[شرح ديكنقوز]
المتعدد" ولا شك أن ما يدل على الواحد أعنى المصدر أيضا يكون قبل ما يدل على المتعدد أعنى الفعل، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون المصدر باعتبار مفهومه متقدما وباعتبار وضعه متأخر "وإذا كان" المصدر "أصلا للأفعال" في الاشتقاق "يكون أصلا" أيضا "لمتعلقاتها" أي لمتعلقات الأفعات من اسمي الفاعل والمفعول وغيرهما من حيث تعلقها بها، وإن لم تكن تلك العلة موجودة فيها "أو" نقول المصدر أصل "لأنه" أي المصدر "اسم" لصدق التعريف عليه "والاسم مستغن عن الفعل" أي غير محتاج إليه في الإفادة التي هي الغرض من وضع الألفاظ لأن التركيب من اسمين يفيد والفعل محتاج فيها إلى الاسم؛ لأن التركيب من فعلين بدون الاسم لا يفيد ولا شك أن المحتاج إليه أصل للمحتاج وفيه أيضا نظر؛ لأن الأصالة في الإفادة عند التركيب لا تستلزم التقدم في الوضع والكلام فيه "و" نقول "أيضا" كالدليلين الأولين في الاستدلال على أصالة المصدر في الاشتقاق أنه "يقال له" أي يطلق على ما صدق عليه الاسم الذي هو المصدر كضرب "مصدرا" أي هذا الاسم "لأن هذه الأشياء" السبعة المذكورة "تصدر عنه" أي عما صدق عليه المصدر فإن معنى المصدر موضع الصدور فضرب مثلا إنما سمى باسم المصدر لكونه موضع صدور ضرب وغيره من الأشياء الثمانية، وفيه أيضا نظر لأن باب المجاز مفتوح فلم لا يجوز أن يكون لفظ المصدر مصدرا ميميا بمعنى الصدور أو يكون بمعنى الصادر كالمجاز بمعنى الجائز أو يكون بمعنى مصدرية كضرب الأمير ومع هذا الاحتمال لا حجة للبصريين فيه والحجة القوية لهم أن يقولوا كل فرع يصاغ من أصل ينبغي أن يكون فيه ما في الأصل مع زيادة هي الغرض من الصوغ كالباب من الساج والخاتم من الفضة وهكذا حال الفعل فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة الثلاثة التي هي الغرض من وضع الفعل لأنه كان يحصل في نحو قولك لزيد ضرب نسبة الضرب إلى زيد، لكنهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه أخصر فوضعوا الفعل الدال بجوهر حروفه على المصدر أي على الحدث وبوزنه على الزمان؛ ولما وقع ذكر الاشتقاق على أنه قيد في
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
المتعدد" وأصل له فكذا ما يدل على الواحد قبل ما يدل على المتعدد وأصل له، ولما توجه أن يقال إن الدليل المذكور لا يدل على كون المصدر أصلا لغير الأفعال من الأشياء التسعة لعدم دلالته على الزمان أجاب بقوله: "وإذا كان أصلا للأفعال يكون أصلا لمتعلقاتها" أي من غير نظر إلى جريان الدليل المذكور فيها بل بمجرد كونها متعلقات الأفعال فحاصل معنى كلامه أنه إذا كانت الأفعال أصلا لمتعلقاتها عندهم ودل الدليل على أن المصدر أصل للأفعال ثبت أن المصدر أصل لمتعلقاتها بالواسطة هذا هو الحق، ومن الشارحين من اعترض بأنه لا يلزم من كون المصدر أصلا للأفعال من حيث التعدد المذكور كون المصدر أصلا لمتعلقات الأفعال؛ لأن التعدد المذكور ليس بموجود في بعضها كاسم الفاعل فإنه لا يدل على الزمان وأجاب عنه بعض آخر بقوله نعم إن التعدد المذكور ليس بثابت إلا أن التعدد ثابت فيه باعتبار آخر؛ لأنه يدل على الحدث والذات وكل ذلك ظلمات بعضها فوق بعض "أو لأنه" أي المصدر "اسم والاسم مستغن عن الفعل" أي في الإفادة ينتج أن المصدر مستغن عن الفعل ثم تجعلها صغرى لقولنا فكل مستغن عن الفعل فهو أصل له فنقول المصدر مستغن عن الفعل وكل مستغن عن الفعل فهو أصل له ينتج أن المصدر أصل له، وهو المطلوب فإن قلت مجرد إثبات استغناء المصدر عن الفعل لا يكفي في أصالة المصدر لجواز الاستغناء من الطرفين، بل لا بد من إثبات احتياج الفعل إلى المصدر ليتم المطلوب. قلت: احتياج الفعل إلى الاسم في الإفادة معلوم معهود ولهذا لم يذكر، ولقائل أن يقول: إن أصالة المصدر في الإفادة لا تدل على أصالته في الاشتقاق؛ لأن الاشتقاق ليس هو الإفادة ولا لازما لها فتأمل اعلم أن هذا الدليل لو تم لدل على أصالة المصدر بطريق الالتزام وكذا الدليل الأول، وأما الدليل الثالث فمبني على التحقيق ولهذا فصله عما قبله فقال: "وأيضا" ولم يقل أو لأنه "إنما يقال له مصدر" أي إنما سمي المصدر مصدرا "لأن هذه الأشياء التسعة" المذكورة "تصدر عنه" لأن معنى المصدر لغة موض يصدر عنه الإبل. فإن قلت: هذا القول بيان لتسمية المصدر مصدرا لصدور الأشياء التسعة عنه، وذا لا يمكن إلا بعد ثبوت كون المصدر أصلا فيلزم المصادرة قلت: معنى الاستدلال به أنهم جعلوا سبب تسمية المصدر مصدر لصدور الأشياء التسعة عنه، فلو لم يكن المصدر أصلا عنهم لما جعلوا سبب التسمية ذلك هذا وكل ما ذكره المصنف من الاستدلالات كلام ظاهري، والتحقيق ما ذكره الفاضل الرضي حيث قال: قال البصريون كل فرع يصاغ عن أصل ينبغي أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة هي الغرض من الصوغ كالباب من الساج والخاتم من الفضة، وهذا حال الفعل فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة التي هي الغرض من وضع الفعل؛ لأنه كان يحصل من نحو قولك لزيد ضرب مقصود نسبة الضرب إلى زيد لكنهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه آخر فوضعوا الفعل الدال بجوهر حروفه على المصدر وبوزنه على الزمان ولما ذكر أن المصدر أصل في الاشتقاق عند البصريين وجب عليه أمران بيان ماهية الاشتقاق والاستدلال على أصالة المصدر فيه والأصل أن يقدم التعريف على الاستدلال لكنه قدم الاستدلال لئلا يقع الفصل بين الدعوى ودليلها مع أن معنى الاشتقاق معلوم بوجه ما. ثم لما فرغ من الاستدلال بادر إلى بيان ماهية الاشتقاق قبل ذكر متمسكات للكوفيين ليتضح المقصود لكنه قدم تعريف مطلق اشتقاق على
1 / 8