مسقامة أبدانهم" أي مهيأة للمرض من أدنى سبب. وقوله: "حتى أنهم إما أن يموتوا على المكان" أي يبلغ من ضعفهم وقبولهم الآفات أن يموتوا على المكان، أي عند الولادة. وفي بعض النسخ PageVW3P055B يوجد هذا الفصل مختصرا هكذا: "يلدن أطفالا ضعيفة، مسقامة طول حياتهم". ويروى: سقمين (125) موضع مسقومين، وهو أصح وأفصح، وبعده قوله: "وأما سائر الناس" وسقط ما بينهما.
[فصل رقم 92]
[aphorism]
قال أبقراط: فإن كان PageVW2P056A الصيف قليل المطر شماليا، وكان الخريف مطيرا جنوبيا، عرض في الشتاء صداع شديد، وسعال، وبحوحة، وزكام، وعرض لبعض الناس السل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: جعل في هذا الفصل للصيف والخريف ما جعله في الفصل المتقدم للشتاء والربيع، إلا أنه خالف فيما يحدث عنه لأنه ذكر هنا أنه (126) يحدث في الشتاء صداع وسعال، وفي ذلك الفصل يحدث في الصيف حميات (127) حادة ورمد، ولم يذكر في هذا طبيعة الشتاء، ولا في ذاك طبيعة الصيف؛ لأنه يريد ثبوتها على الحال الطبيعية لهما وحفظهما نظامهما. فإنه إن كان الشتاء في هذا الفصل خارجا عن الاعتدال، حدث من الأمراض أمراض بحسب خروجه عن الاعتدال وتركيبه مع باقي الفصول، وكذلك إن كان الصيف في ذلك الفصل خارجا عن الاعتدال. فلما كان الصيف قليل المطر شماليا، PageVW1P042A وكان الخريف كثير المطر جنوبيا، وجب ألا يتقدم حدوث الأمراض، PageVW0P048A لأن الخريف لما كان رطبا؛ كسر عادية يبس الصيف. لكن لما دامت رطوبته وكثرت، عرض لمن كانت طبيعته رطبة امتلاء في رأسه، فيعرض من الامتلاء السعال الشديد، والصداع، والبحوحة، والزكام. ومن كان متهيئا لحدوث (128) علة السل حدثت به، إما لضيق صدره، وإما لكثرة سيلان الرطوبة من رأسه إلى صدره ورئته.
[فصل رقم 93]
[aphorism]
قال أبقراط: فإن كان (129) شماليا يابسا، كان موافقا لمن كانت طبيعته رطبة، وللنساء. وأما سائر الناس، فيعرض لهم رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن، ومنهم من يعرض له الوسواس العارض من السوداء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "فإن كان شماليا" أي فإن كان الخريف شماليا، يعني أن يكون الخريف والصيف جميعا شماليين. ولاتصال هذا الفصل بما قبله رأي جالينوس أنهما فصل واحد وقول متصل. وإذا كانا شماليين قليلي (130) المطر، دام PageVW3P056A يبس الهواء، فانتفع به أصحاب (131) الأمزجة الرطبة لأنه يجفف بلتها ويعدلها، كالنساء والصبيان. وأما سائر الناس فتستحصف أبدانهم، وتجف رطوباتها، وتحتد أخلاطهم، وربما ذاب رقيق الصفراء وبقي غليظها، فيحدث رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن لكثرة (132) الاستحصاف. ومنهم من يعرض له الوسواس السوداوي، لأنه إذا احتقن، احترق. واعلم أن ما ذكر أبقراط من اختلاف حال الفصول وما يحدث فيها من الأمراض، إنما هو على جهة التمثيل، لا إنه جميع أصناف الاختلاف. فإن الفصل قد يخرج عن طبيعته إلى الطرفين، ويكون خروجه إما كثيرا (133)، وإما قليلا، وإما وسطا. وقد PageVW2P056B تختلف أجزاء الفصل الواحد، بأن يكون بعضه يشبه فصلا ما، وبعضه يشبه فصلا آخر، حتى أنه يختلف ذلك الاختلاف في اليوم الواحد. وقد يختلف هذا الاختلاف فصل واحد، وفصلان، وثلاثة، وجميع السنة. والواجب على الطبيب المتفرس (134)، أن يأخذ مبادئ حكمه على طبيعة الزمان من الأشياء السابقة والحاضرة، ومن طلوع الكواكب، ومن الأشياء الأرضية، واستعداد (135) الأبدان القابلة، فيحصل له من مجموع ذلك حكم قمين (136) بالصدق والصواب.
[فصل رقم 94]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P048B إن من حالات الهواء في السنة بالجملة: قلة المطر أصح من كثرة المطر، وأقل موتا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن كثرة المطر سبب لرطوبة الهواء وكدورته، وقلة المطر سبب ليبس الهواء وصفائه. والأبدان في الهواء اليابس أقل فضولا وأصح؛ لأن يبس الهواء يجفف فضول الغذاء. فأما الهواء الرطب فيرطب الأبدان ويكثفها، ويمنع من تحلل فضولها فتترطب من جهتين: من قلة التحلل، ومن رطوبة الهواء. ولعله لو قدم هذا الفصل PageVW1P042B على الفصول السابقة كان أفضل، وهي التي وصف فيها أمر (137) مزاج الهواء في أوقات السنة، وذلك لأن الشيء المفرد متقدم على المركب (138). وفي بعض النسخ: "أن قلة المطر أصح من كثرته" على أن تكون هذه أن المفتوحة اسم إن المكسورة، وجاز ذلك حيث وقع الفصل PageVW3P056B بالخبر. وهذه النسخة عندي هي المختارة والمعنى عليها، كأنه يقول: من حالات الهواء في السنة بالجملة، أي على الإطلاق (139) وعلى كل نظر (140) وحال أن قلة المطر أصح من كثرته. وأما أكثر النسخ فبإسقاط أن الثانية هكذا: إن من حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر، أصح من كثرته. وهذا كلام مضطرب الإعراب لا يوافق PageVW2P057A إعرابه معناه إلا بتأويل شديد، وأجود ما أراه فيه أن ينصب قلة بأن، ويرفع أصح على أنه الخبر، فيكون التقدير هكذا: "إن قلة المطر أصح من كثرته". ولكن يبقى قوله: "من حالات الهواء في السنة" كلاما عطلا لا متعلق له، إلا أن أحسن أحواله أن يكون حشوا على جهة التفسير والتوكيد.
[فصل رقم 95]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما * الأمراض التي تحدث عند (141) كثرة المطر، في أكثر الحالات، فهي (142): حميات طويلة، واستطلاق البطن، وعفن، وصرع، وسكات، وذبحة. * وأما الأمراض التي تحدث عند قلة المطر فهي: سل، ورمد، ووجع المفاصل، وتقطير البول، واختلاف الدم (143).
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن (144) كثرة المطر توجب كثرة الرطوبة، والرطوبة الكثيرة إنما تنضج في زمان طويل، مع أن الكيموسات عند كثرة المطر أبرد وأميل إلى البلغم، كما تميل الأخلاط عند قلة المطر إلى الصفراء. فلذلك تطول الحميات عندما يكثر المطر، وتكون الحميات عند قلة المطر أحد وأقصر. وأما استطلاق البطن، فإنما يحدث عند كثرة الأمطار لاستفراغ فضول الكيموسات الرطبة من البطن. فأما حدوث العفن، فلكثرة الرطوبة. وأما الصرع والسكات فلأنهما PageVW0P049A مرضان بلغميان. وأما الذبحة فلانحدار فضول الرأس إلى أعضاء الصدر والحلق. وأما (145) قلة المطر فتحدث * عنه أمراض الحرارة واليبس والاستحصاف. وأما السل فإنما يحدث (146)، إما عند قوة البرد وانصداع العروق، وإما عند رطوبة الهواء وانحدار النزلات إلى الرئة. فأما يبس الهواء المطلق، فلا يوجب حدوث السل (147)، دون أن يقترن به برد. ولذلك رأى قوم أن السل هنا هزال (148) العين وقلة رطوبتها في الرمد، ولذلك قرنه به، ويصير السل (149) مع الرمد بمنزلة قوله: قبل الرمد اليابس. وأما وجع المفاصل فليس مما يحدث عن يبس الهواء PageVW3P057A المطلق، لكن ربما أحدث PageVW2P057B عسر الحركة، فإن انضم إلى اليبس الحرارة، كان عنه وجع في الركبتين والمفاصل الصفراوي. فأما الرطوبة مع الحرارة فيحدث عنهما (150) وجع المفاصل، وكذلك تقطير البول، واختلاف الدم PageVW1P043A لا يلزم أن يحدث عن يبس الهواء المطلق، دون أن تنضم إليه حرارة مفرطة أو برد مفرط، ويكون اليبس أيضا مفرطا. وجالينوس يرى أن هذا الفصل فيه تساهل كثير من أبقراط، وأنه غير مستقصي (151) الشرائط، ولا موفى (152) الأقسام، واعتذر عنه بأنه أول واضع فلا عتب عليه إن قصر.
[فصل رقم 96]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما حالات الهواء في يوم يوم، فما كان منها شماليا، فإنه يجمع الأبدان ويشدها ويقويها (153) ويجود حركتها ويحسن ألوانها ويصفي السمع (154) ويجفف البطن ويحدث في الأعين لذعا، وإن كان في نواحي الصدر وجع متقدم، هيجه وزاد فيه. وما كان منها جنوبيا، فإنه يحل (155) الأبدان ويرخيها ويرطبها، ويحدث ثقلا في الرأس، وثقلا في السمع، وسدرا في العينين، وفي البدن كله عسر حركة، ويلين البطن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن الشمال - لبردها ويبسها - تجفف فضول الأبدان وتجمعها وتقوي حركتها وتشدها. فإذا قوى الهضم وقوى العضو، جاد الدم وصفا، وجرى إلى الوجه فحسنت الألوان. فإذا جاد الهضم ويبست الفضول وصفا البدن كله والرأس والحواس كلها، صفا السمع والبصر وغيرهما من الحواس، وإنما ذكر السمع مثالا. وإذا قوي الهضم اجتذب جميع مصاصة (156) الغذاء من المعدة والأمعاء، PageVW0P049B فيبس البراز. وأيضا إذا استحصف الجلد ببرد الشمال ويبسه، طال لبث الثفل في البطن فيبس. ويحدث في الأعين لذعا لغلبة الصفراء وانصبابها إلى العضو السخيف وهو العين. وإن كان في نواحي الصدر وجع متقدم هيجه وزاد فيه، لأن هذه الريح تحصر وتكثف PageVW2P058A وتمنع التحلل، وإذا تكاثف ما ينبغي أن يتحلل هاج وجعه. وأما الجنوب فإنها تحل (157) الأبدان وترخيها لرطوبتها PageVW3P057B وتحدث ثقل في الرأس لكثرة امتلائه بالفضول الرطبة، وكذلك في السمع. وتحدث سدرا لحرارتها ورطوبتها، وفي البدن كله عسر حركة لاسترخاء مبدأ حركته، أعني الدماغ والأعصاب الكائنة منه، وتلين (158) البطن لرطوبتها. وإذا قيس ما تحدثه الشمال بما تحدثه الجنوب، وجد ما تحدثه الشمال في جنب ما تحدثه الجنوب سهلا جدا خفيفا، ووجد ما تحدثه الجنوب رديئا خبيثا، ليس فيهما (159) ما يحمد إلا تليين البطن لرطوبة الجنوب، إلا أن يكون لين البطن عن استرخاء القوة وضعف الهضم، فذلك أيضا رديء.
[فصل رقم 97]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في أوقات السنة، ففي الربيع وأوائل الصيف، يكون الصبيان والذين يلونهم (160) في السن على أفضل حالاتهم وأكمل الصحة. وفي باقي الصيف وطرف الخريف، يكون المشايخ أحسن حالا. وفي باقي الخريف وفي الشتاء يكون المتوسطون بينهما في السن، أحسن حالا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل حكم على أوقات السنة PageVW1P043B إذا كانت جارية على نظامها، وحافظة لطبائعها. وقد علمت أن أول كل فصل شبيه بالفصل الذي قبله، كما أن آخره شبيه بالفصل الذي يليه فلذلك أشرك بين الربيع وأوائل الصيف، وبين سائر الصيف وأوائل (161) الخريف، وبين سائر الخريف والشتاء. وهكذا أيضا الأسنان تجري على هذا القياس، فسن الصبيان والفتيان يجري في قياس واحد، والفتى أول الشباب، وجعل أفضل الأوقات لهذين (162) السنين، الربيع وأول الصيف لاشتراكهما في الاعتلال وملاءمة طبيعة الصبيان والفتيان هذا الزمان، فإن المعتدل يحفظ بالمعتدل لأن الشبيه يحفظ بالشبيه. وجعل باقي الصيف وأول الخريف للكهول( (163)) والمشايخ لأن هؤلاء خارجون PageVW2P058B عن الاعتدال PageVW0P050A إلى البرد، والخارج عن الاعتدال يحفظ بالضد. والصيف وأول الخريف حار يابس، فلذلك كان هؤلاء فيه أحسن حالا. والربيع للصبيان والفتيان نافع بحكم الشبه، والصيف نافع للمشايخ بحكم PageVW3P058A الضدية. فأما باقي الخريف والشتاء فبارد رطب، فكان موافقا للشباب المتناهين (164) في السن لأن الغالب عليهم في هذه السن الحرارة واليبس. وهذا الحكم، أعني حفظ المعتدل بشبيهه وحفظ الخارج عن الاعتدال بضده، ليس مقصورا على الأزمان والأسنان فقط، بل عام في جميع الطبائع؛ فإن البلدان المعتدلة أفضل أوقاتها الربيع، والمائلة إلى البرد أفضل أوقاتها الصيف، والمائلة إلى الحر أفضل أوقاتها الشتاء. كذلك الطبائع فإن المعتدل المزاج أفضل الأوقات والبلدان له، الربيع، والمعتدل من البلاد؛ والخارج عن الاعتدال أفضل الأوقات له، ما ضاد (165) مزاجه. وكذلك البلدان، وأنت قادر أن (166) تعرف أردأ (167) أوقات السنة لكل واحدة من الأسنان والطبائع والبلدان مما وصفنا، فأشدها مضادة لأفضل الأوقات هو الأردأ لها. واعلم أن الربيع أفضل الأوقات للصبيان (168) ولأرباب الطبائع المعتدلة. فأما لسائر الناس فهو متوسط، وليس هو أجود الأوقات لهم بقول مطلق، وكذلك حاله عند الطبائع والبلدان. وأما الخريف فهو رديء لجميع الأسنان والطبائع والبلدان. إلا أن ما كان منها حارا رطبا فهو أقلها تضررا به.
[فصل رقم 98]
[aphorism]
قال أبقراط: والأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها، إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث ويهيج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن الأمراض لها أسباب كثيرة، من الأسنان ومن الأغذية PageVW2P059A والأشربة والتدبير وأصناف الرياضات وغير ذلك، وهذه الأسباب توجد في السنة كلها، فلذلك كانت الأمراض كلها (169) توجد في أوقات السنة كلها، فلو تفردت (170) أوقات السنة على حالها من غير أن يقترن بها أسباب غيرها لكان لا (171) يحدث في كل فصل إلا ما يلائمه من الأمراض، لكن لما كان الأمر على خلاف ذلك صارت PageVW1P044A الأسباب الموجبة للأمراض تارة تكون معينة لما توجبه أوقات السنة منها، وتارة مضادة وغير معينة، ولذلك (172) صارت الأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها، وصار PageVW3P058B بعض PageVW0P050B الأمراض في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث ويهيج وذلك أن الأمراض التي توجبها الفصول (173) أحرى بأن تحدث فيها. وأكثر مثاله أن الأمراض الحادة حدوثها في الصيف أكثر، وقد تحدث في الشتاء. والأمراض الباردة حدوثها (174) في الشتاء أكثر، وقد تحدث في الصيف وعلى هذا القياس. وقوله: "يهيج" يفهم منه معنى الكثرة والشدة والمعاودة. أما الكثرة فبأن يكون فيه أكثر منه في سائر الفصول، وكذلك الشدة. وأما المعاودة فأن يكون من يعتاده ذلك المرض في أوقات (175) مخصوصة فالوقت الملائم لطبيعة المرض أولى بأن يهيج فيه ويعاود. وقد يكون المرض موجودا ولكن ساكنا فيهيج ويشتد في الوقت الملائم لطبيعته، وإذا فهمت معنى يهيج على هذه الوجوه كلها، كان صحيحا.
[فصل رقم 99]
[aphorism]
قال أبقراط: قد يعرض في الربيع الوسواس السوداوي والجنون والصرع والسكتة وانبعاث الدم والذبحة والزكام والبحوحة والسعال والعلة التي يتقشر فيها الجلد والقوابي والبهق والبثور الكثيرة التي تتقرح والخراجات (176) وأوجاع المفاصل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر أن بعض الأمراض في بعض أوقات السنة PageVW2P059B أحرى بأن تحدث وتهيج، ذكر ما كان من الأمراض أحرى بفصل فصل، وابتدأ بالربيع لأنه أول أوقات السنة وأفضلها، ولذلك يكتب في بعض النسخ "فقد" بزيادة الفاء حتى يكون هذا الفصل كله كالجواب والنتيجة عن آخر الفصل المتقدم وهو قوله: "إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث ويهيج". واعلم أن هذه الأمراض كلها تحدث في الربيع على جهة الاستسقاء والبحران ودفع الطبيعة للكيموسات الرديئة عن عمق البدن إلى سطحه، وعن الأعضاء الرئيسة إلى الخسيسة. وأما سائر فصول (177) السنة فإنها نفسها (178) تحدث الأمراض، فإن الصيف يحدث في الأبدان الصفراء ويزيد في مقدارها، والشتاء PageVW3P059A يزيد في البلغم، والخريف في السوداء. وأما الربيع خاصة فإنه يحفظ الأبدان الصحيحة والنقية على حالها، فإن كانت مملوءة أخلاطا رديئة حللها ونبه الطبيعة لدفعها فاندفعت إلى سطح البدن، فعرض منها القوابي والبهق والبثور والخراجات (179)، وقد تندفع إلى أسفل (180) البدن والأعضاء غير الشريفة فيحدث عنها أوجاع المفاصل. وقد تنحدر من الرأس - إذا كانت عظيمة - إلى الحلق والصدر فيحدث عنها البحوحة والسعال والذبحة. وقد تكون PageVW0P051A كثيرة جدا فتهيج ولا تقوى الطبيعة على تحليلها ودفعها (181)، فيحدث عنها إذا كانت في الدماغ الوسواس PageVW1P044B السوداوي لأن مادته غليظة يعسر تحللها، وكذلك الجنون والصرع والسكتة لأن مادتها باردة غليظة. وأما ابنعاث الدم، فإن كان سوداويا (182)، وكان انبعاثه من الرحم أو من المقعدة، فهو على جهة دفع الطبيعة كما ذكرنا، فإن كان صحيحا وانبعث بالرعاف أو نحوه فهو من الأمراض الخاصة بالربيع بالذات لأن الدم يغزر في الربيع ويحسن تولده PageVW2P060A لملائمته له، فإن قيل: كيف صار الربيع - وهو أصح أوقات السنة وأقلها موتا - يحدث فيه هذه الأمراض كلها؟ فالجواب أن هذه الأمراض مع كثرتها فهي قليلة وسليمة بالقياس إلى ما يحدث في سائر الفصول، ثم إن هذه الأمراض التي عددناها ليست قاتلة (183) إلا السكتة وحدها. وأيضا فقد قلنا أن حدوث هذه الأمراض في فصل الربيع، لا بذاته ولا مما يحدثه، بل على جهة البحران والدفع؛ وذلك أنه إن صادف أبدانا غير نقية حمل الطبيعة على الإبراء منها، فتارة تحلله التحليل الخفي، وتارة تدفعه إلى سطح الجلد، وتارة تعجز فيكون عنه تلك الأمراض. وصار هذا بمنزلة الحمام والرياضة وأصنافها فإنها تصحح الأبدان وتحفظ صحتها وتحلل فضول الغذاء عنها، فإن صادفت البدن مملوءا حركت الكيموسات الساكنة وعجزت عن تحليلها وإنقاء البدن منها PageVW3P059B لكثرتها فعرض من ذلك أمراض كالصرع، والفالج، والسكتة. وقد قال أبقراط: من تعب وبدنه غير نقي، ظهرت به قروح. وبعض الناس يعرض لهم من الرياضة حمى حادة، وبعضهم سكات، وبعضهم صرع، وبعضهم غير ذلك، بحسب الخلط الغالب في أبدانهم، هل هو صفراء أو بلغم أو سوداء؟ فإن الرياضة تحركه وتثيره فتتولد عنه الأمراض بحسبه.
[فصل رقم 100]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض، وحميات دائمة ومحرقة، وغب كثيرة، وقيء، وذرب، ورمد، ووجع الأذن، وقروح في الفم، وعفن في القروح وحصف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن أكثر هذه الأمراض يعرض في الصيف لملاءمتها مزاجه، وهو الحرارة واليبس، كالغب والمحرقة ونحوها. وقوله: "فأما في الصيف PageVW0P051B فيعرض بعض هذه الأمراض" يريد أن بعض أمراض الربيع تحدث في أوائل PageVW2P060B الصيف لأن أول الصيف يشبه الربيع (184)، ثم تحدث فيه أمراض خاصة (185) به، وهي كل مرض صفراوي كالحميات ، والقيء الصفراوي، والذرب الصفراوي، وذلك أن المادة إن صعدت إلى المعدة كان القئ، وإن انحدرت كان الذرب، ويعرض الرمد الصفراوي أيضا. ولأن الدماغ يمتلئ فيدفع عنه إلى الأعضاء القريبة إليه كالعين والأذن والفم، ومعلوم (186) أن قروح الفم يغلب عليها الصفراء، فإن كان معها رطوبة طبيعية عفنت تلك القروح. وإن كان الصيف PageVW1P045A مائلا أيضا إلى الرطوبة لكثرة مطره أو لكثرة هبوب الجنوب فيه، رطبت القروح فعفنت. وأما الحصف فهو من جنس البثور، ويحدث في سطح الجسد (187) فيخشن الجلد. وحدوثه عن كثرة العرق المراري اللذاع فيحرق الجلد ويحدث فيه حكة وخشونة، وقد سماه اليونانيون لذلك باسم مشتق من اسم العرق لأن مادتهما واحدة، وسماه العرب باسم مشتق من الاجتماع والتقبض لخشونة (188) ملمسة وتقبض حاسة اللمس منه فاشتقوا له اسما من جهة الإحساس به.
[فصل رقم 101]
[aphorism]
PageVW3P060A قال أبقراط: وأما في الخريف فيعرض أكثر أمراض الصيف، وحميات ربع ومختلطة (189)، وأطحلة، واستسقاء، وسل، وتقطير البول، واختلاف الدم، وزلق الأمعاء، ووجع الورك، والذبحة، والربو، والقولنج الشديد الذي يسمى باليونانية إيلاوس، والصرع، والجنون، والوسواس السوداوي.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر أنه يعرض في الخريف أكثر أمراض الصيف على جهة المشاركة بين الفصلين لأن أول كل فصل شبيه بالذي قبله، كما جرى الأمر عليه في الصيف مع الربيع، لأن الخريف يأتي والصفراء التي أحدثها الصيف في الأبدان على حالها PageVW2P061A فلا يحيلها إلى طبيعته دفعة بل قليلا قليلا، ففي أوله تكون الصفراء بعد على حالها، فتكون الأمراض صفراوية. وأما إذا تمكن الفصل، فإنه يغلب ويفعل (190) في الأخلاط فعله الخاص به وهو السوداء، فتحدث الأمراض السوداوية، وتنقلب الصفراوية منها سوداوية، بحسب طبيعة الفصل (191). فإن قيل (192): لم قال في الصيف أنه يعرض فيه بعض أمراض الربيع؟ وقال في الخريف أنه يعرض فيه أكثر أمراض الصيف؟ PageVW0P052A قيل: لأن طبيعة الأمر على ذلك، وذلك أن الصيف يحلل ما أبقاه الربيع في الأبدان فلا تحدث فيه أمراض الربيع، إلا الواحد بعد الواحد لاندفاع الأخلاط إلى سطوح (193) الأبدان. وأما الخريف فيكثف الأبدان، ويردع عن التحلل، ويدفع الأخلاط إلى أعماق الأبدان، فحقيق لذلك أن يحدث فيه أكثر أمراض الصيف، ثم تحدث فيه الأمراض التي تخصه (194)، وهي حميات الربع لكونها سوداوية من طبيعة الفصل. والسوداء على ضربين: عن (195) احتراق المرة الصفراء، وعن غلظ الدم. وأما الحميات المختلطة فتحدث في هذا الفصل لاختلاف مزاجه، مرة حر، ومرة برد، ويعظم الطحال فيه لغلبة الخلط السوداوي. وقال: أطحلة، وهو يريد مرض الأطحلة، فسمى المرض باسم العضو نفسه، كما يقال: بفلان (196) بطن، أي وجع البطن. وأما السل، فيحدث فيه لاختلال مزاجه ورداءة الأخلاط فيه. PageVW3P060B وفي الخريف - أيضا - ينكشف أمر السل، فمن كان يخاف عليه السل (197) وأمره مشكل، فإنه في الخريف ينكشف أمره. وأما تقطير البول PageVW1P045B فيحدث لاحتداد الأخلاط، وتأذي المثانة لأنها عضو عصبي، فإذا جرى عليها أمر الخريف وهو غير منتظم، تارة برد وتارة حر، تأذت. ثم إن الخريف يحقن (198) فضول المثانة التي حللها الصيف. وأما زلق الأمعاء PageVW2P061B فهو خروج البراز بسرعة من غير أن يتغير، وذلك لسببين (199): أحدهما: لقروح تحدث في سطح المعدة والمعا الباطن، شبيه بالقلاع العارض في أفواه الصبيان، وذلك يحدث من فضول لذاعة فلا تحتمل مباشرة الطعام فتدفعه عنها بسرعة ولا يلبث ريثما يتغير، فيخرج بحاله. والثاني: لضعف القوة الماسكة، وذلك لتغير عظيم (200) يحدث في مزاج المعدة والأمعاء. والخريف يعين في توليد هذين السببين. وأما وجع الورك، فهو عرق (201) النسا، ويحدث لخبث الأخلاط في ذلك الوقت، ولبرده. وأما الذبحة فعن فضل مراري يتحلب إلى الحلق. والذبحة العارضة في الربيع أميل إلى البلغم، والصيفية أقرب إلى الحدة. وأما الربو، فلحركة الأخلاط إلى الباطن بسبب البرد، ولذلك يحدث إيلاوس، وهو امتناع نفوذ الثفل إلى أسفل، وأكثر كونه عن PageVW0P052B ورم في الأمعاء ونواحي المعدة، وأحرى (202) ما كان ذلك عند برد الهواء ويبسه واختلافه، لأن الأبدان تختلط أيضا، لأنها تابعة للأوقات (203). وأما الصرع، فيعرض في الخريف لمن كان بدنه متهيئا لهذه العلة، لتنقل (204) الأبدان إلى المضادات فيه بغتة. وليس شيء أعون على تهيج نوائب الصرع من أن يكون أول النهار (205) وآخره بردا (206)، وأوسطه حرا. وأما الجنون، فيعرض لخبث الأخلاط الرقيقة المرارية. وأما الوسواس السوداوي، فلغلبة السوداء في هذا الوقت.
[فصل رقم 102]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في الشتاء، فيعرض ذات الجنب، وذات الرئة، والزكام، والبحوحة، PageVW3P061A والسعال، والسل، وأوجاع الجنبين والقطن، والصداع، والسدر، والسكات.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اقتصر هنا على الأمراض التي تخص الشتاء ولم يذكر ما يشارك فيه الخريف، PageVW2P062A كما فعل (207) بالخريف مع الصيف وبالصيف مع الربيع، اجتزاء (208) بأن ذلك مفهوم من قوله السابق، ولعمري أن أول الشتاء شبيه بالخريف، فيحدث في الشتاء ذات الجنب وذات الرئة لما ينال آلات التنفس من التضرر بالبرد. ويعرض أيضا السعال وأوجاع الجنبين، ثم إن الرأس قد يتضرر بالبرد كما يتضرر الصدر، فيحدث الزكام والبحوحة (209) والسعال والسدر والصداع لاحتقان الأبخرة، والسكات لامتلاء الدماغ من البلغم حتى يغمره، وكذلك وجع القطن. وكل عضو عصبي.
[فصل رقم 103]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما في الأسنان، فيعرض هذه الأمراض: أما في الأطفال الصغار، حين يولدون، فيعرض لهم القلاع، والقيء، والسعال، والسهر، والتفزع (210)، وورم السرة، ورطوبة الأذنين.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما استوفى ذكر الأوقات PageVW1P046A الأربعة انتقل إلى أمر الأسنان ودقق فيها القسمة، ولم يفعل ذلك في الأوقات اجتزاء (211) بأحدهما عن الآخر، ولأن أمر الأسنان أهم من أمر الأوقات إذ (212) كانت أقوى على توليد الأمراض وشفائها من الأوقات، وأبتدأ بالأطفال. فأما القلاع في أفواههم فيعرض للين أعضائهم وسرعة تأثرها، فإذا صادف اللبن الفم وفيه بورقية وحدة، أحدث فيه القروح. وأما القيء فلضعف معدهم وكثرة شربهم وانفساد (213) اللبن فيها. PageVW0P053A وأما السعال فلما ينال الحلق بالمشاركة من رداءة القلاع ومن فساد اللبن في المعدة، ومن غير ذلك. وأما السهر فلغلبة النوم على الأطفال، حتى أن أوقاتهم كلها نوم، فإذا قل نومهم نسبوا إلى السهر وكان مرضا، وقد يكون ذلك إذا فسد اللبن في معدهم (214)، أو نالهم وجع في الجوف يمنعهم عن الاستغراق في النوم. وأما التفزع (215) PageVW2P062B فعند فساد اللبن في المعدة واحتداده فيزعجهم (216) مرة بعد أخرى؛ وقد يعرض مثل ذلك PageVW3P061B للرجال والنساء إذا امتلؤا من طعام (217) وفسد. وأما ورم السرة فلقربها من القطع وقبل جودة الاندمال. وأما رطوبة الأذنين، فلجريان فضول الدماغ إليهما (218) فأما جريانها من المنخربين واللهوات، فيكون لسائر الأسنان، وأما جريانها من الأذنين فخاص بالأطفال للين أعضائهم وأن عظامهم - فضلا عن غيرها - أشبه بالشمع منها بالحجر، فلذلك صارت فضولهم إذا كثرت، جرت فيهم من جميع المنافذ.
[فصل رقم 104]
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا قرب الصبي من أن تنبت له الأسنان (219)، عرض له مضيض في اللثة، وحميات ، وتشنج، واختلاف، ولاسيما إذا نبتت له الأنياب، وللعبل (220) من الصبيان، ولمن كان منهم بطنه معتقلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما المضيض فهو حكة مع ألم يسير كالدغدغة، كما يعرض للعضو المجروح والمقروح (221) إذا أخذ يندمل وينبت فيه اللحم الحي. وتعرض هذه الدغدغة في اللثة عند نبات الأسنان، كما تعرض عند نبات اللحم في القروح إذا أخذت تندمل. وأما الحميات ، فلقوة الألم والورم. وأما التشنج، فلذلك أيضا، ولضعف أعضائهم ورطوبة أدمغتهم. وأما الاختلاف فلسوء الهضم للحمى والسهر وقوة الألم ولابتلاع (222) الرطوبة البورقية الكائنة في ورم اللثة. وقوله: "ولاسيما إذا نبتت الأنياب" لأنها أقوى من الثنايا وأكبر (223)، فتجهد (224) الطبيعة أكثر * ويشق العظم واللحم أوسع، فيشتد الألم ويتبعه ما قلنا، ولأن منابت الأنياب أوسع وأكبر (225) فتجهد الطبيعة أكثر (226). وقوله: "وللعبل من الصبيان ولمن كان منهم بطنه معتقلا" لأن هؤلاء يكثر الفضل في أبدانهم. أما العبل فللعبالة، PageVW2P063A وأما المعتقل البطن PageVW0P053B فلقلة التحلل. فإذا كانت أبدانهم رطبة ممتلئة، كان التشنج إليهم أسرع لأن التشنج فيهم من رطوبة العصب. وجالينوس يرى أن قوله: "وللعبل" نسق على PageVW1P046B التشنج. أي ويعرض التشنج للعبل من الصبيان. وأما صحته (227) من جهة العربية فمن وجهين: أحدهما: أن يكون منسوقا على له، نسق الخاص على العام على جهة الاختصاص، كأنه قال: يعرض للصبي كيت وكيت، وللعبل PageVW3P062A منهم أي والعبل أخص بذلك وأولى بأن يعرض له، لرطوبة مزاجه وكثرة امتلاء أعضائه. والوجه الآخر: أن يكون منسوقا على قوله: "ولاسيما". أي ولاسيما إذا نبتت له الأنياب، ولاسيما العبل من الصبيان. وأنا أرى أن (228) قلق (229) هذا اللفظ من جهة الناقل.
[فصل رقم 105]
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا تجاوز الصبي هذه السن، عرض له ورم الحلق ودخول خرزة القفا، والربو، والحصا، والحيات والدود، والثآليل المتعلقة، والخنازير، وسائر الخراجات (230).
[commentary]
قال عبد اللطيف: قسم سن الصبي أربعة أقسام: حين يولد، وعند تمام الرضاع، وسن البلوغ، وما (231) بين ذلك وهو من السنة الثانية والثالثة إلى السنة (232) الثانية عشرة (233) أو الثالثة عشرة (234). والحلق هو ما بين (235) الفم والمريء، وقد يعرض الورم في الغشاء المستبطن المشترك للمعدة والمريء والحلق والفم (236) كله فقط (237)، وربما كان فيما وراءه من العضل فيعرض عند ذلك لخرزة القفا الميل إلى داخل. وهذا الورم يعرض للصبيان؛ لرطوبة أخلاطهم ولين أعضائهم، ولا يعرض للأطفال وإن كانوا أكثر رطوبة وألين (238) أعضاء لأنهم يموتون قبل تمكن هذه العلة، وذلك لضعفهم عن احتمالها. وأما الربو فهو تواتر النفس شديدا، كما يعرض لمن (239) أكثر التعب. وإذا عرض من PageVW2P063B غير سبب من خارج، فلضيق (240) أوعية التنفس (241) في الرئة لامتلائها بفضول ما يتجلب إليها من الرأس، وانحدار (242) هذه الفضول في المولود أكثر، إلا أنها تقتل وشيكا، ولا تلبث حتى تصير علة (243) ولا يحتمل أن تعرض له نزلة تنحدر إلى الرئة. وأما الحصا فيعرض (244) لشرههم وكثرة تولد فضول الغذاء في أعضائهم، وتصادفها قوة الحرارة، فإن المولود (245) لا تقوى حرارته أن تحجز (246) PageVW0P054A أعضاءه، فكيف تحجز فضول الغذاء حتى يتولد منها حصا. وأما الشيخ فإنما يتولد فيه الحصا لكثرة الخلط (247) التي في بدنه وضعف هضمه. وأما الحيات فبسبب (248) العفن، لكثرة فضول الغذاء ورطوبة أمعائهم؛ فإن هذا الحيوان يحتاج في تولده إلى توفر الحرارة والرطوبة الغريبة. وكثيرا ما يفسد PageVW3P062B الغذاء في معد الصبيان لشرههم. وأما المولود فليس تقوى حرارته على توليد الحيات. وأما الدود فحيوان دقيق صغير، يتولد في أسفل المعا الغليظ، ويكون في الدواب ذوات (249) الأربع إذا لم تستمرئ (250) غذاءها، ويدل على سوء استمرائها، نتن روثها. وأما الحيات فتتولد في أعلى المعا، وربما صعدت (251) إلى المعدة، وتولدها (252) في الصبيان أكثر من تولد الدود فيهم. وأما الجنس الثالث وهو العريض المسمى بحب القرع، فقلما يتولد في الصبيان فلذلك لم يذكره. PageVW1P047A وأما الثآليل والخنازير فأكثر ما تعرض عن خلط كثير رديء، يميل إلى سطح البدن وأكثر ما تكون الخنازير في اللحم الرخو، لأن هذا الورم قلما يكون من مادة حادة ولا سريعة النضج (253) لكن من مادة (254) هى إلى طبيعة البلغم أميل، وأبقراط يسمي كل ما خرج إلى سطح البدن خراجا (255) كالتآليل والخنازير وغيرها. ولذلك قال: وسائر الخراجات (256)، وقد PageVW2P064A يخص باسم الخراج الورم الفلغموني (257) المقيح، وأكثر ما يتولد في الأرنبة (258) والإبط.
[فصل رقم 106]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما من جاوز هذا السن، وقرب من أن ينبت له الشعر في العانة، فيعرض له كثير من هذه الأمراض، وحميات أزيد طولا، ورعاف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ليس وقت الإنبات في الصبيان واحدا (259)، فإن من كان مزاجه أحر تقدم إنباته (260). ومن كان مزاجه أبرد تأخر إنباته (261)، لكن يبتدئ في الإنبات عند استيفاء الأسبوع الثاني. وأما من قرب إلى هذا الحد، فهو من أتت عليه أثنتا (262) عشرة سنة إلى ثلاث عشرة سنة. وقوله: "فيعرض له كثير من هذه الأمراض" أي التي كانت تعرض لصاحب (263) السن التي قبله. وقوله: "وحميات أزيد طولا" يدل هذا القول على أن من قبله يعرض له حميات حادة قصيرة. وأما الرعاف، فيحدث لأن هذه السن يكثر فيها ظهور الدم، وإن كان تولده في الحالتين (264) بالسواء، لكن كان قبل تصرفه الطبيعة في النشوء (265)، والحاجة إلى النشوء (266) قد قلت لأن النشء فيما قبل PageVW0P054B أقل منه الآن (267).
[فصل رقم 107]
[aphorism]
قال أبقرط: وأكثر ما يعرض للصبيان من الأمراض، يأتي في بعضه (268) البحران في أربعين يوما، PageVW3P063A وفي بعضه (269) في سبعة أشهر، وفي بعضه في سبع سنين، وفي بعضه إذا شارفوا (270) نبات (271) الشعر في العانة. وأما ما يبقي من الأمراض فلا ينحل في وقت الإنبات، أو في وقت الإناث في وقت ما يجري منهن الطمث، فمن شأنها أن تطول.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأفضل أن تزاد لفظة المزمنة، فيصير القول هكذا: "وأكثر ما يعرض للصبيان من الأمراض المزمنة" فحينئذ يتم القول. ويوم الأربعين هو نهاية الأمراض الحادة، وأول الأمراض المزمنة؛ فيوم الأربعين أول يوم من أيام بحران الأمراض المزمنة، وآخر يوم من أيام بحران الأمراض الحادة المتنقلة. وأما ما تجاوز ذلك، فبحرانه يكون على PageVW2P064B حساب الأسبوع، إلا أنه لا يحسب أياما، لكن شهورا، ثم من بعد ذلك أعواما. وما جاوز ذلك فبحرانه يكون في أربع عشرة سنة؛ لأنه الوقت الذي فيه استتمام الأسبوع الثاني، ويحدث للبدن فيه تغير عظيم في وقت الإنبات، وخاصة في الإناث بانفجار دم الطمث، فما لم ينحل من الأمراض في هذه السن، فخليق (272) أن يبقى دهرا (273) طويلا.
[فصل رقم 108]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما الشباب، فيعرض لهم نفث الدم، والسل، PageVW1P047B والحميات الحادة، والصرع، وسائر الأمراض، إلا أن أكثر ما يعرض لهم ما ذكرنا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر سن الشباب، وأضرب عن سن الفتيان ولم يستقص في تفصيلها، كما فعل ذلك في سن الصبيان وقسمها أربعة أقسام، ولعله اكتفى بأن ذلك يمكن استخراجه مما ذكر. وأما كثرة أمراض الشباب، فليست لضعف قواهم، بل لقلة توقيهم، ولإطلاقهم أنفسهم في الإكباب على الأطعمة والأشربة، وهجومهم على الأعمال الشاقة، وملاقاة (274) الحر والبرد، فيعرض لهم نفث الدم من ذلك؛ وربما عرض لهم من ضربة، أو من وهن، أو وثبة، أو صيحة شديدة، أو من نوم على الأرض بغير وطاء (275)، فإذا عرض لهم نفث الدم تبعه السل. وأما الحميات (276) الحادة فيعرض لهم الصفراوية منها، كالغب والمحرقة. وأما الصرع، فليس بخاص لهم ولا يكثر فيهم، بل سن الشباب يشفي الصرع، مع أنه قد يعرض لهم (277) الصرع بسبب PageVW3P063B تعديهم (278) في المأكل والمشرب (279) عن المقدار القصد ولغير ذلك، لكنه ليس بكثير (280)، وإنما يكثر في الصبيان ولهذا يسمى مرض الصبيان، وإنه عند انتقال سنهم يزول. وجالينوس يرى أن تحقيق هذا الفصل وإصلاحه هكذا يكون: فأما الشباب فيكاد يحدث لهم جميع الأمراض التي تحدث لأصحاب الأسنان الأخر. وأما PageVW0P055A PageVW2P065A أمراضهم الخاصة فهي الحمى، الغب والمحرقة.
[فصل رقم 109]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما من جاوز هذه السن، فيعرض له الربو وذات الجنب، وذات الرئة، والحمى التي يكون معها السهر، والحمى التي يكون معها اختلاط العقل، والحمى المحرقة، والهيضة، والاختلاف الطويل، وسحج الأمعاء وانفتاح أفواه العروق من أسفل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه سن (281) الكهولة، وتبتديء بعد الخمس (282) والثلاثين سنة، لأنها تبتدئ مع الأسبوع السادس، ويعتريهم الربو وذات الجنب وذات الرئة أكثر مما يعتري الشباب، لأنهم يستعملون من التدبير (283) والتعب ما يستعمل الشباب وأبدانهم أضعف بكثير. وجميع ما ذكر أنه يعرض لهم فإنه يعرض للشباب، وقد أشار إليه بقوله في الفصل المتقدم: وسائر الأمراض. وأما الحمى التي يكون معها السهر فتكون عن كيموس بلغمي متولد في الدماغ، وهذا الكيموس قليل التولد في الشباب، ويكثر في الكهول والمشايخ، لكن المشايخ لفرط برد أبدانهم يمنع من تولد الحمى. وأما زلق المعا، فيكون من بلغم بارد ومن تغير مزاج مفرط تضعف فيه القوة الماسكة، ومن قروح في سطح المعدة والأمعاء، وهذه الأسباب كثيرا ما تتفق في المشايخ. وأما انفتاح أفواه العروق من أسفل، فهو مرض خاص بأصحاب هذه السن لغلبة PageVW1P048A السوداء فيهم، ولذلك يعتريهم كثيرا (284) الوسواس السوداوي، وهو مزيد في بعض النسخ (285). فأما الحمى التي يكون معها اختلاط العقل، وهي التي يرم معها أغشية الدماغ أو حجبه، والحمى المحرقة الكائنة من عفن الصفراء داخل العروق، والهيضة، وهي حركة الصفراء بالقيء، واختلاف الدم الكائن من سحج المعا، فليس عروضه للشباب أكثر من الكهول. وأما الذرب فهو في الكهول أطول، PageVW3P064A لنقصان ذهاب (286) الغذاء في أبدانهم، PageVW2P065B لأنهم لا يحتاجون إلى الغذاء للنمو كما للفتيان، ولا تنحل (287) أبدانهم سريعا لضعف القوة الماسكة كالمشايخ، فيحتاجون إلى زيادة الغذاء. فأبدان الكهول متماسكة، قليلة التحلل، لكن حرارتهم أضعف من الشباب. والاختلاف يكون من نقصان الهضم، أو من نقصان ذهاب الغذاء في البدن، أو من حدة المرار إذا سحج المعا، وجميع هذه الأسباب موجودة في أبدان الكهول، فبالواجب يطول فيهم الاختلاف. فسن الكهول بعد سن الشباب، بمنزلة الخريف بعد الصيف، يصادف الأبدان وهي مملوءة بالمرار الأصفر فيحرقه ويشيطه (288)، ويكون عنه أمراض الصفراء والسوداء جميعا.
