90

Sharḥ al-ʿAqīda al-Ṭaḥāwiyya

شرح العقيدة الطحاوية

Editor

أحمد شاكر

Publisher

وزارة الشؤون الإسلامية

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ

Publisher Location

والأوقاف والدعوة والإرشاد

قَوْلُهُ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَىْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ إليه يَسِيرٌ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
ش: ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى ثُبُوتِ صِفَاتِهِ فِي الْأَزَلِ قَبْلَ خَلْقِهِ. وَالْكَلَامُ عَلَى (كُلٍّ) وَشُمُولِهَا وَشُمُولِ"كُلٍّ"فِي كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِ مَا يَحْتَفُّ بِهِ مِنَ الْقَرَائِنِ، يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ حَرَّفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمَعْنَى الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١).
فَقَالُوا: إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُ، وَأَمَّا نَفْسُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ! وَتَنَازَعُوا: هَلْ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهَا أَمْ لَا؟! وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالُوا لَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ! وَخَالِقٌ لِكُلِّ مَا يَخْلُقُهُ!
وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا. فَسَلَبُوا صِفَةَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذَا. وَأَمَّا الْمُحَالُ لِذَاتِهِ، مِثْلَ كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، فَهَذِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ، وَلَا يُسَمَّى شَيْئًا، بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: خَلْقُ مِثْلِ نَفْسِهِ، وَإِعْدَامُ نَفْسِهِ! وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَالِ.
وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ الْإِيمَانُ بِرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ التَّامَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مَنْ آمَنَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يُؤْمِنُ بِتَمَامِ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَمَالِهَا إِلَّا مَنْ آمَنَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ: هَلْ هُوَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ

(١) سورة آل عمران آية: ٢٩.

1 / 93