[شرح ديكنقوز]
مثل: أكرر من التكرار مثال المتماثلين في الذات "نحو مد إلى آخره" أصله مدد ومثال المتماثلين في الصفة يجيء إن شاء الله تعالى في بحث إدغام تام الافتعال، ولم يورده ها هنا لاحتياجه إلى تفصيل في بيان كونه مثلا، وهذا ليس موضع التفصيل "و" مثال المتقاربين المتحركين "نحو: أخرج شطأه" بإدغام الجيم في الشين لتقارب مخرجهما، وقد قرأ به أبو عمرو ومثال المتقاربين الساكن أولهما نحو "وقالت طائفة" بإدغام التاء في الطاء بالاتفاق لتقارب مخرجهما وسكون الأول "الإدغام" أفعال من عبارات الكوفيين والإدغام افتعال من عبارات البصريين "الباث الحرف" الواحد "في مخرجه مقدار الباث الحرفين" في مخرجهما
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
نحو "مد إلى آخره"؛ أي مد مدا مدوا مدت مدتا، وإذ قد علمت سبب الإدغام في المتجانسين فقس عليه في المتقاربين بين؛ إذ مخرجهما وإن كانا بين متقاربين في نفس الأمر لكن بعد انتقال اللسان من مخرج أحدهما إلى مخرج الآخر كانتقاله من مخرج ثم إليه لقربه منه ومقارنته له نحو: اذدكر، لكن إذا أدغم فلا بد من تماثل بقلب أحدهما إلى الآخر، والقياس قلب أولهما إلا أن يعرض عارض كما سنذكره إن شاء الله تعالى، قوله: "ونحو أخرج شطأه قالت طائفة" مثالان لإدغام الحرفين المتقاربين وأنت تعلم أن الحرفين المتجانسين إذا كانا في كلمتين، نحو: فما ربحت تجارتهم لا يسمى شيء من الكلمتين ولا مجموع الكلمتين مضاعفا فضلا عن المتقاربين في كلمتين فتمثيل المتقاربين في المخرج بهذين المثالين لا يلائم قوله: وإذا اجتمع فيه حرفان إلخ؛ إذ الضمير البارز في فيه راجع إلى المضاعف ولما كان اجتماع حرفين بينهما تقارب في المخرج يوجب الإدغام وجب رسم ما يعرف به المتقارب من المتباعد، وذلك إنما يكون بتعرف مخارج الحروف، فيقال إذا أردت أن تعرف مخرج حرف سكنه وأدخل عليه همزة الوصل ثم تلفظ به فانظر إلى منتهى الصوت فحيث انتهى فثمة مخرجه كذا قيل، وهذا القدر من البيان إجمال لا يسمن ولا يغني من جوع، وإن أردت التفصيل فاستمع لما نتلو عليك. اعلم أن الحروف الواقعة في لغة العرب أصولها تسعة وعشرون حرفا وأن مخارجها خمسة عشرا مخرجا باعتبار التقارب بين المخرجين، وإلا فلكل حرف مخرج على حدة وإلا يلزم تماثل الحرفين؛ لأن من مخرج الباء بعينه مثلا لا يحصل إلا الباء، ومن مخرج الفاء بعينه لا يحصل إلا الفاء، فلا بد وأن يكون لكل حرف مخرج ليحصل الحروف المختلفة إلا أنهم جعلوا مخارج بعض الحروف المتقاربة في المخرج كمخرج واحد لغاية متقاربتها فحصل خمسة عشر مخرجا، ومواضع هذه المخارج أربعة الحلق والفم والشفتان، الأول في مخارج الحلق وهي ثلاثة أقصاه ووسطه وآخره، وحروفه سبعة فالهمزة والهاء والألف من أقصى الحلق على الترتيب فالهمزة من أقصى الحلق وليس مخرج أدخل منه إلى الحلق، والهاء أيضا من أقصى الحلق، لكن لا بعين مخرج الهمزة، بل متأخر من مخرجها من جانب الفم والألف أيضا من أقصى الحلق، لكن متأخر عنهما من جانب الفم ولكن يقرب بعضها بعضا فعدوها مخرجا واحدا باعتبار المقاربة من جملة خمسة عشر والعين والحاء المهملتان من وسط الحلق على الترتيب أيضا، فالأول العين ثم الحاء من جانب الفم والغين والخاء المعجمتان من أدنى الحلق على الترتيب، فالأول الغين ثم الخاء فلمجموع الحروف المنسوبة إلى الحلق ثلاثة مخارج نظرا إلى التقارب، وفي الحقيقة سبعة مخارج والثاني في مخارج الفم، وهي عشرة أولها مخرج القاف وهو من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى، وثانيها مخرج الكاف وهو أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك الأعلى. وثالثها مخرج الجيم والشين المعجمة والياء بنقطتين من تحت وسط اللسان وبين وسط الحنك الأعلى. ورابعها مخرج الضاد المعجمة أول حافة اللسان وم يليه من الأضراس. وخامسها مخرج اللام مما دون طرف اللسان إلى منتهى طرف اللسان وما فوقه من الحنك. وسادسها مخرج الراء المهملة مما دون طرف اللسان وما فوقه من الحنك دون طرفيه، لكنه متأخر عن مخرج اللام من جانب خارج الفم. وسابعها مخرج النون من طرف اللسان ومما فوقه من الحنك كالراء، لكنه متأخر عن مخرج الصاد والزاي والسين ما بين طرف اللسان وفويق الثنايا. وعاشرها مخرج الظاء المعجمة والثاء بثلاث نقط والذال المعجمة بين طرف اللسان وأطراف الثنايا، فهذه المخارج العشرة من الفم يتلو بعضها بعضا كما بيناه، والثالث مما بين الشفة والثنايا مخرج الفاء؛ أي باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، والرابع مما بين الشفتين مخرج الباء والواو والميم، فجميع هذه المخارج خمسة عشر لا غير كما رتبها سيبويه ووافقه أبو الحسن عليه، وإذ قد عرفت مخرج كل حرف عرفت أن أي حرف يقرب من أي حرف في المخرج هذا هو التقارب في المخرج، وقد يقارب الحرفان في الصفة مثل الهمس والهجر فيدغم أحدهما في الآخر بهذا الاعتبار أيضا، وإن لم يتجانسا لم يتقاربا في المخرج على ما سيجيء، ولما ذكر أنه إذا اجتمع حرفان متجانسان أو متقاربان يدغم الأول في الثاني وجب عليه أن يبين الإدغام فقال: "الإدغام" وهو في اللغة إدخال الشيء في غيره، يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس إذا أدخلته فيه، وفيه لغتان إدغام بالتخفيف وإدغام بالتشديد، ومن عبارات الكوفيين الإدغام أفعال، ومن عبارات البصريين الإدغام افتعال، وقد قصر أئمة العربية على إدخال الحرف في مثله أو متقاربه وتعريف صاحب الكشاف بأنه "إلباث" اللافظ "الحرف" الواحد اللبث المكث والانتظار "في مخرجه مقدار إلباث الحرفين" في مخرجهما تعريف باللازم؛ لأن المدغم والمدغم فيه حرفان في اللفظ حقيقة لا حرف واحد قد ألبث في مخرجه مقدار ألباث الحرفين لكن باعتبار أن
1 / 82