[فصل رقم 110]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما المشايخ فيعرض لهم رداءة التنفس، والنزل (289) التي يكون معها السعال، وتقطير البول وعسره، وأوجاع المفاصل، وأوجاع الكلى، والدوار، والسكات، والقروح الرديئة، وحكة البدن، والسهر، ولين البطن، PageVW0P055B ورطوبة العينين والمنخرين، وظلمة البصر، والزرقة، وثقل السمع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قد فرق قوم بين المشايخ والشيوخ ورأوا (290) أن اسم الشيوخ يدل على السن القصوى من الشيخوخة، وأن اسم المشايخ يدل على السن التي قبلها، وجالينوس يرى ألا فرق بينهما. وأكثر ما يعتري (291) أصحاب هذه السن النزل، ويتبعها السعال لبرد رؤوسهم، فتسرع الآفة إليه، وتجتمع فيه فضول كثيرة بلغمية. وأما الربو فبسبب النزل، ولبرد آلات تنفسهم، واجتماع فضول بلغمية في أبدانهم، كيف والقوة فيهم ضعيفة؛ ولذلك - أيضا - يتولد في كلاهم السدد والحصا لغلظ البلغم اللزج وضعف الحرارة المنضجة، فيتبعه تقطير البول وعسره. وأما أوجاع المفاصل، فلتجلب (292) الفضل البلغمي إليها. وأما الدوار، فيحدث فيهم عن أبخرة تسكن (293) الدماغ وتضطرب فيه، أو عن فضول رديئة تجتمع في المعدة فيرتقي منها PageVW2P066A بخار غليظ. وأما السكات فهو أخص الأمراض بهم لأن أدمغتهم تمتلئ فضولا بلغمية. وإن حدث في بدن الشيخ قرحة، عسر برؤها لقلة الدم في بدنه. PageVW3P064B وأما الحكة، فلأن (294) الفضول تجتمع تحت جلودهم، ويعسر نفوذها واستفراغها (295) لضعف حرارتهم وغلظ PageVW1P048B فضولهم وثخن جلودهم وتكاثفها لغلبة البرد عليها. وأما السهر، فيكاد يكون للشيخ صحيا (296)، لأنه يدل على يبس مزاجه وقلة أخلاطه، فإنه إن كثر فيه تولد (297) الفضول البلغمية، كثر نومه، وكان ذلك (298) مرضا. فإذا كان بدنه نقيا، مال إلى اليبس فيتبعه السهر فهو (299) - حينئذ (300) - أصح ما يكون بدنا، ولذلك يقال: إن السهر أخص الأعراض لسن (301) المشايخ. ولكثرة تولد (302) الفضول البلغمية فيهم توهم قوم أن الغالب على مزاجهم الرطوبة، وليس الأمر كذلك، فظاهر أن الشيخ تكثر في دماغه الفضول البلغمية، فلذلك ترطب عيناه ومنخراه؛ وإذا انحدرت تلك (303) الفضول إلى البطن، لانت كثيرا. وأما ظلمة البصر وثقل السمع، فلضعف القوة (304) الحساسة. وأما الزرقة، فلإفراط يبس آلة البصر، لأن هذا الجنس من الزرقة إنما هو صنف (305) من الماء المتولد في العين.
* تمت المقالة الثالثة، وهي أربعون (306) فصلا (307).
المقالة الرابعة
[فصل رقم 111]
[aphorism]
PageVW0P056A قال أبقراط (1): ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة، منذ يأتي على الجنين أربعة أشهر، وإلى (2) أن يأتي عليه سبعة أشهر ويكون التقدم على هذا أقل. وأما ما كان أصغر من ذلك أو أكبر منه فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الدواء في عرف أبقراط هو (3) المسهل أو المقييء، والحامل لا ينبغي أن (4) تسقى الدواء أصلا وإن كانت محتاجة إلى ذلك، إلا بشرط أن تكون الأخلاط هائجة في بدنها، وإنما تكون هائجة إذا كانت تحفز (5) وتثور شبيه بهيجان الحيوان للسفاد (6). فإن الأخلاط الغالبة إذا كانت متحركة هائجة ساعية في البدن كله، ولم تكن بعد قد تمكنت PageVW2P066B في عضو واحد بعينه وثبتت فيه، فإن الطبيعة - حينئذ - تهيج لقذفها (7) ونفضها وتحتاج إلى معين من خارج يسهل سبيلها، وما دام الخلط لاحجا أو ثابتا ساكنا فلا ينبغي أن يحرك، ولا سيما في البدن (8) الحامل لأن الطبيعة إذ ذاك تجاهد المرض والدواء، فإن الدواء يضعف الأعضاء الرئيسة والقوى التي من شأنها شفاء المرض. وإذا ضعفت القوة واضطرب البدن وأجهده الدواء لنفض (9) PageVW3P065A ما فيه، لم يؤمن على الجنين أن يسقط ويهلك، ولا سيما إن كان قريب العهد، وكان قد قوى وتهيأ للولادة. فلذلك أمر أبقراط ألا تسقى الحامل الدواء إلا بشرطين: أن تكون الأخلاط في بدنها هائجة. وأن تكون في التوسط من مدة الحمل، وهذه المدة المتوسطة هي ما بين أربعة أشهر، من ابتداء الحمل، إلى سبعة أشهر، وحينئذ يصير الجنين متهيء للولادة، ويحتاج إلى كثرة الغذاء لقوته وكثرة نموه، وتقوى حركته، فيصير إضعاف بدن الحامل واضطرابها مما يمرضه (10) ويقلل غذاءه ويهيجه ويزعجه للخروج والإسقاط PageVW1P049A فتكون المدة التي يجوز أن تسقى فيها الحامل الدواء ثلاثة أشهر في وسط زمان الحمل. أما في أول الحمل، فلضعفه، ووهاء معاليقه. وأما في آخره، فلقوة الجنين، وقوة إحساسه بالمؤذيات، وقلة احتماله ما يزعجه؛ فلذلك خص (11) أبقراط شرب الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط هائجة في بدنها بهذا الوقت فقط. واعلم أن الجنين في الرحم، بمنزلة الثمرة (12) في الشجرة؛ أما في أول أمرها فواهية المعاليق، تسقط من أدنى سبب، وأما في آخر أمرها فتسقط من ذات نفسها عند كمالها من غير احتياج إلى سبب من خارج، وأما PageVW0P056B في وسط أمرها فأقوى ما يكون ارتباطها، وأعسر ما يكون قطعها؛ لأنها ليست واهية المعاليق كحال الابتداء، ولا متهيئة للانفصال كحال الانتهاء.
[فصل رقم 112]
[aphorism]
قال أبقراط: إنما ينبغي أن يسقى PageVW2P067A من الدواء ما يستفرغ من البدن النوع الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه، نفع استفراغه؛ فأما ما كان استفراغه على خلاف ذلك فينبغي أن تقطعه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن الطبيعة هي الشافية للأمراض والمستفرغة للأخلاط (13)، لكن في بعض الأوقات قد تعجز ويعوقها عائق، فالطبيب يعينها ويزيل عائقها (14) ويفعل فعلها ويسلك السبيل (15) التي تهم هي بسلوكها (16)، فلذلك أشار أبقراط أن يقتدى بالطبيعة، فإن الاقتداء بها هو أن يستفرغ المستفرغ في كل واحد من الأمراض الخلط الذي رأى استفراغه من تلقاء نفسه نافعا. ويقال: إن الشيء PageVW3P065B يستفرغ من تلقاء نفسه إذا لم يكن للطبيب (17) فيه عمل. وهذا الصنف من الاستفراغ، ربما كان من قبل الطبيعة المدبرة للبدن فتنفيه عنه، وربما كان بسبب تلذيع ذلك الخلط وتهييجه، وربما كان من جهة أن الأوعية تعجز عن ضبطه. فإذا كانت الطبيعة هي المستفرغة للفضل، انتفع الحيوان به جدا؛ وإن كان بخلاف ذلك وبطريق العرض لم يتبعه انتفاع وكان دليلا رديئا. والاستفراغ بالقيء والإسهال استفراغ عام، وينبغي أن يكون الاستفراغ على الجهة القريبة، والتي الفضل إليها (18) أميل (19)، والتي جرت عادة الطبيعة أن يستفرغ منها، وينبغي أن يستدل على الخلط الذي ينبغي أن يستفرغ وعلى مقدار ما يستفرغ منه، من البلد، والسن، والعادة، والمزاج، والوقت الحاضر وما يتبع ذلك. والنوع الذي ينبغي أن ينقي منه البدن، إنما هو الخلط الغالب المؤذي للمريض بكيفيته. قوله: "فأما ما كان استفراغه على خلاف ذلك" أي لم يكن مما ينفع استفراغه، فينبغي أن تقطعه وإلا أنهكت (20) بقوة المريض؛ واجعل (21) دليلك على ما ينبغي استفراغه: أما قبل الاستفراغ، فطبيعة (22) المرض والمريض، والبلد، والسن، والهواء الحاضر، والعادة، PageVW2P067B وغير ذلك. وأما وقت الاستفراغ: PageVW1P049B فسهولة احتماله على المريض وجف (23) بدنه. وأما بعد الاستفراغ: فظهور النجح والبرء والتوجه إلى ما هو أفضل.
[فصل رقم 113]
[aphorism]
قال أبقراط: إن استفرغ (24) البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله، وإن كان الأمر على ضد ذلك PageVW0P057A كان الأمر عسرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد تكرر، ولذلك قد يسقط من هذا الموضع، وهو يتضمن دليلا على إصابة حدس الطبيب، فإن المريض إذا انتفع بالاستفراغ وسهل احتماله عليه، دل على أن الطبيب استفرغ الشيء الذي ينبغي استفراغه وما تقصد الطبيعة نفضه.
[فصل رقم 114]
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن يكون ما يستعمل من الاستفراغ بالدواء في الصيف من فوق أكثر، وفي الشتاء من أسفل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الاستفراغ من فوق هو بالقيء، ومن أسفل هو بالإسهال، PageVW3P066A والأدوية المقيئة غير الأدوية المسهلة. وإنما صار الواجب في الصيف أن يستفرغ من فوق لغلبة الصفراء فيه، وارتفاعها إلى فوق، وتحركها إلى تلك الجهة، وامتياع (25) الأخلاط وطفوها وخاصة (26) البلغم، وينبغي أن تخرج كل فضل من الناحية التي يميل إليها، وإنما أتى بلفظة أكثر لأنه لا (27) تكون الصفراء غالبة وعالية في الصيف دائما، بل بعض الأمزجة يغلب فيها السوداء في الصيف والصفراء في الشتاء.
[فصل رقم 115]
[aphorism]
قال أبقراط: بعد طلوع الشعرى العبور وفي وقت طلوعها وقبله يعسر الاستفراغ بالأدوية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الوقت هو وقت الحر واحتدام الهواء، فالقوة في هذا الوقت تضعف، والأخلاط ترق وتنجذب إلى سطوح الأبدان (28)، لحرارة الهواء، فيعسر الاستفراغ بالدواء. وكما أن الاستحمام بالماء الحار يقاوم الاستفراغ بالدواء ويقطعه، كذلك حرارة الصيف، وخاصة وقت شدته، وذلك عند طلوع الشعرى العبور، وقبله بمقدار عشرين يوما، وبعده بعشرين يوما. والشعرى العبور هي PageVW2P068A الشعرى الثمانية، وهي كلب الجبار، لأنها تابعة للصورة المسماة بالجبار، وهي الجوزاء، ورأس الصورة هو منزلة من منازل القمر تسمى الهقعة، وليست في الحقيقة على طريق ممر القمر والكواكب، لكن على حيالها.
[فصل رقم 116]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان قضيف البدن، وكان القيء يسهل عليه، فاجعل استفراغك إياه بالدواء من فوق، وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من كان قضيفا، فالغالب عليه الصفراء أكثر ذلك، فإن كان يسهل عليه القيء، وكان الوقت صيفا فاستفرغه من فوق، إلا أن يمنع من ذلك مانع، وينبغي أن يزاد عليه: أكثر ذلك أو غالبا.
[فصل رقم 117]
[aphorism]
قال أبقراط: فأما من كان يعسر عليه القيء، وكان من حسن اللحم على حال متوسطة، فاجعل استفراغك إياه بالدواء من أسفل، وتوق أن PageVW1P050A تفعل ذلك PageVW0P057B في الصيف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من كان قضيف البدن، وكان القيء يسهل عليه، فإنه يستفرغ بالقيء في الصيف والخريف والربيع. فأما من كان PageVW3P066B يعسر عليه القيء، وكان معتدل اللحم، فينبغي أن يستفرغ من أسفل فإن احتاج إلى القيء، فليجعل في الصيف خاصة، ويتوقى في غيره من السنة، كما يتوقى إسهاله في الصيف خاصة.
[فصل رقم 118]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما أصحاب السل، فإذا استفرغتهم بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بأصحاب (29) السل الذين ابتدأ بهم السل، والذين هم مستعدون له؛ لضيق صدورهم، وضعف آلات التنفس فيهم (30) وإنما نهي عن استفراغهم بالقيء لضعف آلات تنفسهم ورداءتها.
[فصل رقم 119]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما من كان الغالب عليه المرة السوداء، فينبغي أن تستفرغه إياها من أسفل بدواء أغلظ إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المرة السوداء - لغلظها وثقلها - ترسب إلى أسفل البدن، فاستفراغها بالإسهال أوفق وأسهل. وكما أن الصفراء تطفو (31) فتواتى بالقيء أكثر، كذلك المرة السوداء ترسب فتواتي بالإسهال PageVW2P068B أكثر. ولذلك قال أبقراط: "إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد" يريد أن الصفراء ضد السوداء، وهذه تميل (32) إلى فوق، وهذه تميل إلى أسفل. واستفراغ كل خلط فمن الجهة التي هو إليها أميل، وهذا هو القياس الواحد، والضدان هما الصفراء والسوداء، وفوق وأسفل.
[فصل رقم 120]
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن تستعمل دواء الاستفراغ في الأمراض الحادة جدا إذا كانت الأخلاط هائجة منذ أول يوم، فإن تأخيره في مثل هذه الأمراض رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأمراض الحادة جدا، هي التي حد بحارينها يأتي في الأسبوع الأول. والهائجة، هي المتثورة السيالة، والمتحركة المتهيئة للخروج، المواتية للاستفراغ. فإن المرض إذا جمع بين الحدة والهيجان وجب استفراغه في وقت الابتداء؛ فإن لم يبادر باستفراغها قبل أن تضعف القوة، وتتزيد (33) حرارة الحمى، وتصير تلك الأخلاط المنتشرة متحيزة إلى بعض الأعضاء الشريفة ويزداد عفنها (34)، كانت النكاية أشد والخطر أعظم.
[فصل رقم 121]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به مغص، وأوجاع حول السرة، ووجع PageVW3P067A في القطن دائم لا ينحل، لا بدواء مسهل ولا بغيره، فإن أمره يؤول إلى الاستسقاء اليابس.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كان المغص من ريح غليظ PageVW0P058A نافخة، لا منفذ لها، منحصرة في لفائف الأمعاء، وثبت الألم حول السرة وأسفل الصلب، ثم لم ينحل بالدواء المسهل ولا بغيره من العلاج؛ فإن المزاج -في أكثر الأمر- إذا طال أمره وأزمن أحدث الاستسقاء الطبلي، وهو الذي نسميه الاستسقاء اليابس لأن كونه عن ريح PageVW1P050B غليظة محتبسة إذا ضرب عليها [أحدثت] (35) صوتا (36) شبيها بالطبل. وليس في هذه العلة رطوبة مائية في البطن، كما يكون في الصنف الآخر المسمى بالزقي تشبيها بالماء المحصورة في الزق. والطبلي يتولد من برد أقل، والزقي من برد أكثر، وذلك أنه لا يمكن أن تستحيل المادة PageVW2P069A فتصير هواء غليظا من غير حرارة.
[فصل رقم 122]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به زلق الأمعاء في الشتاء، فاستفراغه بالدواء من فوق رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: زلق الأمعاء هي العلة التي (37) يخرج فيها الغذاء سريعا وهو على ما كان عليه، لم يستحل (38) ولم يتغير. وقد تكون هذه العلة من ضعف القوة الماسكة، وقد تكون من تقرح الأمعاء والمعدة، وقد تكون من بلغم بارد حامض قد اجتمع في المعدة. فأما (39) التقرح (40) فسببه (41) كيموس حار لطيف، وهذا الكيموس وإن كان يحتاج إلى أن يستفرغ من فوق، فإنه في الشتاء لا يحتاج إلى ذلك. وأما الكيموس البلغمي اللاحج بالأمعاء، فلا يجوز أن يستفرع بالقيء أصلا، لأنه ليس في المعدة. وإن كان زلق الأمعاء من ضعف القوة الماسكة، فلا يجوز استفراغه أصلا. فإذا من به زلق الأمعاء ويحتاج إلى الاستفراغ في الشتاء، فلا ينبغي أن يستفرغ بالقيء أصلا.
[فصل رقم 123]
[aphorism]
قال أبقراط : من احتاج إلى أن يسقى الخربق، وكان استفراغه من فوق PageVW2P069B لا يواتيه بسهولة، فينبغي أن يرطب بدنه من قبل إسقائه إياه بغذاء أكثر وبراحة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا أردت اختبار الإنسان، هل يعسر (42) عليه القيء بالخربق أو لا (43) يعسر، فقيئه بدواء لين سهل، فإن قاء (44) بسهولة فاسقه الخربق. وإن (45) عسر عليه القيء وأردت أن تستفرغه بالقيء، فينبغي أن تأمره باستعمال القيء بالأغذية والأدوية اللينة مرات كثيرة، PageVW3P067B حتى يعتاد ويصير القيء يسهل عليه، هذا وجه. وإن شئت فرطب بدنه بغذاء أكثر من المعتاد وبراحة، فإن الراحة مما يرطب البدن كما أن الرياضة تجففه. والغذاء المرطب، هو الذي ليس فيه (46) كيفية غالبة، ولا طعم قوي PageVW0P058B ولا حريف (47) ولا حامض (48) ولا مالح، وهذا هو الغذاء المطلق وينبغي أن تقيس على هذا الإسهال، فإن من أردت إسهاله، وكان ذلك لا يواتيه بسهولة فينبغي أن ترطب بدنه، وتلين بطنه بأدوية لينة سهلة وبأغذية كذلك، ثم بعد هذا تسقيه الدواء المسهل.
[فصل رقم 124]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا سقيت إنسانا خربقا، فليكن قصدك لتحريك بدنه أكثر، ولتنويمه وتسكينه أقل؛ وقد يدل ركوب السفن على أن الحركة تثور البدن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن الدواء يحرك البدن ويزعجه، ولذلك يهيج به القيء والإسهال (49)، والحركة - أيضا - من خارج مما يعين على ذلك، وإذا كانت عنيفة كفت في إثارة القيء، ولاسيما إن كانت غير معتادة ولا طبيعية كالركض بالخيل وركوب الجمال PageVW1P051A لمن لم يعتد ذلك، وكركوب السفن فإنه يفعل ذلك كثيرا وبقوة لمن لم يعتده لأنها حركة غير طبيعية. ولركوب البحر خاصية (50) في القيء والصداع والسدر (51)، وهو المسمى الميد ما لا يفعله ركوب الأنهار. وأرى أن للبحر الملح (52) حركة خاصة (53) ليست للأنهار الجارية ولا للبطائح والبرك. وكلما كانت الطبيعة أبعد عن المعتاد، كانت (54) إثارتها للأخلاط وتحريكها للقيء والغثيان أكثر وأسرع، فالسكون (55) والنوم مما يقوي الطبيعة، ويقر الأخلاط على حالتها، ويضاد فعل الدواء ويقاومه ويضعفه، وأما الحركة فمعينه (56) للدواء، ومثيرة للأخلاط.
[فصل رقم 125]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر، فحرك البدن، وإذا أردت أن تسكنه فنوم الشارب له ولا تحركه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أخبر في الفصل السابق كيف يهيأ بدن شارب الخربق للاستفراغ به، وأخبر في هذا الفصل كيف يسكن الاستفراغ إذا أفرط، وكيف يقطع ويقلل ذلك (57) بالتسكين. وأبلغ من التسكين النوم؛ لأن PageVW3P068A الحركات النفسانية وسائر الحواس تهدأ معه.
[فصل رقم 126]
[aphorism]
قال أبقراط: شرب الخربق خطر لمن كان بدنه صحيحا، وذلك أنه يحدث تشنجا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كان قد قال قبل: PageVW2P070A من كان بدنه صحيحا، فاستعمال الدواء فيه يعسر. ويقع هذا الفصل على جهة التمثيل، فكأنه يقول: ولذلك تجد من شرب الخربق وبدنه صحيح حاله خطر. وربما أحدث له تشنجا، لأن للخربق (58) خاصية (59) في إحداث التشنج لقوة فعله وإضراره بالعصب.
[فصل رقم 127]
[aphorism]
قال أبقراط: من لم يكن به حمى PageVW0P059A وكان به امتناع من الطعام، ونخس الفؤاد، وسدر، ومرارة في الفم، فذلك يدل على استفراغه بالدواء من فوق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر العلامات التي يستدل بها الطبيب على أن البدن ينبغي أن يستفرغ من فوق بالقيء، "فالامتناع من الطعام" هو سقوط الشهوة، و"نخس الفؤاد" ألمه، ويعني بالفؤاد رأس المعدة. و"السدر" هو أن يرى ما حوله ويظلم بصره دفعة، كأنما غشيت كل ما يراه (60) ظلمة. وهذه الأعراض كلها تدل على أخلاط رديئة في فم المعدة، لذاعة، لأن رأس المعدة ينحدر إليه من الدماغ عصب عظيم، فإذا ناله آفه تعدى إلى الدماغ. فأما مرارة الفم، فهو خاص بالصفراء. ومجموع هذه العلامات يدل على امتلاءالمعدة بالخلط الصفراوي، فتحتاج إلى استفراغه بالقيء.
[فصل رقم 128]
[aphorism]
قال أبقراط: الأوجاع التي من فوق الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق، والأوجاع التي من أسفل الحجاب تدل على الاستفرغ من أسفل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أعطى علامتين لجهتي (61) الاستفراغ، وذلك أن من كان يحتاج أن يستفرغ بالدواء، وكان به ألم من فوق الحجاب، يعني في أعالي PageVW1P051B البدن، فاستفراغه بالقيء هو الصواب. فإن كان الألم تحت الحجاب، فالاستفراغ بالإسهال هو الصواب؛ لأنه استفراغ (62) من الجهة التي هي أقرب إلى موضع الألم.
[فصل رقم 129]
[aphorism]
قال أبقراط: من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ ولم يعطش، فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العطش يحدث لحرارة المعدة ويبسها، أو لأحدهما، أو لقوة PageVW2P070B الدواء وحرارته، أو لحرارة PageVW3P068B الخلط المستفرغ ولذعة؛ وتأخر العطش يكون لأضداد ذلك. فمن استفرغ ولم يعطش، دل على أنه قد بقي للدواء قوة، ومن الأخلاط بقية، فلا يزال الاستفراغ جاريا حتى يعطش فيدل على النقاء (63) ويبس المعدة.
[فصل رقم 130]
[aphorism]
قال أبقراط: من لم تكن به حمى وأصابه مغص، وثقل في الوركين والركبتين (64)، ووجع في القطن، فذلك يدل على أنه يحتاج إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل خاص بالعلامات الدالة على أن الاستفراغ من أسفل هو الواجب، كما أن الفصل السابق خاص بالعلامات الدالة على أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من فوق.
[فصل رقم 131]
[aphorism]
PageVW0P059B قال أبقراط: البراز الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه، كان مع حمى أو من غير حمى فهو من أردأ العلامات. وكلما كانت الألوان في البراز أردأ، كانت تلك العلامة أردأ؛ فإذا كان ذلك مع شرب دواء، كانت تلك علامة (65) أحمد. وكلما كانت تلك (66) الألوان أكثر، كان ذلك أبعد من الرداءة.
[commentary]
قال عبد اللطيف (67): البراز الأسود هو الغليظ الذي نسبته (68) إلى الدم نسبة دردي الخمر، وليس هو المرة السوداء بالحقيقة؛ لأنه ليس فيه من الحدة والتأكيل (69) والحموضة (70) والخلية (71) والغليان إذا صادف الأرض ما فيها، لكنه إذا دام مكثه في البدن عفن وتولدت منه المرة السوداء الصحيحة. ومن شأن الطحال اجتذاب هذا العكر وتنقية الكبد منه والتغذي به، ودفع فضلته إلى المعدة فيستفرغ مع سائر فضولها، فإن عرض للطحال آفة منعها (72) من تنقية الكبد من هذا العكر، وأن يكثر هذا العكر في الدم ويضعف الكبد عن ضبطه، فإنه يخرج بالبراز. وقوله: "الشبيه بالدم" يريد الدم الأسود، والذي أسود في انحداره إلى الأمعاء، وهذا العكر الأسود إن خرج على جهة الغلبة والسيلان وضعف القوى (73) وفي PageVW2P071A أول المرض وفي تزيده دل على الرداءة، وقلما يكون معه سلامة. فأما إن خرج عند البحارين على جهة الاستنقاء أو بشرب دواء مسهل، PageVW3P069A دل (74) على خير وسلامة. فإن ما (75) أتى على جهة البحران يدل (76) على استيلاء الطبيعة والنضج، وأن الطبيعة دفعته بحقه، وكذلك ما كان بدواء فإن الطبيب يقتدي بفعل الطبيعة. وكلما كانت العلامات أردأ، كان أدل على غلبة PageVW1P052A الفساد في البدن، فأما ما خرج في الوقت الذي ينبغي، وبالدواء الذي ينبغي، فكلما كانت الألوان أكثر، كان ذلك (77) أبعد عن الرداءة؛ لأنه يدل على الخلاص والاستنقاء منه. وقوله: "الآتي" هو اسم الفاعل، ويريد به الحال، كأنه قال: وها هو ذا يأتي، ويريد به ما يدوم خروجه ويستمر. وقوله: "من تلقاء نفسه" أي من غير سبب من خارج ولا من داخل، سوى أن كثرته وردائته أوجبت له أن يسيل ويخرج ويغلب الطبيعة.
[فصل رقم 132]
[aphorism]
قال أبقراط: أي مرض خرجت في ابتدائه المرة السوداء من أسفل، أو من فوق، فذلك منه علامة دالة على الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه هي المرة السوداء PageVW0P060A بالحقيقة وإذا خرجت من البدن في ابتداء المرض، أو في تزيده، لم يكن خروجها عن فعل الطبيعة، بل عن رداءة كيفيتها أو عن زيادتها في الكمية، وهذا أدل شيء على الهلاك. واعلم أنه لا يخرج شيء في ابتداء المرض عن فعل الطبيعة، لكن عن غلبتها، وخروج ما يخرج في أول المرض وهو نيء لم ينضج يدل على طول المرض، أو على الموت، أو على عودة من المرض؛ فإذا ظهرت المرة السوداء وكل (78) خلط هو في الرداءة مثلها في آخر المرض بعد ظهور (79) علامات النضج دل على أن استفراغه محمود، وإن ظهرت (80) قبل النضج دل على التلف.
[فصل رقم 133]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان قد نهكه مرض حاد أو مزمن أو إسقاط أو غير ذلك، ثم خرجت منه مرة سوداء، PageVW2P071B أو بمنزلة الدم الأسود من فوق أو أسفل فإنه يموت من غد ذلك اليوم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "نهكه" معناه بلغ الغاية في إضعافه، سواء كان المرض الذي نهكه حادا (81) قريب المدة، أو مزمنا، أو إسقاطا (82) من حامل، فاستفرغ منها دما كثيرا (83) أو غير ذلك من الأشياء التي تنهك البدن، ثم خرجت PageVW3P069B منه في آخر * الأمر مرة سوداء (84) أو بمنزلة الدم الأسود، أي شيء بمنزلة الدم الأسود، بالقيء أو (85) بالإسهال (86) فإن المريض يموت من غد ذلك اليوم، لأنه يدل على أن الطبيعة قد ضعفت (87) حتى لا تقدر أن تنضج ولا تميز ولا تستفرغ هذه الأخلاط الرديئة جدا، فلعظم المرض وتفاقمه تفيض وتنصب إذ ليس شيء يحبسها، ولذلك صار استفراغها يدل على شدة الحال، وليس يتأخر الموت. والمرة السوداء هي الدابية (88) البراقة التي لها نشيش (89) وغليان إذا ألقيت على الأرض، وفيها حموضة خلية وتلذيع. وأما الشبيه بالدم الأسود، فهو غليظ جامد، ليس فيه من الحدة والتلذيع ما في المرة السوداء.
[فصل رقم 134]
[aphorism]
قال أبقراط: اختلاف الدم إذا كان ابتداؤه من المرة السوداء، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اختلاف الدم إذا كان ابتداؤه من المرة السوداء دل على الاحتراق أولا، والاحتراق إنما شأنه أن يكون آخر الأمراض، فإذا كان في أولها دل على غاية الخبث والرداءة. وأكثر ما يبتدئ اختلاف الدم PageVW1P052B من المرة الصفراء فتسحج بحدتها الأمعاء، ثم بآخره تحدث فيها تآكل وقرحة (90)؛ فأما ما كان من المرة السوداء فليس PageVW0P060B يبرأ. ولا فرق بين قرحة الأمعاء الكائنة من المرة السوداء وبين السرطان في سطح البدن، لكن القرحة السوداوية الكائنة في سطح البدن لا تكاد تبرأ، مع أن الأدوية تنالها وتثبت عليها؛ وأما التي في الأمعاء فلا يكاد ينالها الدواء ولا يثبت عليها أصلا، فبالحري PageVW2P072A ألا تبرأ.
[فصل رقم 135]
[aphorism]
قال أبقراط: خروج الدم من فوق - كيف كان (91) - علامة رديئة، وخروجه من أسفل علامة جيدة إذا خرج منه شيء أسود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من فوق" يريد من الفم لا (92) من المنخرين. وقوله: "من أسفل" يريد المقعدة خاصة. "وقوله: كيف كان" يعني كان أحمر، أو أصفر، أو أسود (93)، أو مائيا أو ثخينا؛ فإنه إذا خرج من الفم فهو مذموم على كل حال. وأما إذا خرج PageVW3P070A من المقعدة فقد يكون محمودا، وقد يكون مذموما؛ فإنه إذا خرج كثيرا على طريق الانفجار لم يكن محمودا، لكن إذا تجلب قليلا قليلا حتى يعرض له - بإبطائه في مسلكه - أن يسود. وانصباب الدم إلى الأمعاء بالجملة رديء، لكنه إن كان قليلا فهو أحمد (94) وأقل رداءة * منه إذا خرج على طريق الانفجار. وخروج الدم من أسفل أقل رداءة (95) من خروجه (96) من فوق، أو أجود من خروجه من فوق. وأما على الإطلاق، فخروج الدم من فوق ومن أسفل رديء على كل حال، لاسيما إن خرج منه شيء أسود ويمكن أن يفهم قوله: "من أسفل" من أفواه عروق المقعدة، وهذا إذا خرج من صاحب الوسواس السوداوي، أو من أشرف عليه شفي منه وأمن من حدوثه، ولاسيما إذا خرج منه شيء أسود؛ وحينئذ فإن خروج (97) الدم الأسود من أفواه العروق جيد على الإطلاق.
[فصل رقم 136]
[aphorism]
قال أبقراط (98): من كان به اختلاف الدم فخرج منه شبيه بقطع اللحم، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف (99): إن خروج قطع اللحم دليل على أن التآكل قد وصل إلى جرم المعا، وأن تلك القطع أجزاء منفصلة منه. وإذا بلغ التآكل إلى هذا الحد فلا يكاد يبرأ ولا تندمل (100) قرحته، فلذلك صار من علامات الموت، لأنه أول ما يخرج أجزاء شحمية (101)، فإذا تطاول الأمر خرجت خراطة من سطح المعا (102)، فإذا تطاولت العلة (103) خرجت أجزاء لحمية (104) من نفس المعا (105).
[فصل رقم 137]
[aphorism]
قال أبقراط: إن من انفجر منه دم كثير، من أي (106) موضع كان انفجاره، فإنه PageVW2P072B عندما (107) ينقه (108) فيغذى PageVW0P061A يلين بطنه بأكثر من المقدار المعتدل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن من انفجر منه دم كثير ضعفت أعضاؤه الرئيسة وأعضاء الغذاء، فإذا نقه وغذى ضعفت الكبد وآلات الغذاء عن إتمام (109) الهضم وتجويده واستيعاب امتصاص مائيته PageVW1P053A فيبقى في الثفل (110) فضله الكيموس (111) الرطب فيلين البراز (112) بسبب ذلك. وفي بعض النسخ: إن من كان به حمى فانفجر منه دم كثير. وفي نسخة أخرى: من انفجر منه في الحمى دم كثير من أي موضع كان . والحكم PageVW3P070B في هذه النسخة التي يذكر فيها الحمى أخص من التي لم يذكر فيها الحمى.
[فصل رقم 138]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف مرار فأصابه صمم انقطع (113) عنه ذلك الاختلاف، ومن كان به صمم وحدث به اختلاف مرار، ذهب عنه الصمم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يعني بالصمم هنا الصمم الحادث بغتة في الحميات الحادة أو في غيرها عند تصاعد المرار إلى الرأس، فإنه إذا استولى على مجاري السمع أحدث صمما، وإذا انحدر إلى أسفل ونقى منه الدماغ ذهب الصمم. فمن كان به اختلاف مرار، ثم أصابه صمم، دل على ترقي المرار إلى الرأس وتركه طريقه (114)، فيلزم أن ينقطع ذلك الاختلاف. فإن كان به صمم، وحدث به اختلاف، دل على انحدار المرار من الرأس إلى أسفل.
[فصل رقم 139]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في الحمى في اليوم السادس من مرضه نافض، فإن بحرانه يكون نكدا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحمى إذا حدث فيها نافض في يوم إنذار وظهرت علامات النضج دل على بحران محمود يأتي بعد، فإن حدثت (115) النافض في غير يوم (116) إنذار كاليوم السادس من المرض ولم تظهر علامات النضج أو كانت ضعيفة دل على بحران نكد. فإن الأخلاط المزمعة بأن يكون بخروجها بحران محمود ينبغي أن تكون قد نضجت، وإلا كان البحران نكدا. ونعني بالنكد: الرديء، أو الشاق، أو الذي لا يوثق به PageVW2P073A ولا يؤمن معاودة المرض، أو الذي يطول به انقضاء المرض. وظهور النافض في اليوم السادس يدل على جريان منكر من المرض وحركة منه غير منتظمة، وذلك لا يشعر بسرعة الخلاص وجودة البحران.
[فصل رقم 140]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له من غد PageVW0P061B ذلك اليوم (117) في تلك الساعة بعينها، فبحرانه يكون عسرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اختلف الناس في معنى (118) هذا الفصل، فذهب جالينوس في معناه إلى أن تكون ابتداءات (119) النوب في أوقات واحدة بعينها، وأما انقضاء النوب فكيف كان، وهذا معنى قوله: "ففي أي ساعة كان PageVW3P071A تركها له" أي لا ينال بزمان الترك إذا اتفقت في ابتداءات الأخذ واختلفت (120)في أزمنة الترك. مثاله: أن تكون ابتداءات (121) النوب في الساعة الثالثة من أول نهار النوبة، غبا كانت أو ربعا أو نائبة، وإن اختلف تركها بأن تترك في اليوم الأول مثلا في الساعة السابعة، وفي النوبة الأخرى في الساعة العاشرة أو الخامسة. وقد رأي غير (122) جالينوس أن أبقراط يريد أن يكون ابتداء النوبة الثانية وقت انقضاء النوبة الأولى من اليوم الثاني مثلا، والنوبة الثالثة وقت انقضاء PageVW1P053B الثانية من غير أن تتفق في الابتداءات (123) ولا في (124) الانقضاءات (125). مثاله: أن تترك النوبة الأولى في الساعة الثانية عشرة ثم تأخذ في اليوم الثاني في الساعة الثانية عشرة بعينها وكذلك في سائر النوب. وتفسير جالينوس هو الوجه لأنه هو الذي تصححه التجربة ويوجبه القياس، فإن النوب إذا اتفقت في أزمنة ابتدائها كان أدل على أن المرض ثابت وجار (126) على ترتيب. وأما اختلاف أوقات الأخذ فيدل على أن المادة غير ثابتة ولا متمكنة، ولهذا لم تحفظ دورا واحدا بعينه، وما كان كذلك فإن انقضاءه (127) بطيء عسر PageVW2P073B يفتقر إلى معالجة قوية ومدة طويلة.
[فصل رقم 141]
[aphorism]
قال أبقراط: صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به الخراج في مفاصله، وإلى جانب اللحيين (128).
[commentary]
قال عبد اللطيف: الإعياء بالحقيقة هو الكائن عن التعب والحركة المفرطة، وهو ألم في المفاصل لذلك. وأما الإعياء المرضي فيقال له إعياء بغير سبب، وهو يحدث من (129) تجلب الفضول إلى المفاصل فإذا حدث هذا (130) الإعياء في الحمى دل على انصباب المادة إلى فضاء المفاصل، وهذا يدل على أن البحران بخراج يجتمع من تلك الفضول ويخرج من الأعضاء القابلة لذلك كاللحيين (131) لحرارة موضعهما (132) وكالحاجب والإبط؛ لأن هذه الأعضاء لحما رخوا قابلا للفضول.
[فصل رقم 142]
[aphorism]
قال أبقراط: من انتشل من مرض وكل (133) موضع من PageVW3P071B بدنه، PageVW0P062A حدث به في ذلك الموضع خراج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر أولا علامة البحران بخراج مطلق وهو الإعياء، ثم ذكر في هذا الفصل ما يستدل به على العضو الذي هو مزمع أن يخرج به خراج ، وذلك أن يكل موضع من بدنه ويحس فيه بثقل وألم إعيائي. والكلال في هذا الفصل يحتمل عند جالينوس ما كان من (134) تلقاء نفسه، وما كان عن حركة قوية أو كثيرة. واختار أن يكون بسبب حركة من خارج، حتى يكون الفصل السابق في الإعياء الكائن من تلقاء نفسه، وهذا الفصل في الإعياء بسبب حركة وتعب، كانت بعد المرض وعند النقوة ضعف الأعضاء وقبل الاستقلال، فإن الناقه إذا عنف على نفسه بالحركة حتى كل منه عضو وتعب لم يأمن أن يحدث به في ذلك العضو خراج. وأما الفصل الذي بعد هذا ففي التعب الكائن قبل المرض بسبب حركة عنيفة.
[فصل رقم 143]
[aphorism]
قال أبقراط: وإن كان (135) قد تقدم فتعب عضو من الأعضاء من قبل أن يمرض صاحبه، ففي ذلك العضو يتمكن المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "تقدم فتعب" الفعلان جميعا متوجهان إلى فاعل واحد وهو قوله: "عضو" كما PageVW2P074A يقول: قام وقعد زيد. ولا يرجع الفعل الأول إلى (136) المريض بدليل قوله: "فتعب" لأنه لو كان راجعا إليه لقال: تعب (137). وأيضا بدليل قوله: "من قبل أن يمرض صاحبه" فإنه يريد صاحب PageVW1P054A المرض، فكيف يضمره (138) قبل الذكر. وإذا تعب العضو قبل المرض سخن وسخف وضعف وصار مهيئا لقبول انصباب المواد وتجلبها إليه، فإن كان المرض مما يتحرك (139) بالخراج فما أحراه بأن يحدث الخراج في ذلك العضو التعب. وهذا الفصل متصل بالفصلين السابقين، حتى كأنهما فصل واحد.
[فصل رقم 144]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى وليس (140) في حلقه انتفاخ (141)، فعرض له اختناق بغتة، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من اعترته حمى" يريد حمى شديدة، فإن عادته إذا (142) قال: "اعترته وأخذته" أن يريد قوتها وشدتها، ولو أراد الحمى PageVW3P072A مطلقا لقال (143): من كانت به حمى. والحلق هو الفضاء والمجرى الذي قبل الحنجرة، بحيث يمكن أن يرى إذا فتح الإنسان PageVW0P062B فاه. وإذا عرض الورم والانتفاخ في الحلق أو في الرئة وقصبتها (144)، فإنه لا يعرض بغتة بل قليلا قليلا لسعة (145) هذه المجاري. فأما الحنجرة فإنه إذا عرض فيها ورم ، خنق بغتة، لأنه يسد المجرى دفعة واحدة؛ فكأنه يقول (146): من كانت به حمى شديدة وعرض له اختناق بغتة فإنه يموت. وإذا عرض الاختناق بغتة من غير حمى كان قمينا بأن يهلك، فإذا كان مع حمى شديدة كان أولى ألا يسلم (147)، وكان موته أوحي حتى لا يتخلص (148)، ولا على جهة الأمر البديع لأن صاحب الحمى الشديدة يحتاج أن يستشق هواء كثيرا فإذا نقص بالاختناق عن حاجة الصحيح، فالأولى (149) ألا يسلم المحموم. والانتفاخ عند متأخري الأطباء هو الورم الرخو اللين، ويسمونه أيضا تريلا (150). وإذا رأيت الحلق ليس فيه ورم وعرض اختناق بغتة، فالآفة في الحنجرة فقط؛ لأنه ليس في أعضاء التنفس PageVW2P074B ما يخنق (151) ورمه بغتة سواها، لضيق المسلك فيها وسعته (152) فيما عداها، كالحلق والرئة وقصبتها. والاختناق من جهة الحنجرة قد يكون معه وجع إذا كان الورم فلغمونيا أو نحوه، وقد يحدث (153) من غير وجع بسبب رطوبة كثيرة بلغمية تبل (154) غشاء الحنجرة (155) المستبطن، فيحدث فيه ورم بلا وجع، ويمكن أن يبطل العضل الفاتحة للحنجرة، فيضيق مجراها، فيحدث الاختناق، ويمكن أن يجتمع الأمران. ويمكن أن يفرط اليبس على عضل (156) الحنجرة (157) فيتوتر توترا كثيرا، فيضيق مجراها.
[فصل رقم 145]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعترته حمى فاعوجت معها رقبته وعسر عليه الإزدراد، حتى لا يقدر أن يزدرد إلا بكد من غير أن يظهر به انتفاخ، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من اعترته (158) حمى" يريد شديدة. وقوله: "فاعوجت معها رقبته وعسر عليه الازدراد" أي (159) حدث (160) ورم في المريء أو عضله المستبطن، وهذه الأعضاء بينها وبين النجاع PageVW3P072B وأغشيته وفقاره مشاركة بعصب ورباطات، فإذا حدث لها (161) ورم امتدت (162) نحو الورم فانجذبت الفقارة (163) إلى جانب واحد PageVW1P054B إن كان الورم فيه، أو إلى داخل إن كان الورم في الجانبين. وقوله (164): "اعوجت رقبته" يشتمل (165) على ما كان إلى جانب واحد، وعلى ما كان إلى PageVW0P063A الجانبين. وهذه اللفظة (166)، أعني (167) "اعوجت" تدل على زوال الفقار عن (168) جهة الاستقامة زوالا خارجا عن الطبيعة. ويحتمل أن يكون إذا لمس أوجع، كما قال في كتاب ابيديميا (169). ويحتمل أن لا يكون (170) معه وجع، إذا (171) كان الاعوجاج بسبب غلبة اليبس، وهذا الأعوجاج الكائن عن يبس أدل على الموت وأولى بأن يكون سببا للموت، ولا سيما إذا كان اليبس مع حمى شديدة وكان بسببها.
[فصل رقم 146]
[aphorism]
قال أبقراط: العرق يحمد في المحموم إذا ابتدأ في اليوم الثالث، أو في الخامس، أو في PageVW2P075A السابع، أو في التاسع، أو في الحادي عشر؛ أو في الرابع عشر، أو في (172) السابع عشر، أو في العشرين، أو في الرابع والعشرين، أو في السابع والعشرين أو في الحادي والثلاثين، * أو في الرابع والثلاثين، أو في السابع والثلاثين (173)؛ فإن العرق الذي يكون في هذه الأيام يكون (174) بحران الأمراض به (175). وأما العرق الذي لا يكون في هذه الأيام فهو يدل على آفة، أو على نكسة، أو على طول (176) المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "وأما العرق الذي لا يكون في هذه الأيام" هذه عبارة رديئة، فإن شكل هذا القول شكل السلب لأنه أدخل فيه حرف السلب على الكلمة (177) الوجودية، وليس هو المعنى، لكن المعنى على العدول، وذلك بأن يدخل الكلمة الوجودية على حرف السلب فيقال: "وأما العرق الذي يكون لا في هذه الأيام" أو: "وأما العرق الذي يكون في غير هذه الأيام" فحينئذ يكون هذا اللفظ هو الخاص بالعدول لا بالسلب المطلق. وقوله: "العرق يحمد في المحموم إذا ابتدأ في اليوم الثالث" أخذ (178) يذكر أيام البحران والأيام المنذرة به، فإن العرق وسائر الاستفراغات كالإسهال والإدرار والرعاف وغير ذلك يحمد في هذه الأيام؛ لأنه يدل ظهوره في هذه (179) الأيام على نضج المادة واستفراغ الطبيعة لها. فأما خروج PageVW3P073A هذه الأشياء في (180) غير أيام البحران فيدل على غلبة المادة وهيجانها (181) وقهرها الطبيعة؛ فلذلك صار يدل إما (182) على آفة وهلاك إن كانت المادة غالبة والقوة خائرة، وإما على معاودة، وإن (183) كانت المادة أقل أو ليست هائجة جدا والقوة أظهر، وإما على طول من المرض إذا كانت المادة كثيرة والقوة قوية. قوله: "إذا ابتدأ" يفهم منه (184) أنه لم يظهر PageVW0P063B قبل ذلك، وهذا يدل على أن الطبيعة قد ابتدأت في نفي المادة وشفاء المريض. وابتدأ بذكر اليوم الثالث لأنه أول بحران في المرض الحاد جدا، PageVW2P075B والخامس لما هو بعده في الحدة. وألغى ذكر الرابع، إما لأن الناسخ أسقطه، وإما لأن الثالث منذر (185) به ودال عليه ومغن عنه، وإما لأن البحران فيه بالعرق قلما PageVW1P055A يكون. ولم يذكر يوم الأربعين لأنه آخر بحارين الأمراض الحادة وأول بحارين الأمراض المزمنة، وقلما يكون البحران فيه وفيما بعده بعرق، بل بخراج أو بالتحليل (186) الخفي قليلا قليلا.
