Sharḥ al-Zurqānī ʿalā Muwaṭṭaʾ al-Imām Mālik
شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
Editor
طه عبد الرءوف سعد
Publisher
مكتبة الثقافة الدينية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1424 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
Ḥadīth Studies
قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَخُصُّ الْفَمَ مِنَ الْخَطَايَا فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهَا مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْفُوَ تَعَالَى عَنْ عِقَابِ الْإِنْسَانِ بِالذُّنُوبِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا وَإِنْ لَمْ تَخْتَصَّ بِذَلِكَ الْعُضْوِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: ذَكَرَ خُرُوجَ الْخَطَايَا اسْتِعَارَةً لِحُصُولِ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخَطَايَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ يَحِلُّ فِي الْمَاءِ أَيْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ وَلَا كَائِنَةً فِي أَجْسَامٍ فَتَخْرُجُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ، شَبَّهَ الْخَطَايَا الْحَاصِلَةَ بِاكْتِسَابِ أَعْضَائِهِ بِأَجْسَامٍ رَدِيَّةٍ امْتَلَأَ بِهَا وِعَاءٌ أُرِيدَ تَنْظِيفُهُ فَتَخْرُجُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا.
(وَإِذَا اسْتَنْثَرَ) بِوَزْنِ اسْتَفْعَلَ أَخْرَجَ مَاءَ الِاسْتِنْشَاقِ («خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ») جَمْعُ شُفْرٍ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَالْعَامَّةُ تَجْعَلُ أَشْفَارَ الْعَيْنِ الشَّعْرَ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْأَشْفَارُ حُرُوفُ الْعَيْنِ الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الشَّعْرُ وَالشَّعْرُ الْهُدْبُ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: جَعَلَ الْعَيْنَيْنِ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ دُونَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّهُمَا يَخْتَصَّانِ بِطَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الْعَيْنَيْنِ.
(«فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ») جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمَّتَيْنِ عَلَى أَفْصَحِ لُغَاتِهِ وَبِهَا قَرَأَ السَّبْعَةُ: ﴿حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٦] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١٤٦) وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَظْفُرٍ وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ لِلتَّخْفِيفِ وَبِهِ قَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَبِكَسْرِ الطَّاءِ بِزِنَةٍ حِمْلٍ وَبِكَسْرَتَيْنِ لِلْإِتْبَاعِ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ، وَأُظْفُورٌ جَمْعُهُ أَظَافِيرُ مِثْلُ أُسْبُوعٍ وَأَسَابِيعَ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا بَيْنَ لُقْمَتِهِ الْأُولَى إِذَا انْحَدَرَتْ ... وَبَيْنَ أُخْرَى تَلِيهَا قَيْدَ أُظْفُورٍ
(«فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ») تَثْنِيَةُ أُذُنٍ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الذَّالُ تَخْفِيفًا مُؤَنَّثَةٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: جَعَلَهُمَا مَخْرَجًا لِخَطَايَا الرَّأْسِ مَعَ إِفْرَادِهِمَا بِأَخْذِ الْمَاءِ لَهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلِ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مَخْرَجًا لِخَطَايَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ، وَخَرَجَتْ خَطَايَاهُمَا مِنْهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهَا مِنَ الْوَجْهِ، وَالْأُذُنَانِ مُؤَخَّرَانِ عَنِ الرَّأْسِ فَكَانَ لَهُمَا حُكْمُ التَّبَعِ. اهـ.
وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ خَطَايَا الرَّأْسِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّمْعِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ: " «وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ كُفِّرَ بِهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَاهُ» " («فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ
1 / 156