[شرح ديكنقوز]
"قال الكوفيون ينبغي أن يكون الفعل أصلا" والمصدر فرعا له "لأن إعلاله" أي إعلال الفعل "مدار" وسبب "لإعلال المصدر وجودا" أي من جهة الوجود، أي إن وجد إعلال الفعل وجد إعلال المصدر "و" مدار "عدما أي إن عدم إعلال الفعل عدم إعلال المصدر والدور إن ترتب الشيء على ما له صلوح العلية وسمي الشيء الأول المترتب الدائر والشيء الثاني المترتب عليه المدار "أما" كون إعلال الفعل مدار الإعلال المصدر "وجودا ففي" مثل "يعد" أصله يوعد "عدة" هي مصدر يعد أصله وعدة، ولما حذف الواو من يوعد لعلة توجب الحذف حذف من وعدة وإن لم توجد فيها تلك العلة تبعا له "و" مثل "قام قيام" أصلهما قوم قواما فلما أعل الأول أعل الثاني، وإن انتفى موجب الإعلال فيه تبعا للأول "وأما" كون إعلال الفعل مدار إعلال المصدر "عدما ففي يوجل وجلا وقاوم قواما" فلما لم يعل الفعلان لم يعل المصدران تبعا لهما "ومداريته" أي مدارية الفعل من جهة الإعلال للمصدر لا شك في أنها "تدل على أصالته" أي على أصالة الفعل للمصدر "وأيضا" أي كما أن الفعل مدار من جهة الإعلال للمصدر كذلك "يؤكد الفعل به" أي بالمصدر "نحو ضربت ضربا" فإن ضربا مصدر مؤكد للفعل أعنى ضربت وكيف لا يكون مؤكدا له
_________
[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
لكن الأول أوفق. ولما فرغ من استدلالات البصريين على أصالة المصدر وبيان ماهية الاشتقاق شرع في استدلالات الكوفيين على أصالة الفعل فيه بطريق المعارضة، لكن لما كان في أدلتهم ضعف لم يقل استدل بل قال "قال الكوفيون ينبغي" أي يجب "أن يكون الفعل أصلا" في الاشتقاق "لأن إعلاله" وهو تغيير حرف العلة للتخفيف، وهو قد يكون بالقلب كما في قال، وقد يكون بالحذف كما في قلت، وقد يكون بالإسكان كما في يقول، "مدار" أي سبب يثبت الأثر بثبوته وينتفي بانتفائه، وهو مصدر ميمي من دار يدور أصله مدور بفتح الواو فأعل بالنقل والقلب "لإعلال المصدر وجودا وعدما" وما يكون إعلاله مدار الإعلال شيء كذلك يكون أصلا له ينتج أن الفعل أصل أما الكبرى فظاهرة، وأما الصغرى فقد أثبتها المصنف بتمثيل مثالي مثالي ومثالي أجوف بقوله "أما وجودا ففي" مثل "يعد" أصله يوعد بوزن يضرب فحذفت الواو ولوقوعها بين ياء وكسرة أصلية "عدة" مصدر بوزن هبة أصله وعدة فأعل بشرطين أحدهما أن يعل فعله، والثاني أن يكون على وزن فعلة بكسر الفاء وسكون العين وإذا كان إعلال فعله شرطا لإعلاله كان مدارا له وكيفية إعلاله أنه نقلت حركة الواو إلى ما بعدها ثم حذفت ساكنة اتباعا للفعل واستثقالا للكسرة على الواو، أو حذفت متحركة وحرك ما بعدها بجنس حركاتها ولزم تاء التأنيث كالعوض منها، فلو انتفى أحد الشرطين لا يجوز حذفها، فلا تحذف من نحو الولدة؛ لأنه اسم فانتفى الشرط الأول، ولا من نحو الوعدة والوعد بفتح الواو فيهما لانتفاء الشرط الثاني "و" مثل "قام" أصله قوم فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار قام "قياما" أصله قواما فقصد بقلب الواو وتبعا لفعله لا لوجود موجب الإعلال، لكن لما كان ما قبلها مكسورا قلبت ياء لا ألفا فيكون المصدر تابعا لفعله في مطلق الإعلال "وأما عدما ففي" مثل "يوجل" معناه وبابه يخاف يعني لم يعل الواو فيه لعدم موجب الإعلال، أما بالحذف فلعدم وقوعها بين ياء وكسرة، وأما بالقلب ألفا أو بنقل الحركة فلسكونها، وأما بالقلب ياء فلعدم انكسار ما قبلها "وجلا" مصدر بوزن وعد لم يعل اتباعا لفعله كما يعل عدة لذلك "و" في مثل "قاوم" يعني لم يعل قاوم إما لوجود مانع الإعلال؛ لأنه لو حذفت الواو وإما ابتداء أو بعد قبلها ألفا التبس بقام، وإما لعدم موجبه؛ لأنها لا يمكن قبلها ياء لعدم انكسار ما قبلها "قواما" مصدر لم يعل اتباعا لفعله وهو قاوم مع أن هذا اللفظ يعل إذا وقع مصدر القام اتباعا له فيقال قياما كما مر "ومداريته" أي مدارية إعلال الفعل وجودا وعدما لإعلال المصدر "تدل على أصالته" أي الفعل لكون المدار متبوعا، وأنت تعلم أن الأصالة في الإعلال لا تدل على الأصالة في الاشتقاق وأيضا إن قوله ففي بعد عدة ويوجيل وجلا يدل على أن المضارع أصل المصدر مشتق منه بالذات، وقوله: وفي قام قياما وقاوم قواما يدل على أن الماضي أصل والمصدر مشتق منه بالذات فاضطربت مقالتهم، وأيضا إن هذا الاستدلال من قبيل إثبات القاعدة بالأمثلة وهو غير جائز نعم تثبت القاعدة بها إذا كان بالاستقراء التام وها هنا ممنوع، وأيضا أن مثل عدة لا يكون إعلاله بمجرد اتباع الفعل، بل بشرطين حتى لا يعل الوعدة والوعد بفتح الواو فيهما مع أن فعلهما وهو يعد كما حققته، وأيضا إن رمى فعل يعل بقلب الياء ألفا ورميا مصدر لا يعل، وأن اعشو شب فعل لا يعل واعشيشا بالمصدر يعديعل بقلب الواو ياء فانتفت دلالة مدارية إعلال الفعل لإعلال المصدر وجودا وعدما "وأيضا" ينبغي أن يكون الفعل أصل لأنه "يؤكد الفعل به" أي بالمصدر "نحو ضربت ضربا" فضربا يؤكد ضربت تأكيدا اسميا لا صناعيا؛ لأنه لم يعهد في العربية أن المصدر تأكيد لفظي أو معنى وأيضا التأكيد الصناعي من التوابع وهي معرفة بأنها الكلمات التي لا يمسها الإعرب إلا على سبيل التبع لغيرها، وإعراب المصدر ليس على سبيل التبع للغير؛ لأنه من المفاعيل وإعرابها أصلي لا تبعي، وأيضا الواقع في محل المعرب الجملة الفعلية لا الفعل المؤكد بالمصدر وحده، وكل ذلك ظاهر ولما لم يكن ضربا في ضربت ضربا من التوكيد الصناعية كان في تأكيد الفعل نوع خفاء بالنسبة إلى بعض الأذهان فشبهوا بالتأكيد اللفظي الصناعي توضيحا فقالوا:
1 / 11