[فصل رقم 147]
[aphorism]
قال أبقراط: العرق البارد إذا كان مع حمى حادة دل على الموت، وإذا كان مع حمى هادئة دل على طول من المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن العرق البارد مع الحمى الحادة يدل على عظم التهاب المادة وضعف القوة وغلظ المادة، وأنه لم تقو الحرارة الغريزية على تسخينها لضعفها، ولم تقو حرارة الحمى أيضا (187) على تسخينها لأن حرارة الحمى في العروق ومادة العرق مبثوثة تحت الجلد، فليسا في موضع واحد. فأما إذا كانت الحمى هادئة لم تدل على (188) الموت، لأن الحمى الهادئة لا تخور (189) معها القوة، وتنحل سريعا، ولايبلغ من قوتها أن تسخن مادة العروق. فيجوز (190) أن يكون العرق باردا مع حمى هادئة، لكنه يدل على * طول المرض لأن العرق (191) البارد يدل على (192) غلظ المادة وبطء نضجها.
[فصل رقم 148]
[aphorism]
قال أبقراط: وحيث كان العرق من البدن، فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كان المرض عاما في البدن كله كان الاستفراغ عاما، وإذا كان المرض في عضو واحد كان الاستفراغ والعرق (193) في ذلك العضو بعينه، فإذا وجدنا العرق في عضو واحد فقط أو فيه أكثر علمنا أن المرض أو (194) جمهوره فيه.
[فصل رقم 149]
[aphorism]
قال أبقراط: وأي (195) موضع من البدن كان حارا أو باردا، ففيه المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: متى خرج عضو من الأعضاء عن PageVW3P073B الاعتدال بأن سخن أو برد (196)، دل على أن المرض فيه.
[فصل رقم 150]
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان (197) يحدث في البدن كله PageVW2P076A تغايير، وكان البدن يبرد مرة ثم يسخن أخرى، أو يتلون بلون (198) ما ثم بغيره دل ذلك على طول من المرض.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كثرة تغايير البدن وتلونه واختلاف أحواله PageVW0P064A يدل على أن المرض من أنواع كثيرة والطبيعة لا تقدر أن تشفي مثل هذا في زمان يسير، فلذلك يطول المرض.
[فصل رقم 151]
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يكون (199) بعد النوم من غير سبب بين يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل، فإن كان ذلك وهو لا ينال من الطعام، فاعلم أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العرق الكثير بعد النوم يدل على غذاء كثير يتناوله الإنسان في الحال الحاضرة، أو على امتلاء سابق؛ فإن كان هناك كثرة من الغذاء قلل (200)، وإن كان امتلاء استفرغ. فأما العرق القليل فيدل إما على سخافة الجلد، وإما على ضعف القوة، وشرطه بعد النوم، لأن النوم من شأنه استفراغ الفضلات والإنضاج. فإذا جاء العرق الكثير بعد النوم دل على أن في PageVW1P055B المادة من الكثرة ما لم يؤثر فيها النوم. وقوله: "من غير سبب بين" وفي (201) نسخة أخرى: من غير سبب آخر. فإن هذه الشريطة ينبغي أن تكون حاضرة لذكرك في كل حكم وقضاء تقضيه (202)، وذلك أن الأعراض التي تحدث بسبب من خارج لا من قبل حال البدن فليس يصح تقدمة المعرفة المأخوذة منها.
[فصل رقم 152]
[aphorism]
قال أبقراط: العرق الكثير الذي يجري دائما، حارا كان أو باردا؛ فالبارد منه يدل على أن المرض أعظم، والحار منه يدل على أن المرض أخف.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "العرق الكثير الذي يجري دائما" يريد به الجاري في جميع مدة المرض أو أكثرها، لا الذي يظهر في أيام البحران، فإن ذلك قد تكلم عليه في فصل سابق. وأما هذا العرق الكثير الذي يجري دائما في غير أيام البحران، فإنه يدل على كثرة الأخلاط وغلبة الامتلاء، PageVW2P076B لكن البارد منه أردأ لأنه يدل على أن تلك الأخلاط باردة، والبارد أبطأ نضجا. فأما العرق الحار فيدل على حرارة المادة، والحار أقبل للنضج. وإنما صار العرق يدل على كيفية المادة (203) لأنه PageVW3P074A جزء منها تحلل وخرج في مسام الجسد (204).
[فصل رقم 153]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت الحمى غير مفارقة، ثم كانت تشتد غبا، فهي أعظم خطرا. وإذا كانت الحمى تفارق على أي وجه كان فهي تدل على أنه لا خطر فيها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحمى المفارقة هي ذات النوائب التي ينقى فيها البدن نقاء تاما وذلك (205) النقاء بين (206) النوبتين، والتي لا تفارق هي التي لا ينقى منها البدن بعد انقضاء النوبة، أو لا ينقى نقاء تاما، فإن كانت الحمى تشتد غبا ولا ينقي منها البدن أي لا تفارق مفارقة PageVW0P064B تامة، دل على ورم أو على عفن خبيث، فلذلك كانت أعظم خطرا. فإن كانت تفارق وينقي منها البدن، فهي تدل على السلامة أو على أنه لا خطر فيها. وقوله: "لا خطر فيها" أعم من قولنا يدل على السلامة، وذلك أن التي ينقى فيها (207) البدن قد يكون أخذها اثنتى (208) عشرة ساعة وأكثر وأقل. فإن كان أقل دل على السلامة، وإن كان أكثر دل على أنه لا خطر فيها، وهذا معنى قوله: "على أي وجه كان"، أي على أي (209) وجه كان فراقها (210)، يعني سواء كانت طويلة أو قصيرة، أو كانت شديدة صعبة فإنها سليمة أو (211) لا خطر فيها.
[فصل رقم 154]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى طويلة فإنه يعرض له إما خراجات (212) وإما كلال في مفاصله.
[commentary]
قال عبد اللطيف: طول الحمى يدل على كثرة المادة، أو على غلظها، أو على بردها، وكل ذلك يحتاج فيه إلى زمان طويل حتى ينضج فالواجب (213) أن يتحلل الفضل إلى المفاصل ويرسخ هناك وينضج بخراجات (214) فيها، وعند اندفاع الفضل PageVW2P077A إلى المفاصل يعرض فيها كلال، ويعني به إما الوجع، وإما الآفة والضرر.
[فصل رقم 155]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه خراج PageVW1P056A أو كلال في المفاصل بعد الحمى فإنه يتناول من الطعام أكثر مما يحتمل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الفصل السابق يخبر فيه بالأشياء المنذرة بالخراجات (215) في المريض، وأما في هذا الفصل فيخبر بالخراجات (216) في الناقه على ماذا تدل، فقال أنها تدل على أن الناقه يتناول من الطعام أكثر مما تحتمل قوته، فيجتمع في بدنه فضل كثير نيء ينصب إلى المفاصل فيتولد منه خراج أو كلال ووجع، وقد يجعل كثرة الغذاء دليلا ومنذرا بالخراج والكلال.
[فصل رقم 156]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان يعرض نافض في حمى غير مفارقة لمن قد ضعف، فذلك (217) من علامات PageVW3P074B الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ما أحسن قوله: "إذا كانت يعرض" فإنه يدل على الحال والاستمرار لأنه لو قال: "إذا عرضت" دل على الوقوع مرة واحدة والانقطاع (218) بعد ذلك لأن إذا يقع بعدها الماضي، وإذا أردت أن يقع بعدها المستقبل أثبت بالكلمة الوجودية، فقلت إذا كان يقوم، ولو قلت إذا يقوم لم يحسن إلا بإضمار كان. فإذا كانت النافض تعرض PageVW0P065A لمن به حمى دائمة مرارا كثيرة، فذلك ردئ لأنها تزعزع البدن وتزعجه وتضعفه ولأن تكررها يدل على كثرة المادة وغلظها، فإن كانت القوة مع ذلك ضعيفة لم تحتمل زعزعتها ولم تقو على إنضاج مادتها فلذلك كانت من علامات الموت. فإن تكررت وكان معها عرق ولم تنقص بالعرق (219) كانت أدل على الموت لأن العرق يزيد القوة ضعفا ويحلها ويدل على كثرة المادة، ولذلك لم تنقص بالعرق. فأما إن كانت (220) النافض مرة فقد يدل على البحران، فإن كان معها عرق كانت أدل على السلامة والإفراق، فإن تبعها خف صدق الحكم.
[فصل رقم 157]
[aphorism]
قال أبقراط: في الحمى التي لا تفارق، PageVW2P077B النخاعة (221)، الكمدة (222)، والشبيهة بالدم، والمنتنة، والتي هي من جنس المرار، كلها رديئة؛ فإن انتفضت انتفاضا جيدا (223) فهي محمودة (224). وكذلك الحال في البراز والبول، فإن خرج ما لا ينتفع به من أحد هذه المواضع، فذلك ردئ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أقول بإيجاز (225) أن كل شيء ردئ يستفرغ واستفراغه جيد، فإن أمره يؤول إلى الخير. واعلم أن الأشياء الرديئة التي تستفرغ تدل على حالات رديئة في الأبدان، فإن كان خروجها على جهة الاستنقاء (226) كان محمودا، كخروج المدة من الخراج المنفجر (227)، ويدل على جودته سهولة خروجه ونضجه واحتمال المريض له وخفته به . وإن كان خروجه (228) على جهة السيلان والغلبة كان رديئا، كما تسيل القروح بالصديد، فالنفث الرديء يدل على الفساد، فإن انتفضت به المادة انتفاضا كاملا وحصل استنقاء فهي جيدة، أي فخروجها جيد (229)، وكذلك PageVW1P056B حال البراز والبول. وقوله: "فإن خرج ما لا ينتفع به من أحد هذه المواضع" * أي فإن خرج ما لا يحصل به الاستنقاء من أحد هذه المواضع (230). "فذلك ردئ" PageVW3P075A لأنه يدل على غلبة المادة الرديئة واستيلائها، وأن ما خرج ليس عن فعل الطبيعة، بل على جهة الفساد والاستحالة أو الغلبة (231).
[فصل رقم 158]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في الحمى التي لا تفارق، ظاهر البدن بارد (232) وباطنه يحترق، ويصاحب ذلك عطش، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "في الحمى التي لا تفارق" ينبغي أن يفهم منه المحرقة الخبيثة، فإنه ليس كل حمى PageVW0P065B لا تفارق يمكن فيها أن يكون ظاهر البدن باردا وباطنه يحترق، بل بعض أنواع الدائمة وهي المحرقة الخبيثة وذلك إذا كان معها ورم خبيث في الباطن فإن الحرارة ترجع إلى الباطن نحو الورم وتجتمع ويخلو عنها سطح البدن فلذلك يبرد ظاهره PageVW2P078A ويكون باطنه محترقا (233) لقوة حرارته ولذلك يتبعه العطش، وهذه من علامات الموت، وذلك أنه يدل على أن الورم عظيم خبيث (234)، وقد يكون ذلك لقوة الحمى وضعف الحار الغريزي، فلقوة الحمى ودوامها (235) تنكي في الحار الغريزي، فإذا تناقصت (236) القوة وهربت إلى الأعضاء الشريفة برد سطح البدن وأحس المريض باحتراق الباطن لتعلق الحرارة بقلبه.
[فصل رقم 159]
[aphorism]
قال أبقراط: متى التوت في حمى غير مفارقة الشفة (237) أو العين أو الأنف أو الحاجب أو لم ير (238) المريض أو لم (239) يسمع، أي هذه كان وقد ضعف البدن فالموت منه قريب.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التشنج والتمدد يعرض في هذه الأعضاء من قبل أورام حارة أو جاسية (240) أو يبس مفرط، أو برد مفرط وهذه كلها إذا حدثت (241) بالقرب من أصل العصب يعني الدماغ فهي صعبة؛ فإن كان معه حمى مطبقة والمريض قد ضعف (242)، فالموت منه قريب، ولا سيما إذا لم يسمع (243) أو لم يبصر لضعف القوة الحاسة (244).
[فصل رقم 160]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث في حمى غير مفارقة رداءة في التنفس واختلاط في العقل، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قد يحدث هذان (245) العرضان من سبب واحد وهو علة في الدماغ، وقد يحدث تغير التنفس (246) من علة في آلات التنفس واختلاط العقل عن آفة بالدماغ. وتغير التنفس كله خطر عظيم شديد، لا سيما مع الحمى المطبقة.
[فصل رقم 161]
[aphorism]
قال أبقراط: الخراج الذي يحدث في الحمى فلا ينحل في أوقات PageVW3P075B البحرانات الأول، ينذر من المرض بطول.
[commentary]
قال عبد اللطيف: وذلك أن الخراج إذا لم ينحل في البحرانات الأول، فإن المرض يطول وذلك إلى السابع، ثم إذا كانت الطبيعة (247) دفعت إلى ظاهر البدن - على جهة البحران أو على الإطلاق - ما حدث عنه خراج ولم ينحل في البحران الأول PageVW1P057A الآتي بعد الخراج، أنذر (248) من المرض بطول (249)، لأنه يدل PageVW2P078B على غلظ المادة أو كثرتها، حتى عجزت عن انضاجه (250) وقت تغيرها (251)، لأن (252) هذا الخراج جزء من مادة المرض، وإذا عجزت الطبيعة عن إنضاج (253) المادة طال المرض.
[فصل رقم 162]
[aphorism]
قال أبقراط: الدموع التي PageVW0P066A تجري في الحمى أو في غيرها من الأمراض، إن كان ذلك عن إرادة المريض فليس ذلك بمنكر، وإن كان عن غير إرادة المريض فهو ردئ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الدموع إذا جرت من عين المريض عن بكاء أو عن رمد وخشونة في الأجفان أو عن طرفة، فليس ذلك من المرض بشيء، ولا يدل على خير ولا على شر، ولكن الدموع التي تجري من عينه عن غير إرادة منه ولا بسبب من خارج فإنه يدل على ضعف القوة الماسكة، وهذا دليل رديء ولا ينبغي أن يقال "أردأ" على طريق المقايسة، بل رديء بقول مطلق. فقوله: "ليس بمنكر" أي ليس بدليل خير ولا شر ويصح (254) أن يكون قوله: "أردأ" على هذا المثال، وذلك بالقياس إلى الدموع المنحدرة عن غير إرادة ولكن عن خبث في المرض وتفزع وماليخوليا (255) فإن الدموع في هذه الأحوال رديئة، لكن التي تكون عن ضعف القوة الماسكة أردأ، فعلى هذا (256) تصح هذه اللفظة.
[فصل رقم 163]
[aphorism]
قال أبقراط: من غشيت أسنانه في الحمى لزوجات فحماه تكون قوية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لأن هذه اللزوجات إنما تتولد من حرارة قوية عملت في رطوبة بلغمية حتى جففتها( (257))، وهذا دليل على غلظ المادة و قوة الحرارة.
[فصل رقم 164]
[aphorism]
قال أبقراط (258): من عرض له في حمى محرقة سعال كثير يابس ثم كان تهييجه (259) له يسير، فإنه لا يكاد يعطش.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السعال اليابس هو الذي لا نفث معه وسببه مزاج رديء في آلات التنفس، أو خشونة الحلق، أو رطوبة رقيقة يسيرة تجرى فيه. وأي هذه كان فإن قصبة الرئة تبتل بما ينجلب (260) إليها مما (261) حولها PageVW2P079A بسبب حركة السعال، فلذلك PageVW3P076A لا يكاد يعطش، أي يقل عطشه.
[فصل رقم 165]
[aphorism]
قال أبقراط: كل حمى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره مما أشبهه، فهي رديئة، إلا أن تكون حمى يوم (262).
[commentary]
قال عبد اللطيف: ما أحسن قوله: "مع" ههنا (263)، فإن هذا الورم قد يكون سببا للحمى وذلك إذا كان هذا الورم عن سبب بارد مفرد (264)، فيتبعه حمى تنقضي بانقضائه كما يتبع سائر الخراجات (265) الفلغمونية. وقد يكون هذا الورم في اللحم الرخو لا عن (266) سبب ظاهر بل مع أورام حادة (267) في الأحشاء طاعونية، وإذا كانت هذه الأورام طاعونية PageVW0P066B فهي خبيثة والحمى فيها رديئة. وقوله: "في الحالبين وغيره" يريد وغيرهما إلا أنه وحده على تأويل الموضع، كأنه يقول PageVW1P057B أو في غير هذا الموضع. وأيضا فإن الحالبين موضع اللحم الرخو، فأفرده (268) على المعنى حيث كانا عبارة عن اللحم الرخو كالثدي والإبط والنغانغ (269) وغير ذلك. وقوله: إلا أن تكون حمى يوم، أي إلا أن تكون الحمى تابعة لورم بسبب ظاهر، فإنها تسمى حمى يوم وإن كانت تدوم في بعض الأحايين أكثر من يوم لأن طبيعتها أن تنقضي في يوم.
[فصل رقم 166]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت بإنسان حمى، فأصابه عرق ولم تقلع عنه الحمى فتلك علامة رديئة، وذلك أنها تنذر بطول من المرض وتدل على رطوبة كثيرة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من أصابه عرق فلم تقلع به حماه، دل ذلك من أمره على شيئين، أحدهما سبب، والآخر عرض. أما السبب فرطوبة كثيرة، لأن الرطوبة إذا كثرت احتاجت الطبيعة في إنضاجها إلى مدة أطول، فلذلك يطول (270) المرض، وهذا هو العرض، وينبغي أن يكون هذا (271) العرض في يوم بحران. وينبغي أن يوصل هذا الفصل بفصل تقدم، أوله: العرق الكثير الذي يجري دائما.
[فصل رقم 167]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه تشنج أو تمدد ثم أصابته (272) الحمى (273)، انحل بها مرضه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التمدد صنف من أصناف التشنج، PageVW2P079B فإن أصنافه ثلاثة: التمدد إلى خلف، وإلى قدام، وإلى الجهتين على السواء وهو المخصوص باسم التمدد. وهذا يحدث (274) عن امتلاء الأعضاء العصبية وعن استفراغها، فما حدث عقيب الحمى المحرقة فحدوثه عن يبس، وهو رديء قتال، وما حدث ابتداء فواجب (275) أن يكون PageVW3P076B حدوثه عن امتلاء؛ فإذا عرضت بعده الحمى، حللت مادته وأنضجتها، وسخنت برودتها، فلذلك ينحل بها التشنج.
[فصل رقم 168]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان حمى محرقة، فعرضت له نافض، انحلت بها (276) حماه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: النافض تكون من (277) مرة صفراء (278) تتحرك حركة سريعة في الأجسام الحساسة، ومن أصابه ذلك انطلق بطنه، وعرق، وقاء مرارا أصفر، وببعض ذلك تنحل الحمى وتنقضي.
[فصل رقم 169]
[aphorism]
قال أبقراط: الغب أطول ما تكون تنقضي في سبعة أدوار.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "أطول ما تكون" أي أطول كونها، فإن "ما" هذه هي التي PageVW0P067A تسمى مصدرية (279) زمانية، لأن معناها المدة مضافا (280) إليها المصدر، فيكون التقدير أطول زمان كونها، أو مدة كونها. وتنقضي بالتاء (281) على أن تكون خبر الغب، وأطول بالرفع على البدل منه، ويجوز نصب أطول على الحال، أي: الغب تنقضي في سبعة أدوار في حال كونها أطول ما يكون. واعلم أن الغب والمحرقة يشتركان في المادة المولدة (282) لهما، أعني المرة (283) الصفراء. ويفترقان من قبل أن المحرقة تكون المرة الصفراء فيها مع الدم في العروق غالبة كثيرة، وأما الغب فالصفراء فيها منبثة في البدن كله متحركة PageVW1P058A فيه. والغب قسمان، أحدهما: الغب الخالصة، وهي الحافظة لطبيعتها صرفة نقية (284)، وتكون في الصيف والبلد والسن والوقت كله حار يابس، وهذه فتأتي نوائبها مع نافض وتنقضي (285) النوائب بعرق أو قيء صفراء أو اختلافها أو مجموع ذلك. وهذه الخالصة يكون سكونها أطول من أخذها، PageVW2P080A فإن جملة دورها يكون ثمان (286) وأربعين ساعة، وأطول أخذها اثنتا عشرة (287) ساعة، فنوبتها ربع سكونها. وقد علمت أن الحميات ذوات النوائب، إنما يأتي بحرانها على حساب النوائب (288) لا على (289) حساب الأيام؛ فالحميات الحادة الدائمة تأتي بحارينها في الرابع عشر، وفي السابع، وفي الخامس، وفي الرابع، والثالث. وهذه الغب يأتي بحرانها في الدور السابع، وذلك في اليوم الثالث عشر. وكما أن حد الأمراض الحادة الرابع عشر، كذلك حد الغب الخالصة الدور السابع، لكن يمكن أن تنقضي قبل الدور السابع PageVW3P077A على حساب أيام الحميات الحادة، كما قد تنقضي الدائمة الحادة قبل الرابع عشر. وكذلك حمى الربع حسابها على عدد الأدوار لا الأيام. وقول أبقراط: الغب، يريد الغب الخالصة، لأنها هي الغب بقول مطلق؛ فإن الغب غير الخالصة هي التي يشوب مادتها الصفراوية مادة أخرى بلغمية أو دموية أو غيرها، وحينئذ لا يلزم أن يلزم (290) هذا النظام.
[فصل رقم 170]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في الحمى في أذنيه صمم، فجرى من منخريه دم أو استطلق بطنه، انحل بذلك مرضه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الصمم في الحمى PageVW0P067B يدل على تصاعد المرار إلى الرأس، فانطلاق (291) البطن والرعاف (292) يحله ويزيله ويستفرغ مادته، لكن انطلاق البطن استفراع للمادة من ضد الجهة والرعاف من نفس العضو؛ ولم يرد أبقراط انحلال الصمم فقط بل انحلال سببه وزوال الحمى والمرض أصلا.
[فصل رقم 171]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من الأيام الأفراد، فمن عادتها (293) أن تعاود (294).
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما ظاهر هذا الفصل فخطأ، ومما لبس (295) به على كتب أبقراط وزيد فيها لأن مذهب أبقراط الذي تصدقه التجربة والعيان أن البحارين تكون على عدد الأيام أربعة أربعة (296)، فتقع في الأزواج PageVW2P080B تارة وفي الأفراد تارة (297) أخرى، فتقع في الرابع عشر، وفي العشرين وفي الرابع والثلاثين، وفي الأربعين، وفي الستين، وفي الثمانين (298). وجالينوس ينزه أبقراط عن هذا الفصل ويراه من المكذوب عليه، وأنا أقول يمكن أن يؤول (299) تأويلا يدخل به في باب الصحة، وذلك أنه يكون يراد بالأيام الأفراد الأسابيع، * فإن الأسبوع فرد وإذا حسبت البحارين على الأسابيع (300) لم تقع إلا في الأيام الأفراد بشرط أن يعتبر المتصل اعتبار المنفصل ويحسبه حسابه. مثاله السابع، ثم الرابع عشر هو أيضا فرد بحسب الأسبوع PageVW1P058B الثاني، ثم العشرون، وذلك هو نهاية الأسبوع الثالث، إذا جعلت ابتداء العدد من اليوم الرابع عشر، فإن يوم العشرين (301) يقع فردا أيضا؛ وعلى (302) هذا حساب الأربعين والستين والثمانين. ويمكن أن يفهم على معنى آخر وهو أن يكون أراد بالحمى لا كل حمى، بل الحمى PageVW3P077B المحرقة فقط، ومن عادة المحرقة أن تشتد غبا، فإذا لم تقلع في وقت شدة الطبيعة ومقاومتها لها لم يكن البحران بمأمون، لأنه أتى على غير نظام، فيكون التعريف في قوله: "الحمى" للتخصيص (303) لا للجنس.
[فصل رقم 172]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع، فهو علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اليرقان إذا حدث في يوم بحران، دل على دفع الطبيعة المرار إلى سطح البدن وعلى بقائه وقوتها، فإذا ظهر قبل السابع وفي غير بحران دل على أنه إنما ظهر (304) لا عن فعل الطبيعة وقوة تدبيرها، بل على سدد حدثت (305) بغتة أو ورم حار ضيق المجاري فانصب المرار PageVW0P068A إلى سطح البدن وانبث فيه لانسداد مسلكه وتعذر نفوذه، وهذا علامة رديئة. وأما اليرقان الكائن عن ورم صلب، فذلك لا يحدث بغتة، بل على تدريج وفي زمن طويل. واليرقان قبل PageVW2P081A السابع علامة رديئة، فأما بعد السابع فقد يكون سليما وقد يكون غير سليم، فلهذا يقال ليس هو يسلم من الخطر. وفي بعض النسخ في آخر هذا الفصل زيادة هي هذه: "إلا أن تنبعث رطوبات من البطن" يريد استفراغ المرار بالإسهال.
[فصل رقم 173]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان (306) يصيبه في حماه نافض في كل يوم فحماه تنقضي في كل يوم .
[commentary]
قال عبد اللطيف: النافض يدل على تحرك المرار إلى سطح البدن واستفراغه هناك، فلذلك تنقضي به تلك الحمى وينقى البدن منها. وهكذا إن كان (307) النافض يعرض غبا أو ربعا كان سكون الحمى بحسب ذلك، لكن لا ينقى البدن نقاء تاما، ولابد أن يبقى في البدن حال خارجة عن الطبيعة بسببها تكون عودات الحمى على الدور. واعلم أن مادة المرض قد تكون متشابهة وقد تكون مختلفة، وأعني بالمتشابهة أن تكون تقبل النضج والتغير معا. وأما المختلفة فهي التي بعضها غليظ وبعضها رقيق، حتى أنها ينضج كل جزء منها على حياله وفي زمان غير زمان نضج الآخر، فإذا هاج جزء منها كان الباقي ساكنا، فإذا عرض عن الهائج حمى وتبعه نافض استنقى البدن من ذلك الجزء الهائج PageVW3P078A وانقضت حماه، ثم يهيج بعد ذلك جزء آخر ثم يستنقي (308) البدن منه عندما يعرض النافض، وعلى هذا إلى أن تنقضي حملة مادة المرض، وينقضي المرض بأسره.
[فصل رقم 174]
[aphorism]
قال أبقراط: متى عرض اليرقان في الحمى في اليوم السابع أو في التاسع أو في الرابع عشر، فذلك محمود، إلا أن يكون الجانب الأيمن مما دون الشراسيف صلبا، فإن كان كذلك فليس أمره بمحمود (309). PageVW1P059A
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بقوله: إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع فهو علامة رديئة. ثم يوصل به هذا الفصل فيقال: ومتى عرض في اليوم السابع أو بعده (310) فهو محمود إلا أن يكون في الجانب الأيمن صلابة، فيدل على ورم وآفة PageVW2P081B وسدة (311) في الكبد تمنع من تخليص الدم وتصفيته من المرار، فإذا ذهب مع الدم تبعه اليرقان وكان علامة رديئة. وبالجملة فمتى كان PageVW0P068B اليرقان عن بحران وفعل من الطبيعة، فهو علامة محمودة، وإلا فهو علامة رديئة تدل على آفة بالكبد وما حولها.
[فصل رقم 175]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان في الحمى التهاب شديد (312) في المعدة وخفقان في الفؤاد، فتلك علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الفؤاد يطلق على رأس المعدة وعلى القلب، فإذا عرض في الحمى التهاب شديد (313) في المعدة من قبل غليان المرة الصفراء أو فورانها في طبقات المعدة عرض لذع شديد في فم المعدة، فإن تزايدت (314) الحرارة والالتهاب تعدى إلى ينبوع الحياة وهو القلب فحصل فيه خفقان، وهو حركة متواترة سريعة شبيه بالاختلاج. وهذا العارض في الغاية من الرداءة (315) لأنه يدل على أن الأذى قد تعدى إلى القلب، فالفؤاد في قوله يحتمل فم المعدة والقلب، لكنه إن حمل على القلب كانت العلامة أردأ.
[فصل رقم 176]
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء في الحميات الحادة علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحمى الشديدة تجفف العصب وتمدده كما تفعل النار فيحدث التشنج المهلك، وقد يتبعه أن يعرض في الأحشاء أوجاع لغلبة الالتهاب واليبس. والأولى أن يحمل قول أبقراط في الحميات هنا على الحميات التي هي PageVW3P078B أمراض لا التي هي تابعة للأمراض، كالتي تتبع ورم (316) الأحشاء الحار والحمرة والسدة القوية والخراج لأن خطر هذه بين مكشوف.
[فصل رقم 177]
[aphorism]
قال أبقراط: التفزع والتشنج العارضان في الحمى في النوم من العلامات الرديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل (317) بفصول تقدمت حيث يقول: إن النوم الذي يضر المريض من علامات الموت والنوم الذي لا يضر ليس من علامات الموت، وأتى عليه بمثال فقال: متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة صالحة، ودل هذا على أنه قد يكون في النوم ما لا يسكن اختلاط الذهن بل ربما زاد فيه PageVW2P082A أو أحدثه، ثم ذكر مثالا آخر وهو هذا الفصل وهو: التفزع والتشنج. وفي بعض النسخ: التوجع والتشنج. وإنما يحدث هذا عند مصير الخلط المولد للمرض في وقت النوم إلى الدماغ، لأن الطبيعة في ذلك الوقت تتحرك إلى داخل البدن أكثر من حركتها PageVW1P059B إلى خارجه. وكما أن من امتلأ من الطعام إذا أخذ في النوم عرض PageVW0P069A
الغالب المرة السوداء عرض منه عند النوم تفزع، وإن لم يكن كذلك عرض توجع وتشنج، ولو لم يكن مع النوم نضج (319) لكان سيضر دائما لكن منفعة النضج الكائن عنه تقاوم مضرته . فإن كان الفضل يستعصي (320) على النضج، إما لكثرته وإما لغلظه، ظهر ضرر النوم، وقل نفعه أو عدم. وإذا اجتمعت هذه الأخلاط في الدماغ أحدثت هذه المضار، وكذلك إذا اجتمعت في فم المعدة.
[فصل رقم 178]
[aphorism]
قال أبقرط: إذا كان الهواء يتعثر (321) في مجاريه من البدن، فذلك رديء، لأنه (322) يدل على تشنج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالهواء هنا هواء (323) التنفس، وتعثره (324) في مجاريه خروجه عن الأمر الطبيعي، إما في حركته من داخل إلى خارج، وإما من خارج إلى داخل، وإما (325) فيهما جميعا. ومجاري البدن هي مجاري النفس (326) في آلاته، أعني الرئة والقلب وسائر المسالك. ويروى إذا كان الهواء يتعثر (327) مستعار من قولنا: عثر الرجل في مشيته، إذا عارضه ما يفسد حركته ويمنعها PageVW3P079A عن مجراها الطبيعي. وأما قولنا: يتعثر فأكثر ما يستعمل إذا كان المفسد للحركة والمعارض لها (328) من داخل أي من (329) ذات المتحرك بسبب ضعف أو نقصان بصر أو بصيرة، فيقال: تعثر الرجل في مشيته، إذا كان سبب الفساد من قبله؛ وعثر، إذا كان سبب الفساد من خارج، ثم يستعمل لفظة تعثر في سائر الحركات النفسانية والطبيعية وغير ذلك، فيقال فيه: تعثر فلان في دنياه إذا كانت حظوظه وسعيه * فيها يجري على غير استقامة (330) وكانت مساعيه PageVW2P082B خائبة (331) غير ناجحة ومن هذا قيل للنفس (332)، إذا لم يجر في دخوله وخروجه على ما ينبغي له: قد تعثر. ثم قال: "فذلك ردئ لأنه يدل على تشنج" أما رداءته فظاهرة (333) لأنه دليل على آفة نزلت (334) بمجاري التنفس، وأن العضل والعصب المحرك للصدر قد ناله ابتداء (335) التشنج، فإن قويت العلة وسرت في الجسد بأسره (336) ظهر التشنج في الأعضاء. واعلم أن تعثر الهواء وتغيره قد يكون في إدخال النفس فقط، وإياه عنى أبقراط بقوله: إن إدخال النفس قد يتضاعف، حتى كان الإنسان يستنشق استنشاقا (337) بعد استنشاق. وقد يكون في (338) إخراجه PageVW0P069B فقط، وإياه عنى أبقراط (339) بقوله: إن الهواء يتعثر (340) في مجاريه عند حركته إلى خارج. وقد يتعثر (341) الهواء في خروجه ودخوله معا، وإياه عنى بهذا الفصل؛ فإنه أتى به عاما يشمل تعثرات (342) النفس الثلاثة.
[فصل رقم 179]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله غليظا شبيها بالعبيط (343) يسيرا (344)، وليس بدنه ينقى (345) من الحمى فإنه إذا بال بولا كثيرا رقيقا انتفع به، وأكثر من يبول هذا البول PageVW1P060A من كان يرسب في بوله منذ أول مرضه أو بعده بقليل ثفل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العبيط هو الدم الطري، ومن شأن الدم أن يجمد ويغلط، ويبقى فيه قطع جامدة وأجزاء رقيقة فيكون مختلف القوام، فيريد أن يشبه به البول في غلظه واختلاف قوامه وتشتته بحيث يري فيه قطع لحم (346) كثيرة منحازة كقطع العبيط. وفي بعض النسخ القديمة: شبيها بالحماة موضع العبيط. فإن كان يريد به الغلظ فهو كالأول، وإن كان يريد به النتن (347) PageVW3P079B فسياق الفصل يقتضي أن أبقراط لم يرده، ولهذا جعل في قبالته الكثير الرقيق، فالكثير بإزاء القليل، والرقيق بإزاء الغليط، ولم يتعرض فيه بالنتن ولا بالطيب. واعلم أن هذا البول الغليط اليسير قد يكون من غير حمى، عندما تدفع الطبيعة فضول البدن وتنقيها PageVW2P083A من الكلى. وقد يكون مع حمى يسيرة، وذلك إذا كانت المادة نيئة غليظة غير نضيجة؛ فإذا غزر البول ورق دل على نضج تلك المادة وأنها قد أماعت وسالت وتفتحت (348) لها المجاري وجرت على حالها الطبيعية. * فكل حال خارجة عن الطبيعة (349) إلى جهة، إذا انتقلت عنها إلى الحال المعتدلة، أو المنحرفة (350) إلى الجهة الأخرى، دل على صلاح وانتفع بها. وقال: وليس بدنه ينقى (351) من الحمى، ولم يطلق القول بأن به حمى؛ لأن من شأن البول في الحمى أن يكون في الابتداء رقيقا، وعند النضج يغلظ ويحسن قوامه. فأما البول الغليظ اليسير فلا يكون مع الحميات القوية، بل إن كان ولابد فمع الحميات الضعيفة؛ وجالينوس يرى هذا، ويرى أن أبقراط إنما ذكر هذا الفصل على جهة أنه أحب أن يخبرنا (352) بأمر نادر عجيب، فإنه ربما كان البول في أول المرض أو بعده بقليل، قليلا (353) ثخينا، وحيئنذ فيرسب ثفله (354) لثقله، وحيئنذ لا يكون الرسوب علامة محمودة. وإنما يحمد الرسوب PageVW0P070A إذا كان البول رقيقا ثم حسن قوامه ورسب ثفله، وكانت (355) المادة الغليظة النيئة يعسر نفوذها إلا يسيرا، فلذلك كان الغليظ يسيرا، فإذا استنقى البدن من أكثره (356) ونضج الباقي سهل نفوذه فغزر. فجالينوس يرى أن هذا البول اليسير الغليظ قلما يكون إلا في الندرة، وأنه لا يكون في الحميات القوية. وأنا أرى أنه المصدق في تجربته، لكن القياس لا يمنع وقوع مثل هذا في الحميات القوية العظيمة إذا أحرقت (357) الأخلاط ونشفت بلتها ورطوبتها، فيغلظ قوامها ولا ينفذ منها إلا الغليظ اليسير، فإذا بال المريض بولا رقيقا كثيرا دل على نقصان الاحتراق وبوخ الحمى المنشفة لرطوبات ما يؤكل PageVW3P080A ويشرب. فأما قلة البول في الحميات الحادة الملتهبة (358)، فكثيرا ما رأيناه، حتى أن صاحبها PageVW1P060B يشرب من الماء مقدارا كثيرا جدا ويبول PageVW2P083B بولا قليلا جدا، وما ذلك إلا لأن قوة حرارة الحمى تحلل الماء وتنشفه بالتبخير القوي؛ وإذا كان كذلك فلا مانع أن يكون - مع قلته - غليظا، لأن الحرارة التي في الكبد وآلات البول إذا نشفته عاد الباقي غليظا.
[فصل رقم 180]
[aphorism]
قال أبقراط: من بال في الحمى بولا متثورا (359) شبيها ببول الدواب، فيه صداع حاضر، أو سيحدث به.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا البول يدل على الصداع، وليس كل مصدوع فبوله متثور( (360)) وذلك أن البول المتثور (361) هو إذا عملت (362) الحرارة في مادة غليظة كثيفة فتحتقن فيها الرياح فتتثور (363) أجزاؤها، كما تفعل النار في الزفت والراتينج. وهذا البول منه ما يبقى زمانا طويلا متثورا (364)، ومنه ما يرسب (365) فيه ثفل غليظ بسرعة، وحينئذ يدل على أن المرض ينقضي بسرعة. فأما الأول الذي لا يكاد يرسب، فإن كانت القوة معه قوية دل على طول المرض، وإن كانت ضعيفة دل على الموت. وهذا البول يدل على صداع حاضر أو سيحضر أو قد حضر وانقصى عن قرب؛ لأن الرياح الغليظة مع الحرارة تسرع الصعود إلى الرأس. وقد تحدث (366) أصناف من الصداع، وليس البول معه متثورا (367) كالصداع من حرارة فقط أو من صفراء حاصلة في الرأس أو في المعدة، أو من رطوبات مشتبكة (368) في الرأس.
[فصل رقم 181]
[aphorism]
قال أبقراط: من يأتيه البحران في السابع فإنه قد يظهر في بوله في الرابع غمامة حمراء، وسائر العلامات تكون على هذا القياس.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "قد يظهر في بوله في الرابع غمامة حمراء" يريد أن ذلك مما يمكن لا أنه واجب بحيث كل من يأتيه البحران PageVW0P070B في السابع فإنه يظهر في * بوله في الرابع غمامة حمراء (369)، لكن الغمامة الحمراء إذا ظهرت في الرابع كانت دالة (370) على إتيان البحران في السابع، والرابع من السابع في نصف مدته، وليس متى ظهرت الغمامة الحمراء دل على إتيان البحران بعد ثلاثة PageVW2P084A أيام، لكن قد تظهر في السابع PageVW3P080B فيأتي البحران في الرابع عشر، وتظهر في الحادي عشر فيأتي البحران في السابع عشر، وقد يأتي في العشرين. والغمامة الحمراء تدل على تأخير من البحران، بخلاف الغمامة البيضاء والرسوب الأبيض، فإن ذلك يدل على قرب البحران جدا. واعلم أن كل علامة تدل على النضج في البول والبراز والنفث إذا ظهرت في يوم إنذار دلت على قرب البحران، وكلما كانت العلامة أدل على النضج (371) دلت على أن (372) البحران أقرب منتظرا. وقوله: "وسائر العلامات تكون على هذا القياس" يريد سائر العلامات الدالة على النضج، كالغمامة البيضاء، والنفث الأبيض الملتئم.
[فصل رقم 182]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان البول ذا مستشف أبيض، فهو رديء، PageVW1P061A وخاصة في أصحاب الحمى التي مع (373) ورم الدماغ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المستشف مثال أول بمعنى الاستشفاف، فقوله: "ذا مستشف" معناه ذا شفيف، أو ذا استشفاف إلا أن الشفيف على مثال اسم الفاعل، والمراد به الهيئة والحالة، وأما المستشف فعلى صيغة اسم المفعول والمراد به المصدر، والشيء الشفاف والذي له شفيف هو ما نفذ فيه البصر ورأى ما وراءه كالزجاج والبلور والماء وغير ذلك. فقوله: "إذا كان البول ذا مستشف" معناه إذا كان رقيقا صافيا في قوام الماء، ولم يكتف بهذه العلامة حتى قال أبيض، فإن الرقيق قد يكون مصبوغا بالمرار فيكون أحمر، فإذا كان رقيقا صافيا أبيض كان شبيها بالماء في حالاته، وحينئذ يدل على عدم النضج وانصراف المادة إلى جهة الرأس وخلو موضع الطبخ عنها، وذلك يدل على ضعف القوة وشدة المرض وقوة انصباب المواد إلى الدماغ، فلذلك قال: "وخاصة (374) في أصحاب الحمى التي تكون مع ورم الدماغ" فإن البول الذي بهذه الصفة رديء على كل حال وهو مع الحمى PageVW2P084B أردأ، ومع (375) الحمى التي مع ورم (376) الدماغ أشد رداءة.
[فصل رقم 183]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت المواضع منه التي فيما دون الشراسيف عالية، فيها قرقرة، ثم حدث به وجع في أسفل PageVW3P081A ظهره فإن بطنه يلين إلا أن تنبعث منه رياح غليظة، أو يبول بولا كثيرا، وذلك في الحميات .
[commentary]
قال عبد اللطيف: الشراسيف جمع PageVW0P071A شرسوف، وهي رؤوس الأضلاع مما يلي البطن ونهاياتها الرقيقة الغضروفية تسمى شراسيف (377)، فالمواضع التي تحت هذه هي: الأمعاء والكبد والطحال وغير ذلك من آلات الغذاء. قوله (378): "عالية" أي منتفخة ولم يقل "منتفخة" لئلا يلتبس بالانتفاخ (379) الورمي. ثم أن علو هذا الموضع وانتفاخه قد يكون من أسباب، منها: أن يكون من ريح غليظة، معها رطوبة، وهي التي يعنيها في هذا القول؛ ولذلك قرنها بقوله: "فيها قرقرة" والقرقرة أصوات منقطعة ليست بالعالية ولا بالخارجة، فإذا انحدرت تبعتها رطوبة، فإذا وصلت إلى أسفل (380) الظهر وجع من ذلك، وهذا منذر بأنها ستنبعث وتخرج من المقعدة هي وتلك الرطوبة، فيلين البطن، إلا أن تنفصل من الرطوبة فتخرج هي من المقعدة وحدها وتنحدر الرطوبة إلى الكلى والمثانة فتخرج بالبول، فحينئذ لا يلزم أن يلين البطن. وقوله: "وذلك في الحميات " أي هذا الدليل إنما يدل في الحميات التي هي أمراض وليست أعراضا تابعة لبعض الأورام، كذات الجنب وذات الرئة وغير ذلك، فإن القرقرة حينئذ لا يلزم عنها لين البطن.
[فصل رقم 184]
[aphorism]
قال أبقراط: من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول PageVW1P061B كثير غليظ أبيض يبوله، كما قد يبتدئ في اليوم الرابع في بعض من به حمى معها إعياء، فإن رعف كان انقضاء مرضه مع ذلك سريعا جدا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله" أي من ظهرت به علامات (381) الخراج PageVW2P085A وهو الإعياء في المفاصل من غير سبب، وطول المرض، وغلظ مادته، وعدم استفراغ قوي وبين، فمن ظهرت به هذه العلامات فإنه ممن (382) يتوقع أن يخرج به خراج في مفاصله إلا أن يبول بولا كثيرا غليظا أبيض، فإن ذلك هو مادة الخراج أماعت وانحدرت إلى الكلى والمثانة واستفرغت من هناك. وقوله: "كما (383) يبتدئ في اليوم الرابع في بعض من به حمى معها إعياء" معناه (384) كما PageVW3P081B قد يبتديء البول الغليظ الأبيض في بعض من به حمى * إعياء، أي من كان به حمى (385) معها إعياء من غير سبب، فإنه يتوقع أن يخرج به خراج في مفاصله، فإن بال بولا كثيرا غليظا (386) أبيض، تخلص من ذلك (387) الخراج وأمن حدوثه. وقوله: "فإن رعف كان انقضاء مرضه سريعا جدا" أي إن رعف انقضى مرضه، وأمن خروج الخراج أكثر مما يكون ذلك مع البول الغزير (388) الغليظ الأبيض، لأن استفراغ المادة بالبول إنما يكون في أيام PageVW0P071B عدة، وأما استفراغها بالرعاف فعلى الفور، وإنما تستفرغ بالرعاف إذا كان معها حرارة تصعدها؛ وكذا الخراج الذي يظهر في أصل الأذنين وفي الأعالي. وإن كانت المادة غليظة، ثقيلة، قليلة الحراة، رسبت في أسفل البدن، واستفرغت بالبول أو بالخراج.
