[شرح ديكنقوز]
فاء الكلمة، وثانيها حرف المضارعة، وثالثها حرف العطف "ومن ثمة" أي ومن أجل استكراههم اجتماع الواوات "قيل الأول من كل كلمة لا يصلح لزيادة الواو" إذ قد تكون فاء الكلمة واوا فلو زيدت قبل الفاء واو وعطفت بواو أخرى يجتمع الواوات لا محالة واطرد في غيره وعطف على قوله قيل قوله "وأن واوا ورنتل أصل" وهو الداهية وزنه فعنلل كجعنفل، ثم أتبعوا الغائبة والغائبتين المخاطب لئلا يلتبس بالغائب والغائبتين بزيادة الياء كما هو اللائق، وإن كان يلتبس بزيادة الياء بالمخاطب، إلا أن هذا أسهل؛ إذ الالتباس بالأقرب أشكل، وإنما أتبعوها إياه دون غيره لاستوائهما في الماضي كما يجيء إن شاء الله تعالى، ولم يجعل جمع الغائبة بالتاء، بل بالياء كما هو مناسب للغائبة لعدم الالتباس بينه وبين جمع المذكر لحصول الفرق بينهما بالواو في أحدهما والنون في الآخر، نحو: يضربون ويضربن "وعينت الياء للغائب" أي لجنس الشخص المذكر الغائب؛ أي لغير جنس المتكلم والمخاطب ليشمل الحاضر الذي ليس بمتكلم ولا مخاطب سواء كان ذلك واحدا أو اثنين أو جماعة إلا أنه عدل عن هذا الأصل في الغائب والغائبتين لما عرفت "لأن الياء من وسط الفم والغائب هو الذي يذكر في وسط الكلام" الجاري "بين المتكلم والمخاطب" فناسبه "وعينت النون للمتكلم إذا كان معه غيره" مطلقا "لتعينها" أي النون "لذلك" أي للمتكلم مع غيره "في" الماضي نحو "نصرنا" فأتبعوا المضارع الماضي في ذلك "وقيل: زيدت النون" في المتكلم مع غيره "لأنه" أي الشأن "لم يبق من حروف العلة" التي هي أولى بالزيادة "شيء وهو" أي النون "قريب من حروف العلة في خروجها" أي النون "من هواء الخيشوم" وهو أقصى الأنف، وقيل: عينت النون له للموافقة بينه وبين نحن على قياس ما قيل في تعيين الأنف للمتكلم وحده ولذلك لم يذكره "وفتحت هذه الحروف" أي حروف المضارعة في جميع الأبواب "للخفة إلا في" أبواب "الرباعي" أي رباعي كان "وهو" أي الرباع "فعلل" وملحقاته "وفاعل وأفعل وفعّل" بتشديد العين فإنها مضمومة فيهن؛ لأن من جملتها الياء والكسر عليه مستكره فحمل الباقي عليه، وفي الفتح التباس لما سنذكره إن شاء الله تعالى فتعين الضم، و"لأن هذه الأربعة رباعية والرباعي فرع الثلاثي" في الاحتياج وقوله: "والضم أيضا فرغ الفتح" في الخفة فناسب الضم الرباعي من حيث الفرعية فأعطى له ليدل على ما قدرناه من قولنا: فإنها مضمومة فيهن "وقيل" إنما ضمت هذه الحروف في
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
نباح الكلب وهو مستكره، فوجب قلبها حرفا آخر لدفع الكراهة فأبدلت التاء منها؛ لأنها كثيرا ما قد تبدل منها نحو: تراث وتجاه، والأصل وراث ووجاه، واعلم أن اجتماع الواوات مستكره إذا كانت في كلمة واحدة لا في كلمتين فلا يرد الإشكال بقوله تعالى: "آووا ونصروا "ومن ثمة" أي من أجل أن اجتماعات الواوات مستكره "قيل الأول من كل كلمة لا يصلح لزيادة الواو"؛ أي لا يجوز زيادة الواو في أول كلمة ما أصلا خوفا من اجتماعات الواوات، أما في المثال الواوي فظاهر، وأما في غيره فللحمل عليه قوله: "وحكى أن واو ورنتل أصل" جواب سؤال مقدر وهو أن قولكم: لا يجوز زيادة الواو في أول كلمة ما منقوض بورنتل لزيادة الواو في أوله، ومعنى الجواب ظاهر والورنتل بالفتحات وسكون النون اسم بلدة وقيل الشدة "وعينت الياء للغائب" أي غير المتكلم والمخاطب فيندرج فيه المذكر والمؤنث مفردين ومثنيين ومجموعين، لكنه سقطت الغائبة المفردة والمثناة بقرينة الحال فبقي الأربعة فسقط الاعتراض بعدم اندراج جمع المؤنث الغائبة فافهم "لأن الياء وسط الفم والغائب هو الذي يكون في وسط الكلام بين المتكلم والمخاطب" فيكون بينهما مناسبة في الوسط فعينت له "وعينت النون للمتكلم إذا كان معه غيره" لتعينها لذلك في ضربنا أي لتعين النون للمتكلم إذا كان معه غيره في الماضي نحو: ضربنا "وقيل زيدت النون" للمتكلم مع الغير "لأنه لم يبق من حروف العلة شيء" أي حرف "وهو" أي الحال والنون "قريب من حروف العلة في خروجها عن هواء الخيشوم" الخيشوم أقصى الأنف وهواء الخيشوم الصوت الذي يخرج منه ويسمى غنة أيضا فمعناه أن النون غنة في الخيشوم، كما أن حروف العلة مدة في الحلق. واعلم أن النون إنما يكون غنة إذا كانت ساكنة لا مطلقا، بل إنما يكون النون الساكنة غنة في الخيشوم مع خمسة حرفا من حروف الفم، وهي القاف والكاف والجيم والشين والصاد والضاد والسين والراء والطاء والدال والتاء والذال والظاء والياء والفاء، فمتى اتصلت النون الساكنة بحرف من هذه الحروف قبله كانت غنة في الخيشوم، ولم يكن للفم فيها علاج ألبتة، ولهذا لو نطق الناطق بمثل: عنك ومنك وسد أنفه اختل صورتها وربما تلاشى واضمحل "وفتحت هذه الحروف" أي حروف أتين التي للمستقبل "للخفة" أي لخفة الفتحة "إلا في الرباعي" مجردا كان أو مزيدا فيه للثلاثي "وهو" أربعة أبنية "فعلل وأفعل وفاعل وفعل" فإن حروف المضارعة مضمومة في هذه الأربعة "لأن هذه الأربعة رباعية والرباعي فرع للثلاثي" أما الرباعي المجرد الأصيل فلأن حروفه أكثر عددا من حروفه والكثير بعد القليل، وأما الرباعي المزيد فيه للثلاثي فلامتناع بنائه بدون الثلاثي "والضم أيضا" أي كالرباعي "فرع للفتح"؛ لأن الضم ثقيل لاحتياجه إلى تحريك الشفتين والفتح خفيف لعدم احتياجه إليه، والخفيف أصل والثقيل فرع له، فأُعطي الأصل للأصل والفرع للفرع "وقيل" ضمت حروف المضارعة في هذه
1 / 48