مذهب ابن تيمية في مسألة الأصول والفروع
الإمام ابن تيمية ﵀ عندما تكلم في مسألة الأصول والفروع تكلم فيها على وجهين:
الوجه الأول: يذكر هذا التقسيم وهذه التسمية مقرًا لها، وهذا مقتضى الشرع والعقل.
الوجه الثاني: يذكر هذا التقسيم معارضًا له، ولكن مقصوده بالمعارضة ليس الاصطلاح، إنما مقصوده بالمعارضة الحد الذي ذكره بعض أئمة المعتزلة، ومن نقل عنهم من المتكلمة الصفاتية لما قالوا: إن الأصول هي العلميات، والفروع هي العمليات، فهذا غلط؛ لأنه يستلزم أن تكون الصلوات الخمس والزكاة والحج وصوم رمضان من الفروع، وهذا خطأ؛ لأن مذهب السلف درج على أن العمل أصل في الإيمان.
أو معارضة لقول بعضهم: إن الأصول هي المسائل المعلومة بدليل السمع ودليل العقل، والفروع هي المسائل المعلومة بدليل السمع وحده، فإن هذا أيضًا حد غير صحيح؛ فإن هناك مسائل أصول لا تعرف إلا بدليل السمع، ككتابة الله ﷾ لمقادير خلقه؛ فإنه لولا خبر الله ورسوله بها لما كان لأحد أن يبتدع بأن الله كتب مقادير الخلق، وكنزوله ﷾ إلى سماء الدنيا؛ فإنه لولا خبر النبي ﷺ لما كان لأحد أن يصل بعقله إلى أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا.
بخلاف بعض الصفات التي يشهد العقل بها ابتداء، ككونه ﷾ سميعًا بصيرًا حيًا قديرًا، فإن هذه مسائل تعرف بالشرع وتعرف بالعقل، وإن كانت المسائل المعروفة بالسمع إذا ورد السمع بها فإن العقل لا يعارضها.
إذًا: القول بأن الإمام ابن تيمية ﵀ رد تقسيم الدين إلى أصول وفروع أو أنكره هذا غير صحيح، بل في كلام شيخ الإسلام استعمال قديم للأصول والفروع، وهذا مقتضى العقل والشرع؛ لأن مسائل الشرع ليست وجهًا واحدًا، وكلمة (فروع) ليس فيها إنتقاص لشيء من مسائل الشريعة؛ بل إن النبي ﵌ قد قال ما هو مقارب لهذا المعنى، فقد قال ﵊ كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) والشاهد ما تفرد به مسلم من قوله ﵊: (فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) فإذا كان الشارع عبر بهذا التعبير واستعمل هذا اللفظ؛ فلفظ الأصول والفروع ليس بعيدًا عن مثل هذا المقصود، فهو لا يوجب النقص.
2 / 6