[فصل رقم 185]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يبول دما وقيحا (389)، فإن ذلك يدل على أن به قرحة في كلاه أو في مثانته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: متى كانت القرحة في الكلى والمثانة، وكانت في موضع عرق (390) له قدر، تبعه بول دم (391)، لاسيما (392) إن كان مع تآكل؛ فإن لم تكن القرحة في موضع عرق ولا مع تآكل، تبعه بول المدة وحدها. وقد تكون (393) القرحة في أحد مجاري البول فيتبعه بول دم وقيح، وذلك فيما بين الكلى والمثانة. وأما أكثر ما تعرض القرحة لمن يتولد في كلاه حصاة محددة أو خشنة (394) ثم لحجت حتى سحجت. وأما PageVW2P085B القرحة الكائنة في نفس الإحليل فيتبعها خروج دم وقيح من غير بول، وقد تنفجر قرحة في موضع أعلى من الكلى فيتبعها بول مدة فقط؛ فلذلك اختار (395) قوم أن يقرءوه بالواو فيقولون (396): دما وقيحا. لكن قوله: من كان يبول دما أو قيحا، يدل هذا اللفظ على الاستمرار وطول الزمان، بخلاف قول القائل: من بال دما أو قيحا، لأن هذا اللفظ يدل على أنه يبول ذلك مرة أو مرات معدودة، ومتى كان ذلك قليلا وفي زمان قصير دل على أن القرحة في البدن غير الكلى PageVW1P062A والمثانة، * فإن دام ذلك زمانا طويلا دل على أن (397) القرحة في الكلى والمثانة (398) ومجاري البول. ويمكن أن يستدل على موضع القرحة، هل (399) هي في الكلى أو في المثانة PageVW3P082A أو في المجاري (400) بينهما بموضع الوجع، وبالأشياء التي تخرج مع البول.
[فصل رقم 186]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار، أو بمنزلة الشعر، فذلك يخرج من كلاه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قطع اللحم الصغار تدل على أنها من جوهر الكلى. وقوله: "بمنزلة الشعر" يريد أو قطع بمنزلة الشعر، وهذا الشعر لا يمكن أن يخرج من جرم الكلى ولا من جرم المثانة لأنه لا يناسبهما (401)، وإنما هو بلغم وجرم لزج يستطيل ويتولد من مداومة الأغذية الغليظة (402) كالجبن والباقلى (403). وقد رأى جالينوس من ذلك ما طوله نحو نصف ذراع، وإنه عالجه بالتدبير الملطف، وبما (404) يقطع ويلطف. وقوله: "فذلك يخرج من كلاه" أي خروج هذين من كلاه وإن كان أحدهما من جرمها (405)، والآخر من خلط متولد فيها أو جاي إليها خارج منها. فقوله (406): "يخرج" عم بهذا اللفظ ما كان PageVW0P072A من جرم العضو، وما كان متولدا فيه كالحصاء المتولد فيه. والبول الذي يخرج فيه ما هو بمنزلة الشعر، يلزم دائما أن يكون غليظا. فأما ما فيه قطع لحم صغار، فلا يلزم دائما أن يكون غليظا، بل قد يكون PageVW2P086A رقيقا. وهذان الصنفان من البول قلما (407) يقعان. وجالينوس لم ير قطع اللحم الصغار في البول وتعجب من أبقراط كيف أدرك هذين مع عسر وجودهما، وأنا أرى أنه تلقى علمهما (408) من أبائه، ثم أنه يمكن أن يكون بعد ذلك رآهما أو رأى أحدهما.
[فصل رقم 187]
[aphorism]
قال أبقراط: من خرج في بوله وهو غليظ بمنزلة (409) النخالة فمثانته جربة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "وهو غليظ" حال من خرج. وقوله: "بمنزلة النخالة" فاعل خرج، أي خرج شيء شبيه بالنخالة. وقوله: "وهو غليظ" يعني البول ولا يريد الغليظ الخارج عن الطبيعة، وإنما يريد بقوله غليظ ما يراد بقولنا ليس برقيق، كأنه قال: وليس برقيق، أو قال: وهو معتدل القوام: فإذا خرج في هذا البول شيء بمنزلة النخالة، دل على جرب المثانة، وأنه يتقشر (410) منها شيء شبيه بما يتقشر (411) من سطح الجلد إذا جرب، ولو كان البول رقيقا لقد كان تدل النخالة على أن الجرب في العروق. لكن إذا كان البول صحيحا في قوامه وعرض له شيء PageVW3P082B شبيه بالنخالة، دل على أن العلة في المثانة. وهذه النخالة قد تكون عن احتراق الدم وقوة الحرارة، ونفرق بين ذلك بأعراض (412) في البدن، فإذا كان البدن سليما والبول صحيحا وخرج فيه شبيه بالنخالة، فالجرب في المثانة (413) قولا واحدا.
[فصل رقم 188]
[aphorism]
قال أبقراط: من PageVW1P062B بال دما من غير شيء متقدم دل ذلك على أن عرقا في كلاه انصدع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من غير شيء متقدم" أي بغتة من غير أن يتقدمه أمور منذرة وعلامات دالة على قرحة كالمدة، دل ذلك (414) على أن عرقا في كلاه انصدع من غلبة الدم أو من وثبة (415) أو ضربة أو سقطة أو نحو ذلك؛ فإن كان الانصداع واسعا خرج دم كثير دفعة، وإن كان قليلا وضيقا (416) خرج منه رشح رقيق.
[فصل رقم 189]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل، فالحصى يتولد في مثانته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ليس يدل رسوب الرمل على PageVW2P086B تولد الحصى في المثانة فقط، بل وفي الكلى أيضا، وهذا الذي يخرج هو من مادة الحصى، دفعته الطبيعة حيث كثر عليها.
[فصل رقم 190]
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول، وأصابه وجع في أسفل بطنه وعانته، فإن ما يلي مثانته PageVW0P072B وجع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "فإن ما يلي مثانته وجع أو عليل" يريد المثانة أو الكلى أو ما اتصل بهما وكان من آلات البول فإن الدم العبيط يدل على انصداع عرق. وتقطير البول يدل إما على قرحة تلذع، وإما على كيفية (417) في البول رديئة تلذع، أو على انسداد المجاري وضيقها بعلق الدم.
[فصل رقم 191]
[aphorism]
قال أبقراط (418): من كان يبول دما وقيحا وقشورا، وكان لبوله رائحة منكرة، فذلك يدل على قرحة في مثانته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: بول الدم والقيح يدل على قرحة في آلات البول مطلقا، فإذا كان معهما (419) قشور كانت القرحة في المثانة خاصة. وفي بعض النسخ: "دما أو قيحا" على أن تكون "أو" بمعنى الإباحة، أو بمعنى التخيير (420)، أي إن اجتمعا دلا وإن افترقا دلا، بحيث إذا انفرد أحدهما دل دلالة الآخر إذا انفرد.
[فصل رقم 192]
[aphorism]
قال أبقراط: من خرجت به بثرة في إحليله (421)، فإنها إذا انفتحت (422) وانفجرت، انقضت (423) علته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "انقضت (424) علته" معناه انفتح مجرى البول PageVW3P083A ودر، وزال الأسر الذي اعتراه بسبب انسداد المسلك، وسواء زالت البثرة (425) بالتقيح (426) والانفجار أو بالتحلل.
[فصل رقم 193]
[aphorism]
قال أبقراط: من بال في الليل بولا كثيرا، دل ذلك على أن برازه يقل.
[commentary]
قال عبد اللطيف (427): كثرة البول تدل على انصباب الرطوبة نحو الكلى والمثانة فيخلو الثفل (428) عنها فيقل ويجف، ولولا ذلك لكان لينا (429)، وخصه بالليل لأنه وقت الهضم وفيه تميز الطبيعة الأثفال والرطوبات وتنضج ما يحتاج إلى نضج. ومن هذا الفصل يتبين لك كيف تعالج صاحب PageVW2P087A لين البطن وصاحب يبس البطن، أما لين البطن فعلاجه أن تقلل الشرب وتستعمل ما يدر وينفذ، وأما يبس البطن فعلاجه بكثير (430) الشرب (431) واستعمال ما يمنع الإدرار ويكف عن نفوذه إلى العروق.
* تمت المقالة الرابعة (432).
المقالة الخامسة
[فصل رقم 194]
[aphorism]
قال أبقراط (1): التشنج الذي يكون من الخربق، من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الخربق إذا قيل مطلقا إنما يراد به الأبيض المقيء، فإن أريد الأسود قيد به، فقيل الخربق الأسود. وقوله: "من (2) الخربق" أي من شربه. واعلم أن التشنج * يمكن أن يحدث عن الخربق من جهات منها أن يعرض التشنج (3) لشارب الخربق الأبيض بمشاركة العصب في الألم لفم المعدة، وقد يمكن أن يحدث التشنج عند جذب الدواء الرطوبات التي في العصب إليه قسرا (4)، ويمكن أن تسري قوة الخربق في البدن بحركة قوية فتجفف جوهر العصب تجفيفا شديدا فيعرض من قبل ذلك التشنج. ويمكن أن يحدث التشنج لنفس الاستفراغ إذا أفرط، كما يعرض لمن يصيبه في الهيضة قيء (5) مرار أن تتشنج مواضع من بدنه. وبالجملة فإن التشنج يكون من الامتلاء، ودواؤه الاستفراغ، وقد يكون من استفراغ العصب ويبسه، فلا يكاد يبرأ، وهذا النوع هو الذي عناه أبقراط في هذا الفصل؛ فإن التشنج العارض عن الخربق إذا أفرط في الاستفراغ، دل على يبس الأعضاء العصبية، وذلك إنما يكون عندما تجهده شدة القيء إذا كل العصب بشدة (6) الحركة. PageVW3P083B ومن أصناف التشنج ما كان على طريق المشاركة في الألم. فأما التشنج العارض عن الخربق من شدة اللذع، والعارض من شدة حركة القيء، فقد يمكن أن يبرأ. فأما الكائن عن يبس فهو مما لا يبرأ، فبحق قال أنه من علامات الموت.
[فصل رقم 195]
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج الذي يحدث عن جراحة، PageVW2P087B من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الجراحة إذا نالت (7) العصب، أو بلغ ورمها العصب، عرض تشنج. وأول ما يعرض في العضو المحاذي لموضع الورم، فإذا تراقت العلة إلى أصل العصب استحوذت على البدن بأسره.
[فصل رقم 196]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى من البدن دم كثير فحدث فواق أو تشنج، فتلك علامة (8) رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف (9): إذا جرى من البدن دم كثير حتى أفرط في الاستفراغ فحدث فواق أو تشنج، دل على اليبس (10)، وأن (11) العصب قد نالته آفة، وذلك علامة رديئة، وهذه اللفظة مساوية لقوله قبل (12): فذلك من علامات * الموت، إلا أن قوله: فذلك من علامات الموت (13) أدل على الخطر. والفواق هو تشنج عضو مخصوص، أعني رأس المعدة.
[فصل رقم 197]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P073B إذا حدث التشنج والفواق بعد استفراغ مفرط، فهو علامة رديئة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا حكم عام لكل استفراغ مفرط، كان بالخربق أو بغيره أو من تلقاء نفسه.
[فصل رقم 198]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض للسكران سكات بغتة، فإنه يتشنج ويموت، إلا أن يحدث به حمى أو يتكلم في الساعة التي ينحل فيها خماره. PageVW1P063B
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر التشنج الكائن عن الاستفراغ انتقل إلى ذكر التشنج عن الامتلاء. ويعني بالسكات ذهاب الحس والحركة بغتة، وأبقراط ينسب كل من يغمى عليه إلى السكات، وأما الخمار فهو الضرر الحادث للرأس عن شرب الخمر، ومن شأن الخمر أن يملأ العصب سريعا، لأن الأشياء الحارة تنفذ بسرعة إلى الأعماق بأهون سعي ولا سيما إذا لم تكن غليظة. فالشراب إذا أكثر منه ملأ العصب بسرعة ولحج فيه، فجلب (14) على صاحبه التشنج، إلا أنه بكيفيته (15) دواء لهذا التشنج يصلح فساد العصب بتسخينه وتجفيفه الإمتلاء، فإذا عجز أن يصلح ما أفسد عرض (16) التشنج الحادث عنه الموت. والحمى أيضا تسخن وتجفف، PageVW2P088A فتبرئ إذا من هذا السكات. PageVW3P084A واعلم أن التشنج إنما يعم البدن كله إذا نالت (17) الآفة أصل العصب، إما ابتداء وإما بمشاركة عضو آخر تقدمت به الآفة. وقوله: "أو يتكلم في الساعة التي ينحل فيها خماره" * يعني في الوقت الذي جرت عادة ذلك الإنسان أن ينحل فيه خماره (18) إن كان له عادة معروفة، وإلا اعتبر ذلك من مقدار الخمر وكيفيتها ومزاج المريض وسنه وغير ذلك، فإن استمراء الشراب والطعام ليس له حد واحد لا يتجاوزه، بل يختلف ذلك بحسب الطبائع والعادات والأسنان وسائر الأشياء.
[فصل رقم 199]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه التمدد فإنه يهلك في أربعة أيام، فإن جاوز الأربعة فإنه يبرأ (19).
[commentary]
قال عبد اللطيف: التمدد من الأمراض الحادة جدا، لأنه تشنج إلى خلف وإلى قدام جميعا، وذلك مما لا تحتمله الطبيعة أكثر من أربعة أيام، وذلك هو الدور الأول من أدوار البحران، فإن جاوز الأربعة ولم يهلك دل على قوة الطبيعة واستيلائها على المرض.
[فصل رقم 200]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة، فإنه يحدث له انتقال. أما (20) من عرض له وقد أتى عليه من السنين (21) خمس وعشرون سنة، فإنه يموت وهو به.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الصرع يعرض من أخلاط غليظة بلغمية باردة PageVW0P074A في الدماغ بأدوار ونوائب، ووقت نبات الشعر في العانة هو ما بين أربع عشرة (22) سنة إلى خمس وعشرين سنة. وأما انتقال المرض فيقال على معنيين، أحدهما: انتقال مادته من عضو إلى عضو. والثاني: انقضاؤه أصلا، وهذا هو المعني به هنا. فقوله: "من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة" أي قبل أربع عشرة (23) سنة. وقوله: "فإنه يحدث له انتقال" أي إذا انتقل في السن انتقل مرضه وانقضى (24)، وذلك أنه ينتقل إلى سن الفتى وهو الحرارة واليبس، وفي هذا شفاء للمواد الغليظة الباردة ومن هذا ينتبه على طريق العلاج، وهو أن يستعمل في علاج المريض ما يسخن PageVW2P088B ويجفف وينقله PageVW1P064A عن مزاجه بالتدبير، فيكون فيه انتقال المرض وزواله على قياس ما ينتقل بانتقال السن. وقوله: "وأما من عرض له وقد أتى عليه من السنين (25) خمس وعشرون (26) سنة PageVW3P084B فإنه يموت وهو به" يريد من عرض له الصرع من خمس وعشرين سنة إلى آخر العمر، وكلما أمعن في السن كان برؤه أعسر. وقوله: "فإنه يموت وهو به" أي في أكثر الحالات ولاسيما إذا لم يتدبر بما (27) ينبغي. وفي بعض النسخ: "فإنه يكاد يموت وهو به" وهذا ظاهر المعنى لأنه إذا استعمل التدبير الفاضل فلا (28) يبعد أن يبرأ وينتقل.
[فصل رقم 201]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته ذات الجنب فلم ينق في أربعة عشر يوما، فإن حاله يؤول إلى التقيح (29).
[commentary]
قال عبد اللطيف: النقاء والاستنقاء هو استفراغ الأخلاط المولدة لذات الجنب بالنفث، والتقيح هو استحالتها إلى المدة. فحد زمان الاستنقاء منها بالنفث بأربعة عشر يوما، فإن لم يستنق في هذه المدة انتقل إلى التقيح.
[فصل رقم 202]
[aphorism]
قال أبقراط: أكثر ما يكون السل في السن التي بين ثماني عشرة سنة، وبين خمس وثلاثين سنة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كان قد ذكر الأمراض التي تعرض للشباب بقول مطلق، وأما في هذا الفصل (30) فذكر مرضا واحدا من أمراضهم، وعين سنهم * وهي ما بين ثمان (31) عشرة سنة (32) وبين خمس وثلاثين سنة، وسن الفتيان داخلة في سن الشباب.
[فصل رقم 203]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته ذبحة فتخلص منها فمال الفضل إلى رئته، فإنه يموت في سبعة أيام، فإن جاوزها صار إلى التقيح.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الذبحة مرض حاد تقتل صاحبها قبل اليوم السابع، وذلك أنه يختنق اختناقا، فإن أمكن أن يجاوز (33) PageVW0P074B السبعة لقوة الطبيعة وضعف المرض (34)، استحال الفضل مدة وصار صاحبها إلى النفث.
[فصل رقم 204]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW2P089A إذا كان بإنسان السل، وكان ما يقذفه بالسعال من البزاق (35) منكر الرائحة إذا ألقي على الجمر، وكان شعر رأسه ينتثر؛ فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السل قرحة الرئة. وقوله: "منكر الرائحة" أي شديد النتن نتنا ينفر منه الطبع عند اشتمامه. ويمتحن النفث إذا خفي أمره بأن يلقى (36) على الجمر فإن ظهرت منه رائحة منكرة دل على غاية العفن، فإن كان شعر الرأس مع ذلك (37) يتناثر دل على غاية النقصان في القوى والغذاء وفساد الأخلاط، وذلك من أمارات قرب الموت.
[فصل رقم 205]
[aphorism]
قال أبقراط: من تساقط شعر PageVW3P085A رأسه من أصحاب السل ثم حدث به اختلاف فإنه يموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "فإنه يموت" أدل على الموت من قوله قبل: "فذلك من علامات الموت" لأن هذا جزم، فإن تساقط الشعر يدل على الموت؛ فإذا حدث معه اختلاف أسقط قواهم أصلا، فكان الموت.
[فصل رقم 206]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW1P064B من قذف دما (38) زبديا، فقذفه إياه إنما هو من رئته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الزبدي هو الذي يعلوه رغوة وزبد. وقال: "زبديا" إما لأن الزبد ليس بخالص، وإما لأن الزبد يداخل (39) جرم الدم لا يعلوه كما تعلو الرغوة اللبن. وقوم كتبوا: "من تقيأ (40) دما زبديا" وأرادوا أن يدلوا على الكثرة، وليس للكثرة هنا أثر (41)، بل كل دم زبدي قذف فإنه يكون من الرئة، قل أو كثر، لكن ليس كل ما قذف من الرئة فهو زبدي فإنه قد ينصدع فيها عرق فيقذف دم خالص ليس بزبدي.
[فصل رقم 207]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بمن به سل اختلاف، دل ذلك على الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: دل في هذا الفصل أن الاختلاف وحده كاف في الدلالة على الموت، وكان ذكره قبل مع غيره.
[فصل رقم 208]
[aphorism]
قال أبقراط: من آلت به الحال في ذات الجنب إلى التقيح، فإنه إن استنقى في أربعين يوما، من اليوم الذي انفجرت فيه المدة، فإن علته تنقضي، فإن لم يستنق (42) في هذه المدة، فإنه يقع في السل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كما أنه جعل ذات الجنب أربعة عشر يوما، جعل حد الاستنقاء من المدة أربعين PageVW2P089B يوما، فإن تجاوز ذلك ولم يستنق وقع في السل. كما أن من جاوز الرابع عشر من أصحاب ذات الجنب ولم ينق وقع في التقيح (43)، والانفجار يكون بعد التقيح (44) وذلك أن الورم ينفجر فتصير المدة في الفضاء الذي فيما بين الصدر والرئة، فإذا لم يستفرغ بالنفث (45) PageVW0P075A في أربعين يوما أقصاه وإلا تآكلت الرئة بعفن المدة؛ فجعل حد الاستنقاء من ذات الجنب أربعة عشر يوما، وحد الاستنقاء من القيح والمدة في أربعين يوما.
[فصل رقم 209]
[aphorism]
قال أبقراط: الحار يضر من أكثر استعماله هذه (46) المضار: يؤنث اللحم، ويفتح العصب، ويخدر الذهن، ويجلب سيلان الدم، والغشي؛ ويلحق أصحاب ذلك الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: له كتاب يصف فيه كيفية استعمال الرطوبات PageVW3P085B على الاستقصاء، وأما هنا فوصف جمل (47) ذلك. والحار والبارد قد يستعملان بإفراط وعلى القصد، * وقد يكونان في أنفسهما مفرطي الكيفية (48)، وقد يكونان متوسطين. فابتدأ (49) بمن أكثر من استعمال الحار، وذكر من مضاره أنه يؤنث اللحم أي يرخيه ويضعفه ويلينه، فإن الأنثى من كل نوع أضعف وأرخى من الذكر؛ ولذلك قال بعده: "ويفتح العصب" ومعناه يضعفه حتى يحدث لصاحبه الكسل في الأعمال وقلة الصبر على المشاق وكثرة الركون إلى الراحة تشبها بالرجل المفتح. وقوله: "ويخدر الذهن" أي يجعله خدرا ضعيفا بليدا يعجز عن الفهم والعمل الذي يخصه، كما يعجز الجسد عن العمل الذي يخصه. ويجلب سيلان (50) PageVW1P065A الدم، لأن الحرارة يغلي بها الدم ويرق ويحتاج إلى مكان أوسع، ويسهل نفوذه من المسام الضيقة، ولأن الحرارة تنهك أوعية الدم وتوسع المنافذ فيسهل خروجه. وأما الغشي فقد يكون عرضا تابعا لسيلان (51) الدم إذا أفرط، وقد يكون من غير سيلان وذلك إذا تحللت الروح لقوة الحرارة. وقوله: "ويلحق أصحاب ذلك الموت" لأن الموت يلحق الاستفراغ المفرط بسرعة، وأيضا الغشي قد يشفي منه PageVW2P090A الخمر والأشياء الحارة وهذه هي سبب الغشي، فلذلك قد تجلب الموت.
[فصل رقم 210]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما البارد فيحدث التشنج، والتمدد، والإسوداد، والنافض التي يكون معها حمى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ابتدأ (52) بذكر مضار البارد إذا أفرط، فمنها أنه يبرد العصب ويقبضه فيحدث عنه التشنج والتمدد، والعصب يحفظ صحته الاعتدال؛ فكما أن إفراط الحرارة يرخيه ويضعفه، كذلك إفراط البرودة يقبضه ويشنجه، ويفعل - أيضا - الإسوداد ببرده، والنافض التي تجلب حمى. وكان الأجود أن يقول كما رأي جالينوس: "والنافض التي تحدث التشنج والإسوداد والحمى". يحتمل أن تكون صحة اللفظ هكذا: "والنافض والحمى" لأن النافض على PageVW0P075B الأكثر من خلط لذاع (53). والبارد من شأنه أن يحدث حمى يوم، وحمى يوم ليس معها نافض، لكن قد يحدث نافض PageVW3P086A بلا حمى، وحمى بلا نافض.
[فصل رقم 211]
[aphorism]
قال أبقراط: البارد ضار للعظام (54) ( (55)) والأسنان والعصب والدماغ والنخاع، وأما الحار فموافق نافع (56) لها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر الأعضاء التي يضر بها البارد وينفعها الحار وهذه هي الأعضاء التي هي في طبيعتها (57) باردة كالعظام، والأسنان وهي أيضا عظام مكشوفة ونسبتها إلى العظام نسبة (58) الفولاذ المنقى (59) إلى الحديد البرمهان. وأما العصب والنخاع (60) فهما (61) من جوهر الدماغ، لكن العصب أجف هذه الثلاثة، والدماغ أرطبها، وكلها باردة، وأقلها احتمالا للبرد العصب. وأما الحار فنافع لهذه إلا (62) إذا أفرط جدا. لكن إذا فرضنا البارد قد خرج عن الاعتدال درجة مثلا، والحار خرج درجتين، تأذى من هذا البارد أكثر من تأذيه بهذا الحار؛ فإن كان الحار خارجا درجة واحدة كان إلى أن ينفع أقرب من أن يضر.
[فصل رقم 212]
[aphorism]
قال أبقراط: كل موضع قد برد فينبغي أن يسخن، إلا أن يخاف عليه انفجار الدم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الضد يقابل أبدا بالضد، فيقابل ما برد بالتسخين، وما سخن بالتبريد، لكن لا ينبغي أن يبرد (63) بمقدار PageVW2P090B ما يسخن لأن احتمال الأبدان للتسخين أشد من احتمالها التبريد إذ (64) كانت الحرارة من جوهر الأبدان إلا أن تكون الحرارة الغريزية متوفرة PageVW1P065B أو الزمان محتمل، ولكن ذلك أمر خارج عن فعل الطبيب. وقوله: "إلا أن يخاف عليه انفجار الدم" فينبغي أن يبدأ بمداواته، ثم يقبل على العضو فيرده إلى اعتداله الخاص به؛ فإن هنا بابا من الطب غير مقابلة الضد بالضد، وهو أن يكون أمر قد حضر (65) وخطره أعظم فيبدأ (66) بعلاجه ثم يقابل الضد بالضد.
[فصل رقم 213]
[aphorism]
قال أبقراط: البارد لذاع للقروح، ويصلب الجلد، ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح، ويسود، ويحدث النافض التي (67) يكون معها (68) حمى، والتشنج والتمدد (69).
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنما يلذع - بالقول المطلق - الحار (70) لأن الشيء إنما يلذع إذا كان معه قوة نفوذ فينكي، وليس في البارد قوة (71) نفوذ في العضو الصحيح، لكن القروح لسخافتها تنفذه (72) فيحدث فيها لذعا. وأما كونه يصلب الجلد فبتكثيفه، ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح، لأنه يبرد (73) PageVW3P086B الحرارة الغريزية التي يكون بها تولد القيح في القروح، ويمنع أيضا PageVW0P076A الأشياء المحدثة للوجع أن تنحل. ولحقنه (74) المادة التي من شأنها أن تنحل؛ يسود العضو، ويحدث النافض (75) والحمى والتشنج والتمدد؛ وقد سبق ذكر ذلك.
[فصل رقم 214]
[aphorism]
قال أبقراط: ربما صب على من به تمدد من غير قرحة، وهو شاب (76) حسن اللحم، في وسط من الصيف ماء بارد كثير فأحدث (77) فيه انعطافا من حرارة كثيرة فكان تخلصه بتلك الحرارة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما ذكر مضار البارد بالذات أخذ يذكر في هذا الفصل منافعه بالعرض فقال: من كان به تمدد وسائر أصناف التشنج، وكان شابا مكتمل الشباب حسن اللحم معتدله، وكان الزمان وسط الصيف، ولم يكن تشنجه (78) عن قرحة، فإن البارد لذاع للقرحة يحدث فيها التشنج والوجع؛ فمن اجتمعت فيه هذه الشرائط دل PageVW2P091A على وفور حرارة طبيعية، وقوته (79)، واحتماله البارد، وأنه (80) لا يطفئ حرارته، بل تتحرك إلى الباطن فتقوى فيه ويشتد أمرها ، وتستولي على السبب الموجب للتشنج فتسخنه وتحلله؛ فهذا إذا صب عليه ماء بارد كثير شفي، وكان شفاؤه باستيلاء (81) الحرارة واستيفادها (82) وجمعها. وما أحسن قول أبقراط: "فكان تخلصه بتلك الحرارة" فنسب الشفاء إلى الحرارة بالذات، وإلى البرودة بالعرض. وقوله: "كثير" يصلح أن يكون صفة ماء، ويصلح أن يكون صفة بارد؛ ويختلف المعنى بذلك، فإنه إن كان صفة "لماء (83)" كان أبقراط قد أمر أن يكثر من صب الماء البارد (84)، وإن كان صفة لبارد كان قد أمر بصب (85) الماء البارد الشديد البرد. وكونه صفة (86) "للماء (87)" أشبه بالمعنى لأنه ينبغي أن يستكثر من صب الماء البارد ويطول زمان صبه ومباشرته البدن ليتقي (88) الحرارة منعطفة (89) زمانا يمكنها فيه أن تشفي من التمدد وتخلص منه، فيكون PageVW1P066A الكثير راجعا إلى الماء، ويراد به (90) طول زمان الصب لا أن يصب ماء كثير دفعة. وينبغي أن لا يستعمل (91) هذا الصنف من العلاج إلا إذا وثقت بوفور (92) الحرارة الغريزية، PageVW3P087A وأن فيها من القوة ما يقاوم برودة الماء ولا ينطفئ منه. وبعض مشايخنا عالج امرأة بها سكتة بالماء الشديد البرد بعد أن جردها، وكان ذلك وسط الشتاء، فبرئت على المكان فعجب (93) الناس من كونه أحيى من هو في اعتقادهم ميت.
[فصل رقم 215]
[aphorism]
قال أبقراط: الحار مقيح، لكن (94) ليس في كل قرحة (95)؛ PageVW0P076B وذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن (96)، ويلين الجلد ويرققه (97)، ويسكن الوجع، ويكسر (98) عادية النافض والتشنج والتمدد، ويحل الثقل العارض في الرأس، وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام وخاصة المعرى منها، ومن العظام خاصة لعظام الرأس، ولكل ما أماته البرد وأقرحه، وللقروح التي تسعى وتتآكل، وللمقعدة، والقروح، والرحم، والمثانة؛ فالحار لأصحاب هذه العلل PageVW2P091B شاف نافع، والبارد لهم ضار قاتل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحار مقيح في طبيعته وربما لم يقيح (99)، كما أن البارد يحدث التشنج والتمدد بطبيعته، وربما أبرأ منهما (100) في الندرة؛ فإن القروح المتعفنة والتي تنجلب (101) إليها فضول رديئة لا يحدث فيها الحار تقيحا، لكنه يضرها مضرة عظيمة. واعلم أن تولد المدة في القرحة من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن فيها، لأنه لا يمكن أن يكون لقرحة يتولد فيها قيح عادية ولا يخاف لها غائلة (102). فأما القروح التي يحدث عنها التشنج فإنها مما لا يتقيح (103)، وكذلك القروح المتعفنة والمتآكلة والتي يعسر اندمالها، كل ذلك مما لا يتقيح (104)، وكذلك (105) القروح السرطانية والآكلة مما لا يتقيح (106). فإذا (107) تقيح القرحة من أعظم أمارات السلامة، وعلى هذا يستدل بالماء الحار فإن القرحة إذا لم تتقيح باستعماله عليها لم يكن ذلك علامة محمودة (108). والحار أيضا يلين الجلد إذا صلب، ويرققه (109) إذا غلظ، ويسكن الأوجاع، ويكسر عادية (110) التشنج والتمدد، ولا يحدث من الوجع ما يحدثه البارد لأن البارد منافر لطبيعة أبداننا (111)، والحار ملائم. فالحار إذا استعمل من خارج باعتدال أنضج وحلل واستفرغ وأبرأ، إما البرء PageVW3P087B التام، وإما بعض ذلك، ولهذا يسكن الأوجاع (112). وكذلك يفعل في علل الرأس، ويبريء (113) الثقل العارض فيه بإنضاجه وتحليله. وهو أيضا من أنفع الأشياء لكسر العظام، وخاصة ما كان منها متعريا عن اللحم، ولا سيما في كسر عظام الرأس لأن البارد يضر الرأس من وجهين: من جهة مضرته الدماغ، ومن جهة مضرته العظام. وأيضا فإن ما أماته من الأعضاء (114) البرد فالحار يشفيه، وأيضا ما أقرحه البرد فالحار يشفيه كما يقرح الجمد الأصابع. والحار أيضا موافق (115) للقروح التي تسعى PageVW1P066B وتدب وهي النملة إذا كان معها تآكل، على أن مادتها خلط لذاع PageVW0P077A حار PageVW2P092A مراري، لكن البارد يقاومها ويضرها لأنه لذاع للقروح. وكذلك الحار موافق لسائر علل (116) المقعدة، والبارد مقاوم ضار؛ لأن المقعدة عضو عصبي. وقد تسري مضرة البارد من المقعدة إلى البطن، وكذلك الحال (117) في الرحم والمثانة ينفعهما الحار، ويضرهما البارد.
[فصل رقم 216]
[aphorism]
قال أبقراط: وأما البارد فينبغي (118) أن تستعمله في هذه المواضع، أعني في المواضع التي يجري منها (119) الدم، أو هو مزمع بأن يجري منها، وليس ينبغي أن يستعمل في نفس الموضع (120) الذي يجري منه الدم لكن حوله ومن حيث يجيء، وفيما كان من الأورام الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري، لأنه إن استعمل فيما قد عتق فيه الدم سوده (121)، وفي الورم الذي يسمى الحمرة إذا لم (122) يكن معه قرحة، لأن ما كانت معه قرحة فهو يضره.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر منافع البارد، وجملة منافعه الردع في المواضع التي يحتاج فيها إلى ردع المواد. فقوله: "في هذه المواضع" أي في هذه المواضع التي (123) ذكرها، ثم قال: "أعني في المواضع التي يجري منها الدم" ليردع ويقطع الانصباب. وقوله: "أو هو مزمع بأن يجري منها" إذا أردت حسم المادة قبل كونها. وقوله: "وليس ينبغي أن يستعمل في نفس الموضع الذي يجري منه الدم" لأنه قرحة، والبارد يضر القروح. قوله: "لكن حوله ومن حيث يجئ" يقول: نضع (124) البارد على مبدأ PageVW3P088A السيلان وعلى طريقه لا على موضع السيلان المتقرح. قوله: "وفيما كان من الأورام الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة" أي ويستعمل البارد في الأورام الحارة الدموية، والتلكع عنى (125) به الموضع الذي كان النار قد كوته وأحرقته لشدة حرارة مواده، فإن هذه المواضع تستريح إلى البارد لغلبة الحرارة عليها، فالبارد ينفع فيها نفعين: يردع الأنصباب، ويسكن عادية الحرارة والالتهاب. ولم يكتف بقوله: "مائلا PageVW2P092B إلى الحمرة" حتى قال: "ولون الدم الطري" لأن ما كان كذلك كان التهابه أشد وانصباب المواد إليه أكثر وأقرب عهدا (126)، والمواد التي في الانصباب هي التي تردع، فأما التي انصبت وفرغت واستقرت في العضو وعتقت فإنها تزول حمرتها وإشراقها وتأخذ PageVW0P077B في الإكمداد والإسوداد والبرد، فإذا استعمل عليها البارد سود لأنه يجمد ذلك الدم ويبرده. وقوله: "وفي الورم الذي يسمى الحمرة" أي ويستعمل البارد في الورم الذي يسمى الحمرة، لأنه أيضا صفراوي ملتهب، وشرط: إذا لم يكن معه قرحة؛ لأن البارد ينكيها (127) ويضرها بلذعه؛ وهكذا يفعل البارد بكل قرحة. وبالجملة: فلا يقدم على استعمال البارد، إلا إذا (128) كانت المواد حارة حادة ملتهبة دموية، أو صفراوية قريبة العهد بالانصباب (129)، ولم يكن PageVW1P067A هناك قرحة.
[فصل رقم 217]
[aphorism]
قال أبقراط: إن الأشياء الباردة مثل الثلج والجمد ضارة (130) للصدر، مهيجة للسعال، جالبة لانفجار الدم والنزلات.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كان كلامه السابق في الماء الحار والبارد فقط، وهنا ذكر الثلج والجمد، وهما أزيد ضررا من الماء البارد بحسب زيادة بردهما وغلبة يبسهما (131)، وهما من أضر الأشياء لنواحي الصدر والرئة، يهيجان السعال (132)، وكثيرا ما يصدعان العروق فيتبعه انفجار الدم؛ ويجلبان النزلات * لأن الدماغ إذا استضر ببردهما كان عنه النزلات (133) إلى الصدر ونحوه.
[فصل رقم 218]
[aphorism]
قال أبقراط (134): الأورام التي تكون في المفاصل، والأوجاع التي تكون من غير قرحة، وأوجاع أصحاب (135) النقرس وأصحاب الفسخ الحادث في (136) المواضع العصبية، وأكثر ما أشبه هذه، فإنه إذا صب عليها ماء بارد كثير PageVW3P088B سكنها وأضمرها وسكن الوجع، والخدر - أيضا - اليسير مسكن للوجع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل في منافع البارد، أعم مما سبق، واعلم أولا أن البارد ينفع من ثلاثة أوجه: PageVW2P093A أولا: يردع ويمنع ويقطع انصباب المواد بتكثيفه المسام. وثانيا: بتبريده وتعديله (137) وتسكينه من التهاب المواد واحتدادها. وثالثا: من جهة تجميده المواد وتخديره الحس، فإذا أخدر (138) العضو قل إحساسه بالمؤلم وخف احتمال الوجع عليه. فأما (139) الوجه الثاني فلا يستعمل إلا في المواد الحادة (140) الملتهبة جدا، وكذلك الأول، إلا أنه ربما استعمل فيما كان أقل حدة والتهابا. وأما الثالث فيستعمل في البارد والحار جميعا، فإن النقرس البارد أو القولنج (141) البارد إذا تفاقم ألمهما، حتى يخاف انحلال القوة، جاز استعمال البارد ليخدر الحس (142) وتضعف الحواس PageVW0P078A عن إدراك المؤلم فيسهل احتماله. فأما (143) البارد فيشفي (144) الأورام التي في المفاصل أو يجفف ألمها على جهة الردع، والتخدير أيضا إن كان هناك ألم؛ والأوجاع التي تكون من غير قرحة كذلك أيضا لأن القرحة يضرها البارد. وأما أوجاع النقرس وفسخ العصب فعلى جهة ردع المواد وتخدير الحس أيضا. وقوله: "وأكثر ما أشبه هذه" أي مما يحتاج إلى تخدير أو تبريد أو ردع فإنه إذا صب عليها ماء بارد وكثير سكنها وأضمرها، أي سكن الوجع وأضمر الورم؛ ثم قال (145): "والخدر -أيضا - اليسير (146) مسكن للوجع (147)" هذا قول عام منبه على العلة، وإنما شرط أن يكون يسيرا لأن الخدر (148) الكثير يميت العضو أصلا.
[فصل رقم 219]
[aphorism]
قال أبقراط: الماء الذي يسخن سريعا ويبرد سريعا فهو أخف المياه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "أخف المياه" يريد أخف على المعدة وفي الهضم وأسرع استحالة فكما (149) أن فضيلة الطعام سرعة استحالته، كذلك أيضا فضيلة الماء سرعة انحداره ونفوذه وسرعة استحالته، ولا يريد الحقة التي PageVW1P067B تكون في الميزان، فإن بعض المياه يكون خفيفا وليس بسريع النفوذ والاستحالة، ثم أن اختبار (150) ذلك بالميزان أيسر PageVW2P093B وأهون من اعتباره باستحالته PageVW3P089A إلى الحرارة والبرودة. ويمكن أن يختبر ذلك بطرق (151) عدة لكنه اقتصر على ألطفها وأغمضها (152) وأشبهها بالعلم الطبيعي وهي أن يكون الماء يسخن سريعا ويبرد سريعا فإنه يدل على سرعة استحالته إلى الكيفيات وأنه أقرب إلى المحوضة (153) وأبعد عن (154) الشوائب الغريبة، فإن الماء الغليظ الذي معه أجزاء أرضية وغريبة لا ينفعل (155) سريعا إلى البرودة (156) والحرارة ولا تؤثر فيه الملاقيات بسرعة (157)، فإن قيل لم لم يقتصر على استحالة واحدة فيقول: الذي يسخن سريعا ويكتفي به أو يقول (158): الذي يبرد سريعا ويكتفي به. فنقول: إن بعض المياه الرديئة يخالطها أجزاء كبريتية أو نحاسية أو بورقية، فيسخن سريعا ولكن يبرد (159) بطيئا. وكذلك بعض المياه يكون غليظا بمخالطة أجزاء أرضية ونباتية لعابية (160) فينفعل لإحدى الكيفيتين أسرع من (161) انفعاله عن الأخرى بحسب ما يخالطه لا بحسب طبيعته. فأما الماء الذي ينفعل عن الكيفيتين جميعا بالسواء فيدل ذلك على محوضته (162). ومما يختبر به الماء، هل هو خفيف إلا أن يكون كدرا PageVW0P078B ولا عكرا ولا غليظا ولا متغير اللون ولا الطعم. وأصدق الأدلة كلها حال شاربه، فإن نفذ عن معدته سريعا فهو خفيف، وإلا فهو ثقيل. فإن قيل: هلا ذكر هذه العلامة وهي أصدق العلامات، قلنا: غرضنا أن نختبر الماء قبل شربه، هل هو صالح للشرب أم لا؟ فإن امتحناه بالشارب وقع المحذور الذي نخافه ولم يكن يمتحنه له بل به.
[فصل رقم 220]
[aphorism]
قال أبقراط: من دعته شهوته إلى الشرب بالليل، وكان عطشه شديدا، فإنه إن نام (163) بعد ذلك، فذلك محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل فيه اختصار كثير جدا فإن قوله: "فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود" يريد فإن النوم يهضم الفضل الذي كان عطشه منه، فإذا (164) يريد العطش الكائن عن كثرة شرب الشراب، أو عن بلغم PageVW2P094A مجتمع على المعدة وفي مسالك الغذاء، أو عن (165) ثقل الطعام على المعدة، لا العطش الكائن عن نقصان الرطوبة والتهاب الحرارة؛ فإن مصابرة هذا العطش والنوم (166) بعده ليس بمحمود. ثم أنه لم يذكر هل PageVW3P089B يؤذن له في الشرب أم لا (167). وينبغي أن تعلم أن العطش الكائن عن الامتلاء الأولى (168) أن يصابر ولا يؤذن لصاحبه في الشرب (169)، وأن يؤمر بالنوم فإن النوم محمود لأنه يهضم ذلك الفضل، لكنه بنى الأمر على الغالب لأن الغالب من أحوال الناس أن يحصل لهم التملي من الطعام والشراب عند الليل والإيواء إلى (170) النوم، فبنى الأمر على الغالب، وأن من المعلوم الظاهر أن من اعتراه العطش PageVW1P068A في الليل فإنما هو بعد أخذ الكفاية من الشراب، فيكون عن (171) امتلاء، فدواؤه (172) النوم لأنه يهضمه، فهذه سياقة حسنة في فهم هذا الفصل، وإن شئت فهمته على وجه آخر وهو: إن من اشتد عطشه في الليل، فإن كان ذلك عن نقصان الرطوبة، وشرب ثم نام ولم يعد يقلق (173)، فذلك محمود لأنه يدل على نقصان اللهيب واعتدال المزاج. وإن كان عطشه عن الامتلاء ولم يشرب ولكن نام، فذلك محمود لأنه يدل على هضم الفضل المعطش واعتدال المزاج؛ فلما كان النوم محمودا في الوجهين اقتصر عليه. وإن شئت فهمت الفصل على وجه آخر وهو: أن من اشتد عطشه وكان عن امتلاء، فإن شرب ونام ولم يقلق، فذلك محمود لأنه يدل على استيلاء الطبيعة على الفضل وهضمها للامتلاء، وإن لم يشرب ونام فذلك محمود PageVW0P079A لأن الطبيعة أولى أن تقوى على هضم الامتلاء إذا لم يرد عليه ولم يدخل عليه داخل. فإن كان عطشه عن نقصان الرطوبة وغلبة الحرارة ثم شرب ونام، فذلك محمود لأنه يدل على حصول الكفاية والاعتدال للطبيعة؛ فإن لم يشرب ونام PageVW2P094B ولم يقلق دل على أن الطبيعة اكتفت بما عندها واستغنت برطوبات فضلية في البدن أذابتها وعدلت بها المزاج، وأن الحرارة الغريبة ونقصان الرطوبة لم يكونا مفرطين.
[فصل رقم 221]
[aphorism]
قال أبقراط: التكميد بالأفاويه (174) يجلب الدم الذي يجيء من النساء، وقد كان ينتفع به في مواضع أخر كثيرة، لولا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأفاويه هي العطرة الحارة (175) كالقسط والدارصيني والسليخة PageVW3P090A والحماما وغير ذلك، والتكميد يكون بطبيخ (176) هذه حارا، وفي هذا العلاج تلطيف وتفتيح وتحليل وترقيق للمواد (177)؛ فإذا (178) كان دم الطمث أو دم النفاس قد احتبس بسبب غلظ الدم أو سدد في مجاريه (179) أو جسو (180) الرحم وغلظها وتكاثف جوهرها، فإن التكميد بالأفاويه يرقق غلظ الدم ويفتح مجاريه وينقيها (181) ويفتح السدد ويلين صلابة الرحم ويزيل تكاثفها فيدر الطمث والدم. فأما احتباسه بسبب ورم في الرحم أو التوائه أو نحو ذلك، فله علاج يخصه. واعلم أن جميع الأمراض الرطبة ينفع فيها التكميد بالأفاويه، لولا ما (182) يخاف من تصديعه الرأس، ولاسيما في الحمى لأن طبيعة الأفاويه أن تبخر إلى الرأس.
