قيل له: قد ثبت أن الواحد منا يقدر عليه، وعلى المعرفة من حيث تقع بحسب أحواله، فكما يجب كون الحركات فعله، فكذلك النظر؛ ولأنه إذا قدر على الجهل والاعتقاد المبتدأ فيجب أن يقدر على المعرفة؛ لأنها الاعتقاد إذا وقع على وجه، والنظر يولد المعرفة، ويثبت أن القادر على السبب قادر على المسبب، وفي هذا كلام.
وكذلك النفور من الحي القادر كما قلنا أولا عن الفناء، والفناء هنا كلمة مجاز عند أهل العدل والتوحيد، دالة على الممتن عليها ببقائها، وكذلك البقاء مجاز لاعلى الحقيقة، دلت على الممتن عليها أوضح دلالة، وأرجح مقالة، وإن كانت غير ناطقة بذلك، بل الحكمة فيها تشهد، والنعمة التي عليها تتجدد، ترى وتوجد.
(وأن الممتن عليها ببقائها هو المنعم عليها بإحداثه إياها).
كما قد شرطنا أن خلقه تعالى للمكلف حيا لينفعه، وبينا وجه المنافع، أنه نعمه ليوصله بذلك إلى سني النعم، ويجنبه عن محذور النقم، جل الله تعالى العالم بمصالح عبيده، والقائم بأسباب وعده ووعيده.
(فإذا علم البالغ المدرك أن هذا هكذا، وجب عليه أن يشكر المنعم، فإذا علم أن شكر المنعم عليه واجب، كان عليه أن يشكر المنعم عليه، وشكر المنعم عليه هو الطاعة له).
وقد بين عليه السلام أن شكر المنعم هو الطاعة له، وهذه جملة لاتخرج عن ثلاثة وجوه، وهي: اعتقاد، وقول، وفعل، مع الإصابة والاجتهاد.
Page 33