Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

Abdullah bin Muhammad Al-Ghunayman d. Unknown
75

Sharh Fath al-Majid by al-Ghunayman

شرح فتح المجيد للغنيمان

Genres

حقيقة الصراط المستقيم قال الشارح ﵀: [قال ابن القيم رحمة الله عليه: ولنذكر في الصراط المستقيم قولًا وجيزًا؛ فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته، وحقيقته شيء واحد، وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلا لهم إليه ولا طريق إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله وجعله موصلًا لعبادة الله، وهو إفراده بالعبادة، وإفراد رسله بالطاعة، فلا يشرك به أحد في عبادته، ولا يشرك برسوله ﷺ أحد في طاعته، فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول ﷺ، وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فأي شيء فسر به الصراط المستقيم فهو داخل في هذين الأصلين. ونكتة ذلك أن تحبه بقلبك وترضيه بجهدك كله، فلا يكون في قلبك موضع إلا معمورًا بحبه، ولا يكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته، فالأول يحصل بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني يحصل بتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، وهذا هو الهدى ودين الحق، وهو معرفة الحق والعمل به، وهو معرفة ما بعث الله به رسوله والقيام به، وقل ما شئت من العبارات التي هذا آخيتها وقطب رحاها. قال: وقال سهل بن عبد الله: (عليكم بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي ﷺ والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرءوا منه وأذلوه وأهانوه) انتهى]. هذا القول الذي ذكره ابن القيم واضح في تفسير الصراط المستقيم في أنه عبادة الله جل وعلا وحده وألا يشرك به شيء، وعبادته تتضمن كمال الحب مع كمال الذل له، فلا يعبد إلا الله جل وعلا، فتكون العبادة خالصة لله جل وعلا، فكل ما تتقرب به وكل فعل تفعله ترجو به ثوابًا، وكل ترك تتركه تخاف أنك لو فعلته عوقبت فإن هذا يكون لله وحده، ليس لأحد من الخلق، وتفعل هذه الأمور مع غاية الحب والذل، ثم هذه الأمور التي تفعلها لابد أن تكون جاءت عن رسول الله ﷺ. ثم يقول: إن هذا مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ لأن معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وكونه يشهد أن لا إله إلا الله: أن الشهادة هي العلم اليقيني الذي يكون عند الإنسان واضحًا جليًا ليس عنده فيه ريب ولا شك ولا تردد؛ لأنه يشاهده بعينه وبقلبه، فهو يشهد بهذا، يشهد أن لا إله إلا الله، ومعنى الإله: المحبوب المألوه الذي يكون الحب كله له مع الذل والخضوع، فيجب أن تحبه وتذل له، وهذا لا يجوز أن يكون لمخلوق، وإنما يكون خالصًا له جل وعلا. وأما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله فهو: طاعته في أمره، واتباعه فيما جاء به، واجتناب ما نهاك عنه، وألا تعبد الله جل وعلا إلا بما شرعه لك، فأنت تشهد الشهادة اليقينية بأنه رسول من الله أرسله الله بهذا الشرع، فتتعبد الله جل وعلا بالشرع الذي جاء به عن طريقه، فهو الوساطة بيننا وبين ربنا في تبليغ شرعه، ولهذا يقول الله جل وعلا له: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الكهف:١١٠]، والعمل الصالح هو الذي يكون على سنة الرسول ﷺ، ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:١١٠] أي: أنك تعبد الله وحده ولا يكون لأحد من الخلق أو المقاصد والأغراض شيء أو نصيب من عبادتك، فإن كان لها نصيب فإن هذه العبادة لا تقبل؛ لأن الله جل وعلا يقول -كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه جل وعلا-: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)، أي: يتركه وعمله لمن أشرك. ولهذا إذا جاء المراءون يوم القيامة الذين يلاحظون أنظار الناس وأقوالهم، يقول الله جل وعلا لهم: (اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم فاطلبوا أجركم عندهم)، وهل يجدون شيئًا؟ يجدون الخسارة والندامة، وهذا في الواقع من جهل الإنسان وظلمه، وإلا الناس مثله ماذا يغنون عنه؟! فكونه ينظر إلى إنسان ويحسن عمله من أجله قصور -نسأل الله السلامة-، فهو إنسان مثلك فقير بحاجة إلى ما يكمله، بل بحاجة إلى من يحميه من الكوارث والمصائب ويسدده ويوفقه وإلا ضل وهلك، فلا يجوز للإنسان أن يقصد بعمله ونيته غير الله جل وعلا، وهذا هو العلم النافع الذي يؤخذ من الكتاب والسنة، والعمل هو الهدى، والعمل هو دين الحق، والرسول ﷺ جاء بالهدى ودين الحق، جاء بالعلم النافع وبالعمل الصالح الذي إذا علمه الإنسان اهتدى وتيقن أنه من عند الله، ولابد من هذين الأمرين، لابد من العلم والعمل، يعلم أن لا إله إلا الله، كما قال الله جل وعلا: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم قبل العمل والاستغفار. ويقول جل وعلا لما ذكر أن الكفار والمشركين يدعون غير الله طالبين شفاعتهم نفى هذا جل وعلا وأخبر أن الشفاعة لا تحصل لهم، فقال: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف:٨٦]، وشهادة الحق: هي أن يشهد أن لا إله إلا الله وهو يعلم هذا المعنى. يعلمه ثم يعمل به، وعلم بلا عمل لا يفيد ولا يجدي، وفي أمره جل وعلا لنا وفرضه علينا أن نسأله في الصلاة قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:٦]، والصراط المستقيم هو الصراط الذي بعث به رسوله، وهو دينه، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة:٧]، والذين أنعم عليهم هم الأنبياء ومن سلك طريقهم، كما قال الله جل وعلا في وصفهم وبيان أنهم الأنبياء والصالحون والشهداء، أي: من سلك طريقهم. وقوله: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧]، المغضوب عليهم جاء تفسيرهم أنهم اليهود، والضالون هم النصارى، وليس مخصوصًا بهذا اليهود والنصارى فقط، بل كل من كان عنده علم وتركه اتباعًا للهوى فهو ضال وهو مغضوب عليه، وكل من كان عنده علم وتركه اتباعًا للهوى أو للشهوات أو لأغراض من أغراض الدنيا فهو مغضوب عليه ملحق باليهود، وكل من تعبد بغير برهان وبغير طريق الرسول ﷺ فهو ضال، وإنما قيل: إن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى لأن الغالب على اليهود أن عندهم علم، وليس عندهم عمل، فهم يعلمون ولا يعملون فلهذا صاروا أهل الغضب، وأما النصارى فالغالب عليهم التعبد بالضلال، فهم يتعبدون ويعملون ولكن على غير هدى، فلهذا سموا ضلالًا، فالضال هو الذي يسلك الطريق الذي يهلكه، وضل الطريق يعني: يتعبد على غير حق وعلى غير هدى، وأما المغضوب عليه فهو العاصي الذي عرف الحق وتركه، فكل من صار له هذا الوصف فهو مغضوب عليه وضال، وأهل البدع هم: الذين يتعبدون بالبدع وهم ضالون، وهم المعنيون بقوله جل وعلا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية:٢ - ٤] أي: تخشع وتبكي وتعمل وتنصب وتجهد والنتيجة أنها تصلى نارًا حامية؛ لأنها تتعبد بغير هدى، وبغير ما جاء به الرسول ﷺ، وكذلك قوله جل وعلا: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:١٠٣ - ١٠٤]، (ضل سعيهم) يعني: عملوا في الحياة الدنيا وهم يظنون أنهم على هدى، وكذلك يظنون أن غيرهم ضال، بل ويرمون غيرهم بالضلال. فالمقصود أنه ليس هناك طريق ينجو به الإنسان إلا ما جاء به الرسول ﷺ من القرآن والسنة، هذا هو خلاصة القول، فمن عرف ما جاء به الرسول وعمل به فهو الناجي السعيد، ومن تخبط في هذه الدنيا إما لأنه يرى الناس يعملون الشيء فيعمله، أو أنه -مثلًا- يحكم عقله أو يحكم ذوقه ووجده أو يحكم مشايخه وأكابر بلده ومن يظن بهم الظنون الجميلة، وإذا قيل له: الهدى كذا أو الحق كذا. قال: لا. هؤلاء أعلم منك. فهذا هو الذي يُخاف عليه، وهذا هو الذي إذا جُمع الناس، وبعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، يبدو له ما لم يكن يحتسب، ويندم الندامة التي لا تنفعه، بل تكون زيادة في عذابه، نسأل الله العافية.

7 / 3