[فصل رقم 222]
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ يأتي على الجنين أربعة أشهر، وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر، ويكون التقدم على هذا أقل. وأما ما كان أصغر من ذلك أو أكبر فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد تقدم وتقدم شرحه، وقد يحذفه قوم من هذا الموضع (183) PageVW1P068B خوف التكرار وإنما أعاده هنا مع أمراض النساء على جهة التذكار.
[فصل رقم 223]
[aphorism]
قال أبقراط (184): المرأة الحامل إذا فصدت أسقطت، وخاصة إن كان طفلها قد عظم.
[commentary]
قال عبد اللطيف (185): الحامل يحتاج بدنها إلى غذائين، غذاء لها وغذاء PageVW2P095A لجنينها، فإذا فصدت انصرف (186) الغذاء كله إلى بدنها لحاجته إلى إخلاف (187) ما خرج من الدم، فيعدم الجنين الغذاء PageVW0P079B فتضعف قوته ويسقط، ولاسيما إن كان الجنين قد عظم أي قد تجاوز الشهر الخامس فصار في حدود السابع والثامن فإنه حينئذ يحتاج من الغذاء إلى مقدار كثير في أوقات متقاربة، فلأنه عدم الغذاء بانصرافه إلى بدن أمه سقط وصار بمنزلة الثمرة المستمسكة (188) في الغصن بما يأتيها من الغذاء فإذا انقطع عنها ذلك الغذاء بسبب من الأسباب سقطت من متعلقها.
[فصل رقم 224]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فاعتراها بعض الأمراض الحادة، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأمراض الحادة هي القوية الأخذ، فبعضها PageVW3P090B مع حمى مطبقة، وبعضها لا حمى معها، كالفالج، والسكتة، والصرع، والتشنج، والتمدد، وهذه كلها تسقط القوة وتحلها؛ وكلها في غير الحامل خطر، فالأولى أن تكون في الحامل قاتلة. وأيضا فإن الحمى المطبقة من أعظم علاجها تقليل الغذاء وتلطيف التدبير وذلك قاتل (189) للجنين، فإن زدنا في مقدار الغذاء حفظا لقوة الجنين قوى المرض فأهلك (190)، وأيضا سائر العلاجات كالفصد والإسهال والصوم تقتل (191) الجنين إذا كانت أمه سليمة (192) عن مرض، فإذا اجتمع عليه إضعاف المرض وإضعاف هذه العلاجات كان (193) أقرب إلى العطب. فأما الفالج فيستضر (194) معه العصب ويفسد الغذاء ويفسد مزاج الجنين فلا (195) يقوى على احتماله، وأما السكتة فقلما ينجو منها أحد فضلا عن الحامل، وأما (196) الصرع فاضطراب البدن عنه شديد يؤدي إلى الإسقاط، وأما التشنج والتمدد فأردأ من ذلك كثيرا (197).
[فصل رقم 225]
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة إذا كانت تتقيأ دما فانبعث طمثها، انقطع عنها ذلك القيء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التجربة تشهد بصدق ذلك، والقياس يوجبه لأن المادة إذا مالت إلى جهة PageVW2P095B انقطعت عن الجهة الأخرى؛ ويفيدنا ذلك أن نقتدي بالطبيعة في أفعالها، فإذا رأينا قيء الدم فصدنا العرق رجاء أن تميل المادة وينقطع القيء.
[فصل رقم 226]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انقطع الطمث فالرعاف محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل عكس الذي قبله، لأنه هناك قال: إذا كان الدم يخرج من فوق بالقيء فانعكس بأن خرج PageVW1P069A بالطمث من أسفل انقطع من فوق، وهنا قال: إذا كان الطمث منقطعا (198) من أسفل فجرى الدم من المنخرين فذلك محمود لأنه استفراغ ما احتبس، لكن ليس الرعاف وحده عند انقطاع الطمث محمودا، PageVW0P080A بل خروجه من مواضع كثيرة كخروجه من أفواه عروق المقعدة وكخروجه بالفصد وبغير ذلك.
[فصل رقم 227]
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة الحامل إذا ألح عليها استطلاق البطن، لم يؤمن عليها أن تسقط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن كل استفراغ مفرط وقع بالحامل فإنه يضر بالجنين لعدمه الغذاء وضعف القوة الماسكة في الرحم وغلبة اليبس على علائقه بها (199)، فإن الإسهال PageVW3P091A إذا ألح وأفرط، استلب الأمشاج من أقاصي البدن وابتزه (200) قواه وأضعفه عن أن يتماسك بنفسه ويحملها، فكيف يمسك شيئا آخر ويحمل الجنين، فإذا عجز عنه سقط.
[فصل رقم 228]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بالمرأة علة الأرحام أو عسر ولادها فأصابها عطاس، فذلك محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "علة الأرحام" لا يريد كل علة تلحقها (201)، فإن العطاس لا ينفع في قروح الرحم وأورامها وخراجاتها (202)، فأما احتباس المشيمة فينفع فيه العطاس. والمشيمة والرحم اسمهما باليونانية (203) واحد، لكن لا يقال علة (204) المشيمة، فإذن علة (205) الأرحام التي يخصها (206) والتي هي مقصودة في هذا الموضع (207) هو بطلان النفس الذي يسمى اختناق الرحم. ويريد العطاس الذي يكون طوعا لا المستدعى (208)، فإذا عرض العطاس طوعا في علة اختناق الرحم PageVW2P096A كان علامة محمودة أو سببا (209) فاعلا للصحة. أما علامة فلأنه (210) يدل على نهوض الطبيعة وقوتها، وأما كونه سببا فاعلا فلأنه يزعج الطبيعة وينفض الفضل وينقي ويفتح ويقلع ما كان لاصقا متشبثا (211) بالأعضاء، ولذلك (212) صار العطاس يبرئ من الفواق.
[فصل رقم 229]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان طمث المرأة (213) متغير اللون، ولم يكن مجيئه في وقته (214) دائما، دل ذلك على أن بدنها يحتاج إلى تنقية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: تغير لون الطمث أن لا يكون على لونه الطبيعي، بل يكون مائلا إلى السواد أكثر مما ينبغي أو إلى البياض، أو إلى الكمودة والزرقة، أو إلى التشعشع والحمرة الناصعة، وهذه التغيرات تدل على غلبة الأخلاط من السوداء والبلغم والصفراء، ويقاس على اللون سائر الكيفيات كاشتداد النتن أو قلته أو غلظ قوامه أو رقته، فهذه كلها تدل( (215)) على نوع الخلط الغالب وكيفيته (216). وفي بعض النسخ: "إذا كان الطمث متغيرا" من غير أن يقول اللون. وهذا القول عام يشمل التغير في اللون والريح والقوام وغير ذلك. وفي بعض النسخ (217): "إذا كان طمث (218) المرأة مختلفا" PageVW0P080B ومعناه إذا تغيرت أدواره وهذا لا حاجة إليه، PageVW1P069B فإن قوله بعد: "ولم يكن مجيئه في وقته دائما" يغني عنه. ومتى كانت الأخلاط غالبة في بدن المرأة تغير (219) طمثها عن وقته، فإن PageVW3P091B كان غليظا عكرا أو باردا رطبا تأخر عن وقته المعتاد، وإن احتد ورق تقدم قبل أوانه. وتنقية البدن أكثر ما تطلق على الاستفراغ بالدواء المسهل والمقيء (220)، لكن إذا كان الفضل بلغميا أمكن أن يداوي بالتدبير الملطف والتكميد بالأفاويه والفرزجات (221) التي لها هذه القوة، وبالأدوية التي تشرب، القطاعة الملطفة لغلظ الأخلاط كالدواء المتخذ بالفودنج النهري فإنه يدر الطمث بقوة إذا أبطأ، لأن الغرض تفتيح PageVW2P096B السدد وترقيق الدم، لكن الاستفراغ علاج عام لغلبة الخلط السوداوي والبلغمي وغير ذلك.
[فصل رقم 230]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فضمر ثدياها (222) بغتة، فإنها تسقط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن بين الثدي والرحم عروقا مشتركة، فإذا ضمر الثديان دل على نقصان الغذاء، ومتى نقص غذاء الجنين سقط ولاسيما إن كان قد عظم، وبهذا السبب تكون الولادة لأنه في الشهر العاشر يقل عليه الغذاء إذ لا يكفيه ما يأتيه ولا تفي طبيعة أمه بتكملة (223) غذائه فيرتكض طلبا للرزق فيهتك (224) الأغشية (225) ويخرج طلبا لغذاء أكمل وأقوى (226). وقد قال أبقراط في كتاب "طبيعة الطفل" هذا: أن الغذاء (227) ومادة النشوء (228) التي (229) تنحدر من الرحم إلى الطفل لا تكفيه إذا صار في الشهر العاشر وأمعن في النشوء (230)، وذلك أنه يجتذب إليه من الدم أعذب ما فيه وأحلاه (231)، وهو مع ذلك ينال من اللبن (232) اليسير فإذا لم يجد منهما (233) إلا ما هو نزر قليل وكان قد شب وكبر وقوى فطلب أكثر مما يجد من الغذاء ارتكض فهتك (234) أغشيته (235)، لكن نقصان الغذاء عليه وقت الولادة الطبيعي افتقار طبيعي صحي، وأما نقصان الغذاء عليه في غير حينه فقد يؤدي إلى العطب لأنه نقص عنه الغذاء مع عجزه عن الخروج والتكسب. وفي بعض النسخ: "إذا ضمر أحد ثدييها"، وفي أخرى: "إذا ضمر ثدياها"، وكلاهما صحيح (236) ودليل واضح، ولكن (237) ضمور الثديين جميعا أدل وأصدق؛ ولذلك صارت النسخة التي فيها إذا ضمر ثدياها أجود.
[فصل رقم 230]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حاملا فضمر أحد PageVW0P081A ثدييها (238) دفعة، وكان حملها تؤما، فإنها تسقط PageVW3P092A أحد طفليها. فإن كان الضامر هو الثدي الأيمن أسقطت الذكر، وإن كان الضامر هو الثدي الأيسر أسقطت الأنثى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قد ظهرت PageVW2P097A العلة في أن ضمور الثدي دليل على نقصان غذاء الجنين لاشتراك هذين العضوين، وقد ظهر من قول أبقراط أن الذكر يتولد في الجانب الأيمن والأنثى في (239) الأيسر، فإذا كان الحمل تؤما PageVW1P070A وأحدهما ذكر والآخر (240) أنثى (241)، ثم ضمر أحد الثديين فإنه يدل على إسقاط الجنين الذي بإزائه، ونقصان الغذاء غلبه (242) وحده.
[فصل رقم 231]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة ليست بحامل، ولم تكن ولدت، ثم كان لها لبن، فطمثها قد ارتفع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أنه قد يعرض للمرأة الخالية عن الحمل (243) إذا احتبس طمثها، شبيه بما يعرض للحامل من امتلاء العروق المشتركة بين الثدي والرحم، فيأتي إلى الثدي غذاء كثير (244) يفضل عنه فيصير لبنا (245)، وهذا يكون في بعض النساء في الندرة وذلك إذا اتفق أن كانت القوة المغيرة والجاذبة في الثدي قويتين، وكان دم الطمث المنحبس قريبا من الاعتدال وغزيرا ويميل إلى العلو وجهة الثدي وذلك أن (246) العناية الإلهية تعطي الأعضاء قوة توليد غذائها وفضله عنها معدة لها أو لعضو (247) آخر ولمصلحة أخرى، كالرطوبة المتولدة تحت اللسان وفي المفاصل وفي أوعية المني والتناسل (248) وفي الثدي، والدم في الكبد، والرطوبة الزبدية في الرئة، كله من هذا القبيل؛ فإنه ليس في هذه الأعضاء عقل ولا لها علم حتى تولد ما تحتاج إليه في عضو آخر أو لمصلحة أخرى. قال جالينوس: لكن الذي خلق الحيوان تبارك وتعالى هو الذي معه ذلك العلم العجيب، فأما العضو فإنما تدبيره بقوى طبيعية وتلك القوى (249) كثيرة، فلذلك المرأة الحامل يجتر رحمها من الرطوبات والغذاء مقدارا (250) كثيرا لتغذية الجنين، فإذا ولدت انصرفت تلك المادة إلى الثدي وصار الثدي يولده لبنا لتغذية الجنين، وقبل الولادة تمتليء المسالك المشتركة بين الرحم والثدي على جهة PageVW2P097B العدة والاستظهار، ويتبين ذلك من تشريح الحيوان الحامل.
[فصل رقم 232]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا PageVW3P092B انعقد للمرأة في ثديها دم، دل ذلك من حالها على جنون.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW0P081B هذا الحكم من أبقراط على أنه قد رآه عيانا، وأما جالينوس فذكر أنه لم يره أصلا وعلته فيما ذكر أن اللحم الرخو في الثديين عديم للدم مائل إلى البرد، فبحسب (251) فضل برده على لحم الكبد يكون فضل برد اللبن على الدم، فإذا انبث في البدن كله في وقت ما دم كثير حار كالماء المغلي وصار إلى الرأس عرض منه جنون، فأما ما يصير منه إلى الثديين فلا يمكن أن يستحيل لبنا لحرارته فينعقد (252)؛ فلذلك صار تعقد الدم مؤذنا بالجنون.
[فصل رقم 233]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن تعلم هل المرأة حامل أم لا فاسقها إذا أرادت (253) النوم ماء العسل، فإن أصابها مغص في بطنها فهي حامل، وإن لم يصبها مغص فليست بحامل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المغص ألم في الأمعاء يعرض من شيء لذاع، ومن ريح غليظة نافخة ليس لها منفذ سهل؛ وهذا النوع هو PageVW1P070B المقصود هنا. وماء العسل هو المخلوط به نيئا من غير طبخ لأن العسل التي فيه نفخ فإذا طبخ زالت، وشرط أن يكون سقيها عند النوم لأنه وقت الهضم والاستقرار، فإذا أخذت الرياح تنفذ منعتها الرحم لمزاحمتها الأمعاء. وإنما جعل الاعتبار بماء العسل لأن نفخه قليلة، فإن وجد مسلكا نفذ وإلا أحدث المغص. وأما غيره مما ينفخ منفخة كثيرة يحدث مغصا في كثير من الناس غير الحوامل. وقد امتحنا ماء العسل في بعض الحوامل نهارا فصح الامتحان أيضا.
[فصل رقم 234]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة حبلى بذكر كان لونها حسنا، وإذا كانت حبلى (254) بأنثى كان لونها حائلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنما يقاس حؤول لون المرأة وإشراقه وحسنه بلونها الطبيعي قبل الحمل لا بلون غيرها، فإن الانثى أبرد مزاجا PageVW2P098A من الذكر وإنما يكون الحمل أنثى إذا كان مني الرجل ومزاج الرحم وقت الحمل أبرد. وإذا كان ما تحتمله المرأة أبرد كان لونها أسمج، وإذا كان أحر كان لونها أحسن. وأيضا فإن الجنين الذكر (255) تتجشم له الطبيعة غذاء أكثر. والجنين الأنثى قليلة الاغتذاء، قليلة الحركة، قليلة الجذب، فيفضل من الغذاء فضول تثقل على الحامل وتختلط بدمها فتغير لونها. وأما (256) الذكر PageVW3P093A فكثير الاغتذاء والجذب وجودة الهضم، فيصفي الدم ويروق، فيصفو (257) اللون ويحسن. وكثيرا ما يعرض في لون الحامل بأنثى نمش وكلف، وكل ذلك لنقصان PageVW0P082A التنقية لضعف الهضم. وأيضا خفة حركات الحامل، وحسن حالها دليل على أن حملها ذكر، وثقل حركاتها وكسلها دليل على الأنثى. وهذه الدلائل كلها ليست دائمة، فإنه قد يمكن أن تحسن (258) المرأة تدبيرها فيحسن لونها وإن كان حملها أنثى، وتسيء الأخرى (259) التدبير فيحول لونها وإن كان حملها ذكرا. وقد تكون الأنثى قوية جدا فتخف حركات الحامل، وقد يكون الذكر ضعيفا فتثقل حركات الحامل.
[فصل رقم 235]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالمرأة الحبلى الورم الذي يدعي الحمرة في قبلها، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحمى الحادة وحدها من غير ورم كثيرا ما تقتل الجنين، فإن كان معها ورم حار كانت نكايتها (260) أشد؛ فإن حدث الورم في القبل وكان حمرة، فذلك من علامات الموت ضرورة، ولأنه أيضا في طريق الجنين ومخرجه. فأما إن كان الورم فلغمونيا فهل دلالته على الموت في القوة كدلالة الحمرة؟ فإن جالينوس توقف وقال: يحتاج إلى بحث ونظر.
[فصل رقم 236]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حملت المرأة وهي من الهزال على حال خارجة عن الطبيعة، فإنها تسقط قبل أن تسمن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الذي أراه في معنى هذا الفصل: إذا كانت المرأة مهزولة (261) هزالا خارجا عن طبيعتها، كهزال PageVW1P071A أبدان الناقهين، وهزال الذين PageVW2P098B في المجاعات والقحوط، وهزال الذين ابتدأ بهم الدق؛ فإن المرأة إذا كانت مهزولة بأحد هذه الوجوه ثم حملت فإن الرحم تكون منها يابسة منهوكة، والعروق ومجاري الغذاء منها ضيقة قحلة، فإذا وسع عليها الغذاء وأخذت تسمن - فلحاجة بدنها إلى غذاء كثير - تنصرف المادة إليها (262)، فإذا كبر (263) الجنين واحتاج إلى غذاء كثير لم يجد، لانصرافه إلى بدن أمه، فإذا قل عليه الغذاء سقط قبل أن تسمن أمه؛ ولو اتفق أن كان هزالا قليلا وسمنت قبل عظمه وجد من الغذاء كفاية (264) فلم يسقط. وأما جالينوس فحكى في تفسيره ثلاثة أنحاء، قال: قد توهم قوم أنها لابد أن تسقط المرأة على حال إذا PageVW3P093B كانت هذه حالها. وتوهم قوم أنها (265) إن لم تسمن ويحسن حالها ويحسن قبول بدنها الغذاء، لكن بقت على نحافتها وهزالها، أسقطت. وتوهم قوم أنه إذا تراجع بدنها وحسن قبوله للغذاء فعند ذلك PageVW0P082B خاصة تسقط، وجالينوس اختار القولين الأولين.
[فصل رقم 237]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كانت المرأة وبدنها معتدل تسقط في الشهر الثاني أو الثالث من غير سبب بين (266) فقعر الرحم منها مملوء (267) فضلا مخاطيا ولا يقدر على ضبط الطفل لثقله لكنه ينهتك (268) منها فتسقط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأسباب البينة (269) هي كالحمى الشديدة، والإسهال المفرط، وانفجار (270) الدم، وورم الرحم المسمى حمرة، والوثبة، والصيحة (271)، والغضبة والفزعة، والتجوع، ونحو ذلك. وقوله: "وبدنها معتدل" أي ليس بها مرض ولا هزال مفرط، ثم كانت تسقط في الشهر الثاني أو الثالث عندما يثقل (272) الجنين ويحتاج إلى معاليق قوية تتصل بها، فذلك يدل على أن أفواه العروق المتناهية في الرحم التي تعلق بها المشيمة مملوءة رطوبة مخاطية، وهذه الأفواه تسمى النقر، وليست هي اللحم الرخو الذي يتولد على أفواه تلك العروق، وإنما النقر أفواه العروق الضوارب وغير PageVW2P099A الضوارب التي تجلب الدم إلى الرحم. وقد قال أبقراط في كتاب علل النساء: متى كانت النقر التي في الرحم مملوءة بلغما؛ فإن الطمث أقل، وإذا رطبت متعلقات الجنين جدا تزلقت وانفصل (273) ولاسيما إذا ثقل وعظم في الشهر الثاني أو الثالث، ويكون ذلك بمنزلة الثمرة إذا كثرت رطوبتها جدا تناثرت قبل بلوغها، فاليبس (274) الغالب والرطوبة الغالبة يسقطان الثمرة والجنين جميعا. وكان قد ذكر قبل سقوط الجنين بسبب اليبوسة المفرطة، وذكر في هذا الفصل سقوطه بسبب الرطوبة المفرطة.
[فصل رقم 238]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة على حال خارجة عن الطبيعة من السمن فلم تحبل، فإن الغشاء الباطن من غشائي البطن الذي (275) يسمى الثرب (276) يزحم فم الرحم منها، فليس تحبل دون أن تهزل .
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: PageVW1P071B "خارجة عن الطبيعة" أي مفرطة عن طبيعة نوعها لا بالقياس إليها في نفسها، كما ظن قوم، فإذا PageVW3P094A أفرط السمن، عظم الثرب فزحم فم الرحم الداخل الذي هو منتهى الفرج فلا تحبل (277) دون أن تهزل، فيعود يتسع على الرحم موضعه. وأيضا فإن المرأة المفرطة السمن، ضيقة المسالك، قليلة الدم، PageVW0P083A كثيرة برد البدن، فيقل تكون الجنين في مثلها، وأيضا فإن الغذاء ينصرف في غذاء بدنها فلا يفضل منه ما يفي بغذاء الجنين. وأيضا فإن هذه المرأة إذا اتفق أن تحبل (278) فهي عند الولادة على خطر، إما أن تختنق أو يختنق جنينها. فأما المرأة المفرطة في الهزال، فحملها أسهل ووضعها أقل خطرا. وهذا الفصل في المفرطة السمن بإزاء (279) الفصل الذي قبله في المفرطة الهزال.
[فصل رقم 239]
[aphorism]
قال أبقراط: متى تقيح الرحم حيث يستبطن الورك، وجب ضرورة أن (280) يحتاج إلى الفتل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "وجب ضرورة أن يحتاج إلى الفتل" أي أفضل علاجاته أن يستعمل الفتائل المنقية، والغسالة، والملحمة المدملة.
[فصل رقم 240]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان من الأطفال ذكرا فأحرى أن يكون تولده في الجانب الأيمن، PageVW2P099B وما كان أنثى ففي الجانب الأيسر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الذكر يتكون من مني أسخن ومن مادة أسخن، والجانب الأسخن وهو الأيمن به أولى ويزيده سخونة، وإنما صار الأيمن أسخن لأجل الكبد؛ وأما الأنثى فعلى ضد هذه الحال. ومني المرأة أيضا ما جرى منه من (281) الثقب الأيمن صب في الجانب الأيمن، وما جرى من الأيسر ففي الأيسر. غير أنه هل لمني المرأة في كون الجنين أثر أم لا؟ فهو موضع شك وفيه اختلاف بين الطبيب والفيلسوف، ليس هذا موضع تحقيقه.
[فصل رقم 241]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أردت أن تسقط المشيمة، فأدخل في الأنف دواء معطسا وأمسك المنخرين والفم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنه يحصل عند العطاس تمدد للبطن وتوتر عضله (282)، وعند سد (283) المنخرين والفم يعظم البطن وينتفخ الجنبان، فيعين جملة هذه الهيئة على نفض المشيمة وفصلها عن مكانها.
[فصل رقم 242]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا (284) أردت أن تحبس طمث المرأة فألق عند كل واحد من ثدييها (285) محجمة من أعظم ما يكون.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لما علمنا إدرار الطمث عند تقصيره واحتباسه (286) علمنا إمساكه PageVW3P094B وحبسه عند إفراطه، فقال: إذا أردت أن تحبس طمث المرأة عندما يفرط ويخاف (287) عليها منه فألق عند كل واحد من ثدييها (288) محجمة، وإنما خص PageVW0P083B الثديين لأن (289) بينهما وبين الرحم عروقا واشجة مشتركة، وإذا جذب من العضو المشارك المقابل كان الجذب PageVW1P072A أقوى وأسهل وأسرع. وفي بعض النسخ: "فألق دون كل واحد من ثدييها (290) محجمة" * أي علق المحجمة (291) دون الثدي بقليل لأن الشركة هناك أقرب وعنده تنتهي العروق المتصاعدة. وأمر أن تكون المحجمة عظيمة لتأخذ مكانا عظيما فيكون الجذب أعم وأقوى وأشمل.
[فصل رقم 243]
[aphorism]
قال أبقراط: إن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا اعتبار آخر يعتبر به الحال، وهو أن تمس (292) القابلة في الرحم بأصبعها، فإن كانت حاملا وجدته منضما، لأن المني إذا ورد PageVW2P100A الرحم أنضمت عليه من جميع النواحي، وقد تنضم أيضا بسبب الورم؛ والفرق بينهما أن الورم يكون معه صلابة وألم وغير ذلك من الأعراض.
[فصل رقم 244]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا جرى اللبن من ثدي المرأة الحبلى، دل ذلك على ضعف (293) من طفلها. ومتى كان الثديان مكتنزين، دل ذلك على أن الطفل أصح وأقوى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه العلامة ضد العلامة السابقة التي جعل فيها ضمور الثديين دليلا على إسقاط الجنين وضعفه، وهذه العلامة جعل فيها امتلاء الثديين جدا دليلا على ضعف الجنين، فالعلامتان المتضادتان تدلان على شيء واحد، فإن ضمور الثديين دليل (294) على نقصان الدم الذي هو مادة الجنين، وذلك يؤدي إلى هلاكه. وأما كثرة اللبن في الثدي وامتلاؤه به وجريانه منه، فإنه إذا كان في غير وقته، دل على أن الجنين قد مرض وضعف وقل رزاه (295) فتوفر الغذاء الذي كان ينصرف إليه على الأعضاء وآلات اللبن، فكثر في الثدي، فتولد لبنا وامتلأ به ففاض وجرى منه في غير حينه؛ فلذلك كان ضمورهما (296) دليلا على * ضمور الجنين وسقوطه، وامتلاؤهما (297) جدا دليلا على (298) مرض الجنين وقلة اغتذائه، وصار الأفضل أن يكونا معتدلين مكتنزين، فذلك دليل (299) على اعتدال الجنين وصحته وأنه (300) ليس PageVW3P095A بضعيف (301) PageVW0P084A ولا ناقص.
[فصل رقم 245]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت حال المرأة تؤول إلى أن تسقط، فإن ثدييها يضمران؛ فإن كان الأمر على خلاف ذلك، أعني أن يكون ثدياها صلبين، فإنه يصيبها وجع في الثديين أو في الوركين أو في الركبتين ولا تسقط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ذكر فيما سبق أن ضمور الثديين دليل الإسقاط، فقلب هاهنا وذكر أن المرأة إذا كانت ستسقط ضمر ثدياها، وإذا كانت العلامة يصح عكسها كانت مساوية وكانت وحدها كافية وكانت خاصة؛ PageVW2P100B فإن قولنا: "ضمور الثدي دليل الإسقاط" عين (302) قولنا: "إذا كانت المرأة ستسقط ضمر ثدياها" فإذا صدق عكس العلامة كانت خاصة، وإن لم يصدق لم تكن خاصة. PageVW1P072B مثاله: أن ذات الجنب يتبعها الحمى، ولا يلزم دائما أن يكون مع الحمى ذات الجنب، لكن ضمور الثدي تارة يكون سببا للإسقاط، وتارة يكون عرضا تابعا، وهو في كلا حاليه (303) علامة دائمة للإسقاط. أما كونه سببا فإذا كان (304) ضموره عن نقصان الدم ومادة الجنين، وأما كونه تابعا فإذا وجب الإسقاط بسبب وثبة أو غضبة أو رطوبة، امتلأت بها نقر الرحم أو الورم المسمى الحمرة في فم الرحم، فأي ذلك وأمثاله كان وعرض الإسقاط تبعه وجع شديد فانبعثت (305) المواد نحو موضع الوجع وانصرفت معها أيضا مادة اللبن، فضمر الثدي لذلك. وهذا قول عام في جميع المواضع التي تقصد فيها الطبيعة دفع شيء بعسر واستكراه ومجاهدة، وذلك أن الدم والروح يميلان نحو ذلك الموضع فتستعملهما الطبيعة كالآلة لدفع المؤذي، وهذا هو سبب عروض الورم في العضو الآلم؛ لأنها إذا انصرفت إليه لدفع المؤذي (306) استصحبت معها كثيرا من الدم والروح ثم خلفته (307) فورم الموضع وقيح. وأما قوله: "فإن كان الأمر على خلاف ذلك، أعني أن يكون ثدياها صلبين" فاعلم أن صلابة الثدي غير اكتنازه (308) لأن الصلابة تحجر غير (309) طبيعي، وأما الاكتناز فطبيعي وشبيه بثدي الأبكار، ولا تدل صلابتهما على الإسقاط دائما، بل تدل على كثرة PageVW3P095B الدم، فقد تدفع الطبيعة ذلك الفضل إلى بعض الأعضاء فيعرض منه وجع ويبقى الطفل سليما، وقد لا تدفعه بل يبقى في الثدي فيصيبه (310) وجع، ثم إن كانت المادة التي في الثدي يغلب عليها الحرارة والحدة تصاعدت إلى فوق فحدث في العينين وجع، وإن كانت ثقيلة رسبت إلى أسفل فعرض PageVW2P101A الوجع في الوركين والركبتين. واعلم أن صلابة الثديين PageVW0P084B قد يتبعه الإسقاط، ولكن ليس ذلك دائما حتى يجعل علامة، فكأن أبقراط يقول: إذا كانت المرأة ستسقط، فإنه يتقدم إسقاطها دائما ضمور الثديين، وليس يتقدم إسقاطها صلابتهما وامتلاؤهما (311) لأن الطبيعة تدفع - غالبا - الفضل إلى عضو آخر، فإذا دفعته إلى الرحم تبعه ضمور الثديين.
[فصل رقم 246]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان فم الرحم صلبا، فيجب ضرورة أن يكون منضما.
[commentary]
قال عبد اللطيف: صلابة فم الرحم دليل على انضمامه، وانضمامه (312) إنما يكون عند الورم أو عند الحمل؛ فالانضمام (313) يكون عن (314) شيئين: الحمل، والورم. وبالصلابة يفرق بينهما، فإنها تكون مع الورم دون الحمل. وهذا الفصل يجب أن يكون متصلا بفصل (315) قبله وهو: أن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما؛ فإن كان صلبا فليس انضمامه عن الحمل بل عن الورم.
[فصل رقم 247]
[aphorism]
PageVW1P073A قال أبقراط: إذا عرضت الحمى (316) لمرأة حامل وسخنت سخونة قوية من غير سبب ظاهر، فإن ولادها يكون بعسر (317) وخطر، أو تسقط فيكون على خطر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اعلم أن الحامل إذا عرض لها مرض تضاعفت بليته لأن الطبيعة تكون (318) مشغولة بتدبير الحمل، فإذا احتاجت إلى تدبير المرض عسر عليها ذلك أو تخلت (319) عن أحدهما، فإن تخلت (320) عن الجنين سقط، وإن تخلت (321) عن المرض أهلك، وإن احتملتهما (322) جميعا طال زمان المرض وكان الولد مسقاما وعسرت ولادته. وأيضا فإن الجنين يمرض بمرض أمه، فإن ضعف بالمرض جدا أو مات سقط، وإن تماسك إلى وقت الوضع كان ولاده بعسر وخطر، لأن سهولة الولادة تحتاج إلى قوة الجنين وقوة أمه (323) جميعا، فإذا ضعف الجنين كان خروجه عسرا أي ببطء ومشقة وفضل جهد (324)، PageVW3P096A وإذا ضعفت أمه كانت ولادته خطرا من حيث أنها قد لا تحتمل مشقة الألم فتموت قبل الولادة أو بعدها PageVW2P101B بيسير (325)، فإذا اجتمع (326) ضعفهما جميعا كان الولاد عسرا خطرا، فلذلك جمع بينهما لأن الحمى الشديدة تضعف (327) الجنين وأمه جميعا. وأما الحمى الضعيفة فإنها لا تكاد تستنقي منها الحامل لأن الطبيب لا يتمكن من استفراغ بدنها لأجل الحمل، فإذا بقي بها لوث من الحمى أضعفت الجنين وأمه، فحصل عنه إسقاط أو ولادة بعسر وخطر. وإنما قال: "أو تسقط (328) فيكون على خطر" ولم يقل PageVW0P085A "بعسر" كما قال ذلك مع الولادة؛ لأن الجنين قد تحقق هلاكه بالإسقاط فلم يبق الخطر إلا على الأم، وأما الولاد (329) فالجنين وأمه جميعا على رجاء. وقوله: "من غير سبب ظاهر" أي من غير أن تكون الحمى يوميه، أو لخراج (330) أو لتعرض لشمس أو برد أو نحو ذلك، فإن ذلك قد لا تتعدى (331) مضرته إلى الجنين. فأما إذا كانت الحمى عن مواد قد عفنت وخالطت الدم، فما أحراه أن يتعدى إلى الجنين لأنه غذاؤه.
[فصل رقم 248]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد سيلان الطمث تشنج وغشي، فذلك رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: لا يحدث التشنج إلا بعد مرض شديد، أو مرض (332) طويل، وسيلان الطمث إنما يطلق على الاستحاضة، وهو خروجه بإفراط، فإذا حدث عنه تشنج وغشي فذلك عن إفراط الاستفراغ، وذلك رديء.
[فصل رقم 249]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي عرضت (333) من ذلك أمراض، وإذا لم ينحدر الطمث حدث من ذلك أيضا أمراض من قبل الرحم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: زيادة الطمث عن المقدار المعتدل (334) يتبعه استفراغ مفرط (335)، فيتبعه يبس، وأصناف من أمراض كما ذكر في الفصل السابق. وأما احتباسه أو نقصه فيتبعه امتلاء البدن، PageVW1P073B ويحدث عن ذلك أمراض الامتلاء. وكثيرا ما يكون احتباسه بسبب سدة (336) فم (337) الرحم أو انضمام مجاريه، وكثيرا ما يتبع احتباسه أورام الرحم، إما ورم فلغموني، وإما ورم (338) حمرة، وإما صلب، وإما ورم رخو، فيتأذي البدن بمشاركته (339) الرحم، وأكثر ما يتأذى الدماغ PageVW2P102A لأن الرحم عضو عصبي. واعلم أن إفراط الطمث قد يكون PageVW3P096B عن انفتاح مجاري الرحم وسعة العروق، وقد يكون من حرارة الدم أو من رقته، أو من سوء حال البدن فيثقل عليه الدم فيدفعه مع صحته (340) وقد يكون ذلك لغلبة فساد الدم فيشتوه (341) الطبيعة فتدفعه دائما. وأما احتباسه ونقصانه فيكون لأضداد ذلك، وأما اعتداله فلاعتدال الأخلاط والطبيعة. فإذا (342) سيلانه واحتباسه خروج عن الاعتدال، والخروج عن الاعتدال مرض؛ فلذلك أيضا كانت حالتا (343) الطمث يعرض عنهما أمراض تناسبهما.
[فصل رقم 250]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض في طرف الدبر أو في الرحم ورم تبعه تقطير البول، وكذلك (344) إن تقيحت PageVW0P085B الكلى تبع ذلك تقطير البول، وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: تقطير البول هو أن يبول بولا كثيرا مرات متواترة، وذلك قد يكون لورم في المثانة أو لقرحة (345) فيها تلذعها، أو لعلة عضو يجاورها، أو لحدة البول وقوة تلذيعه، أو لضعف القوة (346) الماسكة، فبالواجب صار ورم طرف الدبر يتبعه تألم المثانة (347) بالمشاركة (348) لقرب الموضع. وكذلك ورم الرحم لأن هذه الأعضاء متواشجة. فأما تقيح الكلى فيتبعه تقطير البول بسبب لذع (349) القيح الآتي إلى المثانة، فإذا لذعها تحركت لتنفضه (350) عنها مع الأنات فكان عنه تقطير البول. واعلم أنه لا يتألم عضو على جهة المشاركة لألم عضو آخر إلا إذا كان العضو الأول شديد الآفة جدا، فليس كل ورم يحدث في طرف الدبر أو في الرحم يحدث عنه تقطير البول، بل إذا كان عظيما متفاقما. وهكذا الحال في ورم الكبد، فليس يتبعه الفواق إلا إذا كان عظيما لمشاركة المعدة الكبد.
[فصل رقم 251]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة لا تحبل، فأردت أن تعلم أتحبل أم لا، فغطها (351) بثياب ثم بخر تحتها، فإن رأيت أن رائحة البخور تنفذ في بدنها حتى تصل إلى منخريها وفمها، PageVW2P102B فاعلم أنه ليس سبب تعذر الحمل من قبلها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الامتحان ينتفع به في موضعين، أحدهما: إذا أردت اقتناء امرأة للولد فينبغي أن تختبر حالها، هل هي ممن يصلح لذلك PageVW3P097A أم لا، وامتحانها بالبخور كما ذكر، والبخور يكون باللبان أو المر أو الميعة مما له رائحة حارة طيبة نفاذة فإذا نفذت في البدن حتى تصل في PageVW1P074A أعاليه إلى المنخرين والفم، وأحست المرأة بذلك دل على تفتح مسام الرحم واعتدالها، وإن (352) لم تنفذ الرائحة دل على صلابة الرحم وتكاثفها وأنها لا تصلح للولد. والثاني: إذا كان زوجان يحتاج أن يكون منهما أو من أحدهما ولد فامتنع الحمل وأشكل الأمر هل الامتناع من قبل الزوج أو المرأة، اختبرت بهذا العمل بعينه. وقد ذكر في الفلاحة النبطية امتحان آخر: أن يؤخذ بول كل واحد منهما في وعاء وينقع فيه شيء من الحبوب، فإذا ربا (353) زرع، فمن نبت زرع بوله فهو ولود، وإلا فهو عقيم.
[فصل رقم 252]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت المرأة الحامل يجري طمثها PageVW0P086A في أوقاته، فليس يمكن أن يكون طفلها صحيحا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: دم الطمث ينصرف في غذاء الجنين فلذلك ينقطع عند الحمل، فإذا لم ينقطع وجاء على ما كان عليه من مقداره وفي (354) أوقاته دل على ضعف الجنين ومرضه وقلة تغذيته وجذبه إليه ما ينبغي له من الغذاء، فأما إذا جاء الطمث قليلا وفي أوقات متفرقة، فليس دليلا على مرض الجنين دائما.
[فصل رقم 253]
[aphorism]
قال أبقراط: * إذا لم يجر طمث المرأة (355) في أوقاته (356) ولم يحدث بها قشعريرة ولا حمى، لكن عرض لها كرب وغثي (357) وخبث (358) نفس، فاعلم أنها قد علقت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا احتبس طمث المرأة بغتة، ولم يكن ذلك عن سبب مرضي (359)، وعلامة المرض إن كان قويا الحمى، وإن كان ضعيفا القشعريرة؛ لكن عرض لها الوحام، وهو الكرب والغثي (360) وخبث النفس والشهوات (361) الرديئة، PageVW2P103A فاعلم أنها قد علقت لأن (362) الحمل يضر بفم المعدة. ولأن الجنين في أول أمره لا يقوي على هضم المادة المنصرفة إليه في غذائه، فتنصب في فم (363) المعدة فيعرض من ذلك الغثي والكرب ونحوه، فإذا قوى وهضم ما يأتيه استقام حالها وربما زادت شهوتها للغذاء. وقد يكون الكرب والغثي لمادة رديئة تنصب إلى فم المعدة من غير حمل، لكن يكون معها قشعريرة فهذا هو الفرق بينهما. PageVW3P097B وفي بعض النسخ موضع "خبث النفس" "سوء النفس" (364). فإن صحت النسخة فمعناها (365) أن الحامل يعرض لها بهر واختلاف نفس، كما يعرض ذلك لمن حمل حملا ثقيلا.
[فصل رقم 254]
[aphorism]
قال أبقراط: متى كان رحم (366) المرأة باردا متكاثفا لم تحبل، ومتى كان أيضا رطبا جدا لم تحبل، لأن رطوبته (367) تغمر المني وتخمده وتطفيه، ومتى كان -أيضا (368)- أجف مما ينبغي أو كان حارا محرقا لم تحبل لأن المني يعدم الغذاء فيفسد، ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالين كانت المرأة كثيرة الولد.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن الرحم للنطفة بمنزلة الأرض للبزور (369)، فمتى خرجت الأرض عن الاعتدال في كيفية واحدة أو (370)كيفيتين PageVW1P074B خروجا مفرطا لم تصلح للنبات، فإن كانت باردة صخرية (371)، أو يابسة رملية، أو سبخة (372) محرقة، أو رطبة (373) لثقة لم ينجب فيها النبات (374). وكذلك الرحم إن كانت باردة متكاثفة، أو رطبة جدا، أو قحلة، PageVW0P086B أو حارة محرقة، أو تركب من ذلك اثنان بأن تفرط في الحرارة والرطوبة أو اليبوسة، أو تفرط في البرودة واليبوسة أو الرطوبة. وقوله (375): "باردة متكاثفة" أي تكاثفها لشدة بردها لا لفرط (376) يبسها، فإن التكاثف قد يكون منهما (377) جميعا. وقوله: "رطبا جدا" أي خارجا عن الاعتدال خروجا كثيرا، فإن الخروج اليسير إنما يكون معه عسر الحمل لا امتناعه أصلا. وقوله (378): "أو كان (379) أجف مما ينبغي" يفهم منه الإفراط أيضا، لكن يفهم منه معنى آخر شريف، وهو أن الرحم المائلة إلى اليبس قليلا أفضل من الرحم المائلة PageVW2P103B إلى الرطوبة قليلا على ذلك القياس، لأن الرطوبة تزلق المني فيعسر تعلقه بالرحم، واليبوسة تعين على إمساكه وتمنع تزلقه وإسقاطه، لكن إذا أفرطت عدم المني الرطوبة فقحل وفسد. وقوله: "أو كان حارا محرقا" فشرط (380) الإحراق (381) لأن الحرارة صنفان: محرقة، وغير محرقة. وهذه غير المحرقة (382) أعون على الكون، وعلى إيلاد الذكور، وسرعة العلوق. وأما الحرارة المحرقة فتفعل في النطفة فعل السبخ بالبزر (383) تحرقه وتفسده. وقوله: "لأن المني يعدم الغذاء" فقد (384) يصلح PageVW3P098A أن يكون علة للحرارة المحرقة فقط، والأفضل عندي أن يكون علة عامة لخروج الرحم عن الاعتدال في الكيفيات الأربع، وذلك أن الرحم الباردة المتكاثفة لا يصل إليها الغذاء ولا ينفذ، وإن نفذ منه الريح (385) القليل أفسدته ببردها، وإذا رطبت جدا أفسدت ما يصير إليها من الغذاء ولم تحله إحالة تصلح لغذاء الجنين. وإذا كان مزاج الرحم أجف مما ينبغي أو كان حارا محرقا فإفساده الغذاء ظاهر بين، ففي جميع هذه الأحوال يعدم (386) الجنين الغذاء أو يعدم (387) الغذاء الصالح. وهذه الأحوال للرحم قد تكون طبيعية فلا تقبل العلاج، وقد تكون طارئة فتقبل العلاج. وقد تسمى الحال الطبيعية عقما، والطارئة عقرا. وقد تكون المرأة الرديئة مزاج الرحم تلد من مني دون مني، بأن يكون المني موافقا لها على جهة الدواء بالضد بأن تكون الرحم رطبة جدا والمني يابسا جدا فيعتدلان، وكذلك في سائر الكيفيات. وقد يكون المني باردا بإفراط والرحم حارة بإفراط، فإذا تلاقيا اعتدلا، PageVW0P087A وإن (388) كانا حارين بإفراط ثم تلاقيا فسد المني بسرعة. وهذه الأحوال التي ذكرناها من مزاج الرحم قد تكون بعينها في المني، فيكون امتناع الولاد من جهة البزر (389) لا من جهة الأرض، كالحب PageVW1P075A العتيق المسوس، أو الرطب العفن أو المقلو PageVW2P104A والمطبوخ.
