============================================================
شرح الأنفاس الروحانية ثم إنه لو مست الحاجة للسائل إلى المميز نقول: أما اللذة، والسرور خرجا من البين بما ذكرنا في الحد من الحمل لأن اللذة والالتذاذ لا يحملان على طلب ما تعلق به لأن ذلك اللذة، والسرور وهي المطلوب وقد وجد ذلك بوجود الملذوذ والمسرور به غير أن الإنسان إذا علم اللذة، والسرور تلذذ بهما فإنه يريد لذة وسروزا آخر غير ما سبق ويشتهيها، وبجبها فتحمله ارادته، ومحبته، وشهوته على طلب أمثال ذلك اللذة، والسرور يطلب أسيابها وآلاتها وهى الطعام اللذيذ والبشارة السارة، أما أن يقال إن اللذة، والسرور الحاصل له يحملانه على طلب لذة وسرور آخرين فلا وجه لذلك لأنهما لما وجدا عدما واضمحلا فنقول: لا خلو إما أن يحملانه حالة وجودهما، أو حالة انعدامهما أو اضمحلاهما لا وجه للأول لأن اللذة، والسرور موجود حاضر فلا حاجة إلى الطلب فلا يحملان على الطلب إذ المطلب حاضر موجود ولا وجه إلى الثاني وهو حالة الاتعدام لأن المعدوم المتلاشى لا تأثير له في شيء ولا في حمل إنسان خاص على طلب شيء وهذا ظاهر عند من له أدنى تأمل رياضة في هذا الجنس من العلم ولأن المعدوم لا يكون في نفس إنسان ولا يجده من نفسه، ونحن خصصنا المعنى الذي هو موجود في الانسان فافهم إن شاء الله وحده.
وأما العلم، والظن، والشهوة، والجوع، والعطش أجناس أيضا يحتاج فيها إلى التمييز بينها وبين الإرادة، وهذا الميز بينها وبين الارادة إنما يحصل في كل موضع تجد إرادة لشيء، أو إرادة فعل مع أنك لا تشتهيه ولا تعلم أن فيه مصلحة، وهذا نحو آن تعلم، أو يغلب على ظنك أن في الطريق أسدا واجدا أو عدؤا آخر ومع هذا يحملك معنى في باطنك على سلوك هذا الطريق فهذا المعنى الذي نسميه إرادة إذ ليس هنا علم ولا غلبة ظن يكون السلوك مصلحة، ولا
Page 254