وقد صح عندنا وتواتر ذلك لدينا، أن قوما صدقوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فيما جاء به من عند الله، ممن أدرك زمانه، وشاهده في عصره، وقامت عليه حجته وسلموا لأمره، وقبلوا ودانوا لدعوته، وهاجروا معه، وهجروا الآباء والأولاد، وقوما كذبوا ونصبوا له الحرب فحاربهم بمن تبعه، حتى استقاموا وأجابوا صاغرين، وندموا على ما كان منهم عندما انكشف لهم حال الدين، وجاهدوا في الله رب العالمين كل من طعن في دين المسلمين، وشاع الإسلام، واتسق النظام، وعرف الحلال والحرام، وذهب الاستقسام بالأزلام، وخبت حمية الجاهلية، وكانت كلمة الله هي العليا وكانت الكلفة في تمييز الأخبار مع نزول الوحي ساقطة، وامتحان الناقلين غير سائغ مع ظهور الواسطة.
(وبحسب ما قامت عليه الحجة كلفه الله الذب عن دينه، والقيام بحجته).
وأي ذب ذبوا عن الدين، لما تيقنوا وعرفوا حجة رب العالمين، فجزاهم الله على ذلك عنا خيرا وأكمل لهم رحمة وأجرا، فلقد صبروا وآووا ونصروا، وأثنى الله عليهم في كتابه، وخصهم برحمته وثوابه، فهم المهاجرون والأنصار، والخلفاء والأوزار، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات النعيم.
(ومن تراخت به الأيام عن لقائهم، وكان في غير أعصارهم، كانت الحجة عليه في معرفتهم، والقبول لماجاؤا به، والديانة لما دعوا إليه؛ تواتر الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب ولايتهيأ بالاتفاق، ويكون سامعها مضطرا في فطرته إلى أن ناقليها لايمكن مثلهم الكذب، ولا التواطؤ على مقالة، كقوم مختلفي الأجناس، متبايني الديار، متقطعي الأسباب، متفاوتي اللقاء، متراخي الأزمنة، ينقلون خبرا واحدا متسق النظام، محروسا من الغلط، محصنا من الوهم).
(من تراخت به الأيام عن لقائهم)، يعني: من امتدت به الأيام وهو مأخوذ من الرخاء، وكذلك يقال: عيش راخ أي ممدود واسع.
Page 51