[شرح ديكنقوز]
"واستتر في الغائب" المفرد "والغائبة" المفردة "دون التثنية والجمع" منهما؛ لأنه لو استتر فيهما أيضا أو لم يستتر في المفردين أيضا يلزم الالتباس، ويفهم هذا من بيان رجحان الاستتار في الغائب والغائبة، واختص الاستتار بالمفرد "لأن الاستتار خفيف" وذلك ظاهر "فإعطاء الخفيف للمفرد السابق" لكثرة الاستعمال "أولى دون المتكلم" وحده أو مع غيره "و" دون "المخاطب اللذين في الماضي؛ لأن الاستتار" حالة "قرينة" أي مقرونة بالفعل ودالة على وجوده، فإن أحد المقارنين يلزمه الدلالة على وجود الآخر ولذلك سمى الدلالة قرينة، وهي من عداد الأسماء ولذلك دخلتها التاء لكنها "ضعيفة والإبراز قرينة" دالة عليه "قوية"؛ لأن الأصل كون الفاعل ظاهرا والبارز إنما هو نائب عنه ودال على وجود الفاعل دلالة قوية؛ لأنه قريب من الظاهر من حيث كونه ملفوظا والمستتر نائب عن البارز ودال على الفاعل دلالة ضعيفة؛ إذ لا يشارك الظاهر بوجه "فاعطاء الإبراز القوي للمتكلم القوي" لكونه مبدأ الكلام "والمخاطب القوي" لكونه منتهي الكلام "أولى" من إعطائه الغائب الضعيف الذي لا دخل له في تحصيل الكلام قوله في الغائب حاصل المعنيين الإفراد والغيبة، وقوله دون التثنية والجمع ناظر إلى الأول، وقوله دون المتكلم والمخاطب ناظر إلى الثاني وبدل من دون التثنية والجمع قيل: إنما استتر في الغائب والغائبة دون المتكلم والمخاطب اللذين في الماضي؛ لأنه لما كان مفسرهما لفظا متقدما في الأصل دون المتكلم والمخاطب أريد أن يكون ضمير الغائب أخصر من ضمير بهما فحذف اللفظ من المفرد؛ إذ لا أخف من المحذوف "واستتر في مخاطب المستقبل" المفرد المذكر "ومتكلمه" مطلقا، وإنما ذكر الاستتار فيهما، وإن كان حكمها مفهوما مما سبق من القيد بيانا لعلته وهي قوله: "للفرق" بينهما؛ أي في الماضي وبينهما؛ أي في المستقبل ولم يعكس؛ لأن الماضي أصل والإبراز قوي فأخذه، ولما ذكر عدم الاستتار في المخاطبة فيما يبق وبين سببه هناك لم يتعرض له هنا ولما ذكر أن وقوع الاستتار في بعضهما هو عريق أي أصل في اقتضاء الفاعل أعني الفعل وبين أن سبب الاستتار فيه ضعيف علم بالطريق الأولى أنه يقع الاستتار في الصفة التي هي أضعف من الفعل، وأنها غير عريقة في اقتضاء الفاعل، بل اقتضاؤها إنما هو لمشابهتها الفعل فلم يحتج إلى بيان سبب الاستتار فيها فلذلك لم يذكره "وقيل يستتر في هذه المواضع"
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"واستتر في الغائب والغائبة" أي استتر المرفوع في الغائب المفرد ماضيا كان أو مضارعا، نحو: ضرب ويضرب والغائبة المفردة ماضيا كان أو مضارعا، نحو: ضربت وتضرب "دون التثنية والجمع" منهما "لأن الاستتار خفيف"؛ لأنه تقدير محض من غير تلفظ الشيء، وقد عرفت أن المفرد سابق على المثنى والمجموع "وإعطاء الخفيف للمفرد السابق أولى" من عكسه هذا إجمال لا يسمن من جوع، وإن أردت كلاما مشبعا فاستمع نتلو عليك، وإنما استتر في المرفوع الغائب المفرد والغائبة المفردة في الماضي والمضارع دون تثنيتهما وجمعهما؛ لأن الغائب لما كان مفسرا بغائب مظهر متقدم أرادوا أن يكون ضمائر الغيب أخصر فابتدءوا بالغائب والغائبة المفردين بغاية التخفيف، وهي التقدير من غير أن يتلفظ بشيء منه، ثم جعلوا لمثناهما ولمجموعهما ضمائر بارزة لئلا يلتبس بالمفردين واقتصروا المثنى مذكرا أو مؤنثا على الألف، الذي هو علامة التثنية في كل مثنى والجمع المذكر على الواو والجمع المؤنث على نون واحدة في مقابلة الواو والواحدة، وقول النحاة الفاعل في نحو زيد ضرب وهند ضربت هو وهي تدريس وتفهيم لضيق العبارة عليهم؛ لأنه لم يوضع لهذين الضميرين لفظ فعبروا عنهما بلفظ المرفوع المنفصل لكونه مرفوعا مثل ذلك المقدر لا أن المقدر هو ذلك المصرح به "دون المتكلم" سواء كان وحده أو مع غير، نحو: ضربت وضربنا، هكذا وجدنا عبارة الكتاب من غير عاطف، والحق أن يعطف على قوله دون التثنية، فيقال: ودون المتكلم ولا يمكن إبداله من دون الأول؛ إذ هو مقصود أيضا والمبدل منه لا يكون مقصودا، وقد يتكلف بأن يقال: ها هنا محذوف فتقدير الكلام واستتر المرفوع في الغائب دون المتكلم، لكنه حذف بقرينة سبقه في الكلام، أو يقال حرف العاطف محذوف تخفيفا لدلالة الكلام عليه كما يحذف في نحو قولك: اشتريت ما بين الموضع الفلاني إلى دار زيد إلى دار عمرو إلى دار بكر؛ أي وإلى دار عمرو وإلى دار بكر "والمخاطب" المفرد نحو ضربت "اللذين في الماضي؛ لأن الاستتار قرينة" للفاعل "ضعيفة" أي خفية؛ لأنه تقدير من غير أن يتلفظ بشيء "والإبراز قرينة قوية" أي ظاهرة ملفوظة "فإعطاء الإبراز القوي للمتكلم القوي والمخاطب أولى" من إعطاء الاستتار الضعيف لهما، ولما توجه أن يقال هذا الدليل منقوض بمخاطب المستقبل ومتكلمه لجريانه فيهما مع أنه لا يبرز الضمير فيهما أجاب عنه بقوله: "واستتر في مخاطب المستقبل" نحو: تضرب "ومتكلمه" وحده أو مع غيره نحو: أضرب ونضرب "للفرق" أي بين ما كان في المضارع من المتكلم والمخاطب، وهذا الكلام في غاية الضعف؛ إذ لا حاجة للفرق بينهما بالاستتار وعدمه؛ إذ حرف المضارعة يدفع اللبس وهو ظاهر، والوجه الصحيح ما حققه الرضي حيث قال: واستتر في تفعل مخاطبا إجراء لمفردات المضارع مجرى واحدا في عدم إبراز ضميرها، واستتر في أفعل ونفعل لإشعار حرف المضارعة بالفاعل فأفعل مشعر بأن فاعله أنا بسبب إشعار همزته بهمزة أنا، ونفعل مشعر بأن فاعله نحن بسبب إشعار نونه بنون نحن، وقد أشار المصنف إليه نقلا بعيد هذا بقوله: والهمزة في مثل أضرب والنون في مثل نضرب "وقيل يستتر في هذه المواضع" أي المواضع
1 / 43