[فصل رقم 255]
[aphorism]
قال أبقراط: اللبن لأصحاب الصداع رديء، وهو أيضا للمحمومين رديء، ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة (390) أو فيها قراقر، ولمن به عطش، ولمن الغالب على برازه المرار، ولمن هو في حمى حادة، ولمن اختلف دما كثيرا. وينفع أصحاب السل إذا لم يكن بهم حمى شديدة جدا، ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة إذا لم يكن معها شيء مما تقدمنا (391) بوصفه وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اللبن يتولد منه غذاء محمود سريع الإغذاء، لكنه إذا لم يستمرأ (392) استحال إلى الفساد سريعا، واستحال بحسب مزاج المعدة وما يصادف فيها من الخلط، فإن وجدها PageVW3P098B حارة جدا ملتهبة (393)، أو فيها مرار مصبوب استحال إلى الدخانية وإلى المرار؛ وإن صادفها باردة أو فيها بلغم استحال إلى الحموضة والبلغمية. فإن صادف المعدة نقية معتدلة الحرارة غذى غذاء محمودا. وقد يحدث صداعا إذا استحال ونفخا وقراقر عند أخذه في الهضم وانحداره، هذا فعله في الأصحاء، فأما في المرضى فعلى ذلك القياس. فقوله: "اللبن رديء لأصحاب الصداع"، فإنه إذا كان يحدث الصداع بالأصحاء فخليق أن يضر أصحاب الصداع الحاضر أو (394) المتوقع والمعتاد (395). وهو أيضا رديء للمحمومين بسرعة استحالته إلى المرار لالتهاب أبدانهم، فيزيد في مادة المرض. وقوله: "ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة (396)" قد كثر تعجب جالينوس من قوله مشرفة وما فيها من الوجازة (397)، حيث كانت لفظة واحدة شاملة لعدة معان؛ وذلك أن إشراف ما دون الشراسيف قد يكون عن ورم فلغموني، وحمرة، وصلابة وورم رخو، وقد يكون عن دبيلة (398) وعن نفخة وامتلاء وقولنج، وكثرة انحصار الطبع، فاللبن ضار في جميع هذه الأصناف. وقوله: PageVW2P104B "أو فيها قراقر" فأفردها، حيث كانت القراقر قد تكون من غير انتفاخ، وخليق أن يضر اللبن أصحاب القراقر PageVW0P087B حيث كان يولد في الأصحاء قراقر. وقوله: "ولمن الغالب على برازه المرار (399)" ينبغي أن يفهم منه ويضاف إليه: "أو يتقيأه" فإن ظهور المرار في القيء والبراز دليل على كثرته في البدن ولاسيما المعدة والأمعاء، فخليق أن يفسد اللبن إذا صادف المرار إلى الدخانية. قوله: "ولمن هو في حمى حادة" هذا أخص من قوله أولا: "وهو أيضا للمحمومين رديء" لأن المحمومين عام وهذا خاص ،كأنه يقول: وهو لمن حماه حادة أضر، ويصلح أن يكون هذا تفسير (400) PageVW1P075B لأصناف (401) المحمومين. ويصلح أن يكون قوله: "في حمى حادة" أي في وقت النوبة (402) وعند هيجانها وتزيدها ومنتهاها، فيكون قوله هذا تبيينا لأوقات الحمى التي ينهى عن اللبن (403) PageVW3P099A فيها. وقوله: "وهو أيضا للمحمومين رديء" عام في جميع أوقات الحمى، وليس * حكم ماء اللبن (404) حكم اللبن، فإن ماء اللبن قد يسقى (405) في كثير من هذه الأمراض فيظهر نفعه، وذلك بسرعة نفوذه وقلة استحالته. واللبن أيضا رديء لأصحاب العطش؛ لسرعة استحالته فيهم إلى الدخانية لالتهات معدهم، كان عطشهم بالطبع أو حادثا في وقت ما (406). قوله: "ولمن اختلف دما كثيرا" لسرعة استحالته فيهم إن كان اختلاف الدم عن مرار أو عن فساد الكبد، وذلك أنه يلاقي كيفية رديئة فيستحيل إليها. ثم ذكر منافعه فقال: "وينفع أصحاب السل" يريد أصحاب قرحة الرئة. وقوله: "إذا لم يكن بهم حمى شديدة جدا" قد سبق بيانه حيث بين أن اللبن رديء للمحمومين ولمن هو في حمى حادة. ورأى جالينوس أن قوله: "جدا" لا حاجة إليه، ويكفي أن يقول: إذا لم يكن بهم حمى شديدة. وقوله: "ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة" يريد به أصحاب الذبول والذين هم (407) في طريقه. وقوله: "إذا لم يكن معها شيء PageVW2P105A مما تقدمنا بوصفه" يريد الحمى الشديدة. وقوله: "وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة" أي أخذوا في الذبول أكثر من مقدار ما توجبه حرارة الحمى. ويعم جميع من يصلح له شرب اللبن أن بدنه يحتاج إلى غذاء محمود سريع (408) الانهضام والنفوذ وتقوى المعدة على هضمه، ولا يصادف فيها ما يفسده ويحيله إليه قبل استحالته غذاء.
[فصل رقم 256]
[aphorism]
قال أبقراط: من حدثت به قرحة فأصابه بسببها انتفاخ، PageVW0P088A فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون، فإن غار ذلك الانتفاخ دفعة، ثم كانت القرحة من خلف عرض له التشنج والتمدد، وإن كانت القرحة من قدام عرض له جنون، أو وجع حاد في الجنب، أو اختلاف دم إن كان ذلك الاختلاف أحمر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الانتفاخ هو (409) كل ورم أو غلظ خارج عن الطبيعة، وقد يكون فلغمونيا وغيره (410)، فإذا حدثت قرحة فحدث بسببها ورم لم يكد يعرض معه تشنج ولا جنون إلا في الندرة إذا كان المرض عظيما أو خبيثا، فإن غاب الورم بغتة دل على رجوعه إلى بعض الأعضاء PageVW3P099B الشريفة. وقوله: "غار" أحسن من قولنا: "غاب" لأن لفظة "غار" أدل على أنه صار في عمق البدن، وأما "غاب" فعن الحس فقط ولا يفهم منه أنه صار في العمق؛ فإذا غار الورم فتوقع حالا رديئة في بعض الأعضاء الشريفة. ثم (411) أخذ يبين (412) لك كيف تستدل على ما يحدث وفي أي عضو يحدث، PageVW1P076A فقال: إن كانت القرحة من * خلف عرض تشنج وتمدد لكثرة العصب هناك. وإن كانت القرحة من (413) قدام عرض جنون إن تراقت المادة إلى الدماغ. "أو وجع حاد في الجنب" يعني ذات الجنب إن انحطت المادة إلى أسفل. "أو تقيح" يعني في ذات الجنب إذا لم تنحل سريعا، أو اختلاف دم إن مالت المادة إلى الأمعاء. وقوله: "إن كان (414) ذلك الانتفاخ أحمر" هذا الشرط راجع إلى اختلاف الدم فقط، PageVW2P105B فإن الورم الأحمر يدل على غلبة الدم وأن المادة دموية.
[فصل رقم 257]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدثت خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم، فالبلية عظيمة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه هي النسخة المختارة، ويعني بالخراجات (415) الخبيثة، التي تكون في رؤوس العضل ومنتهاها؛ لأن رؤوس العضل يغلب عليها العصب، ومنتهاها يغلب عليها الوتر، وكما (416) ذم الأورام التي تغيب بغتة، ذم هنا ألا يظهر الورم مع الخراجات (417) الخبيثة، إذ لا يؤمن أن تنتقل المواد المزمعة بالانصباب إليها إلى بعض الأعضاء الشريفة، وكثيرا ما يكون ذلك من غلط (418) الأطباء بأن يروا الخراجة (419) قد اشتد وجعها بسبب مادة تجري إليها، فيدفعون المادة بما يبرد ويقبض بقوة فإذا انقطع (420) PageVW0P088B الانصباب سكن الوجع، وما كان من الوجع في الأعضاء (421) العصبية فإنه يحتاج أن يعالج بما يسخن ويجفف.
[فصل رقم 258]
[aphorism]
قال أبقراط (422): الرخوة محمودة، والنيئة (423) مذمومة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا القول متصل بما سبق، فالأورام الرخوة محمودة (424)، لا البلغمية التي تسمى رخوة، بل الرخوة هي التي لانت عن نضج، كأنه قال: النضيجة محمودة. ولهذا قال بإزائها "والنيئة (425)" مذمومة أي الصلبة التي لم تنضج، وذلك أنه يدل على أن الطبيعة لم تفعل فيه ما ينبغي من الانضاج (426) والتليين.
[فصل رقم 259]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه وجع في مؤخر PageVW3P100A رأسه فقطع (427) له العرق المنتصب الذي (428) في جبهته (429)، انتفع بقطعه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "قطع له العرق" أي فصد (430). والمنتصب هو (431) في طول البدن. وأما الجبهة (432) فما بين الحاجبين إلى المفرق (433) وهو (434) موضع السجود، وما عن جانبيها فهما الجبينان من كل جانب جبين. وقوله: "انتفع بقطعه (435)" أي ليس واجبا أن يبرأ بهذا الفعل، بل إما أن يبرأ، وإما أن يعين في البرء ويخفف (436) بعض الألم. واعلم أن المادة قد تستفرغ من العضو وتجذب منه، وقد تستفرغ من ضد الجهة وتنقل إليها، فالأعلى PageVW2P106A والأسفل ضدان وهما ما بين القرن (437) إلى القدم، ويقال له القامة والانتصاب وهو طول البدن، وأما العرض فمن اليمين إلى اليسار، وأما العمق فمن خلف إلى قدام ومن نقرة القفا إلى الجبهة (438). قال جالينوس: وقد أبرأنا كثيرا من علل العينين من الرطوبات PageVW1P076B التي كانت تنصب إليها منذ زمان طويل، باستفراغ الدم من نقرة القفا وما فوقها باستعمالنا (439) المحجمة على تلك المواضع.
[فصل رقم 260]
[aphorism]
قال أبقراط (440): إن النافض (441) أكثر ما يبتديء في النساء من أسفل الصلب، ثم يترقى في الظهر إلى الرأس، وهي أيضا في الرجال تبتدئ من خلف أكثر مما تبتدئ من قدام، مثل ما قد (442) يبتدئ من الساعدين والفخدين، والجلد أيضا في مقدم البدن متخلخل، ويدل على ذلك الشعر.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن كل نافض (443) فإنما تبتدئ ببرد (444) يحس (445)، والبرد إلى ما يلي (446) الظهر أسرع لأنه موضع العصب والنخاع وأقل لحما فهو أكثر إحساسا بالبرد، ويكون ذلك في النساء أكثر لبرد مزاجهن عن مزاج الرجال، ثم يترقى إلى الرأس على جهة PageVW0P089A المشاركة لأنه مبدأ العصب والنخاع، والنافض (447) أيضا تبتدئ في الرجال من خلف أكثر مما تبتدئ من قدام، وإذا كانت حال الرجال هكذا فالنساء أحرى. قوله: "والجلد أيضا في مقدم البدن متخلخل" علة أخرى لابتداء النافض من خلف، وذلك أن الجلد إذا كان متخلخلا (448) تحللت (449) منه المادة ونفذت (450) بسرعة فلم يكن لها كثير PageVW3P100B نكاية، وإذا كان كثيفا احتقنت فيه المادة فعظمت نكايتها. واستدل على تخلخل الجلد في مقدم البدن بكثرة شعره، فإن الشعر إنما ينفذ من مسام ضيقة.
[فصل رقم 261]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه الربع فليس يكاد يعتريه التشنج، * وإن اعتراه التشنج (451) قبل الربع ثم حدثت به الربع، سكن عنه التشنج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التشنج هنا هو التشنج الكائن عن امتلاء الأعضاء العصبية كالصرع، وليس هو PageVW2P106B التشنج الكائن (452) عن الاستفراغ، فإن ذلك حاد قتال؛ فهذا التشنج لا يعرض مع الربع، وإن عرضت بعده شفت منه، لأن مادته غليظة لزجة تحتاج إلى ما ينفضها (453) وينضجها، والربع تنافضها (454) بنفضها (455)، وبحرارتها تنضجها ولاسيما وهي طويلة، ولهذا قال: "من اعترته (456) الربع" فإن هذه اللفظة تستعمل فيما يطول زمانه، وأيضا فإن الربع تستفرغ في كل نوبة جزءا من الخلط، فلا يزال يخف عن العصب. وأيضا فإن التشنج يكون معه الامتلاء راسخا في الأعضاء العصبية، وأما في الربع فتكون المادة مبثوثة في البدن كله وتحت الجلد، فتنقى الأعضاء العصبية، أو (457) يبقى (458) فيها ما لا بال به، لأن الشيء الكثير إذا توزعه أعضاء كثيرة قل في كل واحد منها.
[فصل رقم 262]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان جلده (متمددا قحلا صلبا فهو يموت (459) * من غير عرق، ومن كان جلده (460) رخوا متخلخلا فإنه يموت (461) مع عرق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من أشرف على الموت وجلده قحل صلب متمدد فهو يدل على عدم الرطوبة، أو أنها ليست تحت الجلد فهو يموت من غير عرق لعدم نفوذ الرطوبة، أو لأن PageVW1P077A صلابة الجلد تمنع من نفوذها. ومن كان جلده رخوا متخلخلا ففيه رطوبة تحت الجلد، فهو يموت بعرق.
[فصل رقم 262]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان (462) به يرقان فليس يكاد يتولد فيه الرياح.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اليرقان يكون من غلبة المرار، ويريد بالرياح هنا الرياح المجتمعة في البطن، الغليظة، الكثيرة، وقد تستفرغ من فوق بالجشاء أو من (463) أسفل. وقد يكون من ضعف أعضاء البطن، وقد يكون من خلط بلغمي بارد؛ فمن كانت رياحه من خلط بلغمي بارد فحاله ضد حال PageVW0P089B صاحب اليرقان، فلذلك لا (464) تتولد هذه الرياح فيه، لكن قد تتولد فيه من قبل ضعف PageVW3P101A الأعضاء، ولذلك زاد في قوله: يكاد.
تمت المقالة الخامسة (465).
المقالة السادسة (1)
[فصل رقم 264]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث الجشاء الحامض في العلة التي يقال لها زلق الأمعاء بعد تطاولها، ولم يكن كان قبل ذلك، فهو علامة محمودة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: زلق الأمعاء هي العلة التي يخرج فيها الطعام والشراب بسرعة وهو على ما ازدرد لم يحصل له تغير أصلا في كيفياته (2)، لا في اللون، ولا في الرائحة، ولا في القوام، ولا في غيرها (3)، لثقله على المعدة وعجزها عن الاحتواء عليه لضعف القوة الماسكة أو لبثور (4) تعرض في سطح المعدة والأمعاء شبيهة بالسلاق العارض في الفم، فإذا مر الطعام والشراب بتلك السلوخ أذاها ولذعها (5) فقذفته عنها بسرعة أسرع ما تقدر عليه قبل أن تبتديء في هضمه، لكن الفرق بينهما أن خروج الطعام في ضعف القوة لا يكون معه ألم، وأما (6) مع البثور والسلوخ فيكون معه حس الألم. وأيضا التشنج (7) العارض عن الخلط الحاد إن كان في آخر الأمر وقد انقضى، برأت (8) العلة في أسرع الأوقات بالأطعمة والأشربة القابضة، فإن بقيت العلة مدة أطول انتقلت إلى اختلاف (9) الدم. وأما الصنف الآخر الكائن من ضعف القوة الماسكة بسبب مزاج رديء فقد يكون حالا ثابتة للأعضاء يعسر برؤها، وقد يكون من خلط تحويه المعدة والأمعاء، وقد يكون ذلك الخلط بلغما حامضا، وقد يكون غيره من الأخلاط. وقد يكون (10) الجشاء (11) الحامض في جميع أوقات هذه العلة، لملازمة (12) البلغم الحامض للمعدة وليس ذلك بمحمود، وقد يكون أولا ثم يزول، فإن وجد بعد أن لم يكن، حمد (13)، لأن الجشاء الحامض يدل على لبث ما للطعام في المعدة حتى حصل له تغير يسير إلى الحموضة. فإن وجد هذا الجشاء PageVW2P107B في الابتداء لم يكن محمودا لأنه يخاف تفاقم العلة، فإن كان معدوما ثم وجد دل على أن القوة أخذت تستمسك وتتراجع؛ فلذلك شرط في الجشاء الحامض أن يكون محمودا PageVW1P077B PageVW0P090A شرطين: PageVW3P101B أن يكون بعد تطاول العلة، لأنه في أول العلة معرض (14) للنقصان. وأن يكون بعد ما لم يكن، لأنه إن كان دائما فليس (15) مما يحمد. فإن كانت العلة متطاولة ولم يكن معها الجشاء الحامض دل على عدم الهضم أصلا وأن القوة قد تناهت في ترك (16) الإنضاج، فإذا عرض الجشاء الحامض أذن بالتراجع ويسير الهضم، ورجي البرء.
[فصل رقم 265]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد، وكان منية أرق، فإن صحته أقرب إلى السقم؛ ومن كان الأمر فيه على ضد ذلك فإنه أصح بدنا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يقول من كان مزاجه رطبا فبدنه كثير الفضول والامتلاء، قليل التحلل، سريع الانفعال، وهذا حكم كل رطب. واستدل على رطوبة المزاج بجريان (17) فضول دماغه من منخريه جريانا محسا كثيرا وبرقه منيه. مثل هذا البدن فكثير الأمراض قريب الوقوع فيها (18) معرض للنزلات (19) من أدنى سبب، قليل الجلد والصبر على المشاق (20)، وإذا اتفق أن انصبت النزلات إلى فضاء صدره ورئته تولدت عنه الأمراض المشهورة لذلك، وإن انصبت إلى معدته حدث به اختلاف (21) دم وسجح، ولاسيما إن كانت النزلة مالحة. فأما من كان على ضد ذلك، أي كان مزاجه أقرب إلى اليبس فإنه يكون جلدا صبورا وقليل الفضلات، لأن يبس مزاجه يجفف فضوله ويحللها التحليل الخفي ويكون منية أغلظ، ولا يجري من منخريه شيء يحس (22) إلا قليلا، فتولد الأمراض في هذا المزاج قليل، فلذلك يكون حاله أصلح. وقوله: "من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد" يحتمل أن يكون ذلك مزاجا PageVW2P108A لسائر أعضائه، ويحتمل أن يكون لدماغه خاصة.
[فصل رقم 266]
[aphorism]
قال أبقراط: الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن دليل رديء، وهو مع الحمى أردأ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اختلاف الدم يكون أولا عن أخلاط لذاعة تنصب إلى الأمعاء فتجردها ثم تسحجها، فإذا تمادى الزمان غار العفن (23) في جرم المعا وتألمت المعدة بالمشاركة، فإذا تطاولت (24) العلة وصل (25) الألم إلى فم المعدة فبطلت شهوتها، وهذا دليل على موت الطبيعة PageVW3P102A وعموم البلية، وقوله (26): "الامتناع من الطعام" يريد (27) سقوط الشهوة. وقوله: "في اختلاف الدم المزمن" يريد المتطاول. PageVW0P090B قوله: "وهو مع الحمى أردأ" لأن الحمى التابعة لهذا دليل على تقيح وتآكل، أو على (28) ورم عظيم في الأمعاء، وكل ذلك رديء مع رديء فيكون أردأ. وقد تبطل شهوة الطعام في ابتداء هذه العلة بسبب أن جزءا من الخلط الساحج للأمعاء يترقى إلى المعدة فيلذعها ويؤلمها فتمتنع عن (29) الطعام، لكن ذلك PageVW1P078A مما يقبل البرء ولا يدل على موت الطبيعة.
[فصل رقم 267]
[aphorism]
* قال أبقراط: ما كان من القروح يتنثر ويتساقط ما حوله، فهو خبيث (30).
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله (31): "يتنثر ويتساقط" يريد به الشعر الذي حول القرحة، والجلد يتقشر منه قشور، ويصح أن يريد بذلك تناثر (32) اللحم والجلد وتساقطه. وعلى كل حال، فهذا يدل على خلط رديء ينصب إلى العضو أو يستحيل (33) فيه، فيمنع (34) من اندماله، وكيف يمكن أن تندمل القرحة مع خلط يأكلها ويوسعها ويزيد فيها.
[فصل رقم 268]
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن يتفقد من الأوجاع العارضة في الأضلاع ومقدم الصدر، وغير ذلك من سائر الأعضاء، عظم اختلافها.
[commentary]
قال عبد اللطيف:ينبغي أن لا يقتصر على تعرف موضع الوجع دون أن يتعرف مع ذلك كم مقدار عظم الوجع، فإن تعرف ذلك ينتفع به جدا في تعرف (35) موضع العلة وفي تقدمة المعرفة بما سيؤول إليه حال المريض وفي استخراج جميع (36) ما ينبغي أن يعالج به. مثاله: أنه إذا عرض PageVW2P108B في الأضلاع (37) وجع عظيم، دل على حدوث العلة في الغشاء (38) المستبطن للأضلاع وأنها ليست بعيدة من الخطر، وأنها (39) تحتاج من العلاج إلى ما هو أقوى وأعظم، فإن كان الوجع يتراقى إلى الترقوة فالعلة تحتاج إلى فصد العرق، وإن كان (40) الوجع ينحدر إلى ما فوق الشراسيف فالعلة تحتاج إلى الإسهال، وإن كان الوجع يسيرا ولا يشبه النخس وثابتا مكانه فالعلة (41) في الأعضاء اللحمية ولا خطر فيها ولا تحتاج إلى علاج عظيم. وكذلك حال الكبد فإن كان ورمها في المواضع PageVW3P102B اللحمية كان الوجع ثقيلا، وإن كان في الغشاء المحيط بها أو في العروق كان (42) الوجع PageVW0P091A حادا. وبالجملة: فلا ينبغي أن يقتصر على النظر في الوجع العارض في الأعضاء، ولا يتوهم أن العلة واحدة في جميع من تعرض له. مثال ذلك: إن أصاب زيدا وجع في جنبه، ثم أصاب عمرا فلا ينبغي أن يتوهم أن حالهما (43) واحدة. وكذلك إن أصاب زيدا وجع في جنبه في وقتين لا يلزم أن يكون واحدا وبعلاج واحد، لكن ينبغي أن ينظر مقدار الفرق بينهما ومقدار أعراضهما (44).
[فصل رقم 269]
[aphorism]
قال أبقراط: العلل التي تكون في المثانة والكلى (45) يعسر برؤها (46) في المشايخ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا حدث في هذه الأعضاء علل عسر برؤها (47) لدوام حركتها وجريان الفضل منها، والعضو المريض يحتاج في برئه إلى سكونه وهدوئه، ثم إن المشايخ يعسر (48) برء العلل (49) فيهم (50) لضعف حرارتهم، فإذا اتفق ما يعسر برؤه (51) على الإطلاق فيمن يعسر برء (52) أمراضهم على الإطلاق، كان برؤها (53) أشد عسرا.
[فصل رقم 270]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأوجاع (54) التي تعرض في البطن أعلى موضعا فهو أخف، وما كان منها ليس كذلك، PageVW1P078B فهو أشد.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله هنا (55): "أعلى موضعا" يريد في العمق لا في الطول، PageVW2P109A والحد (56) بينهما هو الغشاء الممدود (57) على البطن المسمى بالثرب، فما كان من الأوجاع التي تعرض فيما هو موضوع على هذا الغشاء سماه أعلى موضعا، وما عرض من وراء هذا الغشاء، أعني في الأمعاء والمعدة فهو الذي عناه بقوله: وما كان منها ليس كذلك.
[فصل رقم 271]
[aphorism]
قال أبقراط: ما يعرض من القروح في أبدان أصحاب الاستسقاء، ليس يسهل برؤه (58).
[commentary]
قال عبد اللطيف: القروح لا تندمل حتى تجف جفافا بالغا، وليس يسهل ذلك (59) في المستسقين (60) لإفراط الرطوبة في أبدانهم، مع ضعف الحرارة الغريزية فيهم.
[فصل رقم 272]
[aphorism]
قال أبقراط: البثور العراض (61) لا يكاد يكون معها حكة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البثور العراض تحدث عن مادة بلغمية ولا (62) يكون معها حكة. وأما المحدودة (63) فتحدث عن مادة حادة، فلذلك يكون معها حكة.
[فصل رقم 273]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به صداع ووجع شديد في رأسه، فانحدر من منخريه أو PageVW3P103A أذنيه قيح أو ماء، فإن مرضه ينحل بذلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن كان ما يستفرغ من المنخرين والأذنين هو مادة الصداع والوجع، كان ذلك برؤه وانقضى به مرضه، وإلا فلا. PageVW0P091B مثاله: إذا (64) حدث في الرأس وجع من قبل ورم دموي أو من كثرة رطوبات غير نضيجة (65) فإذا، تقيح ثم خرج أو خرجت تلك الرطوبة سكن الوجع. فأما إذا حدث وجع الرأس من قبل ريح غليظة نافخة (66)، أو من قبل الدم (67)، أو مرة صفراء (68) تلذع الرأس ، فبرؤ (69) العلة يكون بأشياء أخرى.
[فصل رقم 274]
[aphorism]
قال أبقراط: أصحاب الوسواس السوداوي، وأصحاب البرسام، إذا حدثت بهم البواسير، كان ذلك فيهم دليلا محمودا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الوسواس السوداوي هو اختلاط الذهن عن مرة سوداء (70) من غير حمى، واسمه باليونانية ماليخوليا. وأما البرسام فهو ورم في أغشية الدماغ أو حجابه (71) مع حمى، ويعرض منه اختلاط الذهن ضرورة، ويسمى باليونانية فرانييطس (72). وأما البواسير PageVW2P109B فيعني بها انفتاح أفواه عروق المقعدة، وخروج هذا الدم، وهو الأسود العكر (73)، هو استفراغ مادة المرض وانحدارها إلى ضد الجهة.
[فصل رقم 275]
[aphorism]
قال أبقراط (74): من عولج من بواسير مزمنة حتى يبرأ (75)، ثم لم يترك منها واحدة (76)، فلا يؤمن عليه أن يحدث به استسقاء أو سل.
[commentary]
قال عبد اللطيف (77): ليس يمكن أن يحدث بواسير دون انفتاح أفواه عروق المقعدة، بسبب كثرة الدم وغلظة ودفع الكبد له، فإن انحبس (78) في الكبد أحدث فيها ورما جاسيا. وأيضا إذا كثر هذا الدم الغليظ فيها ثقل عليها PageVW1P079A وأطفأ حرارتها كما تنطفئ النار بكثرة الحطب، فيقل لذلك تولد الدم الصالح، أو يبطل فيحدث الاستسقاء، لأنه إنما يعرض إذا بطل (79) تولد الدم، فإن قويت الكبد على دفعه إلى عروق الرئة كثر فيها فصدع عرقا منها فحدث بسبب ذلك السل؛ فلذلك أمر أبقراط أن يترك من البواسير واحدة ليستفرغ بها ما يتولد في الكبد من عكر الدم * ولاسيما إن كانت العادة للطبيعة أن تستفرغ منها عكر الدم (80) منذ PageVW3P103B زمان طويل.
[فصل رقم 276]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا اعترى إنسانا فواق، فحدث به عطاس، سكن فواقه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العطاس إنما يبرئ الفواق الكائن من الامتلاء، لأنه يحرك الأعضاء بقوة (81) ويقلصها ويزعجها (82) فيقلع تلك الرطوبة اللاحجة، فيزول الفواق. فأما (83) الفواق الكائن عن الاستفراغ فليس يبرئه العطاس، وهو مع ذلك نادر الوقوع بعيد (84) البرء.
[فصل رقم 277]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان استسقاء فجرى الماء منه في PageVW0P092A عروقه إلى بطنه، كان بذلك انقضاء مرضه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا أحد المثالات PageVW2P110A في الاستفراغ (85) الكائن من تلقاء نفسه، لا بدواء مسهل ولا بغيره.
[فصل رقم 278]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان اختلاف قد طال، فحدث به قيء من تلقاء نفسه، انقطع بذلك اختلافه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا مثال آخر في الاستفراغ الكائن من تلقاء نفسه، وإياه ينبغي أن يمتثل (86) الطبيب وبه يقتدي، والمنفعة في هذا وشبهه (87) إنما تكون بطريق الجذب إلى الجهة المضادة.
[فصل رقم 279]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه وجع ذات الجنب أو ذات الرئة فحدث به اختلاف، فذلك منه دليل سوء. قال عبداللطيف: قوله: "من اعتراه" أي من استولت عليه هذه العلل وأثخنته ودامت به، ومعلوم أنه ليس يشارك العضو العضو في علته إلا إذا كانت شديدة متفاقمة. قوله: "فحدث به اختلاف" أي تفاقمت هذه العلل حتى استضرت بها الكبد فلم تقدر على هضم الغذاء وإمساكه، فحدث عن ذلك اختلاف، فبالواجب صار ذلك دليل سوء. وكما أنه قد يحدث سعال وضيق نفس لمشاركة آلات التنفس الكبد في علتها، * كذلك يحدث إسهال لمشاركة آلات التنفس الكبد في عللها (88). فأما إذا كانت ذات الجنب أو ذات الرئة يسيرة فحدث بصاحبها اختلاف، فقد يمكن أن ينتفع به بطريق الاستفراغ. وينبغي أن يكون ذاكرا في كل موضع أن لا يكون حدوث العرض بسبب من خارج المرض، مثل الاختلاف الكائن عن كثرة الأكل أو الشرب أو غيره لا أن (89) يكون بسبب المرض نفسه (90)؛ فإن ما يعرض بسبب شيء آخر سوى المرض لا (91) يمكن أن يدل بحال (92) المرض، إذ (93) كان يجب أن يكون الدليل متصلا بالشيء الذي PageVW3P104A يدل عليه.
[فصل رقم 280]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان بإنسان رمد فاعتراه اختلاف، فذلك محمود. PageVW1P079B
[commentary]
قال عبد اللطيف: وهذا أيضا من المثالات في الاستفراغ الكائن طوعا ومما ينبغي أن يتقبله الطبيب، ولذلك يسهل، إلا رمد بالحقن (94) أو بدواء مسهل، وهذا الاختلاف ليس (95) هو علامة على البرء فقط بل سببا فاعلا للصحة.
[فصل رقم 281]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث في المثانة خرق، أو في الدماغ، أو في القلب، أو في الكلى، أو في المعدة، أو (96) الحجاب، أو في بعض الأمعاء الدقاق، أو في الكبد، فذلك قتال .
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P110B بعض هذه الأعضاء إذا حدث فيها خرق ولو يسير تبعه الموت PageVW0P092B على الفور كالقلب، ومنها ما يتراخى معه الموت ولكن لا يسلم كالدماغ، ومنها ما يمكن أن يقع معه السلامة في الندرة كما زعم قوم في (97) جراح (98) المعدة ولا سيما إن كان الجرح (99) غير نافذ؛ فلذلك قال خرق ليدل به (100) على عظمه، فإن الجراحة العظيمة في هذه الأعضاء لا يقع معها سلامة.وبعض هذه الأعضاء - لشرفه وعظم إحساسه - لا يحتمل الألم فيقتل (101) قبل الإندمال كالقلب، وبعضها عصبي لا يلتحم أصلا كالأمعاء والمثانة. فأما الكبد فإذا وقع بها جراحة غائرة في بعض زوائدها، فقد تبرأ، بل قد تبتر (102) بعض زوائدها أصلا فتبرأ. وكذلك رقبة المثانة تلتحم جراحته لأنه لحمي، وأما الكبد نفسها إذا عرض في جرمها جراحة غائرة انفجر الدم وكان الموت قبل التحام الجراحة. وأما الدماغ فقد يقع به جراحة عظيمة غائرة (103) فتبرأ، ولكن ذلك نادرا. وأما الجراحات (104) النافذة إلى بطون الدماغ فتجلب الموت بالإجماع. فأما الأمعاء الدقاق إذا وقع بها جراحة ولم تكن غائرة فكثيرا ما تلتحم لأنها لحمية، فأما إذا انخرق فليس يبرأ البتة، ومما يمنع التحامها أنه (105) يتعذر أن يثبت عليها الدواء.
[فصل رقم 282]
[aphorism]
قال أبقراط: متى انقطع عظم أو غضروف أو عصبة أو الموضع الرقيق من لحم اللحيين (106) أو القلفة لم ينبت ولم يلتحم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأعضاء الأصلية الكائنة من النطفة إذا ذهبت أو ذهب بعضها PageVW3P104B لم تعد لأن مادتها المني وليس موجودا. وأما اللحم ونحوه فمادته (107) الغذاء (108)، فإذا ذهب أو نقص أمكن أن يعود لوجود مادته. والجلد أيضا من الأعضاء الأصلية ومنه القلفة والموضع الرقيق من اللحى، والقطع أعظم من الشق، فإن القطع هو شق نافذ. وقوله: "لم ينبت" ولم يلتحم فالنبات هو أن يعود ما ذهب منه، والالتحام هو انضمام شفتي PageVW2P111A الشق، لكن الطبيعة إذا ذهب منها ما (109) لا عوض عندها عنه من جنسه اعتاضت عنه من غير جنسه كما يعتاض بالدشبذ في كسر العظام، فإنه جسم ينبت على موضع الكسر ويجمع بين قطعتيه (110) ويقوم مقام الالتحام وليس هو بالتحام (111) على الحقيقة، PageVW1P080A ولذلك إذا نزع الدشبذ وجد الفصل بينا ظاهرا.
[فصل رقم 283]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انصب دم إلى (112) فضاء الصدر (113) على خلاف الأمر الطبيعي، فلا بد من أن PageVW0P093A يتقيح.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المكان الطبيعي للدم هو العروق والكبد والقلب لأنه الموضع الذي ينحفظ (114) عليه فيه قوامه وطبيعته فلا يفسد لأن فيه كونه وحفظه، فإذا خرج عن مكانه الذي فيه يتكون وينحفظ إلى مكان غيره لم يمكن أن يبقى على طبيعته، ولزم أن يفسد أصنافا من الفساد بحسب استعداده ومكانه الغريب والعوارض التي تلحقه، وبالجملة لا يبقى دما، لكنه ربما تقيح وربما أسود وربما أكمد وربما جمد فصار عبيطا، وخاصة إذا صار إلى فضاء عظيم. فقوله: "فلابد (115) من أن * يتقيح" هذا أحد أنواع فساده، ولهذا كتب بعضهم، فلابد من (116) أن (117) يفسد؛ لكون (118) هذه اللفظة عامة. وأفضل تغيره وفساده إلى التقيح، وذلك أنه نضج من الطبيعة لتنقيه عنها. فأما سواده واكمداده ونتنه فيكون من طبيعته إذا لم تحسن الطبيعة تدبيره كما يجري عليه الحال في الخارج.
[فصل رقم 284]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه جنون فحدث به اتساع العروق التي تعرف بالدوالي أو البواسير (119)، إنحل عنه جنونه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الدوالي والبواسير إذا استفرغ منهما (120) المادة السوداوية تنقى الدماغ وشفي من الجنون ونحوه، ولاسيما والمادة قد انحدرت إلى ضد الجهة وإلى عضو (121) أقل شرفا.
[فصل رقم 285]
[aphorism]
PageVW3P105A قال أبقراط: الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين، يحلها فصد العرق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كانت (122) الأوجاع تنتقل فالفاعل لها خلط يجري (123) وينتقل PageVW2P111B وربما كان معه ريح غليظة نافخة، فينبغي أن يستفرغ ذلك الخلط من باطن المرفق بالفصد إذا (124) كنا نراه يجري إلى تلك الناحية، كما أمر أبقراط أن يستفرغ الخلط بحسب ميله (125). وقد يوجد في بعض النسخ: "إذا كان الفسخ والتشنج". واعلم أن الفسخ لا ينحدر من تفرق الأعضاء اللحمية (126) من العضلة (127)، وإنما يريد إذا كانت أوجاعه تنحدر، فاستفرغ ما انصب إليه بفصد المرفق.
[فصل رقم 286]
[aphorism]
قال أبقراط: من دام به التفزع وخبث (128) النفس زمانا طويلا، فعلته سوداوية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا دام ذلك زمانا ولم يكن له سبب باد فبين أنه وسواس سوداوي لم يستحكم، وكذا إن عرض بسبب باد كغضب أو غيظ أو هم أو غم ثم دام فهو سوداوي لأنه PageVW0P093B لم يدم (129) إلا والبدن مستعد لحدوثه (130)، وأما حركة السبب البادي، فكثيرا (131) ما يعرض (132) عن مثل هذه الأسباب الجنون بالحقيقة إذا صادفت استعدادا (133).
[فصل رقم 287]
[aphorism]
قال أبقراط: متى انقطع بعض الأمعاء الدقائق لم (134) يلتحم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW1P080B هذا الفصل قد سبق في جملة فصل سابق، فليس لإعادته جدوى، وأظن أبقراط كان إذا صح عنده فصل بالتجربة أثبته وإن (135) كان فيه تكرير.
[فصل رقم 288]
[aphorism]
قال أبقراط: إنتقال الورم الذي يدعى الحمرة من خارج إلى داخل ليس هو بمحمود، وأما انتقاله من داخل إلى خارج فهو محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كل ورم بل كل علة تنتقل من داخل إلى سطح الجلد ومن الأعضاء الشريفة إلى الأعضاء التي ليس لها خطر، فذلك سبب محمود ودليل محمود. فأما انتقالها من سطح البدن إلى عمقه فهو رديء (136)، وإنما ذكر الحمرة على جهة المثال وأنه هو الذي صححه بالتجربة فأثبته.
[فصل رقم 289]
[aphorism]
قال أبقراط: من عرضت له في الحمى المحرقة رعشة، فإن اختلاط ذهنه يحلها عنه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الرعشة في الحمى المحرقة تدل على انتقال المادة من العروق إلى العصب، فإذا كثرت وتمكنت (137) انتقلت PageVW3P105B PageVW2P112A إلى الدماغ فخلت العروق منها فانحلت الحمى المتولدة عنها وانقضت. لكن جالينوس ينكر هذا الفصل بسبب أن عادة أبقراط إنما يستعمل قوله يحلها إذا وقع برء تام، لا إذا انتقلت العلة إلى علة أخرى أشد خطرا وأنا أرى أن قوله: "يحلها عنه" صواب، وأن الرعشة التي يعنيها هي التي تعرض في البحران القوي، فإذا عظم البحران كان معه اختلاط الذهن ثم تبعه البرء التام سريعا إذا تم البحران وانقضى، فلا يكون اختلاط الذهن على سبيل انتقال المادة إلى الدماغ كما فسره جالينوس، بل على سبيل ما يجرى الأمر عليه في البحارين القوية ولاسيما في الحميات الحادة.
[فصل رقم 290]
[aphorism]
قال أبقراط: من كوى أو بط من المتقيحين (138) أو المستسقين فجرى منه من الماء أو من المدة شيء كثير دفعة، فإنه يهلك لا محالة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المتقيح في عرف أبقراط هو الذي تولدت فيه المدة (139) في (140) الفضاء الذي بين صدره ورئته، وإذا كانت هذه المدة كثيرة جدا لا يمكن نفثها ويؤنس من استنقائها (141) بالنفث فعلاجها الكي أو النفث (142)، ويعرض في هذه الحال عسر من النفس عظيم شديد، PageVW0P094A فإذا خرجت (143) المدة دفعة تبعها روح كثير كان محصورا في فوهات العروق فكان عنه الهلاك. وقد يعرض ذلك في كل تقيح وخراج عظيم يجتمع فيه قيح كثير فإنه إذا خرج دفعة تبعه غشي وضعف مفرط، فإن خرج (144) قليلا قليلا كان مأمونا. وكذلك (145) إذا بزل (146) ماء المستسقى (147) دفعة كان هلاكه سريعا لهذا السبب، وأيضا لأن (148) الكبد فيها ورم جاس (149) فما دام الماء في البطن فهو يحمل ثقل الورم، فإذا استفرغ عدمت الكبد ما ترتفق عليه من تلك الرطوبة فثقلت بورمها وأزحجت وجذبت معها الحجاب وما في الصدر PageVW1P081A من الأحشاء إلى أسفل.
[فصل رقم 291]
[aphorism]
قال أبقراط: الخصيان لا يعرض لهم (150) النقرس ولا الصلع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الخصيان ينتقل مزاجهم إلى مزاج النساء، PageVW2P112B فكما لا يعرض لهن الصلع كذلك لا يعرض للخصيان لرطوبة مزاجهم، لأن الصلع إنما هو PageVW3P106A من غلبة اليبس على جوهر الدماغ. وأما النقرس فقد كان على عهد أبقراط لا يعرض لهم، لأن السيرة كانت عامة في إصلاح الغذاء وتقديره ومداومة الرياضة المعتدلة، وأما في زمن جالينوس فركنوا إلى الخفض والدعة وكثرة (151) الشره والنهم ومرجوا (152) في الشهوات. وأما في زماننا فزادوا على ذلك أضعافا مضاعفة حتى صاروا يتفاخرون بكثرة ما يأكلون (153) ويشربون كما يتفاخر بالفضائل والعلوم ومن قصر في ذلك كان عارا عليه، وتعدت (154) هذه السيرة القبيحة إلى النساك والمتقمصين (155) بالزهد والتصوف، ولهم في ذلك حكايات وأمثال وأقوال مقبولة عندهم كأنها نبوية (156) إذا قيلت (157) للإنسان ألزمته (158) بأكل كل ما يجد ، مثل قولهم: الصوفي يأكل على الفراغ. الاستكثار من أكل نعمة الله شكر لله (159). وأما أخبار الطفيليين (160) فكتب قائمة (161) برأسها، وبعضهم يرى أن كثرة الأكل من قوة المعرفة (162) بالله تعالى، وأنه كلما ازداد العبد إيمانا ومعرفة ازداد بطنه، وبعضهم يقول أن المعرفة تحرق (163) كل ما يرد البدن من الغذاء. واعلم أن ضعف القدمين الطبيعي لازم لأصحاب النقرس، ولذلك تنجذب إليها الفضول من سائر البدن، فإن كان البدن نقيا لم تجد ما ينجذب إليه فكان سليما من هذه العلة. والسكون الدائم يضر بهذه العلة لقلة التحلل، ويضر فيها أيضا شرب الخمر القوي الكثير الدائم، ولاسيما إذا PageVW0P094B شربوه على جوع، لعظم (164) نكايتها (165) بالعصب؛ ويضرهم أيضا الجماع ولاسيما من أكره نفسه عليه وأفرط فيه. قال جالينوس: وقد كان من يصيبه النقرس على عهد أبقراط قليلا جدا لحسن تدبير الناس (166) أنفسهم في المأكل والمشرب والرياضة، فلما مال الناس إلى الدعة وانهمكوا في الشهوات وأكثروا في ذلك بحيث (167) لا يمكن أن يتوهم PageVW2P113A المتوهم (168) زيادة عليه كثرت فيهم هذه العلة؛ ولذلك صار الخصيان يبتلون (169) في هذا الزمان بهذه العلة. PageVW3P106B قال جالينوس: في (170) أكثر الأحوال يعرض أولا النقرس، فإذا دام بهم صاروا إلى أوجاع المفاصل. قال: وقد زاد أيضا على ما وصفنا من أسباب النقرس أن أكثر من يولد في زماننا (171) هذا يولدون من آباء ومن أجداد بهم النقرس، فكان المني الذي يولدون منه منيا رديئا، ومن قبل ذلك تضاعفت على أولادهم بلية ضعف القدمين (172)، وزاد على ما كان عليه في آبائهم. وهذه PageVW1P081B العلة إنما تكون لدفع الأعضاء العليا الشريفة إلى الأعضاء السفلى الضعيفة، والخصيان يضعف منهم (173) الدماغ، فيضعف دفعه إلى الأعضاء السفلية، إلا أن تزداد المواد في الكثرة والرداءة، وكذلك الحال في النساء والصبيان.
[فصل رقم 292]
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة لا يصيبها النقرس، إلا أن ينقطع طمثها.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الطمث (174) يستفرغ من أبدان النساء الفضول الرديئة فتأمن لذلك هذه العلة، فإذا انقطع طمثها كانت معرضة لها، وهذا أيضا كان في زمن أبقراط لقلة خطأ النساء على أنفسهن . وأما في زماننا (175) هذا فإنه يعرض لهن النقرس مع وجود الطمث لكثرة خطأهن (176). وأدمغة النساء ضعيفة ولذلك تضعف عقولهن، والأعضاء السفلية منهن كبار، أكبر من الأعالي، بخلاف الحال في الرجال، فما يصير إليها من الفضل مع كثرته يحتاج إليه (177) في التغذي به.
[فصل رقم 293]
[aphorism]
قال أبقراط: الغلام لا يصيبه النقرس قبل أن يبتدئ في مباضعة الجماع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الجماع مما يعين في تولد هذه العلة، وأيضا فإن الغلام تنصرف المواد في نشئه (178)، فإذا ابتدأ في البضاع واستغنت أعضاؤه عن أكثر الغذاء انصرف الفضل إلى الأعضاء الضعيفة. وأيضا فإن الغلام * مواده منصرفة نحو العلو فإذا ابتدأ في البضاع أخذت المادة تنصرف إلى أسفل (179) حيث يتكون المني، PageVW2P113B فما ردؤ منه مال إلى العضو الضعيف فسقم.
