- الْمَعْنى قَالَ الواحدى كَثْرَة تحصل عَن قلَّة وَهُوَ قلَّة الْأَحْيَاء يُرِيد إِنَّمَا يكثر الْأَمْوَات إِذا قلت الْأَحْيَاء فكثرتهم كَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة قلَّة وَقَوله شقيت بك الْأَحْيَاء قَالَ ابْن جنى يُرِيد أَنَّهَا شقيت بفقدك فَحذف الْمُضَاف وَيكون الْمَعْنى على مَا قَالَ لَا تصير الْأَمْوَات أَكثر من الْأَحْيَاء إِلَّا إِذا مَاتَ الممدوح وَصَارَ فِي عَسْكَر الْمَوْتَى كَثْرَة الْأَمْوَات بِهِ لِأَنَّهُ يصير فى جانبهم وَهَذَا فَاسد لشيئين أَحدهمَا أَنه إِذا مَاتَ وَاحِد لَا يكون ذَلِك قلَّة وَالْآخر أَنه لَا يُخَاطب الممدوح بِمثل هَذَا وَلَكِن الْمَعْنى أَنه أَرَادَ بالأموات الْقَتْلَى لَا الَّذين مَاتُوا قبل الممدوح وَالْمعْنَى شقيت بك أى بِغَضَبِك وقتلك إيَّاهُم يَقُول لَا تكْثر الْقَتْلَى إِلَّا إِذا قَاتَلت الْأَحْيَاء وشقوا بِغَضَبِك فَإِذا غضِبت عَلَيْهِم وقاتلتهم قَتلتهمْ كلهم فزدت فِي الْأَمْوَات زِيَادَة ظَاهِرَة ونقصت من الْأَحْيَاء نقصا ظَاهرا وَلم يُفَسر هَذَا الْبَيْت أحد كَمَا فسرته انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشريف ابْن الشجرى الكوفى فِي أَمَالِيهِ يُرِيد كَثْرَة تقل لَهَا الْأَحْيَاء وَقدر أَبُو الْفَتْح مُضَافا محذوفا وَقَالَ شقيت بفقدك وَقَالَ أَبُو الْعَلَاء شَقوا بِهِ أى بقتْله إيَّاهُم وَإِن الْأَحْيَاء إِذا شقيت بك كثرت الْأَمْوَات وَتلك الْكَثْرَة تُؤَدّى إِلَى الْقلَّة إِمَّا لِأَن الْأَحْيَاء يقتلُون بِمن يَمُوت مِنْهُم وَإِمَّا لِأَن الْمَيِّت يقل فِي نَفسه وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا قَول أَبى الْفَتْح
(شقيت بفقدك ...)
يخل الْمَعْنى لِأَن الْأَحْيَاء شَقوا بِهِ لِأَنَّهُ قَتلهمْ والذى قَالَ أَبُو الْفَتْح الصَّوَاب وَبِه فسره على بن عِيسَى الربعى قَالَ ذهب إِلَى أَنه نعْمَة على الْأَحْيَاء ففقدهم شقاء لَهُم وَمِمَّا حذف مِنْهُ لفظ الْفَقْد قَوْله المرقش
(لَيسَ على طُولِ الحَياةِ نَدَمْ ... ومِنْ وَرَاءِ المَرْءِ مَا يَعْلَمْ)
يُرِيد على فقد طول الْحَيَاة ولابد من تَقْدِير هَذَا وَقد أظهر هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه وَهُوَ كَون حَيَاته نعْمَة وَمَوته شقاء ونقمة فى قَوْله
(لعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مالٍ ... وَلَا شاةٌ تَمُوتُ وَلا بَعيرُ)
(ولكِنَّ الرَّزِيَّة فَقْدُ شَخْصٍ ... يَمُوتُ لِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ)
وَقد روى الربعى عَن المتنبى أَن أَبَا عَمْرو السلمى قَالَ عدت أَبَا على هَذَا الممدوح بِمصْر فِي علته الَّتِى مَاتَ فِيهَا فاستنشدنى فأشتنشدى فَلَمَّا بلغت هَذَا الْبَيْت استعاده وَجعل يبكى حَتَّى مَاتَ وَإِذا كَانَ المتنبى قد حكى هَذَا فَهَل يجوز إِلَّا مَا قدره أَبُو الْفَتْح انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن القطاع وَقد قيل فى هَذَا الْبَيْت أَقْوَال كَثِيرَة مِنْهَا لَا تكْثر الْأَمْوَات فِي الْأَعْدَاء إِلَّا إِذا شقيت بك الْأَحْيَاء من الْأَوْلِيَاء وَقيل لَا تكْثر الْأَمْوَات إِلَّا بك إِذا مت وَقَوله كَثْرَة قلَّة أى كَثْرَة شرف وسؤدد لَا كَثْرَة عدد لِأَنَّك إِن كنت قَلِيلا فى الْعدَد فَأَنت كثير فِي الْقدر وَقد أَخذ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَيْت وَقيل نَاقض قَوْله كَثْرَة قلَّة فَجعل الْكَثْرَة قلَّة وَلَيْسَ كَذَلِك فَهَذَا القَوْل لَيْسَ بجيد لِأَنَّهُ فِي مدح حى وَلَو كَانَ فى الرثاء لجَاز وَقيل إِن الْمَعْنى الذى أَرَادَ المتنبى فِي الْبَيْت أَن الْأَحْيَاء مَرْفُوع بِالْمَصْدَرِ الذى هُوَ قلَّة مَعْنَاهُ لَا يكثر الْأَمْوَات كَثْرَة تقل لَهَا الْأَحْيَاء إِلَّا إِذا بليت بحربك وَلَيْسَ يُرِيد أَن الْكَثْرَة فِي الْحَقِيقَة قلَّة فَيجمع بَين الشئ وضده
1 / 27