Sharh Cumdat Fiqh
شرح عمدة الفقه (من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة)
Investigator
د. صالح بن محمد الحسن
Publisher
مكتبة الحرمين
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٨ م
Publisher Location
الرياض
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: (مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟) يَعْنِي: حَجَّ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَجِّ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً أَوْ مُبَاحَةً، وَإِنَّمَا قَالَ: (الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) أَيْ: وُجُودُ ذَلِكَ يَعُمُّ مَا وُجِدَ مُبَاحًا وَمَمْلُوكًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [المائدة: ٦].
وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاسْتِطَاعَةَ صِفَةُ الْمُسْتَطِيعِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ لَا يَصِيرُ قَادِرًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَرْجِعَ الْبَاذِلُ، وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْعِبَادَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَمِرَّ إِلَى حِينِ انْقِضَائِهَا، فَإِنْ أَوْجَبَ عَلَى الْبَاذِلِ الْتِزَامَ مَا بَذَلَ: صَارَ الْوَعْدُ فَرْضًا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَكَيْفَ يَجِبُ فَرْعٌ لَمْ يَجِبْ أَصْلُهُ؟
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي إِيجَابِ قَبُولِ بَذْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْمِنَّةِ عَلَيْهِ، وَطَلَبِ الْعِوَضِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاذِلُ وَلَدًا فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ الْوَلَدُ: أَنَا لَا يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَنْكَ، وَلَا أَنْ أُعْطِيَكَ مَا تَحُجُّ بِهِ، وَمَنْ فَعَلَ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْإِحْسَانِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يَمُنَّ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا ... .
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَأَبِي رَزِينٍ وَنَحْوِهِمَا: فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ قَدْ ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ قَبْلَ اسْتِفْتَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، وَاسْتِفْتَاؤُهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى بَذْلِ الْوَلَدِ الطَّاعَةَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَجَّ يُجْزِئُ عَنِ الْعَاجِزِ حَتَّى اسْتَفْتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَكَيْفَ يَبْذُلُونَ الْحَجَّ عَنِ الْغَيْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ جَوَازَ ذَلِكَ؟ فَإِذَا كَانُوا إِنَّمَا بَذَلُوا الْحَجَّ عَنِ الْوَالِدِ بَعْدَ الْفَتْوَى، وَالْوُجُوبُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْفَتْوَى: عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْبَذْلَ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَجِّ، وَلَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ
1 / 139