[فصل رقم 294]
[aphorism]
قال أبقراط: وجع العينين يحله (180) شرب الشراب PageVW0P095A الصرف، أو الحمام، أو التكميد، أو فصد العرق، أو شرب الدواء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قال جالينوس: أرى أن أبقراط إنما عرف PageVW3P107A هذه الأشياء التي ذكرها في هذا (181) الفصل بالتجربة لا بالقياس، ولم يسلك هنا طريق القياسيين (182) فيصف الحالات التي ينتفع بها في كل * واحدة منها (183) بكل (184) واحد مما وصف، ولا طريق أصحاب التجربة فيصف اجتماع الدلائل التي معها ينتفع بكل (185) واحد مما وصف، فلم يبق في هذا القول فائدة وفي أمثاله إلا أن يبحث عن الحالات التي ينتفع بها في كل واحد * منها بكل واحد (186) مما وصف من شرب الخمر الصرف والحمام وغير ذلك. وأنا أرى أن أبقراط قد أحسن في هذا الفصل غاية الإحسان وأتى (187) فيه بغاية ما تقتضيه صناعة القياس وتصححه التجربة. أما التجربة فقد شهد جالينوس له بصحتها وأنه جرب شرب الخمر الصرف والحمام والتكميد، فكان (188) عنها البرء التام تارة، وتخفيف الألم أخرى. وأما طريق القياس فإن الأرمد إن كان بدنه ممتلئا امتلاء عاما وجب أن يستفرغ بالفصد، وإن كان الامتلاء من غلبة بعض الأخلاط استفرغ بالإسهال. وإن (189) كان البدن نقيا والمادة في العين فقط، فإن شرب الشراب الصرف يحللها ويستفرغها من العضو نفسه ، لأنه يسخن ويحلل، ولأنه أيضا يملأ الرأس بخارا فيزعج (190) المواد PageVW1P082A المحتقنة ويحركها للخروج (191) ويفتح المسام ويرطب المواد اللاحجة. وكذلك الحمام فإنه يرطب ويحلل ويفتح المسام ويلين المواد، ويبخر (192) إلى (193) الدماغ بخارا رطبا يكون به (194) إنضاج المادة واستفراغها. وأما التكميد فهو استفراغ خاص (195) بالعضو وكأنه حمام لعضو واحد، فإن كان التكميد بما قد طبخ فيه بعض الأشياء المنضجة والمحللة كالبابونج وهو أسلمها، كان ذلك PageVW2P114A بليغا (196) جدا. والتكميد أسلم هذه الثلاثة لأنه يختبر به حال العين، فإن كانت المادة يسيرة (197) وقد فرغ (198) انصبابها والبدن نقي فإن التكميد يسكن الوجع على المكان بالتمام (199) وإن كان البدن ممتلئا والمادة في الانصباب سكن التكميد الوجع في الحال، لكنه يهيج بعد، لأن التكميد كما يحلل من العضو كذلك يسهل سبيل (200) الانصباب إليه، PageVW3P107B فإن دووم التكميد مرارا كثيرة حتى يستفرغ جميع المادة وقع البرء التام، فإن كان PageVW0P095B في المادة من الكثرة ما لا يفي التكميد باستفراغها (201)، استفرغت من البدن كله بالفصد أو الإسهال (202)، ثم استفرغ الباقي في العين بالتكميد، فأي قياس - ليت شعري - أحسن أو أصوب من هذا وألزم منه لسنته وأحرى (203) على حذوه (204). وجالينوس يكره استعمال الأكحال الرادعة في العين، ولاسيما التي فيها الأفيون، لأن الدواء المخدر الرادع (205) كما يمنع من الانصباب يمنع من التحلل فتحتبس (206) المادة في العين، فاشتد الألم وطالت العلة وتعذر الشفاء. وإن كان المخدر قويا أضر بالنور الباصر وربما أعدمه أصلا. قال جالينوس: متى استدللت وعرفت أنه يجري إلى العين رطوبات حادة وليس في البدن امتلاء، داويت وجعها (207) باستعمال الحمام، وأنه عالج فتى بالحمام وشرب الشراب القليل المزاج، ثم (208) نام نوما ثقيلا فشفى. قال: وأما التكميد فهو أسلم وأبعد عن الخطر، والمستعمل له على كل حال رابح، لأنه إما أن (209) يكون سببا لصحة العين إن كانت المادة قد انقطع انصبابها، وإما أن يكون علامة ودليلا على العلاج ومقدار العلة، وذلك أن التكميد - حينئذ - يسكن الوجع في الحال غير أنه يهيج بعد فيستدل به على الامتلاء، فيستفرغ الخلط الغالب بحسبه.
[فصل رقم 295]
[aphorism]
قال أبقراط: اللثغ يعتريهم خاصة اختلاف طويل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اللثغة تكون بحروف (210) كثيرة، وذلك أن يميل اللسان عن الحرف لعجزه عنه إلى الحرف القريب إليه والشبيه به، وقد يكون ذلك لقصر PageVW2P114B في اللسان فلا ينال مخرج الحرف، أو لعرض فيه فلا يتمكن من المخرج، أو لرطوبته وضعفه فيرتعد عند المخرج فلا يتمكن منه أو لا يصل (211) إليه؛ ولذلك تعرض هذه اللثغة للصبيان PageVW1P082B لرطوبة ألسنتهم كما تعرض لهم الرعدة في المشي لضعف (212) أرجلهم عن الاعتماد والتمكن على الأرض التمكن المحكم. وقد تعرض اللثغة للمستكملين (213) الأصحاء إذا علوا (214) من الكلام، وتعرض أيضا لمن PageVW3P108A يزمر زمرا كثيرا، ولمن قد كلت قوته من المرض، ومن غلبة اليبس على اللسان في بعض الأمراض، إلا أن هذا الصنف لا يكون طبيعيا، وإنما هذه اللثغة عرض خاص لازم للرطوبة المفرطة فقط إذا لم يقدر اللسان أن يعتمد بقوة. ويمكن أن تعرض اللثغة للسان من قبل ضعفه خاصة، ومن ضعف العصب الذي يأتيه من الدماغ. وقد تعرض هذه اللثغة للسكران، لرطوبة الدماغ وابتلاله، PageVW0P096A ولثقل الرطوبة عليه، ولذلك تعرض هذه اللثغة لمن كان مزاج لسانه أو دماغه بالطبع رطبا، فإن كان مزاج الدماغ رطبا كان كثير الفضول، فإذا انحدرت تلك الفضول إلى المعدة عرض اختلاف كثير. وإن كان مزاج اللسان رطبا والمعدة (215) رطبة، والاختلاف الطويل المزمن هو عرض خاص لازم لضعف المعدة بسبب (216) رطوبتها، فهذا الصنف من اللثغة يكون عنه الاختلاف الطويل. واعلم أن اللثغة أصناف كثيرة لها (217) أسماء بحسب الحروف التي تقع بها اللثغة. وقد يظن أن أبقراط إنما عني اللثغة التي تكون في الراء بأن (218) تجعل لاما وذلك إذا كان قبلها طاء، كقولك في "طريخ" "طليخ". واللثغ جمع ألثغ، كحمر وصفر جمع أحمر وأصفر.
[فصل رقم 296]
[aphorism]
قال أبقراط: أصحاب الجشاء الحامض لا يكاد يصيبهم ذات الجنب.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الجشاء الحامض يدل على غلبة البلغم على المزاج PageVW2P115A وعلى قلة المرار وقوله: "أصحاب الجشاء" يدل به على من يعتريه كثيرا لا على من يعرض له في الندرة، وإنما يكثر هذا الجشاء إذا كان المزاج كذلك. ومن مزاجه أميل إلى البرد لا يكاد يعرض له الأمراض الحادة جدا إلا في الندرة، ولاسيما الصفراوية والدموية؛ فإن ذات الجنب ورم في الغشاء المستبطن للأضلاع وأكثر ما تكون مادته صفراوية أو دموية، وعلامتها النفث الأصفر والأحمر، وقد تكون المادة سوادوية وعلامتها النفث الأسود، وقد تكون بلغمية وعلامتها النفث إلى البياض، وقلما يعرض ذات الجنب عن هذه PageVW3P108B المادة. وإن كان البلغم مالحا فكثيرا ما يتبعه لين البطن (219) واستفراغ المادة (220) فيقل تولد الأورام، ولهذا قال أبقراط: من كانت طبيعته بالطبع لينة، فقلما يعتريه (221) الشوصة وسائر الأمراض الحادة الشبيهة بها.
[فصل رقم 297]
[aphorism]
قال أبقراط: الصلع (222) لا يعرض لهم من العروق PageVW1P038A التي تتسع، التي تعرف بالدوالي، كثير (223) شيء، ومن حدثت (224) به من (225) الصلع (226) الدوالي عاد شعر رأسه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن جالينوس يرى هذا الفصل غير صحيح وأنه مفتعل ولم يجد له وجها من الصحة، إلا أن يكون يريد بالصلع (227) القرع فإن الصلع (228) لا يبرأ أصلا وأما القرع فقد يبرأ إذا مالت المادة إلى أسفل. ويحتمل عندي أن يكون يريد بالصلع (229) * من عرض له الصلع (230) عن مرض، لا من كان طبيعيا له أو عرض عند الشيخوخة.
[فصل رقم 298]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال، كان ذلك دليلا رديئا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كثرت الرطوبة المائية في المستسقى حتى بلغت قصبة الرئة، فإنه يحدث به السعال، ويكون في تلك الحال قد أشرف (231) على PageVW0P096B أن تخنقه تلك الرطوبة، فلذلك ينبغي أن يكون حدوث السعال من نفس العلة لا من سبب آخر.
[فصل رقم 299]
[aphorism]
قال أبقراط: فصد العرق يحل عسر البول، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P115B إذا كان عسر البول من ورم دموي أو من كثرة الدم فالفصد قد يحله، فلذلك ينبغي أن يزاد في الكلام "قد" فيقال (232): "فصد العرق قد يحل عسر البول" حتى يفهم منه الإمكان لا الحتم. وقوله: "ينبغي أن تقطع العروق الداخلة" أي التي في باطن الذراع، وأما التي في باطن الركبتين فلا فرق بينها وبين التي في ظاهرها لأنها من أصل واحد، لأن الصنفين جميعا ينبتان من عرق واحد وهو الذي في باطن الركبة، والرجل إنما يأتيها عرق واحد، وأما اليد فعرقان. وجالينوس لا يعتقد (233) في هذا الفصل ويرى أنه مما أدخل في الفصول. واعلم أن الداخل من البدن هو الأنسى، والخارج هو الوحشي، والعرق الداخل من اليد هو الباسليق والخارج هو القيفال، والعرق الداخل PageVW3P109A في الركبة هو الصافن، والخارج هو النسا، ولاشك أن فصد الصافن أولى بأن يحل عسر البول من النسا، كما أن فصد النسا أولى بأن يحل علته، كما شهدت التجربة بذلك.
[فصل رقم 300]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج فيمن اعترته الذبحة، فإن ذلك دليل محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ظهور الورم إلى خارج أدل على السلامة، وكذلك (234) انتقاله من عضو شريف إلى عضو ليس بشريف كما تظهر الذبحة من الحلقوم إلى خارج.
[فصل رقم 301]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بإنسان سرطان خفي، فالأصلح أن لا يعالج، فإنه إن عولج هلك، وإن لم يعالج بقي زمانا طويلا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السرطان الخفي هو الذي لا يظهر معه قرحة، والذي يكون في عمق البدن، كالسرطان الذي يكون في الفم وفي الرحم وفي المقعدة، وأما العلاج الذي نهي عنه فيه فالكى والقطع، وذلك PageVW1P083B أنه ينبغي (235) أن يقطع بجميع عروقه الممتدة الغائرة الممتلئة دما أسود ويكوى مكانها حتى يستقصي عليها، وإذا كان خفيا لم يمكن فيه هذا القطع PageVW2P116A والكي، فإن فعل ذلك بغير استقصاء اهتاج وعظمت بليته وقتل (236). وكثير من الأطباء ينهون عن علاج السرطان أصلا، ظاهرا كان أو باطنا. فأما العلاج بغير الكي والقطع، من تلطيف التدبير وإصلاح الغذاء وتنطيل PageVW0P097A الموضع بالماء الفاتر ليسكن الألم ويغسل (237) القيح، فليس ذلك مما ينهى عنه. وأما نسخة (238) أرطا ميدوروس وديسقوريدس (239) وأشياعهما (240) فإنما يكتب فيها هذا الفصل إلى قوله: "فالأصلح أن لا يعالج" ويسقطون ما بعده.
[فصل رقم 302]
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج يكون من الامتلاء ومن الاستفراغ، وكذلك الفواق.
[commentary]
قال عبد اللطيف : التشنج حركة العصب نحو المبدأ لا عن إرادة، بل عن تقلص، إما لرطوبة مفرطة وهو الامتلاء، وإما ليبس مفرط وهو الاستفراغ، كما يعرض للأوتار إذا رطبت فإنها تقصر حتى لعلها تنقطع، وكما يعرض للجلود إذا مستها النار أو الشمس (241) الحارة فإنها تتقلص وتقصر. وكذلك الفواق فإنه تشنج عضو مخصوص، وهو شبيه بحركة القيء لكنه PageVW3P109B أشد وأعنف، وكأن القيء تتقلص فيه (242) المعدة لدفع شيء مصبوب في خوائها (243)، والفواق تتقلص معه المعدة لدفع شيء متشرب (244) في جرمها، فلذلك كانت حركته أعنف. وقد يكون الفواق لدفع الشيء المؤذي وقذفه، كمن شرب فلفلا (245) وحده أو مع عسل ثم شرب بعده شرابا ممزوجا بماء حار فإنه يعرض له على المكان فواق لأن سخونة ذلك الشراب توصل الفلفل إلى عمق جرم المعدة فتتأذى بحرافته وتروم دفع المؤذي عنها بحفز واستكراه، وقد يحصل لها الفواق لغلبة اليبس والاستفراغ.
[فصل رقم 303]
[aphorism]
قال أبقراط: من عرض له وجع فيما دون الشراسيف من غير ورم ثم حدثت به حمى، حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الوجع لا يطلق على اللذع والحرقة، لكن إنما يطلق على الألم من ورم صفراوي أو دموي أو غيرهما، وعلى الألم بسبب سدد (246) PageVW2P116B أو سوء (247) مزاج مفرط مختلف، أو بسبب (248) ريح غليظة نافخة لا منفذ لها، ومن شأن الحمى أن تشفي هذه الأسباب لأنها تقطع وتحلل وتذيب وتلطف وتصير المزاج المختلف إلى حال استواء.
[فصل رقم 304]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان موضع من البدن قد تقيح وليس يتبين (249) تقيحه، فإنما لا يتبين (250) من قبل غلظ المدة أو غلظ الموضع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كانت المدة غليظة صلبة لم تتبين (251) تحت اللمس، وكذلك إن كان الجلد ثخينا، كجلدة الراحة وجلدة أسفل الرجل، لم تتبين (252) المدة تحت اللمس لثخن الحجاب.
[فصل رقم 305]
[aphorism]
PageVW1P084A قال أبقراط: إذا كانت (253) الكبد فيمن به يرقان صلبة، فذلك دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اليرقان قد يكون على طريق البحران بأن تدفع الطبيعة الفضل المراري إلى سطح PageVW0P097B البدن، وذلك لا يكون إلا والبدن سليم. وقد يكون اليرقان عن سدد في الكبد وذلك رديء لا بالغاية، وقد يكون عن ورم فيها، حار أو صلب، وذلك رديء جدا.
[فصل رقم 306]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا أصاب المطحول اختلاف دم فطال به، حدث به استسقاء أو زلق الأمعاء وهلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المطحول هو الذي في طحاله صلابة مزمنة (254)، فإذا حدث به اختلاف الدم وكان على جهة استفراغ تلك الأخلاط السوداوية المتشبثة PageVW3P110A بجرم الطحال، ذهبت عنه تلك الصلابة وبرئ؛ فإن طال الاختلاف ودام وجاوز المقدار، نكى (255) الأمعاء بمروره فيها وهد (256) قوتها وأفسد مزاجها وحرارتها الغريزية فحدث زلق الأمعاء ثم حدث الاستسقاء لمشاركة (257) الكبد الأمعاء (258) بالعروق التي بينهما، فلذلك ينبغي أن يقدم الفصل المتأخر أو يؤخر هذا إليه وبالجملة يجمع بينهما.
[فصل رقم 307]
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به من (259) تقطير البول (260) القولنج المعروف بإيلاوس، فإنه يموت PageVW2P117A في سبعة أيام، إلا أن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن إيلاوس لا ينفذ معه شيء إلى أسفل البتة وإن استعمل من الحقن أحد ما يكون، ويحدث لصاحبه (261) قيء رجيعه (262) إذا أشرف على الهلاك. وقد اتفق الأطباء أن هذه العلة تكون عندما ينسد المجرى إلى أسفل، وأنها إنما تكون في الأمعاء الدقاق لا في الغلاظ. وإنما يكون ذلك من ورم أو سدة أو رجيع (263) يابس صلب يسد (264) المجرى. وجالينوس يذهب إلى أن الأولى في حدوث هذه العلة إنما هو ورم حار أو صلب أو دبيلة وأن الرطوبة الغليظة اللزجة لا يبلغ مقدارها أن تسد الأمعاء أصلا واستبعد (265) لذلك أيضا أن يكون ورم المثانة يزحم (266) المعا ويضيقه (267) حتى لا ينفذ منه شيء البتة. ومثل هذا الورم يلازمه الحمى، فكيف يقول أنها تحدث بعده. وبالجملة فإن جالينوس لا يرى صحة هذا الفصل، ويجعله من جملة ما افتعل، ويرى توجيهه بأن يكون السبب في هذه الأعراض أخلاطا نيئة غليظة لزجة، مع برد شديد، فإنه إذا عرضت له حمى انضجت هذه الأخلاط يجري (268) من البول شيء كثير بغتة.
[فصل رقم 308]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا مضى بالقرحة حول أو مدة أطول من ذلك، وجب ضرورة أن يتبين منها عظم، وأن يكون موضع الأثر بعد اندمالها غائرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW0P098A القرحة تطول مدتها من قبل علة في نفس العظم أو من مادة صديدية عفنة تجرى إلى القرحة، أو حال (269) سيئة (270) تعرض فيها PageVW1P084B وتنبث (271). وقد تسمى هذه القروح الساعية والآكلة والنملة والحمرة، فأما التي في عظمها فساد فهي التي عناها (272) PageVW3P110B أبقراط هنا، ولا سبيل إلى أن تبرأ إلا بإخراج العظم الفاسد، فإذا اندملت بقي موضع الأثر غائرا.
[فصل رقم 309]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حدبة (273) من ربو أو سعال قبل أن ينبت له الشعر في العانة (274)، فإنه يهلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحدبة (275) من (276) علل الصلب خاصة، PageVW2P117B تعرض عن ضربة أو سقطة أو من خراج (277) صلب في مقدمه لأنه يجذب خرزة من خرز الصلب نحو مقدمه فيغور (278) موضعها، كان ذلك في خرزة واحدة أو في خرزات، فحيث انجذبت إليه غار ما يقابلها؛ فمن أصابته حدبة من ربو أو سعال قبل نبات شعر عانته فإنه يهلك (279) سريعا لأن صدره لا يقبل النمو مع بدنه، فيضيق لذلك المكان على آلة التنفس منه، لأنها إذا نمت وعظمت احتاجت إلى مكان يناسبها، وإذا حدث في الصدر ورم عظيم فسد فضاءه وضاق على التنفس، حدث (280) عنه ربو وزالت بعض خرزات الظهر، فكان من ذلك حدبة (281). وإذا كان الخراج يجري منه رطوبات إلى قصبة الرئة أحدث سعالا، والسعال (282) والربو تابعان للمرض الفاعل للحدبة لا فاعلان لها. فالخراج الذي يحدث معه عسر التنفس إذا حدث بمن هو في النشء، فهو قتال؛ وذلك أنه إذا كان عظيما وفي موضع خطر، ثم نمت الرئة والقلب وما يليهما ضاق عليهما المكان إذا كانت الأضلاع في صاحب هذه الحال لا تنمى وكان انحناؤها بسبب الحدبة يضيق فضاء الصدر فيعرض من عسر التنفس ما يهلك، لأنه قد كان (283) التنفس يعسر قبل حدوث الحدبة (284) فهو بعدها أعسر (285).
[فصل رقم 310]
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج إلى الفصد أو شرب الدواء، فينبغي أن يسقي الدواء أو يفصد في الربيع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من احتاج" أي لم تكن حاجته حافزة (286) بل فيها تراخ، فإن من احتاج إلى ذلك حاجة حافزة (287) لسبب أمر حاضر فلا ينبغي أن يؤخر ذلك عنه، فإن كان في الحاجة مهل وتراخ، إما لأن المرض مزمن يحتمل التأخير، وإما لأنه معدوم. وإنما يتقدم (288) بالاستفراغ للاحتياط وخوف الوقوع فيه، أو يكون PageVW0P098B المرض مما يأتي بأدوار وفي أوقات بعينها، فهذا المعنى الذي PageVW3P111A يقصده أبقراط في قوله: من احتاج إلى الفصد. وأما جالينوس فحمله على من هو PageVW2P118A صحيح البدن بعد، لكن إن (289) لم يستفرغ مرض فهذا (290) ينبغي أن يستفرغ في الربيع، إما بالفصد إن كان الامتلاء عاما دمويا، وإما بالإسهال إن كان الامتلاء ببعض الأخلاط كمن يعتاده النقرس أو المفاصل أو اللقوة والفالج والصرع والربو أو الجذام والبواسير والوسواس السوداوي والجنون وبعض الحميات كالغب والربع والمحرقة و النائبة PageVW1P085A وغيرها.
[فصل رقم 311]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بالمطحول اختلاف دم، فذلك محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قد قلنا في تفسير هذا قبل، وأن هذا الدم إذا كان على طريق (291) انقضاء المرض وبدفع (292) الطبيعة فهو محمود لأنه استنقاء واستفراغ، فإن أفرط ودام لم يؤمن أن يسحج الأمعاء ويفسد طبيعتها، ويحدث زلق الأمعاء بذاته والاستسقاء على سبيل المشاركة.
[فصل رقم 312]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من الأمراض من طريق النقرس وكان معه ورم حار، فإن ورمه يسكن في أربعين يوما.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ورم أصحاب النقرس يكون من فضل ينحدر إلى مفاصل القدمين، وأما العصب والأوتار فلا ترم من هؤلاء لكن يحدث فيها الوجع لتمددها مع المفاصل بالمشاركة، فلذلك (293) لا يعرض من النقرس تشنج أصلا لأن التشنج إنما يعرض من ورم العصب والأوتار. وإذا كانت المادة المنصبة رقيقة أمكن أن تستفرغ في زمان قصير، وإن كانت غليظة لزجة ففي زمان طويل. ولكن ليس يجاوز هذا الورم أربعين (294) يوما حتى ينحل ويبرأ إذا فعل الطبيب جميع ما ينبغي وكان المريض مطاوعا. وأما الورم الحار الذي يحدث في الأعضاء اللحمية فحد انقضائه أربعة عشر يوما لأن جوهر اللحم أسخف وأشد تخلخلا. وأما ما يعرض في المفاصل من الورم فأبطأ PageVW2P118B تحللا لأنها أكثف وأغلظ؛ فلذلك كان انقضاؤها في أربعين يوما، لأن فيه يكون بحران ما ليس من الأمراض داخلا في عداد الأمراض المزمنة ولكنه قد جاوز حد الأمراض الحادة، وذلك أن الرطوبات التي PageVW3P111B في المفاصل تحتاج أن تتحلل حتى تصير بخارا وتنفذ في الرباطات (295) المحيطة بالمفاصل حتى تستفرغ.
[فصل رقم 313]
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به في دماغه قطع، فلابد من أن يحدث به حمى وقيء مرار.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "قطع" يدل به على عظم الجراحة. ولابد أن يحدث به حمى لأنه لابد أن يتبعه ورم، وورم الأعضاء الشريفة يحدث عنها حمى ضرورة، ويتبعه PageVW0P099A قيء مرار لمشاركة المعدة للدماغ لأنه يأتيها منه (296) عصبتان، فإن من شأن (297) المرار أن يتجلب إلى المعدة عند الصداع الشديد والاغتمام (298) الشديد. وقد يعرض قيء المرار إذا وقعت (299) الجراحة بالغشاء الصلب (300) المحيط بالدماغ لأنه يتصل به مواضع كثيرة.
[فصل رقم 314]
[aphorism]
قال أبقراط: من حدث به وهو صحيح وجع بغتة في رأسه ثم أسكت على المكان وعرض له غطيط، فإنه يهلك في سبعة أيام إن لم تحدث به حمى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السكات (301) آفة يبطل معها الحس والحركة، وقد تبطل الحركة ويبقى الحس، كما قال أبقراط: أنه يعرض لبعض الناس أن أسكتوا وهم يحسون. والسكتة القوية لا يمكن أن تبرأ، وأما الضعيفة فلا يسهل برؤها (302). وعلامة السكتة PageVW1P085B القوية أن يعرض معها غطيط كما يعرض لمن استثقل (303) في نومه لأن الحالتين (304) متشابهتان، والغطيط يعرض لضعف فعل العصب. وإذا حدث بالصحيح صداع بغتة فأولى الأشياء بأن يكون سببا ريح غليظة نافخة، وقد يمكن أن يكون سببه مادة كثيرة غليظة أو بلغمية مالت إلى الرأس دفعة، فإذا حدثت حمى (305) سخنت ولطفت وفشت الرياح والأخلاط البلغمية وذلك ربما كان في اليوم PageVW2P119A الثالث أو الرابع أو الخامس أو السابع أكثره، فإن لم تحدث الحمى في هذه الأيام هلك المريض لأن المادة في عضو شريف لا يحتمل أكثر من ذلك.
[فصل رقم 315]
[aphorism]
قال أبقراط: قد ينبغي أن يتفقد باطن العينين في وقت النوم فإن تبين شيء من بياض العين والجفن مطبق (306) وليس ذلك يعقب اختلاف ولا شرب دواء، فتلك علامة رديئة مهلكة جدا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إنما يظهر بياض العين إذا لم تنطبق انطباقا محكما، إما ليبس في الأجفان، وإما لضعف القوة PageVW3P112A المحركة، وإما لعادة وخلقة. فإن من نهكه إسهال وجف بدنه لم تنطبق عيناه عند النوم انطباقا (307) محكما ليبس الأجفان، وكذلك من نهكه المرض وأضعفه كل عن إطباق (308) جفنيه (309) محكما وضعف عن ذلك، كما يعرض للمريض ألا يغمض عينيه ويفتح فاه عند النوم. فإن كان فتح الأجفان عادة لم يكن دليلا، ولكن تفقده وسل عن عادة المريض في صحته لئلا يغلطك. وإن كان عن شرب دواء واستفراغ قصير المدة، فعلاجه سهل ويمكن تراجع القوة في زمن يسير. فإن تبين البياض من العينين عقيب (310) اختلاف مزمن أو مرض قد نهك، دل على انحلال القوة، وكان PageVW0P099B علامة رديئة مهلكة لأنه لا (311) يمكن تراجعه سريعا.
[فصل رقم 316]
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من اختلاط العقل مع ضحك فهو أسلم، وما كان منه مع هم (312) وحزن فهو أشد خطرا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: ليس في اختلاط العقل شيء سليم إلا ما كان مع ضحك فهو أقل خطرا، كما (313) أن ما كان عن إقدام وتقحم فهو أشد خطرا، وما كان عن هم (314) وحزن فهو متوسط بينهما. فإن كان الاختلاط من حرارة فقط من غير خلط رديء كان شبيها باختلاط السكارى، فإن كان عن صفراء كان معه هم وحزن، فإن تزيدت الصفراء احتراقا حتى تميل إلى السوداء مال صاحبه (315) إلى الجنون؛ واعلم (316) أن السوداء الكائنة عن احتراق الصفراء أصعب أمرا. وما كان من عكر الدم وغلظة فهو أقل رداءة، PageVW2P119B واسم هذا بالحقيقة خلط سوداوي، وقد يسمى مرة سوداء لأنه قليل يحترق ويصير مرة سوداء.
[فصل رقم 317]
[aphorism]
قال أبقراط: نفس البكاء في الأمراض الحادة التي يكون معها حمى، دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "نفس البكاء " يريد صوت PageVW1P086A الباكي وتنفسه الذي يكون عند البكاء، وينبغي أن يكون البكاء هنا ممدودا كالدعاء لأن البكاء مقصورا (317) هو الحزن، والبكاء ممدودا (318) صوت الباكي، والأصوات تبني على فعال كالدعاء والرغاء والصراخ والنباح وغير ذلك. وهذا البكاء هو صوت منقطع كأنه يتحرك نصف حركة ونصف صوت PageVW3P112B ويسكن، ثم يتراجع (319) بما بقى (320) وكأنه صوت متغير منقطع، وذلك قد يكون ليبس الآلة أو لضعفها، أو لحالة شبيهة (321) بالتشنج، أو لصلابة الآلة فلا تواتي، أو لأن شيئا يعوق فيعرض عنه شبيه (322) بالشرق، * ولما كان صوت الباكي المتهالك شبيها بصوت الشرق (323) قيل في الوصف: شرق فلان بعبرته، وشرق فلان بدمعته، فإذا عرض مثل هذا الشرق في الأمراض الحادة كان علامة رديئة؛ وكثيرا ما يعرض مثل هذا النفس عند الحشرجة وقبلها. وقد يدل تنفس البكاء مع ما ذكرنا على حال موجعة، كأن صاحبه يئن ويتنفس الصعداء، وذلك أيضا رديء.
[فصل رقم 318]
[aphorism]
قال أبقراط: علل النقرس تتحرك في الربيع وفي الخريف على الأمر (324) الأكثر (325).
[commentary]
قال عبد اللطيف: النقرس داخل في علل (326) أوجاع المفاصل، وأكثر ما تتزيد علل المفاصل في الربيع، وقد ذكرها أبقراط في جملة الأمراض الربيعية. وقد تهيج في الخريف إذا أسيء التدبير في الصيف بالإسراف في أكل الفواكه. فأوجاع المفاصل تهيج في (327) الربيع PageVW0P100A بإساءة التدبير في الشتاء، وسبب ذوبان الأخلاط فيه حيث (328) تنتقل الأبدان من الشتاء إلى ما هو أسخن، وأما في (329) الخريف فإنما تهيج من سبب واحد.
[فصل رقم 319]
[aphorism]
قال أبقراط: الأمراض السوداوية (330) يخاف منها أن تؤول إلى السكتة أو الفالج أو إلى التشنج أو إلى الجنون أو إلى العمى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P120A أما السكتة والفالج والتشنج والعمى فقد تكون من الخلط السوداوي، وأما الجنون فلا يكون إلا من خلط مهيج لذاع، وأشده نكاية الصفراء إذا احترقت. وأما الخلط السوداوي فقليل النكاية، إلا أنه إن احترق احتراقا شديدا صارت له حدة خبيثة مهلكة.
[فصل رقم 320]
[aphorism]
قال أبقراط: السكتة والفالج يحدثان خاصة فيمن كان (331) سنه فيما بين الأربعين سنة إلى الستين سنة.
[commentary]
قال عبد اللطيف : إنما يعرض في هذه السن السكتة والفالج الكائنان عن المرة السوداء، لأن هذه السن (332) يغلب فيها هذا الخلط، كما يغلب (333) في الخريف، ولاسيما من جاوز الستين سنة.
[فصل رقم 321]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا بدا الثرب فهو لا محالة يعفن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الثرب هو (334) الغشاء المجلل (335) للمعدة فما دونها. وقوله: "إذا بدا" PageVW3P113A معناه إذا ظهر وخرج من الغشاء الآخر الممدود على البطن كله لخرق (336) أصابه فإنه (337) إذا لبث PageVW1P086B ظاهرا مقدارا ما، فليس يمكن إذا أدخل (338) أن يبقى صحيحا سليما دون أن يعفن. فأما غيره من الأعضاء كالأمعاء وزوائد الكبد فإنها قد تلبث ظاهرة مدة ما قبل أن تبرد بردا شديدا ثم تدخل ويخاط (339) الجرح ويندمل وتعود هي إلى طبيعتها. فأما الثرب فإن أدخل على فوره فقد يسلم، وإن بقي أدنى مدة عفن ولم يقبل العلاج (340)، ولذلك رأى الأطباء من الحزم أن يقطعوه، وإنما يسارع إليه العفن دون غيره لكثرة رطوبته وبرده أيضا. وأما الكبد فهي مع (341) رطوبتها حارة (342) جدا، وأما المعا ففيه يبس، فلذلك أسرع العفن إلى الثرب دون غيره.
[فصل رقم 322]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع عرق النسا وكان (343) وركه ينخلع ثم يعود، فإنه قد (344) حدثت فيه رطوبة مخاطية.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الرطوبة المخاطية هي الكيموس البلغمي اللزج مع رقة، فإذا ابتل به مفصل الورك استرخى، ولذلك ينخلع (345) العظم PageVW2P120B من النقرة ويخرج منها بسهولة (346) ثم يعود PageVW0P100B سريعا، وانخلاع الورك هو انخلاع مفصله من رأس الفخذ.
[فصل رقم 323]
[aphorism]
قال أبقراط: من اعتراه وجع في الورك مزمن فكان وركه ينخلع، فإن رجله كلها تضمر ويعرج إن لم يكو.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل متصل بما قبله، وذلك أن من صارت وركه تنخلع لكثرة الرطوبة المخاطية ودام استرخاؤها فإن الرجل تعرج وتضمر لقلة اغتذائها ورداءة ما تغتذي به لأنها إذا زالت عن استقامتها لم يجر الغذاء إليها على ما ينبغي، وإذا لم يحسن اتصالها بالبدن صارت بمنزلة العضو الميت، وهكذا من خلعت يده فإنها أيضا تضمر. وقوله: "إن لم تكو" أي إذا كويت جفت تلك الرطوبة وقلت، فلم تحصل نكايتها.
* تمت المقالة السادسة، بحمد الله وعونه وحسن توفيقه (347).
المقالة السابعة
[فصل رقم 324]
[aphorism]
قال أبقراط (1): برد الأطراف في الأمراض الحادة، دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الأطراف هي (2) نحو الأنف والأذنين والقدمين والكفين، والعادة جارية أن تكون هذه الأطراف في أصحاب الأمراض الحادة PageVW3P113B حارة جدا بحيث تلتهب وتحترق، فإذا بردت دل على أن في الأحشاء ورما عظيما حارا بحيث يجتذب إليه الحرارة الظاهرة فتبرد (3) الأطراف لذلك مع أن الأحشاء تلتهب حرارة حتى لا يحتمل صاحبها أن يغطى بثوب (4)، فأما في الأمراض المزمنة فلا عجب أن تبرد الأطراف ولاسيما في النساء والصبيان.
[فصل رقم 325]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العظم علة فكان (5) لون (6) اللحم عنها كمدا، فذلك دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "فكان لون (7) اللحم عنها كمدا" أي عن العلة (8) لا بسبب آخر، والإكمداد يدل على جمود الحرارة الغريزية من العضو، PageVW1P087A وعلى عفونة قوية حدثت في اللحم الذي حول العظم.
[فصل رقم 326]
[aphorism]
قال أبقراط: حدوث الفواق وحمرة العينين (9) عند (10) القيء، دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "عند القيء" PageVW2P121A * أي عقيب القيء (11) PageVW0P101A وإنما كان دليلا رديئا لأن من شأن القيء أن يسكن الفواق الذي سببه رطوبة تؤذي المعدة، فإذا لم يسكن بالقيء دل على ورم عظيم في الدماغ أو في المعدة ويتبعهما حمرة العينين، لكن حمرة العينين لورم الدماغ أتبع.
[فصل رقم 327]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد العرق إقشعرار، فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من شأن العرق أن يستفرغ به مادة الإقشعرار، فإذا عرض بعده الإقشعرار دل على أنه لم يقو على أن يستفرغ مادته لكثرتها أو لضعف القوة عنها كما قال أبقراط: إن أعراض البحران إذا لم يكن بها بحران فربما دلت على موت، وربما دلت على أن البحران يكون بعسر لأن الطبيعة تنهزم (12) في هذه الأحوال وتخور (13) من المرض.
[فصل رقم 328]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم واستسقاء (14) أو حيرة، فذلك دليل محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما اختلاف الدم والاستسقاء فيمكن أن يكون بهما برء الجنون على جهة انتقال المرض من الأعلى إلى الأسفل، وأما الحيرة فهي زيادة فيه وكأنها جنون شديد (15) دائم، لكن يمكن أن يكون عقيبها البرء، كما يكون البرء من الأمراض الحادة عقيب اشتدادها وقوة حركتها، كما عليه الحال في البحارين. وأما أنا فأرى (16) أن هذا الفصل مما ينبغي أن لا ينسب إلى أبقراط، ومع ذلك فأرى فيه توجيها آخر غير ما ذكر جالينوس PageVW3P114A وهو أن يكون قوله: "إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم" أي إذا حدث عقيبه استفراغ المادة من أسفل، إما من أفواه العروق، وإما من الكبد، فذلك برؤه، وهذا علة ظاهرة. وأما الاستسقاء فأنت تعلم أنها علة رديئة جدا ليست في الخطر بدون الجنون (17) وربما كانت أوحى منه، فكيف جعله دليلا محمودا، إلا أن يكون يريد بالاستسقاء ابتداؤه قبل (18) تمكنه، فيمكن - حينئذ (19) - علاجه، فيحصل الشفاء من المرضين جميعا. وأما الحيرة فيحتمل أن يراد بها البهتة (20) الحاصلة للمجنون عقيب الإفاقة، وذلك PageVW2P121B عندما يحضره عقله وفكره (21) ويأخذ في التعجب من حاله أو يستحي مما عرض (22) له، ومن رجع إليه فكره وتعجبه وحياؤه فذلك فيه دليل محمود.
[فصل رقم 329]
[aphorism]
قال أبقراط: ذهاب الشهوة في المرض المزمن، والبراز الصرف، دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: من شأن الشهوة أن تقوى في الأمراض المزمنة، فإذا ذهبت PageVW0P101B فذلك دليل رديء؛ فإن كان البراز مع ذلك صرفا قوى دليل الردءاة، فإن البراز الصرف هو الذي يغلب عليه الخلط الذي هو سبب المرض من غير أن يخالطه (23) شيء PageVW1P087B من الثفل، أعني ثفل الغذاء ولا رطوبته، بل يكون مرارا (24) أصفر أو أخضر أو كراثيا أو زنجاريا أو أسود، وهذا يدل على غلبة احتراق الأخلاط.
[فصل رقم 330]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث من كثرة الشراب إقشعرار واختلاط ذهن، فذلك دليل (25) رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد "بالشرب" شرب الشراب، وهو الخمر وحده، ومن شأن الخمر أن يسخن المزاج ويلهب ولاسيما إذا اختلط الذهن بالسكر، فإن (26) اختلاط الذهن إنما يكون عند الإكثار، فإن حدث عن ذلك إقشعرار فذلك دليل رديء لأنه يدل على خمود الحرارة الغريزية، بمنزلة الحطب الكثير يلقى على النار القليلة فإنها تخمد. وأرى في هذا الفصل معنى آخر، وهو: أن البدن إذا كان ممتلئا أخلاطا بلغمية غليظة لزجة واستكثر من شرب الخمر، نفذ (27) فيه (28) الخمر بلطافتها إلى الأعضاء الحساسة فبردت به، وربما كان البدن ممتلئا أخلاطا (29) مرارية، PageVW3P114B فيحتد بالخمر، فيلذع العصب، فيكون منه إقشعرار، وكل ذلك يدل على أن البدن كثير الامتلاء يحتاج إلى استفراغ.
[فصل رقم 331]
[aphorism]
PageVW1P088A قال أبقراط: إذا انفجر خراج إلى داخل، حدث عن ذلك سقوط قوة وقيء وذبول نفس (30).
[commentary]
قال عبد اللطيف: يعني بالخراج (31) الدبيلة، وقد يسميه (32) التقيح. وانفجاره إلى داخل يعني المعدة أو الأمعاء أو فضاء الصدر، فإذا انفجر إلى المعدة تبعه القيء، وإلى الأمعاء تبعه اختلاف القيح، وإلى الصدر تبعه السعال PageVW2P122A والنفث، وربما تبعه الاختناق. فأما سقوط القوة وذبول النفس فيتبع الجميع، لأنه يستفرغ مع القيح روح كثير.
[فصل رقم 332]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن سيلان الدم اختلاط في الذهن أو تشنج، فذلك دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: اختلاط الذهن الحادث عن سيلان الدم هو الحادث عن يبس واستفراغ، فلا (33) يكون قويا كالكائن عن امتلاء. ومن عادة أبقراط أن يسمى اختلاط الذهن الخفيف هذيانا. فإذا (34) عرض التشنج فذلك رديء جدا، لأنه التشنج الكائن عن يبس واستفراغ. ويروى (35) "وتشنج" بالواو على جهة الجمع بينهما، وبأو (36) على معنى أن كلا منهما إذا انفرد رديء.
[فصل رقم 333]
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P102A إذا حدث في القولنج المستعاذ منه قيء وفواق واختلاط ذهن وتشنج، فذلك دليل سوء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الصنف من القولنج ينسد معه مسلك المعا إلى أسفل، فلا ينفذ منه شيء البتة، وهي خاصة لازمة له، فإن تزيد ذلك وتأذي المعا بطول لبث ما فيه اضطر إلى أن يتحرك حركة مستكرهة على خلاف طباعه وإلى ضد الجهة فحدث التهوع والقيء، فإذا تفاقم الأمر وأشرف على الهلاك قاء الرجيع. وأما الفواق فتشنج يعرض للمعدة لألمها بالمشاركة، ويحركها على خلاف PageVW1P088B طباعها. ويحدث أيضا اختلاط الذهن والتشنج (37) لمشاركة عصب المعدة الدماغ.
[فصل رقم 334]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث عن ذات الجنب، ذات الرئة، فذلك دليل رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العلة تحدث عن العلة إذا كانت الأولى باقية على حالها، بل إنما تحدث عنها علة أخرى عند تفاقمها وعظمها وقوة خبثها، فأما العلة التي تنتقل إلى علة PageVW3P115A أخرى فإن الأولى تنقضي أصلا. فقوله: "إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة" يريد إذا تفاقمت ذات الجنب حتى حدثت عنها ذات الرئة فذلك رديء. فأما ذات الرئة فلا يحدث عنها ذات الجنب، لأنها إن كانت عظيمة قتلت قبل أن يتولد منها ذات الجنب، وإن كانت يسيرة PageVW2P122B برئت سريعا. وفي بعض النسخ هكذا: ومن بعد ذات الجنب ذات الرئة، أي ذات الرئة تحدث بعد ذات الجنب، ولم يتعرض هل ذلك رديء أم لا؟
[فصل رقم 335]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ذات الرئة البرسام.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كما أن ذات الرئة قد تحدث عن ذات الجنب، كذلك البرسام قد يحدث عن ذات الرئة، وذلك إذا كانت المادة من خلط حاد لذاع فيرتفع إلى الرأس منه بخار كثير فيكون منه البرسام.
[فصل رقم 336]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الاحتراق الشديد، التشنج والتمدد.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الاحتراق الشديد فسر بثلاثة أشياء: بالحمى (38) الشديدة، وبحرارة الهواء المفرطة، وبالكي الشديد. وكله قد يحدث عنه إذا أفرط إضرار بالعصب ويبس فيه، فيتشنج، وتشنجه لذلك رديء لأنه عن يبس. وهذا كله عطف على قوله: "إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة، فذلك دليل رديء" أي وإذا حدث عن الاحتراق الشديد التشنج PageVW0P102B والتمدد فذلك رديء. وعلى النسخة الأخرى يكون قصده أن تعرف أن التشنج والتمدد يحدثان عن الاحتراق الشديد، من غير أن يتعرض هل هو جيد أو رديء.
[فصل رقم 337]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن (39) الضربة على الرأس، البهتة واختلاط الذهن (40).
[commentary]
قال عبد اللطيف: البهتة أن يبقى الإنسان مفتوح العينين ساكتا ساكنا لا يخبر (41) جوابا ولا يمضي عزما. يقال: منه بهت الرجل (42) فهو مبهوت وكثيرا ما يعرض ذلك عند الخوف الخالع إذا باغت. وأما اختلاط الذهن فأن يتكلم بما لا ينبغي، * وقد يفعل أيضا ما لا ينبغي (43)، وكلا هذين يحدثان إذا نال الدماغ آفة من ضربة أو سقطة؛ والبهتة أشد. وهذا أيضا منسوق على ما سبق، أي أن حدوث هذا بعد هذا دليل رديء، أو هو مما يحدث بعده ويتبعه. وفي بعض النسخ يزاد في آخر الفصل: "رديء"، وهذه PageVW3P115B الكلمة صحيحة في المعنى كما ذكرنا، لكنها ذكرت مبتورة، سياقة الكلام تستغني (44) عنها ولا تقتضيها.
[فصل رقم 338]
[aphorism]
PageVW2P123A قال أبقراط: وعن نفث الدم، نفث المدة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW1P089A أي ويحدث أو يتبع نفث الدم نفث المدة، أو: وإذا حدث عن نفث الدم نفث المدة، فذلك دليل رديء على ما فسرنا أولا. وقد قلنا (45) أنه لا يتبع علة علة إلا إذا كانت الأولى خبيثة وثابتة.
[فصل رقم 339]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن نفث المدة، السل والسيلان، وإذا احتبس البصاق مات صاحب العلة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما السل فهو هزال مفرط لا يبرأ، مع حمى دقيقة وقرحة في الرئة. وأما السيلان فقد فسره جالينوس بتساقط الشعر تارة، وبرقة البصاق أخرى، قال: لأن السيلان في لغة اليونانيين يشعر بذلك. وأنا أرى أن السيلان يفهم منه معنى آخر، وهو الاختلاف فإنه مؤذن بهلاك المسلول. ويشعر بمعنى (46) آخر وهو أن يعني بالسيلان ذوبان الأعضاء على ما يظهر في البول من الدهانة، وهذا يكون عند قرب الموت، وهذا التأويل (47) عندي أليق ما قيل. ويحتمل أن يكون هذا الإخبار على جهة التوكيد، وعلى جهة الإخبار بالرداءة كما ذكرنا أولا. وقوله: "وإذا احتبس البصاق مات صاحب العلة" لأنه إنما يحتبس إذا ضعف جدا وعجز عن نفث ما في رئته، فإذا اجتمع ذلك سد منافسه (48) PageVW0P103A وخنقه، فكان (49) الموت.
