[شرح ديكنقوز]
فصل في المستقبل:
كل واحد منها "عليه" أي الفاعل المستتر، فإن التاء في تفعل يدل على الفاعل المخاطب وحكم افعل أمرا ولا تفعل نهيا وحكم تفعل مخاطبا؛ لأنهما مأخوذان منه، وإلى أن الهمزة في أفعل متكلما وحده تشعر بأن فاعله أنا، والنون في نفعل تشعر بأن فاعله نحن، فلا يحتاج في هذه الصيغ الأربع إلى العدول عن الاستتار الخفيف والإتيان بالضمير البارز "و" لما كان الاستتار واجبا في هذه المواضع الأربع "قبح" ظهور فواعلها مظهرا كان أو مضمرا وأن تقول "افعل زيد وتفعل زيد" أو لا تفعل إلا أنت "وأفعل زيد" ولا أفعل إلا أنا "ونفعل زيدون" أو لا نفعل إلا نحن وما ظهر في نحو: اسكن أنت تأكيد للمستتر لا فاعل، وأما في غير هذه الأربعة فالاستتار جائز، كما أشرنا إليه نحو زيد ضرب وضرب زيد وزيد ضارب غلامه.
المشهور فتح الباء بناء على أنك تستقبل الفعل الآتي بعد زمانك أو أن الزمان يستقبله، إلا أن الصحيح ومقتضى القياس على تسمية الماضي بالماضي كسر الباء "وهو أيضا" أي كالماضي "يجيء على أربعة عشر وجها، نحو: يضرب إلى آخره" أي إلى نضرب، تقول: يضرب يضربان يضربون تضرب يضربان يضربن تضرب تضربان تضربون تضربان تضربن أضرب نضرب "ويقال له" أي لما صدق عليه المستقبل من نحو: يضرب "مستقبل لوجود معنى الاستقبال" على أحد الوجهين المذكورين "في معناه ويقال له أيضا: مضارع"؛ لأن معنى المضارعة في اللغة المشابهة مشتقة من الضرع، كأن كلا الشبيهين ارتضعا من ضرع واحد فهما أخوان رضاعا، فلما ضارع المستقبل بالاسم قيل له مضارع، وإنما قلنا: إنه مضارع بالاسم "لأنه مشابه بضارب في الحركات والسكنات" وفي ترتيبهما فإن عدد الحركة والسكون في يضرب على عدد الحركة والسكون في ضارب وعلى ترتيبها فيه، وجمع السكنات للمشاكلة "و" مشابه في "وقوعه صفة للنكرة" فإنك كما تقول: مررت برجل ضارب، تقول: مررت برجل يضرب ولم يذكر مثاله اكتفاء بما ذكر في الماضي "وفي دخول لام الابتداء" عليه "نحو إن زيدا لقائم و" إن زيدا "ليقوم أو"؛ لأنه مشابه "باسم الجنس في العموم والخصوص" ولما كان ثبوت وجه التشبيه؛ أعني العموم والخصوص في كل من الطرفين؛ أعني المضارع واسم الجنس غير بينه بقوله: "يعني أن اسم الجنس يختص" الواحد "بلام العهد" بعد أن كان
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"على الاستتار" بسبب دلالة الحروف في الثلاثة الأخيرة كما عرفت، واشتقاق الأمر من المخاطب "وقبح" بالواو والأولى بالفاء؛ يعني لما كان استتار الضمير واجبا في هذه الأربعة قبح أن تسند إلى الفاعل الظاهر ويقال: افعل زيد وتفعل زيد وأفعل زيد ونفعل زيدون" وأما ما عدا هذه الأربعة فيجوز أن يسند إلى فاعل ظاهر أيضا فلا يقبح أن يقال: ضرب زيد وضربت هند ومررت برجل ضارب غلامه.
"فصل في المستقبل":
الاستقبال في اللغة ضد الاستدبار وهو التوجه فالمستقبل في اللغة ما يتوجه إليه، فالقبلة في قولنا: زيد يستقبل القبلة هو المستقبل؛ لأنه يتوجه إليه والمستقبل من الزمان هو الآتي منه؛ لأنه يتوجه إليه ويتوقع مجيئه، وفي الاصطلاح فعل يتعاقب على أوله الزوائد الأربع، والمراد من الزوائد الأربع حروف أتين كما يجيء فبقولنا: فعل يسقط الاعتراض بمثل يزيد ويشكر علمين، وبقولنا: يتعاقب على أوله الزوائد خرج مثل أمر ونصر وترك ويسر. واعلم أنه لا شك في أن زيادة هذه الحروف على الماضي والمستقبل لقصد معنى غير معنى الماضي، وهو الزمان الحاضر والزمان الآتي أو هما معا، وإلا لما احتيج إلى تلك الزيادة فلا ينتقض الحد بمثل أكرم وتدحرج وتقاعد؛ لأن زيادة هذه الحروف فيها لنقل الفعل من باب إلى باب؛ إما لقصد التعدية أو للمبالغة أو لغيرهما لا لقصد معنى غير الماضي فتدبر "وهو" أي المستقبل "أيضا" كالماضي "يجيء على أربعة عشر وجها" والقياس أن يجيء على ثمانية عشر وجها أيضا؛ ستة للغيبة وستة للمخاطب وستة للمتكلم، لكنه اكتفى بلفظين في المتكلم لعدم الالتباس كما في الماضي، فبقي أربعة عشر وجها "نحو يضرب إلى آخره" أي يضربان يضربون تضرب تضربان يضربن تضرب تضربان تضربن أضرب نضرب "ويقال له مستقبل وجود معنى الاستقبال في معناه" فإن يضرب مثلا يدل على الحدث وعلى الزمان الآتي "ويقال له مضارع؛ لأنه مشابه" ومعنى المضارعة في اللغة المشابهة مشتقة من الضرع كأن كلا الشبيهين ارتضعا من ضرع واحد فهما أخوان رضاعا، فيكون المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي مرعية "بضارب" يعني يقال للمستقبل مضارع؛ لأنه مشابه باسم الفاعل لفظا واستعمالا أما لفظا فهو "في الحركات" أي الثلاثة "والسكنات" وأيضا في عدد الحروف، وإنما جمع السكنات إما للمشاركة للحركات وإما لإضمحلال معنى الجمعية بدخول الألف واللام، كما بين في الأصول كما إذا حلف لا أشتري العبيد يحنث باشتراء عبد واحد، ولا يلزم اعتبار ذلك في الحركات ولو سلم لا يضر المقصود فافهم، وأما استعمالا فمن وجهين عبر عن أولهما بقوله: "ووقوعه" أي موقعه في كونه "صفة للنكرة" نحو: مررت برجل ضارب وضرب وعن ثانيهما بقوله: "وفي دخول لام الابتداء" عليه "نحو: إن زيد القائم و" إن زيد "ليقوم" وأيضا يشبه اسم الفاعل في مبادرة الفهم في كل منهما إلى الحال عند الاطلاق نحو: زيد مصل وزيد يصلي قوله: "أو باسم الجنس" عطف على بضارب؛ يعني يقال للمستقبل مضارع؛ لأنه مشابه باسم الجنس معنى "في العموم والخصوص؛ يعني أن اسم الجنس يختص بلام العهد" يعني أن اسم الجنس مثل: رجل شائع في أمته ثم يختص بواحد بعينه بدخول لام العهد
1 / 45