Sharḥ al-Zurqānī ʿalā Muwaṭṭaʾ al-Imām Mālik
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
Editor
طه عبد الرءوف سعد
Publisher
مكتبة الثقافة الدينية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1424 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
Ḥadīth Studies
كَابْنِهِ.
(وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَحَدِ شُيُوخِ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أَيِ الْعَلَاءَ (أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ») بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ أُقِيمَ وَأَصَلُ ثَابَ رَجَعَ، يُقَالُ: ثَابَ إِلَى الْمَرِيضِ جِسْمُهُ فَكَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ رَجَعَ إِلَى ضَرْبٍ مِنَ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ التَّثْوِيبَ هُنَا الْإِقَامَةُ، انْتَهَى.
وَهِيَ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيْضًا: إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا: إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ: إِنَّهُ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يَتَرَجَّى إِدْرَاكَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَنَحْوِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ نُهِيَ عَنِ الْإِسْرَاعِ، فَغَيْرُهُ مِمَّنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِسْرَاعِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إِدْرَاكُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَيُنْهَى مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَلَحَظَ فِيهِ بَعْضُهُمْ مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: حِكْمَةُ التَّقْيِيدِ بِالْإِقَامَةِ أَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يَصِلُ إِلَيْهَا وَقَدْ تَعِبَ فَيَقْرَأُ وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ تَمَامُ الْخُشُوعِ فِي التَّرْتِيلِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ لِمَنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ قَوْلِهِ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا الْحَامِلَةُ غَالِبًا عَلَى الْإِسْرَاعِ، انْتَهَى.
(«فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ») تَمْشُونَ بِسُرْعَةٍ وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ نَحْوَ: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الإسراء: ١٩] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ ١٩) ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤] (سُورَةُ اللَّيْلِ: الْآيَةُ ٤) وَعَلَيْهِ حُمِلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩] (سُورَةُ الْجُمُعَةِ: الْآيَةُ ٩) كَقَوْلِهِ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩] (سُورَةُ النَّجْمِ: الْآيَةُ ٣٩) أَوِ الْمُرَادُ الذَّهَابُ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِسْرَاعُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: (وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّهْيِ مِنْ لَا تَسْعَوْا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْوَقَارِ وَالْأَدَبِ، وَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ بِقَوْلِهِ: («وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ») ضَبَطَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالنَّوَوِيُّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، زَادَ غَيْرُهُ: أَوِ السَّكِينَةُ مُبْتَدَأٌ وَعَلَيْكُمْ خَبَرُهُ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّوَايَةِ الرَّفْعُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَافِظِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ لِلْبُخَارِيِّ بِالسَّكِينَةِ بِالْبَاءِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِ زِيَادَتِهَا فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ كَحَدِيثِ: " «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ» " وَحَدِيثِ: " «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» " وَحَدِيثِ: " «عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» " قَالَهُ لِأَبِي طَلْحَةَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ.
وَحَدِيثِ: " «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ» "، وَحَدِيثِ " «عَلَيْكَ بِخُوَيِّصَةِ نَفْسِكَ» " وَغَيْرِ ذَلِكَ،
1 / 268