[شرح ديكنقوز]
كذبتما ما أنا لكما بأم، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى: أما تعرفان محياها وتعلقت وخرجت بها، فقالت الأم عند ذلك: صغراها شراها، وإنما يجيء أفعل التفضيل الفاعل بشرط كونه "من الثلاثى" احترز به عن الرباعى المجرد والمزيد فيه فإنه لا يجيء منهما حال كونه "غير مزيد فيه"؛ أي فى الثلاثى بشرط كونه "مما ليس بلون ولا عيب ولا يجيء من المزيد فيه" ولا مما كان فى حكمه من الرباعى المجرد والمزيد فيه "لعدم إمكان محافظة جميع حروفها فى أفعل" إذا لم تحذف منه شيئا وإن حذفت الزوائد فقلت: هو أخرج من استخرج معلا يلتبس بأفعل من الثلاثى؛ أي لم يعلم أن المراد منه كثير الخروج أو كثير الاستخراج "ولا يجيء" أيضا "من لون ولا عيب"؛ أي لا يجيء من عيب على القياس ظاهرا كان العيب أو باطنا، وأما ما جاء من العيوب الباطنة من نحو: أجهل وأحمق وأضل، فهو على غير قياس فعلى هذا لا يحتاج إلى تقييد العيب بالظاهر كيف وقد عد الزمخشري وصاحب اللباب والمصنف وغيرهم أحمق من الشواذ مع أنه من العيوب الباطنة "لأن" الشأن "فيهما"؛ أي فى اللون والعيب "يجيء أفعل للصفة فيلزم الالتباس"؛ إذ لو جاء فيهما أفعل للتفضيل أيضا فقيل: أسود مثلا لم يعلم أن المراد ذو سواد أو زائد في السواد، وإن قصد تفضيل الزائد على الثلاثة وتفضيل اللون والعيب توصل إليه بأشد ونحوه مثل: هو أشد منه استخراجا وأحسن منه بياضا وأحسن دحرجة وأقبح وأقبح عمى
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"من الثلاثي" الذي "غير مزيد فيه" يعني الثلاثي المجرد "مما ليس بلون ولا عيب" لفظة لا زائدة لتأكيد النفي ولما خص أفعل التفضيل بالفاعل" وبالثلاثي المجرد بما ليس بلون ولا عيب وجب عليه أن يبين عدم مجيئه للمفعول، وعدم مجيئه من غير الثلاثي المجرد، وعدم مجيئه من الألوان والعيوب فبين الثاني بقوله: "ولا يجيء" أفعل التفضيل "من" الفعل "المزيد فيه"؛ أي من غير الثلاثي المجرد "لعدم إمكان محافظة جميع حروفها لضمير يرجع إلى المزيد فيه باعتبار الكلمة التي هو يصدق عليها ولهذا أنث "في" بناء "أفعل"؛ لأن أفعل ثلاثي مزيد في أوله همزة للتفضيل، فاستحال محافظة جميع حروف الكلمات الرباعي والخماسية والسداسية في وزن أفعل على تقدير عدم حذف حرف أو حروف منها، وإن حذفت التبس المعنى؛ إذ لو قلت من دحرج مثلا: أدحر بحذف الجيم من آخره لم يعلم أنه من تركيب دحرج، وكذا لو حذفت الهمزة من أخرج وزيدت في أوله همزة التفضيل وقلت: أخرج لم يعلم أن معناه كثير الخروج أو كثير الإخراج، وقس عليه ما عداه، وكل ما ذكر مبني على أنه لا صيغة للتفضيل إلا أفعل، وإنما اقتصروا عليه اختصارا، واعلم أن بناء أفعل من الزوائد مطلقا غير قياس عند الجمهور، وأما عند سيبويه فغير قياس فيما عدا باب الأفعال، وأما في باب الأفعال فمع كونه ذا زيادة قياس عنده، واختار المصنف مذهب الجمهور وبين الثابت بقوله: "ولا" يجيء "من لون ولا عيب؛ لأن فيهما يجيء أفعل للصفة المشبهة" كما ذكرنا "فيلزم الالتباس" بين الصفة والتفضيل على تقدير بناء أفعل منهما للتفضيل أيضا، فإنك إذا قلت: زيد الأسود ولم يعلم أنه بمعنى ذو سواد أو بمعنى الزائد في السواد، وهذا التعليل إنما يتم إذا بين أن أفعل للصفة يقدم بناؤه على أفعل للتفضيل وهو كذلك؛ لأن ما يدل على ثبوت مطلق الصفة مقدم بالطبع على ما يدل على زيادة على الآخر في الصفة، والأولى موافقة الوضع لما بالطبع. واعلم أنه أجاز الكوفيون بناء أفعل التفضيل من لفظي السواد والبياض خاصة قياسا وقالوا: لأنهما أصلا الألوان ويحتجون أيضا في البياض بقول الراجز:
جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إياض
وقال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه، وفي السواد بقول الآخر؛ لأنت أسود في عيني من الظلم، والبيتان شاذان عند البصريين، واعلم أنه يجب على المصنف أن يقول وأنه لا يجيء من لون ولا عيب ظاهر؛ لأن العيب الباطن يبنى منه أفعل التفضيل نحو: فلان أبلد من فلان وكذا أرعن وأهوج وأخرق وأعجم وأنوك وأحمق وألد وأشكس وأعين وأجهل وغير ذلك، مع أن بعضها يجيء منها أفعل للصفة أيضا كما مر فلا يطرد تعليلة كما لا يطرد دعواه، والحكم بأن كل هذه الأمثلة مع كثرتها شاذ غير معقول وغير واقع في كلامهم، بل الواقع الجواز قياسا، والجواب عنه بأن المراد من العيب العيب الظاهر ليس بشيء؛ لأن قوله فيما سيأتي وأحمق من هبنقة من العيوب شاذ يدل على أن مراده من العيب ما هو عام للظاهر والباطن فافهم، والتحقيق فيه ما ذكره الفاضل الرضي من أنه لا يفعل التفضيل من الألوان والعيوب الظاهرة؛ لأن غالب الألوان يأتي أفعالها على أفعل وأفعال بتشديد اللام فيهما كأبيض وأسود وأحمر واحمار فحمل ما جاء من الثلاثي عليهما في عدم بناء أفعل التفضيل، وأما العيوب المحسوسة فليس الغالب فيها المزيد فيه، بل الغالب الثلاثي، لكن بعض المزيد فيه أكثر استعمالا فيه من غيره كأحول وأعور فإنهما أكثر استعمالا من حول وعور، ولهذا لم تقلب واوهما ألفا حملا على أحول وأعور، وما لم يجئ منه أفعل ولا أفعال كالعرج والعمى لم يبن منه لكون بعضه مما لا يقبل الزيادة والنقصان كالعمى والبواقي محمولة على القسمين في الامتناع، إذا عرفت هذا فاعلم أنك إذا قصدت التفضيل من الأفعال التي تعذر بناء أفعل منها كالرباعيات والمزيدات وكالألوان والعيوب فطريقة أن تبنى أفعل من فعل يصح بناء أفعل منه على حسب غرضك الذي تقصده، ثم جئت بمصادر تلك الأفعال التي امتنع بناء أفعل منها فتنصب على التمييز مثلا: إذا قصدت كثرة الفعل قلت: أكثر دحرجة، وإذا قصدت حسنه قلت: أحسن انتقاشا، وإذا قصدت قبحه قلت: أقبح عورا، وإذا قصدت شدته أشد بياضا، وقس عليه ما عداه
1 / 69