[شرح ديكنقوز]
شائعا في أمته، فإنك إذا قلت: جاءني رجل يكون شاملا لكل ذكر من بني آدم جاوز حد البلوغ على سبيل البدل، فإذا قلت: فعل الرجل مشيرا إلى ذلك الرجل الجائي يختص بواحد منهم "كما يختص يضرب بسوف أو السين" فإن يضرب يصلح للحال والاستقبال فإذا دخل عليه أحد الحرفين المذكورين، وقيل: سوف يضرب أو سيضرب يختص بالاستقبال، وإذا دخل عليه اللام، وقيل: ليضرب يختص للحال، وإنما عرف السين إشارة إلى سين الاستقبال؛ لأنه يجيء لمعان أخر كالطلب والتحول والإصابة على صفة والوقف بعد كاف المؤنث، نحو: أكرمتك، والظاهر أن يقول؛ يعني كما أن اسم الجنس يختص بلام العهد يختص يضرب إلى آخره بأن يدخل أداة التشبيه في المشبه به، كما هو قاعدة التشبيه، إلا أنه عكس إيذانا بأن القصد في هذا التشبيه إلى الجمع بين الشيئين في أمر من غير قصد إلى إلحاق ناقص بكامل حتى إذا دخل أداة التشبيه في المشبه به ما ضر ذلك في المقصود كتشبيه غرة الفرس بالصبح وتشبيه الصبح بغرة الفرس متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه من غير قصد إلى المبالغة في وصف غرة الفرس في الضياء والانبساط وفرط التلألؤ ونحو ذلك؛ إذ لو قصد شيء من ذلك لوجب جعل الغرة مشبها والصبح مشبها به؛ لأنه أزيد في ذلك ولما جاز عكسه، وأما تقديم المشبه به هنا فهو على قاعدة تقديمه في بيان تفصيل اتصاف الطرفين بوجه الشبه فإنه بصدد ذلك، وأما في نفس التشبيه فالقاعدة تقديم المشبه، مثلا إذا أردت تشبيه زيد بالأسد قلت: كما أن الأسد يتصف بغاية القوة ونهاية الجراءة وكما البطش والفتك يتصف زيد بها المشبه به ليعرف حاله أولا ثم يقاس حال المشبه عليه، ويحتمل أن يقال إنه لما جعل المشبه به مشبها للإيذان المذكور قدمه لكونه مشبها لا لكونه مشبها به "أو"؛ لأنه مشابه "بالعين في" مطلق "الاشتراك" فكما أن لفظة العين تشترك بين الجارية والباصرة وغيرهما ويشترك يضرب "بين الحال والاستقبال" فإن المستقبل يشترك بين الحال والاستقبال على الأصح "وزيدت على الماضي من حروف أتين حتى يصير" الماضي "مستقبلا" وإنما لم ينقص منه حتى يصير مستقبلا "لأن الماضي بتقدير النقصان منه يصير أقل من القدر الصالح" فلا يصلح أن يصير مستقبلا هذا في الثلاثي، وأما في غير الثلاث فحمل على الثلاثي في الزيادة
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"كما يختص يضرب" بالزمان المستقبل بعد أن كان صالحا للزمان الحاضر والمستقبل "بسوف أو بالسين" أي بسين الاستقبال نحو: سيخرج وسوف يخرج لا بسين الاستفعال وغيره، فالألف واللام فيه إما عوض عن المضاف إليه أو للعهد الذهني. واعلم أن السين وسوف قد سماهما سيبويه حرفي التنفيس، ومعناه تأخير الفعل إلى الزمان المستقبل وعدم التضييق في الحال، وسوف أكثر تنفيسا من السين، وقيل: إن السين منقوص من سوف دلالة بتقليل الحرف على تقريب الفعل. قوله: "وبالعين" عطف على قوله: بضارب أو باسم الجنس على اختلاف المذهبين "في الاشتراك بين الحال والاستقبال" يعني كما أن العين يشترك بين المعاني مثل الذهب والباصرة والجارية كذلك المستقبل يشترك بين الحال والمستقبل؛ فهذه المشابهة في الاشتراك فقط لا في الاختصاص بعد الاشتراك كما تفصح عنه عبارته، ولأنه حينئذ يكون كالتكرار بما قبله فبطل ما ذهب إليه بعض الشارحين من أن معناه كما أن العين مشترك بين المعاني ثم يختص بأحد المعاني بالقرينة كذلك المستقبل مشترك بين الزمانين ثم يختص لأحد الزمانين بدخول السين أو سوف. اعلم أن المستقبل حقيقة في أحد الزمانين مجاز في الآخر، فقال بعضهم: هو حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال؛ لأنه إذا خالف القرائن لم يحمل إلا على الحال، وهذا شأن الحقيقة والمجاز، وقال بعضهم: هو حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال لخفة الحال، والأول هو المختار كذا ذكره الرضي، وقال ابن الحاجب في شرح المفصل: المضارع يشترك في الحاضر والمستقبل هذا هو المذهب المشهور، ومنهم من زعم أنه ظاهر في الحال مجاز في المستقبل ومنهم من عكس والصحيح أنه مشترك؛ لأنه يطلق عليهما إطلاقا واحدا كإطلاق المشترك فوجب القول كسائر المشتركات إلى هنا عبارته. ومما يجب أن يعلم أن كون الحال زمانا اصطلاحي عرفي لا حقيقي؛ إذ الماضي ينتهي إلى آن هو مبدأ المستقبل فلا يوجد زمان هو حال وأيضا لو كان الحال زمانا لكان التنصيف تثليثا كذا حققه الحكماء، فقولك: يصلي في قولنا: زيد يصلي حال مع أن بعض أفعالها ماض وبعضها باق مبني على الاصطلاح، فالآن الحاضر مع جنبيه من الزمان حال في عرفهم. ولما فرغ من بيان سبب تسمية المستقبل مستقبلا ومضارعا شرع في كيفية مغايرته للماضي فقال: "زيدت على الماضي" حرف "من حروف أتين حتى يصير" الماضي "مستقبلا" يعني لما وجب المخالفة بين لفظي الماضي والمضارع ليدل على مخالفة معناهما وهي لا يمكن بانتقاص حرف من حروف الماضي "لأن" الشأن "بتقدير الانتقاص" منها "يصير أقل من القدر الصالح" وقد عرفت أن القدر الصالح ثلاثة أحرف؛ حرف يبتدأ به، وحرف يوقف عليه، وحرف يتوسط بينهما، وأيضا انتقاص حرف واحد منه لا يفيد الوجوه الأربعة من الغيبة والخطاب والتكلم وحده ومع غيره، ولو انتقص لكل وجه حرف لم يبق في الكلمة شيء فتعين أن تكون تلك المخالفة بالزيادة، وهذا الدليل المذكور يجري في الثلاثي وغيره محمول عليه وأما
1 / 46