عدم التفريق بين أسماء الله وصفاته لازم للأشاعرة في العقليات
يشير الشيخ هنا أشار إلى أمر في مسألة العقليات والسمعيات، إذ يقول: هذا الكلام، أي: عدم التفريق بين شيء من أسماء الله وصفاته مع بعضها، لازم لهم في العقليات.
يعني: فيما يُثبته العقل لله ﷿، أو فيما يثبته العقل في كل أمر من الأمور، لكن الكلام هنا عمّا يتعلق بأسماء الله وصفاته، فمثلًا: العقول تُثبت أمورًا يعترف بها أهل الكلام، فتُثبت كمالات الله ﷿ ويقولون: هذه صفات عقلية، ويسمونها: صفات عقلية، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة ونحو ذلك، فهذا الكلام لازم لهم في العقليات، أي: فيما أثبتوه من العقليات وما نفوه مما يشبهها مما جاء في السمعيات التي ثبتت في القرآن والسنة.
إذًا: فالعقليات هي الأمور التي يثبتها العقل ولا ينكرونها؛ لأنها عندهم -بزعمهم- تثبت عقلًا ولو لم تثبت شرعًا، مع أنها قد ثبتت شرعًا قبل أن تثبت عقلًا، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة.
بينما السمعيات ينكرونها؛ لأنهم يرون أنها ليست من مدارك العقل حتى يثبتها، والسمعيات كاليد والوجه التي أُثبتت لله ﷿ في الكتاب والسنة، إذ لا طريق إلى إثباتها بمجرد العقل، يعني: لو لم ترد في الكتاب والسنة ما استطعنا أن نوردها، ولا أن نتكلم فيها، ولا أن نثبتها لله ﷿، مع أن كل أسماء الله وصفاته وأفعاله جاءت عن طريق السمع، أي: الوحي، لكن مع ذلك بعضها تدركه بداهة العقول والفطر، وبعضها لا يمكن أن نثبتها لله لو لم يأت بها القرآن وصحيح السنة عن رسول الله ﷺ، فمثلًا: لا نستطيع أن نثبت، أو لا يستطيع أحد من الخلق أن يثبت لله اليد، لولا أنها ثبتت في الكتاب والسنة إثباتًا عقليًا مجردًا، وكذلك الاستواء والنزول والمجيء وغير ذلك.
فالشيخ يقول: نظرًا لأنهم أثبتوا بعض الصفات العقلية فهذا يلزمهم أيضًا فيما أثبتوه من العقليات نفسها، فهم قد ثبتوا الحياة والعلم والقدرة والإرادة عقلًا ونفوا الحكمة، وهناك طوائف من أهل الكلام ممن يدّعون الإسلام ينفون الحكمة عن الله ﷿، فيقول لهم عقلًا: لم أثبتم الحياة والعلم والإرادة ونفيتم الحكمة؟ فإن كان هناك علة في نفي الحكمة فهي موجودة في إثبات الحياة وهكذا كذلك في السمعيات، ثم ما بين العقليات والسمعيات.
كما يقال لهم أيضًا حتى في السمعيات البحتة: ما دام أن هذا قد ورد في الكتاب والسنة، ولا يمكن للعقل أن يدركه، فلابد من إثباته؛ لأن العقل قد سلّم بصحة ما جاء في كتاب الله وصح عن رسوله ﷺ، فهذا العقل يجب أن يسلّم بالخبر عن صفات الله الخبرية السمعية التي لا يمكن أن يدركها، أو أن يثبتها مجردًا عن دلالة السمع أو دلالة الوحي.
إذًا: من أثبت شيئًا -كالعلم والحياة، لأن هذا عقلي- ونفى شيئًا بالعقل -كاليد والوجه- أُلزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما يلزمه فيما أثبته، ولو طولب بالفرق بين المحظور في هذا وهذا لم يجد بينهما فرقًا، وعليه فالقاعدة واحدة كما ذكر الشيخ في الأصل الأول والأصل الثاني.
6 / 7