[فصل رقم 340]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن ورم الكبد، الفواق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا أيضا إخبار بمجرد الحدوث والتولد، وإما بأنه ردئ على ما قيل. وإذا اشتد ورم الكبد عرض الفواق لمشاركة الكبد المعدة في عصب رقيق يأتيها، وقد يكون لأن الكبد إذا عظم ورمها كثر فيها المرار فصبته إلى الأعضاء وتصعد إلى المعدة فلذعها فكان عنه الفواق، ولا يكون ذلك إلا عند عظم الآفة وخبث الورم.
[فصل رقم 341]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن السهر، التشنج واختلاط الذهن.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السهر يجفف المزاج ويستفرغ الأخلاط، فالتشنج الكائن عنه هو الحادث عن يبس، ويعسر برؤه PageVW2P123B جدا؛ ولذلك هو ردئ، وكذلك (50) اختلاط الذهن. وفي بعض النسخ يقتصر (51) على قوله: "وعن السهر التشنج" لأن غرضه PageVW3P116A أن يخبر بأردأ (52) الأعراض التابعة. وفي بعض النسخ زيادة لفظة ردئ، ولا حاجة إليها كما قلنا آنفا.
[فصل رقم 342]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن انكشاف العظم، الورم الذي يسمى الحمرة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: جالينوس يرى أن أبقراط لا يعني بأن الورم تابع لانكشاف العظم كما سبق أمثاله، قال لأن ذلك لا يكون إلا في الندرة، وإنما يعني أنه إذا كشف العظم فظهر تحته الورم الذي يدعى الحمرة فتلك علامة رديئة، فعلى هذا تكون "عن" هذه لابتداء (53) الغاية، كقولهم: بزغت (54) الشمس عن السحاب؛ والمعنى من تحت السحاب. وأما في الفصول الماضية فإن "عن" للسببية (55)، كما يقال: حدث السحاب عن البخار والنبات عن الشمس.
[فصل رقم 343]
[aphorism]
PageVW1P089B قال أبقراط: وعن الورم الذي يدعى الحمرة، العفونة والتقيح.
[commentary]
قال عبد اللطيف: وأيضا فإن العفونة والتقيح يحدثان عن الحمرة إذا عظم أمرها وخبثت جدا، و"عن" هذه هي السببية كما سبق.
[فصل رقم 344]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الضربان الشديد في القروح، انفجار الدم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الضربان إنما هو من حس مؤلم يحدث من حركة العروق الضوارب، ومادامت (56) الأعضاء على حالها الطبيعية لا يحس بحركة العروق، لسعة المكان عليها وقلة الحفز (57) منها وتألم الأعضاء التي تلاقيها، فإذا حدث الورم ضاق المكان وحفز (58) العرق الطبيعة (59) واستكرهته لدفع ما فيه ودفع أعضاء (60) متألمة، فكان عنه الضربان والنفذان، وذلك خاص بالعروق PageVW0P103B الضوارب. والضربان (61) إنما يكون في القروح التي معها ورم حار، لأن اللحم المحيط بالعروق لا يحتمل حركتها، لكنه يناله من مصادمتها (62) إياه إذا انبسطت وجع، فإذا عظمت حركة العروق واستكرهت لتشوقها إلى دفع الأشياء المؤذية، لم يمتنع أن يتبعه انفجار الدم.
[فصل رقم 345]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن الوجع المزمن PageVW2P124A فيما يلي المعدة، التقيح.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الوجع في المعدة إذا أزمن لم يمكن أن يكون من ريح غليظة ولا حدة لاذعة، لأن هذه الأشياء تزول سريعا ولاسيما إن استعمل (63) المريض التدبير على ما ينبغي؛ فبقي أن يكون الوجع المزمن من ورم، فإذا طالت عليه المدة فإنه سيقيح، إلا أن يموت PageVW3P116B المريض قبل ذلك.
[فصل رقم 346]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن البراز الصرف، اختلاف الدم.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البراز الصرف هو الذي لا يخالطه غيره بل يكون مرة صفراء (64) أو سوداء على حاله (65)، وليس بعجب، إذا كثر ملاقاة هذا الخلط الحاد المعا سحجه وقرحه وأحدث فيه تآكلا وتبعه اختلاف الدم.
[فصل رقم 347]
[aphorism]
قال أبقراط: وعن قطع العظم، اختلاط (66) الذهن إذا نال الخالي.
[commentary]
قال عبد اللطيف: يريد بالعظم هنا عظم الرأس المسمى قحفا، ويريد بقطعه خرقه إلى أن يصل إلى (67) الدماغ أو إلى غشائيه (68)،حتى ينال الموضع الخالي من الدماغ يعني البطن منه، فبهذين (69) الشرطين يعرض اختلاط الذهن. فأما إن قطع (70) العظم ولم يصل إلى المكان الخالي فلا يلزم أن يختلط الذهن.
[فصل رقم 348]
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج من شرب الدواء فهو مميت.
[commentary]
قال عبد اللطيف: التشنج العارض عن شرب الدواء المسهل أو المقيء (71) مميت، لأنه النوع من التشنج العارض عن الاستفراغ ويبس العصب.
[فصل رقم 349]
[aphorism]
قال أبقراط: برد الأطراف عن الوجع الشديد فيما يلي المعدة، رديء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: برد الأطراف قد يكون عن ورم عظيم في الأحشاء تنقبض الحرارة الغريزية إليه، ويكون من ذبول النفس ومن الغشي، لخمود (72) PageVW1P090A الحرارة الغريزية أو لانغمارها (73) بكثرة المادة ولاسيما الباردة. وقد يكون برد الأطراف من وجع شديد في الجوف تنقبض بسببه الطبيعة (74) إلى نفسها ويتبعها الدم فيخلو (75) سطح البدن والأطراف عنهما فتبرد؛ فلذلك كان رديئا لأنه يدل على قوة الألم في الجوف.
[فصل رقم 350]
[aphorism]
PageVW2P124B قال أبقراط: PageVW0P104A إذا حدث بالحامل زحير، كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
قال عبد اللطيف: كثيرا (76) ما تسقط الحامل عن الحركات الشديدة والأوجاع القوية وإن كانت بعيدة عن الرحم، فلا عجب أن تسقط من الزحير، وهو ألم في المعا المستقيم المسمى بالمبعر ويحصل معه استرخاء العضلات المجاورة والمشاركة للرحم، ثم أنه يحصل للحامل إعياء وتعب مفرط وسقوط قوة لكثرة القيام والقعود وطول التردد، ثم أن الزحير كثيرا ما يحصل عنه سقوط القوة وانحلالها (77) والاسترخاء (78) المفرط، ومن شأن (79) الاسترخاء أن يحل علائق الجنين فيسقط.
[فصل رقم 351]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا انقطع شيء من العظم أو الغضروف، لم ينم (80) ولم يلتحم. PageVW3P117A
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه الأعضاء لا تنبت ولا تلتحم لأن خلقها من المني، وهي من الأعضاء الأول. وأما اللحم والشحم ونحوهما فإنه ينمى وينبت ويلتحم إذا وقع فيه جراحة ونقص أو انشق (81).
[فصل رقم 352]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بمن (82) غلب عليه البلغم الأبيض اختلاف قوي، انحل عنه به مرضه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: البلغم الأبيض هو الاستسقاء اللحمي لأنه يكون عنه، وإنما وصفه بالأبيض لسببين (83) أحدهما: ليفصله عن البلغم الذي تغير لونه بمخالطة (84) غيره، كالكمد (85) والأزرق والأغبر والأصفر وغير ذلك. والثاني: أن لا (86) يكون إتيانه بالأبيض ليفصله عن غيره بل ليصف طبيعته؛ فإن الوصف قد يذكر للفرق والتمييز (87)، وقد يذكر على جهة تعريف الذات، كما يقال: الله العظيم، والحق اليقين. ومن كان به هذا الصنف من الاستسقاء ثم عرض له (88) اختلاف قوي، وفي نسخة أخرى: مزمن، انحل عنه (89) به مرضه على جهة الاستفراغ الواقع من (90) تلقاء نفسه، وبه يقتدي الطبيب كما سبق أمثاله.
[فصل رقم 353]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به اختلاف وكان (91) ما يختلف زبديا (92)، فقد يكون سبب اختلافه شيئا ينحدر من رأسه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW2P125A الزبد يحدث لمخالطة الريح جسما رطبا سيالا، وكلما كانت الريح أغلظ والجسم الرطب (93) أكثر لزوجة، كان الزبد أبطأ انحلالا؛ وربما كان السبب فيه حركة عنيفة، كما يعرض في موج البحر؛ وربما كان السبب (94) حرارة PageVW0P104B قوية، كما يعرض لما يطبخ ويغلي. وقوله: "فقد يكون سب اختلافه شيئا ينحدر من رأسه" أي أنه ليس بالواجب أن يكون من رأسه، بل قد يكون من غير رأسه، فقد يكون هذا الاختلاف الزبدي من مادة تنحدر PageVW1P090B من الرأس مع ريح غليظة تخالطها. ويجوز أن يكون تولد هذه الرطوبة الزبدية في المعدة والأمعاء. وقد توهم قوم أن ما (95) ينحدر * من الرأس إنما يكون زبديا لمخالطته (96) الرئة في نزوله (97)، وليس بحق فإنا نراه قد ينحدر (98) إلى (99) المعدة ولا يدخل إلى الرئة؛ وقد نرى المواد تنفث من الرئة وليست زبدية، فكان (100) الواجب - على قولهم - أن يكون كل ما (101) ينفث من الرئة زبديا بمخالطته (102) لها.
[فصل رقم 354]
[aphorism]
PageVW3P117B قال أبقراط: من كانت به حمى فكان يرسب في بوله ثفل (103) شبيه بالسويق الجريش، فذلك يدل على أن مرضه طويل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الثفل الشبيه بالسويق الجريش يدل على غلظ المادة فيحتاج (104) إلى نضج كثير (105) في زمان طويل، * فإن كانت قوة المريض تفي بالنضج وتثبت إلى المنتهى، سلم المريض بعد طول (106)، وإن لم تف قوته (107) هلك سريعا. فهذا الثفل إما أن يدل على موت سريع، وإما على شفاء وسلامة بعد مرض طويل، فقوله (108): "فذلك يدل على أن مرضه طويل" ينبغي أن يزاد عليه أو يفهم منه: إن كان مرضه سليما.
[فصل رقم 355]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان الغالب على الثفل الذي في البول المرار وكان أعلاه رقيقا، دل على أن المرض حاد (109).
[commentary]
قال عبد اللطيف: غلبة المرار تدل على حدة المرض، فالمرار إذا أطلق فإنما نعني (110) به المرة الصفراء وحدها، والخالفة (111) في "أعلاه" يحتمل أن ترجع إلى البول وإلى المرار، فإن رجعت إلى البول فهو موضع حيرة، لأن البول في المرض الحاد لا يكون رقيقا PageVW2P125B ولاسيما إذا كان فيه رسوب، فلذلك رأوا (112) أن قوله: "وكان أعلاه رقيقا في الزمان" أي وكان أعلى البول قبل الرسوب رقيقا. وإن رجعت الخالفة (113) إلى المرار كانت الرقة يراد بها في الشكل، أي وكان الثفل رقيق الأعلى صنوبريا، ويكون قد استعمل الرقيق في موضع الدقيق. ويحتمل عندي وجها ثالثا: هو أن تكون الخالفة ترجع إلى البول، ويكون يريد بالرقة، لا الرقة المائية المفرطة، بل اعتدال القوام، كأنه قال: وكان البول ليس غليظا، فإن غلظ البول يدل على طول المرض وغلظ مادته، كما أن رقته (114) جدا تدل أيضا على طوله وقلة نضجه، وما هو دون الغليظ فهو رقيق. وجرت عادة أبقراط إذا أراد الرقة المفرطة أن يقول: رقيقا (115) مائيا، فلما قال رقيقا وسكت دل على أنه يريد به اعتدال القوام لا الرقة المائية، وأيضا قد علم أن الرسوب لا يكون معه الرقة المائية PageVW0P105A لكن قد يكون معه الغلظ فقال: رقيقا ليميزه عما يقع ويكون، لا عما لا يكون.
[فصل رقم 356]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان بوله متشتتا فذلك يدل على أن في بدنه اضطرابا قويا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "متشتتا" PageVW3P118A أي مختلف الأجزاء، ومن عادة الطبيعة إذا غلبت واستولت أن تجعل الأجزاء كلها متساوية متشابهة، فإذا كانت أسباب المرض تعاندها (116) [ك: ورقة 91أ] وتقاومها، كانت أفعالها وآثارها مضطربة مختلفة.
[فصل رقم 357]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان فوق بوله عبب (117)، دل على أن علته في الكلى وأنذر منها بطول.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العبب (118) هو النفاخات (119) التي تعلو الماء كالزبد (120)، وتسمى الحبب والحباب (121) وذلك إنما يكون عن ريح غليظة تداخل رطوبة، فإن كانت الرطوبة لزجة كان الحبب أطول لبثا وأعسر انحلالا، ويقال لمعظم الماء (122) عباب (123) وحباب، والعبيبة (124) شراب المغافير (125) لكثرة زبده، ولعل العين (126) من العبب بدل من حاء (127) حبب (128) كما أبدلت منها في مواضع كثيرة، كقولهم في (129) "حتى" "عتى" PageVW2P126A لتقارب مخرجهما (130) في الحلق. وإذا كان في الكلى علة باردة، خالط البول ريح غليظة ينفش منها (131) فيحدث عنها (132) حبب (133)، فلذلك (134) صار الحبب يدل على علة في الكلى وينذر بطولها. وقوله: "وأنذر (135) منها بطول" أي في المستقبل لأن الإنذار أكثر ما يستعمل * لما يستقبل، وقد يستعمل (136) في معنى الإعلام مطلقا، فيكون قوله: "وأنذر منها بطول" أي بأن العلة قديمة قد مضي عليها زمان، وإذا قدمت العلة كانت أولى أن يحدث عنها ريح غليظة، لأن طول التحلل في المادة الغليظة يوجب ذلك.
[فصل رقم 358]
[aphorism]
قال أبقراط: ومن رؤي (137) فوق بوله دسم جملة، دل ذلك على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الدسم في البول والبراز يدل (138) على ذوبان شحم البدن لحرارة قوية نارية، وقد يكون ذلك من البدن كله، وقد يكون من عضو مخصوص. والدسم في البول إن كان من عضو بعيد جاء قليلا قليلا وعلى تدريج، وإن (139) كان من عضو قريب ظهر دفعة وجملة واحدة، * فلذلك صار الدسم (140) في البول إذا ظهر في (141) جملة واحدة (142) دل على أن في الكلى علة حادة تذيب شحم الكلى وترسله مع البول.
[فصل رقم 359]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت به علة في كلاه وعرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها وحدث به وجع في عضل صلبه، فإنه إن كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج، وإن كان ذلك الوجع في المواضع (143) الداخلة فأحرى (144) PageVW3P118B أن تكون الدبيلة من داخل.
[commentary]
قال عبد اللطيف: وصف (145) فيما تقدم دليلين على علل الكلى، وأما في هذا الفصل فوصف حال من علم أنه به علل الكلى منذ PageVW0P105B زمان طويل وأنه إن اجتمع فيه مع العلامات التي تقدم ذكرها وجع في عضل الصلب، دل على (146) أنه سيحدث به في ذلك الموضع خراج. وهذا العضل جنسان: أحدهما من تحت الجلد يحيط (147) من الجانبين بالصلب كله. والآخر من قدام (148) وليس هو ممدودا PageVW2P126B على باطن الصلب كله لكنه منه (149) على الخمس الخرز السفلية، ففي أي الجنسين حدث الوجع فتوقع خروج الخراج فيه، في نفس الكلى كان، أو في العضل، أو فيهما جميعا.
[فصل رقم 360]
[aphorism]
PageVW1P091B قال أبقراط: الدم الذي يتقيأ (150) من غير حمى، سليم، وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: القيء إنما يطلق بالحقيقة على ما يخرج من المعدة دفعة، فأما ما يخرج من الرئة فلا يقال قيء وإن كان كثيرا إلا مجازا، وأما هنا فلا يريد به ما يخرج من الرئة، لأن خروجه خطر على كل حال، مع حمى كان أو بغير حمى؛ فإن الدم الذي يتقيأ من المعدة إذا كان بغير حمى دل على أنه ليس معه ورم، لكن يكون سببه إما انفتاح (151) عرق (152) أو قرحة بغير ورم، وكل قرحة ليس معها ورم فهي سريعة البرء، وعلاجها (153) بالأشياء القابضة. فأما القروح التي معها ورم فليس يمكن أن تبرأ، ومع ذلك فلا تبقى على حال واحدة ولكن تزداد عظما وخبثا.
[فصل رقم 361]
[aphorism]
قال أبقراط: النزلة (154) التي تنحدر إلى الجوف الأعلى تتقيح في عشرين يوما.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن النزلة (155) من الرأس قد تنحدر إلى فضاء الصدر الذي يحوي الرئة، وقد تنحدر في قصبة الرئة إليها وتتقيح فيها، وتنضج في عشرين يوما لأنه يوم البحران، لا كما ظن بعضهم اثنين وعشرين يوما.
[فصل رقم 362]
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول، وأصابه وجع في نواحي الشرج والعانة، دل ذلك على أن فيما يلي المثانة وجعا.
[commentary]
قال عبد اللطيف: بول الدم يدل على قرحة، وتقطير البول يدل على شيء يلذع ويؤذي. وأما الوجع في نواحي الشرج والعانة فهو يصحح هذا الاستدلال على أن ما يلي المثانة وجع.
[فصل رقم 363]
[aphorism]
قال أبقراط: متى عدم اللسان قوته PageVW3P119A بغتة أو استرخى عضو من الأعضاء؛ فالعلة سوداوية (156).
[commentary]
قال عبد اللطيف: يقال إن اللسان عدم قوته بقولين: خاص، وعام. فالخاص أن يضعف عن تمكين الألفاظ وتبيين (157) الحروف، والعام PageVW2P127A أن يعدم الحركة أصلا. وقوله: "بغتة" أي من غير تدريج. قوله: "أو استرخى عضو من الأعضاء" معناه أيضا PageVW0P106A بغتة. قوله: فالعلة سوداوية" ليس بصحيح، بل قد تكون سوداوية وقد تكون بلغمية.
[فصل رقم 364]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث التشنج (158) بسبب استفراغ شيء (159) أو قيء أو فواق، فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الشيء (160) هو الاختلاف على جهة الكناية، فأي هذه الثلاثة حدث عن استفراغ مفرط، فليس ذلك بمحمود. وأمراض التشنج ليست محمودة، فيتفق غير محمود مع غير محمود، فيكون غير محمود أكثر.
[فصل رقم 365]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابته حمى ليست من مرار (161) فصب على رأسه ماء حارا كثير، انقضت بذلك حماه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: الحميات ثلاثة أجناس: الجنس الأول: حمى مع ورم بعض الأعضاء الظاهرة أو الباطنة، كذات الجنب، وذات الرئة ، وذات الكبد، وذات الطحال. والجنس الثاني: حمى كائنة عن * عفونة بعض الأخلاط الأربعة، كالدم، والمرتين، والبلغم. والجنس الثالث: حمى كائنة عن (162) بعض الأسباب PageVW1P092A العارضة للبدن يحصل منها سخونة الدم والروح، كالحر المفرط والبرد، المفرط والتعب، واستحصاف مسام البدن بالطبع أو لبعض الأسباب، وينحصر ذلك في شيئين: تحلل مفرط، وجمود مفرط (163)، فيتبعها حرارة في الروح، إما لكثرة الحركة وإما لكثرة السكون. فأما الجنس الأول فإنه لا يسمى حمى بقول مطلق وإنما يقال حمى ذات الرئة، وحمى ذات الجنب، ونحو ذلك؛ لأن الحمى في هذه الأشياء ليست نفس المرض، بل عرض تابع للورم. وأما الجنس الثاني والثالث فيسميان حمى بقول مطلق لأن الحمى فيهما (164) هي نفس المرض، لكن الفرق بينهما أن الحمى العفنية سببها (165) من داخل وهو (166) عفونة الأخلاط والتهابها ،كما تعفن الأشياء الرطبة نحو السرجين وأمثاله إذا انحصر ولم يتنفش (167). وأما الجنس الثالث فسببه باد وليس PageVW3P119B معه عفونة في الأخلاط، فهذا وحده PageVW2P127B هو الذي ينفع فيه صب الماء الحار الكثير على الرأس لأنه يفتح (168) المسام وينفش عن البدن ما انحصر فيه، فيحلل بذلك الحمى وينفش الحرارة. فأما الجنس الأول والثاني وهو الذي معه عفونة أو ورم فلا ينفع فيه (169) صب الماء الحار لأن الورم يحتاج أن ينضج والخلط العفن يحتاج أن يستفرغ. ولما كانت الحمى في الجنس الأول عرضا وجب أن نصرف (170) عناية العلاج إلى المرض وهو الورم. ولما كان سبب الحمى في الجنس الثاني موجودا وهو العفونة، وجب أن نصرف العناية إلى PageVW0P106B إزالته لأنه لا ينبغي أن يتشاغل بمداواة (171) المرض (172) وسببه حاضر إلا بحسب (173) ما ينكف (174) عاديته، لأن علاج هذا بالحقيقة إنما هو إزالة السبب. فأما الجنس الثالث فالحمى هي نفس المرض، وليس سببها موجودا غالبا، فلذلك نصرف (175) التدبير إليها خاصا وخالصا. وينبغي أن نفهم من المرار هنا سائر الأخلاط العفنة كالدم والبلغم أيضا، فإنه إنما يحدث عنهما حمى عند عفنهما واحتدادهما وانتقالهما إلى جنس المرار. وفي بعض النسخ: "فانصب على رأسه عرق حار كثير انقضت بذلك حماه" يريد أن من عرق في الحميات انتفع بذلك جدا وانقضت حماه، كما يجري عليه الحال في البحارين. ولكن يبقى قوله: "ليست من مرار" يفسد المعنى، فإن العرق الكائن في الحمى المرارية أشد نفعا وأولى أن تنقضي به.
[فصل رقم 366]
[aphorism]
قال أبقراط: المرأة (176) لا تكون ذات يمينين.
[commentary]
قال عبد اللطيف: المرأة أضعف من الرجل وأقل بطشا، وإنما قويت اليد اليمنى في الناس لأنه الجانب الأقوى والأشرف والأكثر حرارة لأجل وجود الكبد فيه، وقد يكون من الرجال (177) من يقوى شقاه جميعا لتوفر حرارته وقوة عصبة فيعمل (178) PageVW2P128A بكلتا يديه فيكون كلتا يديه يمنى (179) لأنه يبطش بهما بالسواء، فيقال لهذا الرجل أنه ذو يمينين؛ والعرب تقول لمن كان يعمل بكلتا يديه: أعسر يسر. ولما كانت (180) المرأة ضعيفة بالطبع لم تبلغ من PageVW1P092B قوتها أن تكون ذات يمينين ولا أن تبطش بهما على PageVW3P120A السواء، لأن هذه الحال في الرجال (181) نادرة، فلذلك كانت في النساء معدومة. وقد تكون اليمين نفسها في النساء ضعيفة، ولذلك حكى أبقراط عن نساء الصقالبة أنهن تكوين الثدي الأيمن (182) منهن حتى يأتي غذاء كثير إلى اليد اليمنى فتزيد (183) قوتها لأن تلك اليد منهن في طبعها ضعيفة. وقد فسره قوم غير هذا التفسير، ولكنه بعيد عن الصواب فأضربنا عنه.
[فصل رقم 367]
[aphorism]
قال أبقراط: من كوى من المتقيحين فخرجت منه مدة بيضاء نقية، فإنه يسلم؛ وإن خرجت منه مدة حمئة (184) منتنة (185)، فإنه يهلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: متى كان في البدن خراج أو دبيلة فاستحال ما فيه قيحا، قيل لتلك الحال التقيح، كان ذلك في الصدر أو في الرئة أو في غيرهما. فأما المتقيح (186) خاصة فهو الذي يجتمع فيما بين صدره ورئتيه قيح، وهو الذي جرت عادة الأوائل أن يستخرجوا ما فيه من المدة بالكي، فإن كانت تلك المدة بيضاء نقية فإنها PageVW0P107A عن إنضاج الطبيعة وعن مادة صالحة، وإن كانت المدة منتنة كالحمأة في اللون والقوام، دل على رداءة المادة وفساد الطبخ وكثرة العفن، وهذا كله مهلك.
[فصل رقم 368]
[aphorism]
قال أبقراط: من كانت (187) به في كبده مدة فكوى فخرجت منه مدة نقية (188) بيضاء، فإنه يسلم، وذلك أن تلك المدة (189) في غشاء الكبد (190)، وإن خرج شيء (191) منه شبيه بثفل الزيت، هلك.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إذا كان الورم في غشاء الكبد، والكبد سليمة، فإن المريض يسلم، وعلامته أن تخرج المدة بيضاء نقية. وإن كانت المدة والورم قد فشيت (192) وسعت إلى الكبد فإن المريض يهلك (193)، وعلامة ذلك أن يكون ما يخرج شبيها بثفل الزيت ودرديه PageVW2P128B فهذه الحال دليل على العفن من غير نضج، ولحم الكبد إذا عفن هكذا يكون.
[فصل رقم 369]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان في العينين وجع فاسق صاحبه شرابا صرفا، ثم أدخله إلى الحمام وصب عليه ماء حارا كثيرا، ثم افصده.
[commentary]
قال عبد اللطيف: جالينوس يرى هذا الفصل مما دلس على أبقراط وأنه ليس موافقا لقوانين أبقراط إذ فيه تناقض وذلك أنه جمع في مرض واحد ثلاثة علاجات: الشراب، والحمام، والفصد؛ فأي مرض هذا ليت PageVW3P120B شعري. فإن كانت المادة لاحجة في العين وكانت من مادة غليظة، نفعها شرب الشراب والحمام دون الفصد، وإن كان في البدن امتلاء نفعه الفصد دون الشراب والحمام، فإن استعملهما (194) جلب على المريض بلية عظيمة، ولم يبعد أن تتمزق وتنفطر (195) الأغشية التي في عينيه لكثرة ما ينصب إليها، ولا يعرف مرضا يصح أن (196) يجمع فيه بين هذه العلاجات الثلاثة إلا (197) على هذا الترتيب وهو: أن يفصد صاحب الامتلاء أولا، فإذا نقي بدنه كله وبقي في العين مادة لاحجة حللت واستفرغت PageVW1P093A بشرب الشراب وبالحمام (198)، وينبغي أن يقدم الحمام على شرب الشراب أو يفرق بينهما. وقد احتج قوم لترتيب هذا الفصل بأن الدم الغليظ إذا كثر في البدن حلل أولا في الحمام (199) وأذيب بالشراب ثانيا، ثم استفرغ (200) بالفصد ليكون أشد إجابة وأطوع؛ وهذا عند جالينوس قول من لا يباشر العلاج وعمل الطب، فإن صاحب الامتلاء لا يحتمل الشراب والحمام أصلا ويجلب عليه أعظم الضرر.
[فصل رقم 370]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال، فليس يرجى.
[commentary]
قال عبد اللطيف: سعاله دليل على كثرة المائية PageVW0,P107B حتى ضيقت المكان على آلات التنفس، فلذلك لا يرجى لأنه على شفا، وقد تقدم ذلك في فصل آخر.
[فصل رقم 371]
[aphorism]
قال أبقراط: تقطير البول وعسره يحلهما شرب الشراب والفصد، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: أما تقطير البول فهو PageVW2P129A خروجه قطرة قطرة لتعذر إمساكه على القوة، وذلك إما لضعفها وإما لحدته، وأكثر ما يكون ضعفها لمزاج بارد. وأما عسر البول فهو ألا يخرج أصلا، أو يخرج بصعوبة، ولا تفعل المثانة فعلها إلا بكد، وذلك إذا (201) كان معه وجع كان من ورم يسد المنفذ أو خراج أو قرحة أو مزاج مختلف خارج عن الاعتدال أو ريح غليظة، وقد يكون من عسر الحركة لضعف القوة أو ورم. فما كان من هذين سببه البرد وضعف القوة فالشراب الصرف والقليل المزاج يشفيه، وما كان منها سببه ورم وكثرة امتلاء فالفصد (202) يشفي منه، فإن كل PageVW3P121A علة لا يكون معها في البدن (203) نقصان وتكون القوة قوية فالفصد يشفي منها. وأما العروق الداخلة فقد قلنا أنها التي تلي الجانب الأنسي، كصافن الركبة، وباسليق الذراع.
[فصل رقم 372]
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهر الورم والحمرة في مقدم الصدر من خارج (204) فيمن اعترته الذبحة، كان ذلك دليلا محمودا، لأن المرض يكون قد مال إلى خارج.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد سبق بعينه حيث يقول: إذا ظهر الورم في الحلق من خارج فيمن اعترته الذبحة كان ذلك (205) دليلا محمودا.
[فصل رقم 373]
[aphorism]
قال أبقراط: من أصابه في دماغه العلة التي يقال لها اسفاقلوس (206) فإنه يهلك في ثلاثة أيام فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذه العلة أعني اسفاقلوس (207) هي فساد جوهر الدماغ، فإذا( (208)) عرضت هذه العلة في اللحم فإنه يسمى غنغرينا (209) لأنهم ينسبون اللحم الذي حدثت فيه إلى أنه ميت، وقد يسمى أيضا اسفاقلوس (210) وهو ورم عظيم حار يذهب معه حس (211) العضو ويسود وتعرض له الألوان التي تكون إذا مات. لكن لا ينبغي أن يفهم من قول أبقراط "من أصابه PageVW1P093B في دماغه العلة" أنها قد PageVW2P129B حدثت وتمت (212)، وذلك لأنها (213) إذا تم حدوثها لا يمكن أن تبرأ، وإنما ينبغي أن يفهم منه. إذا ابتدأت في الحدوث (214) ولما تحدث بعد. والأولى أن يفهم على ما أقول: من ظهرت عليه (215) دلائل العلة التي يقال لها اسفاقلوس (216) فإنه يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها إلى اليوم الرابع دل على أنها PageVW0P108A لم يتم كونها ولم تحدث على التمام وأن الطبيعة قويت عليها وقهرت مادتها، وإنما كانت هذه العلة لا تقبل البرء إذا استحكمت (217) من قبل أنها من أصعب العلل وحدثت في أشرف الأعضاء فكانت وجئة (218) جدا لا تقبل البرء (219) ولا تمهل.
[فصل رقم 374]
[aphorism]
قال أبقراط: العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب الموضع الخالي الذي في الرأس، فانحدر الهواء الذي فيه فسمع له صوت، لأن نفوذه (220) وخروجه يكون في موضع ضيق.
[commentary]
قال عبد اللطيف: العطاس حركة للدماغ (221)، يتحرك بها لنفض ما فيه وما قرب منه من مجاريه، وقد يتبعه انتفاض ما PageVW3P121B في الصدر والمعدة، لأن العصب مشترك، فإذا تقلصت (222) المعدة والصدر تبعا لانجذاب الدماغ انعصر ما فيها وانتفض؛ ولذلك صار العطاس يسكن الفواق. وقد يكون مبدأ هذه الحركة من الدماغ بأن يحتقن فيه بخار غليظ أو مادة غليظة بخارية فيتحرك (223) لنفضها ودفعها، وقد يكون مبدأ هذه الحركة من الخياشيم من شيء يلذع (224) ويؤذي، ومن بخار يترقى من المعدة الحنك فيلذع (225) الدماغ فيهيج للدفع. والعطاس للدماغ بمنزلة السعال للرئة تستنفض (226) به ما في قصبتها (227) من الشيء المؤذي. ولابد في العطاس من هواء، فإنه إذا دفعه الدماغ في منافذه استتبع معه الفضل الذي هناك، وهذا (228) الهواء منه ما هو مستقر ومنحبس (229) في الدماغ، ومنه ما يترقى إليه عند العطاس من الرئة والخياشيم، ولذلك يستنشق الإنسان عندما يروم العطاس هواء أكثر فينتفخ به جنباه ويمتلئ به رأسه، ثم يخرج الجميع بحمية وقوة، فيستفرغ بهذه الحركة PageVW2P130A من الرأس والصدر والمعدة ما يمكنه ويصادفه، ولذلك يسمع هذا الصوت، وكثيرا ما يصحبه صوت من قصبة الرئة بسبب (230) الهواء المنحبس (231) فيها، وكلما كان الدماغ أقوى كان ما يدفعه أقوى، فكان ما يسمع من الصوت أقوى. فقوله: "إذا سخن الدماغ" أي بكثرة الشيء المؤذي. وقوله: "ورطب الموضع الخالي" أي بطون الدماغ، وقد فهمه قوم أنه الموضع الخالي حول الدماغ من خارج لأنه يجذب (232) إليه منه الهواء، وهذا القول تعسف لا حاجة إليه. قوله: "فانحدر الهواء الذي فيه" في هذا الكلام حذف شيء ضروري لا يتم المعنى PageVW0P108B إلا به وذلك أنه إذا سخن الدماغ تحللت فضلاته فرطب، ثم تصير تلك الرطوبة بخارا وريحا، فإذا اندفع ذلك في مسالك ضيقة بحمية وقوة PageVW1P094A سمع له صوت، فذكر مادة البخار وهو الرطوبة، وفاعله وهو الحرارة، ولم يذكره (233) نفسه. وقوله: "انحدر" يشعر بسرعة اندفاعه، فكما أن السعال (234) عرض طبيعي لتنقية قصبة الرئة، كذلك العطاس لتنقية مجاري PageVW3P122A الأنف من الفم من (235) ثقبين واسعين، ومن الدماغ بمجار (236) أدق، فمجاري (237) الفم تنقى بالريح التي ترتفع من أسفل ومجاري الدماغ تنقى بالريح التي تنحدر منه؛ ولذلك صار العطاس الذي مبدؤه (238) من الدماغ يخفف ثقل الرأس، لأنه إنما يعرض إذا تحللت رطوبات الدماغ حتى تصير هواء ثم تندفع، وإنما تتحلل تلك الرطوبات إذا سخنت، وإنما تسخن من الحرارة الغريزية إذا انتعشت (239)؛ وقد يعينه ويحركه حرارة من خارج، كمن تضحى (240) للشمس بعد كن طويل وواجهها (241) فإنه يعطس (242) لاستعانة الحرارة الغريزية بحرارة الشمس.
[فصل رقم 375]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع شديد في كبده فحدثت به حمى، حلت (243) ذلك الوجع عنه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الوجع الشديد إنما يمكن أن يكون من غير حمى إذا كان من ريح غليظة نافخة، فالحمى حينئذ PageVW2P130B تحللها بحرارتها وتشفي منها. وأما (244) إذا كان سبب الوجع الشديد ورما حارا فإن الحمى تلازمه وتكون عرضا تابعا. وبالجملة إنما تحل الحمى الوجع الذي سببه مادة غليظة باردة، فقد يكون ريحا، وقد يكون ورما جاسيا باردا.
[فصل رقم 376]
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج إلى (245) أن يخرج من عروقه دم، فينبغي أن يقطع له العرق في الربيع.
[commentary]
قال عبد اللطيف: "قطع العرق (246)" فصده، والربيع وقت هيجان الدم وإمياعه. وقوله: "من احتاج" أي احتاج في تدبير صحته والاحتياط لمرض (247) متوقع. وهذا الفصل قد (248) سبق تفسيره فيما مضي مع جملة فصل آخر قرن الفصد فيه بالإسهال.
[فصل رقم 377]
[aphorism]
قال أبقراط: من تحيز (249) فيه بلغم فيما بين المعدة والحجاب وأحدث به وجعا إذا كان لا منفذ له، ولا إلى واحد من الفضائين، فإن ذلك البلغم إذا جرى في العروق إلى المثانة انحلت عنه علته.
[commentary]
قال عبد اللطيف: PageVW0P109A قوله: "تحيز (250)" أي تميز وانفرد عن غيره واجتمع. وقوله: "فيما بين المعدة والحجاب"، أي في ذلك الفضاء، وبعضهم ذهب إلى أنه يريد بما بين المعدة والحجاب، فيما بين جرم الحجاب الخالص الذي هو يحمي وبين أعلى الغشاء PageVW3P122B الممدود على البطن كله، وإنما حداهم على هذا أنهم تحيروا وتعجبوا في هذا البلغم كيف ينفذ حتى يجري في العروق إلى المثانة ولا طريق له، ولا ينبغي أن يستنكر ذلك ما دامت الطبيعة في البدن قوية مستظهرة، فإن أبقراط يرى أن الطبيعة متى كانت قوية لم يعجزها طريق ينفذ فيه الشيء الذي تريد إنفاذه، وإن كان ذلك الشيء غليظا جدا وكانت المجاري ضيقة جدا فإن الفضلة التي تدفعها الطبيعة ليكون منها PageVW1P094B خراج قد تنفذ (251) في العظم، ولذلك (252) تنفذ مدة الصدر إلى الرئة حتى تنفث بالسعال، وربما رأينا (253) الدم ينفذ من الجلد وهو صحيح إذا صار العظم المكسور إلى (254) الانجبار، فليس إذا من المحال أن ينفذ البلغم إلى مجاري PageVW2P131A البول والطبيعة قادرة على أن تلطفه قليلا قليلا. ونحن نرى الطبيعة تنفذ النصول (255) العظيمة في البدن وتخرجها على مسافة عظيمة وبعد سنين متطاولة من غير أن يجد الإنسان ألما لسلوك النصول (256)، وهذا كثيرا ما يقع للذين يدخل فيهم نصول عظيمة من خروج وأسنة رماح (257) تنكسر فيهم، ثم يندمل الجلد ويعبر (258) على ذلك برهة فيخرج النصل بغتة من غير الموضع الذي دخل فيه، وربما كان بينهما مسافة بعيدة.
[فصل رقم 378]
[aphorism]
قال أبقراط: من امتلأت كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن، امتلأ بطنه ماء (259) ومات.
[commentary]
قال عبد اللطيف: إن نفاخات الماء يسرع حدوثها في الكبد أكثر منه في سائر الأعضاء، وإذا شوهدت كبود الحيوان الذي يذبح وجد كثير منها (260) مملوءا من ذلك، فإن اتفق أن تنفجر تلك النفاخات فإن ذلك الماء ينصب فيصير في الفضاء الذي في جوف (261) الغشاء الممدود في البطن في الموضع الذي يجتمع فيه الماء في أصحاب الاستسقاء. وأما الحجاب الباطن المحيط بالمعدة فلا يمكن أن ينفجر إليه ذلك الماء دون أن يحدث فيه ضرب (262) من التآكل، لأنه متصل لا منفذ فيه، وليس فيه شيء PageVW0P109B سوى المعدة والمعا المسمى القولون (263) والطحال. وأما قوله: "امتلأ بطنه ماء" فيعني به الفضاء الذي دون الصدر، لا حيث ينزل (264) الطعام PageVW3P123A والشراب فإنه قد يطلق على ذلك اسم البطن كما يقال: في بطن المرأة حمل. وأما قوله: "امتلأ بطنه ماء ومات" فيعني (265) في أكثر الأمر، وليس من المحال أن يستفرغ بالأدوية كما يستفرغ الماء من أصحاب الاستسقاء بالأدوية المسهلة والمدرة (266) وبالضمادات التي شأنها أن تحلل تلك الرطوبة.
[فصل رقم 379]
[aphorism]
قال أبقراط: القلق والتثاؤب والاقشعرار يبرئه شرب الشراب، إذا مزج واحد سواء بواحد سواء.
[commentary]
قال عبد اللطيف: القلق قد يقال للأصحاء PageVW2P131B فيمن كان منهم يمل دائما الحال الحاضرة ويستثقلها (267) ولا يزال في وقت بعد (268) وقت يميل بنفسه إلى شيء بعد شيء وإلى فعل بعد فعل. وكذلك قد يوصف المريض بالقلق إذا لم يستقر به وضع واحد ولا نصبة واحدة، بل ينتقل من شكل إلى شكل لأنه يثقل عليه الشكل الذي هو عليه. وأكثر ما يعرض ذلك لمن كان فم معدته خاصة فيه رطوبة مؤذية (269)، ليست بالكثيرة (270)، ولا مصبوبة في فضاء المعدة لكن في طبقاتها قد تشربته. وأما التثاؤب فإنما يكون إذا كان في الفضل (271) الذي به يكون التثاؤب رطوبة زبدية أو ريح بخاري، والتثاؤب تمطى عضو PageVW1P095A مخصوص (272). وأما التمطي فعن (273) فضل (274) غليظ بخاري يكون في المفاصل. وأما القشعريرة فتكون إذا انصبت رطوبات رديئة إلى الجلد، ولا تعني القشعريرة التي تكون من ملاقاة الهواء البارد ونحوه، فهذه الأصناف من شأن الخمر أن تشفيها (275)، لأنها تسخن البدن كله وتنفذ بسرعة إلى جميع أقطاره وتصلح أخلاط البدن وتجودها (276) وتعدلها (277). ثم أخبر بأن الشراب ينبغي أن يكون قريبا من الصروفة (278)، وعرف مقدار مزجه فقال: "واحد سواء بواحد سواء" أي كيل واحد بكيل واحد. واعلم أن هذا المزاج الذي حدده إنما هو بحسب شراب بعينه لا بحسب كل شراب، فإن من الأشربة ما ينبغي أن يشرب صرفا من غير ماء أصلا وبعضها لا يكفي أن يمزج (279) الواحد منه بواحد من الماء، بل يحتاج إلى أمثال (280) كثيرة حتى يصير في الحد (281) الذي يصلح لما أمر به أبقراط.
[فصل رقم 380]
[aphorism]
قال أبقراط: من خرجت به PageVW0P110A في إحليله بثرة، PageVW3P123B فإنها إن انفتحت (282) وانفجرت انقضى وجعه.
[commentary]
قال عبد اللطيف: هذا الفصل قد تقدم، وتقدم شرحه.
[فصل رقم 381]
[aphorism]
قال أبقراط: من تزعزع دماغه، فإنه يصيبه في (283) وقته سكتة.
[commentary]
قال عبد اللطيف: السكتة هي ذهاب الصوت مع سائر الحركات الإرادية، وقد يزول مع ذلك حسه، ويبقى ملقى. ويكون ذلك PageVW2P132A من أسباب كثيرة منها: زعزعة الدماغ بسقطة (284) شديدة، وذلك لاضطراب عصب الحس والحركة ومبادئها، فإن بلغ من قوتها أن انهتك الدماغ أو شيء منه لم يبق صاحبه.
[فصل رقم 382]
[aphorism]
قال أبقراط: من كان لحمه رطبا، فينبغي أن يجوع، فإن الجوع يجفف الأبدان.
[commentary]
قال عبد اللطيف: قوله: "من كان لحمه رطبا" أي خارجا عن الاعتدال، لا للسن (285) والنوع كالصبيان (286) والنساء، فينبغي أن يعالج بالضد وهو التجفيف، والتجفيف قد يكون بالأدوية وبالأغذية، وبملاقاة الشمس، والأعمال الشاقة، وطول التعب، والتغذي بما يجفف، وبالتجوع وتقليل الغذاء، فإن الجوع يجفف الأبدان ولكن بطريق العرض، لأنه إنما يجفف البدن (287) بالذات الحرارة الغريزية التي في البدن، والغريبة المحيطة (288) من خارج أعني حرارة الهواء، فهما يحللان البدن دائما فإذا ورد من الغذاء مقدار ما تحلل انحفظ (289) على رطوبته، فإن ورد عليه أقل مما (290) تحلل جف وكان جفافه بمقدار كثرة (291) ما يتحلل وقلة ما يرد، فكلما كثر هذا وقل هذا إزداد جفافا. وأما التجفيف بالأدوية والأغذية وسائر ما ذكر فهو بالذات.
قال عبد اللطيف: هذا آخر ما وجدته من كتاب الفصول لأبقراط ينبغي أن يثبت ويشرح ويعمل به. ويوجد في كثير من النسخ القديمة والحديثة فصول كثيرة لا تفتقر إلى شرح ولا يجب أن يعمل (292) بها، لأن بعضها مكرر (293) PageVW1P095B في أثناء الكتاب بنصه (294) أو بتحريف قليل أو كثير، وبعضها مدلس مخترع ركيك لا تعرف صحة معناه ولا استقامة لفظة، وقد ذكر جالينوس من ذلك مقدارا صالحا فرأيت أنا أن (295) أضرب عنه صفحا (296) ولا أتعرض (297) لشيء منه لقلة جدواه، أو لأن الغرض في سواه، PageVW3P124A فقطعت هنا الكتاب مستعينا بالله سبحانه ومستمدا منه المعونة والتوفيق إنه ذو الجود والأفضال المدعو PageVW2P132B بياذا الجلال (298) والإكرام (299).
Unknown page