Sharh al-Aqidah al-Wasitiyyah by Khalid al-Muslih
شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح
Genres
مكانة أهل السنة والجماعة بين فرق الأمة
قال المؤلف ﵀: [بل هم الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
فهم وسط في باب صفات الله ﷾ بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة.
وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم.
وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم.
وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
وفي أصحاب رسول الله ﷺ بين الرافضة والخوارج] .
بعد أن فرغ الشيخ ﵀ من بيان المنهج العام الذي سار عليه أهل السنة والجماعة في هذا الباب -باب الأسماء والصفات- واستدل لذلك بأدلة من الكتاب والسنة انتقل ﵀ إلى بيان أنهم وسط في عقائدهم وأعمالهم، وأن أهل السنة والجماعة وسط في الفرق -فرق الأمة- كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
فقوله ﵀: (بل هم) الضمير عائد إلى أهل السنة والجماعة.
(الوسط) والوسط من الشيء: أعلاه وأعدله وخيره.
(في فرق الأمة) فهم من هذا أن في الأمة فرقًا، وقوله: (الأمة) الألف واللام للعهد، أي: أمة محمد ﷺ، وقد أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح المشهور في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما: (أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) وقد بين النبي ﷺ صفة هذه الفرقة بقوله: (هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، وقوله ﷺ: (يد الله مع الجماعة)، فهذان وصفان أساسيان لهذه الفرقة، جعلنا الله منهم.
فأهل السنة والجماعة وسط عدول خيار في الأمة كما أن الأمة وسط بين أمم الكفر، أما وسطية الأمة فذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]، والمراد بالوسط: العدل الخيار، فجعل الله ﷿ هذه الأمة عدولًا خيارًا حتى تتحقق لهم الشهادة على الأمم، فإنه لا يشهد على أحد إلا من كان عدلًا خيارًا، ووسطية الأمة لا تنحصر في ذلك؛ ولذلك شيخ الإسلام ﵀ في كتابه (الجواب الصحيح) ذكر أوجهًا من وسطية الأمة بين أمتي اليهود والنصارى، ثم بعد إن ذكر وجوهًا عديدة قال: وهذا باب يطول وصفه، يعني: يطول تتبعه وتحديده، لكن كل من نظر إلى شرائع من تقدم، وإلى ما تميزت به هذه الأمة؛ وجدها قد سلكت طريقًا مستقيمًا، صراطًا عدلًا قسطًا، لا وكس ولا شطط، لا غلو ولا تفريط، فليس عندهم غلو، وليس عندهم تقصير، بل هم على صراط مستقيم.
وكذلك أهل السنة والجماعة لكونهم أخذوا هذا المنهج من كتاب الله ومن سنة رسوله ﷺ، وهما مصدر التشريع ومصدر العقائد لأمة الإسلام، فإنهم اتصفوا بهذا الوصف، فبقدر تمسك الإنسان بالكتاب وبالسنة يتحقق بقدر ذلك وصف الوسطية فيه، وبقدر ما يكون عدلًا خيارًا.
إذًا: فهمنا أن الوسطية في أمة الإسلام أمرها واسع، وكذلك الوسطية في منهج أهل السنة والجماعة -في الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة -أيضًا باب يطول وصفه، فهم وسط في الأعمال، وسط في العقائد، وسط في الأقوال، فليس عندهم غلو ولا تقصير، وإنما الغلو والتقصير عند غيرهم، فضرب المؤلف ﵀ نماذج لوسطية أهل السنة والجماعة في خمسة أمور في باب العقيدة؛ لأن الرسالة في باب العقيدة، وهذه الأمور الخمسة، هي: الأول: باب صفات الله ﷿.
الثاني: باب أفعال الرب جل وعلا.
الثالث: باب وعيد الله ﷾.
الرابع: باب أسماء الإيمان والدين.
الخامس: في أصحاب رسول الله ﷺ.
وليست الوسطية مقصورة على هذه، إنما هذه نماذج وأمثلة لوسطية هذه الفرقة فرقة أهل السنة والجماعة.
13 / 5