الوجه الثالث: إننا لو قلنا: استوى بمعنى استولى، لصح أن يقال: إنه استوى على الأرض، وعلى الشمس، وعلى القمر، وعلى السماء، وغير ذلك مما هو ملك لله، فإذا كان استوى بمعنى استولى، فالله مستوٍ على كل شيء، ولا يمكن أن يقول بهذا قائل، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
الوجه الرابع: أنه ليس في اللغة العربية أن استوى تأتي بمعنى استولى، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، وليس في موضع واحد من المواضع السبعة التي ذكر الله فيها الاستواء - أنه استولى على العرش، بل المواضع السبعة كلها جاءت على وتيرة واحدة: استوى على العرش.
فإذا قالوا عندنا دليل وهو قول القائل:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مِهراق
ومعنى استوى بشر على العرق: أي استولى على العراق، فالجواب على ذلك:
أولًا: إن هذا البيت قائله مجهول ولا يدرى من قائله، ولا يمكن أن يستدل على شيء من العقيدة المتعلقة بالله ﷿ ببيت شعر مجهول قائله، فالاحتجاج به مردود من الأصل.
ثانيا: أن نقول: لو ثبت أن قائله من العرب العرباء الذين لم تغيرهم اللكنة ولا العجمة، فإن المانع من جعل الاستواء هنا بمعنى العلو قرينة ظاهرة، وهو أن بشرًا لم يكن يرتفع على العراق حتى يكون العراق تحته كالكرسي، فيكون لدينا قرينة تمنع من إرادة العلو، ولم توجد هذه القرينة في قوله تعالى: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف: لآية ٥٤) .