Sharh Caqida Tahawiyya
شرح العقيدة الطحاوية
Investigator
أحمد شاكر
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ
Publisher Location
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Creeds and Sects
الْمَعْمُورُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، ﷻ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعَ حَتَّى مَرَّ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ؟ بِخَمْسِينَ صَلَاةً، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَالْتَفَتَ إِلَى جَبْرَائِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ ﵎ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ - هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي «صَحِيحِهِ» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ - فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ اللَّهِ ﵎، حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَمَرَهُ مُوسَى بِالرُّجُوعِ وَسُؤَالِ التَّخْفِيفِ، فَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا نَفَذَ، نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي رُؤْيَتِهِ ﷺ رَبَّهُ ﷿ بِعَيْنِ رَأْسِهِ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ (١)، صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ هَذَا الْمَرْئِيَّ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ (٢)، فَهُوَ غَيْرُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي الْمَذْكُورَيْنِ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي فِي سُورَةِ النَّجْمِ هُوَ دُنُوِّ جِبْرِيل وَتَدَلِّيهِ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ ﵄، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾ ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ (٣). فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا الْمُعَلِّمِ الشَّدِيدِ الْقُوَى، وَأَمَّا الدُّنُوُّ وَالتَّدَلِّي الَّذِي
(١) سورة النَّجْمِ الآيتان ١١، ١٣. (٢) سورة النجم آية ٨. (٣) سورة النَّجْمِ الآيات ٥ - ٨.
1 / 198