[شرح ديكنقوز]
"وهو" أي هذا التركيب "بمنزلة ضربت ضربت" بتكرير الفعل لأن معنى التركيبين واحد فيكون ضربا مؤكدا لضربت تأكيدا لفظيا، كما كان ضربت الثاني مؤكدا له كذلك "والمؤكد" بفتح الكاف "أصل" لأنه متبوع "دون المؤكد" بكسر الكاف لأنه تابع "وأيضا يقال له" أي للمصدر اسم هو "مصدر لكونه" أي المصدر "مصدورا به" ومخرجا "عن الفعل" وله نظائر في كلامهم "كما قالوا" في الماء "مشرب عذب" أي لذيذ "و" في الفرس "مركب فاره" أي حاذق في المشي لا يتعب راكبه "أي" مرادهم بمشرب "مشروب ومركوب قلنا" معاشر البصريين "في جوابهم" أي في الجواب عن متمسك الكوفيين الأول الذي هو العمدة "إعلال المصدر" إذا أعل فعله إنما هو "للمشاكلة" أي الموافقة والاطراد في الإعلال بسبب المناسبة بينهما في اللفظ والمعنى "لا للمدارية" ولهذا قد يعل كل منهما بدون إعلال الآخر نحو رمى رميا واعشوشب اعشيشابا، فلا تدل الأصالة في الإعلال على الأصالة في الاشتقاق "كحذف الواو في تعد" أصلة توعد فإنه لمشاكلة يعد "و" حذف "الهمزة في يكرم" فإنه لمشاكلة أكرم فكما أن الحذف للمشاكلة لا يدل على الأصالة في الاشتقاق، فكذا الإعلال للمشاكلة لا يدل على الأصالة فيه وقلنا أيضا في الجواب عن متمسكهم الثاني لا نسلم أن ضربت ضربا بمنزلة ضربت ضربت، بل هو بمنزلة أحدثت ضربا ضربا؛ لأن المراد بتأكيد المصدر الذي هو مضمون الفعل بلا زيادة شيء عليه من وصف أو عدد وهو في الحقيقة تأكيد لذلك المصدر المضمون لكنهم سموه تأكيد الفعل توسعا فقولك ضربت بمعنى أحدثت ضربا فلما ذكرت بعده ضربا صار بمنزلة قولك أحدثت ضربا ضربا فظهر أنه تأكيد للمصدر المضمون وحده لا للأخبار والزمان اللذين تضمنهما الفعل فلم يقع المصدر تأكيد الفعل "و" لئن سلمنا أنه بمنزلة ضربت ضربت، وأن المصدر وقع تأكيدا للفعل فنقول "المؤكدية" بفتح الكاف لا تدل على الأصالة في الاشتقاق بل "تدل عليها" في الإعراب "كما في جاءني زيد زيد" فإن الأول أصل اللثاني في الإعراب مع أنه
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"وهو بمنزلة ضربت ضربت" أي في مجرد كون الثاني تأكيد اللأول "والمؤكد" بفتح الكاف "أصل" لكون معناه مقصود بالذات في الكلام "دون المؤكد" بكسر الكاف لكون معناه مقصودا لأجل المؤكد فيكون الفعل أصلا هذا الذي قررناه ما أراده الكوفيون، لكن المصنف غفل عن مرادهم حيث قال في الجواب، بل في الإعراب وتبعه الشراح فحملوا التأكيد على اللفظي فلن يفيد بعضهم بعضا إلا غرورا "وأيضا يقال له مصدر لكونه مصدورا به عن الفعل" فيكون الفعل مصدرا والمصدر مفعولا فيكون الفعل أصلا "كما قالوا مشرب عذب" أي ماء طيب لذيذ "ومركب فاره" أي جيد السير لا تعب راكبه "أي مشروب" عذب "ومركوب" فاره وأيضا قالوا المصدر مفعل بمعنى المصدور نحو قعدت مقعد أي قعودا، والمصدر بمعنى الفاعل أي صادر عن الفعل كالعدل بمعنى العادل وجوابه المنع، وأيضا استدلوا عليها بعمل الفعل في المصدر نحو لعدت قعودا؛ لأن العامل قبل المعمول وهو مغالطة؛ لأن العامل قبل المعمول بمعنى أن الأصل في وقت العمل أن يتقدم لفظ العامل على لفظ المعمول والنزاع في أن وضعه غير مقدم على وضع الفعل فأين أحد التقدمين من الآخر، وإذ قال علمت مذهبي الفريقين في الأصالة في الاشتقاق فاعلم أن الحد التام للمصدر عند البصريين هو اسم الحدث الذي يشتق منه الفعل وعند الكوفيين اسم الحدث الذي يستق من الفعل "قلنا في جوابهم" عن أدلتهم بأسرها أما عن الأول فهو أن "إعلال المصدر" أي عند إعلال الفعل هذا القول إلى قوله سال الميزاب مقول قلنا فيليتقابل الجمعان "للمشاكلة" وهي الموافقة أي ليكون المصدر موافقا ومطردا لفعله في الحذف والإعلال "لا للمدارية" حتى تدل على الأصالة "كحذف الواو في تعد" بنقطتين من فوق وباقي صيغ المضارع التي لا يقع الواو فيها بين ياء وكسرة موافقة ليعد أي لئلا يختلف بناء المضارع بل يجري على وتيرة واحدة وإن لم يوجد موجب الحذف "و" كحذف "الهمزة في يكرم" بنقطتين من تحت وباقي صيغ المضارع سوى أكرم وسائر متصرفاتها من الفاعل والمفعول وغيرهما وإن لم يوجد فيها علة الحذف وهي اجتماع المزتين موافقة لأكرم أي ليطرد الباب. اعلم أن حاصل هذا الجواب منع مدارية إعلال الفعل لإعلال المصدر وجودا فكأنه قال: إنا لا نسلم أن إعلال الفعل للمدارية لم لا يجوز أن يكون للمشاكلة كحذف الواو في تعد فلا يتوجه أن يقال: إن قوله إعلال المصدر للمشاكلة للمدارية دعوى بلا دليل ولما كان مدار الاستدلال على المدارية وجودا وعدما معا اكتفى بمنع الأول ولم يتعرض لمنع الشق الثاني وقد منعناه أيضا فتذكر "و" أما عن الثاني فهو أن "المؤكدية" بفتح الكاف "لا تدل على الأصالة في الاشتقاق" والكلام فيه "بل" تدل على الأصالة "في الإعراب كما في جاءني زيد زيد" يعني كما أن زيد الأول مؤكد وأصل في الإعراب بالنسبة إلى زيد الثاني لا في الاشتقاق؛ لأنه من الجوامد كذلك الفعل في مثل ضربت ضربا أصل بالنسة إلى المصدر في الإعراب لا في الاشتقاق وأنت تعلم أن هذا الجواب إنما يصح أن لو حمل التأكيد على اللفظي الصناعي وقد عرفت فساده مما قررناه سابقا من الأدلة الدالة على أن مراد الكوفيين من التأكيد هو الاسمي لا الصناعي، فلا يلزم من كون اللفظ الأول أصلا بالنسبة إلى الثاني في الإعراب كونه كذلك في الأول، وأيضا إنا لا نجد في ضربت إعرابا أصليا يتبعه إعراب ضربا هذا. ونحن نستعين بالله ونقول باستعانة الله الجواب الصحيح أن يقال المؤكدية بالمعنى الذي أرادوه لا تدل على الأصالة في الاشتقاق، بل في عرض
1 / 12