واللطف من الله واجب لابد منه؛ لأنه تعالى إذا قصد بالتكليف تعريض المكلف للثواب، وعلم أنه لايتعرض الموصول إليه إلا عند أمر لولاه كان لايتعرض، فلو لم يفعله لنقص ذلك الغرض الذي له كلف، كما أن أحدنا لو كان غرضه من زيد إذا دعاه إلى طعامه أن يحضر فيأكل طعامه، أنه لايختار ذلك إلا عند اللطف في المسألة، فلو لم يفعله لنقص ذلك الغرض الذي دعاه إلى طعامه، ويحل بإخلاله بذلك محل أن يمنعه من نفس تناول الطعام، وكذلك لو لم يفعل تعالى اللطف الذي ذكرنا، بمنزلة ألا يمكن العبد مما كلفه في قبح التكليف.
وبهذه الجملة أبطل قول الدهرية والملحدة الذين يضيفون صنع هذه العجائب إلى الطبع، وإلى الكوكب، وثبت أن فاعلا لهذه الأعاجيب قادر قديم، واحد عالم لايشبهها.
واعلم أن الملحدة والدهرية على فرقتين: فرقة نفت الصانع نفيا محضا ولم تثبت للعالم ربا، وقد حكى الله تعالى قول هذه الفرقة، فقال سبحانه: ?ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر..? الآية [الجاثية:24].
وفرقة ثانية أثبتت الصانع، وزعمت أنه فاعل فيما لم يزل، وأن العالم ظهر منه كظهور ضياء الشمس من الشمس، وحر النار من النار، وهذا هو المحكي عن قوم من الفلاسفة، والدلائل التي قدمناها تبطل هذا كله.
(معترفة بالعجز على أنفسها، أنها لم تصنع أنفسها، ولم تشاهد صنعتها، وتعجز أن تصنع مثلها، وتعجز أن تصنع ضدها).
Page 28