باب
من الابتداء
قال الفرزدق:
يداكَ يدٌ إحداهما النَّيلُ كلُّهُ ... وراحتكَ الأخرى طعانٌ تغامرهْ
المراد بقوله: يد، وغن كان قد أفردها، التثنية، كأنه قال: يداك يدان، إحداهما كذا، ولو كان المراد بقوله: يد الإفراد، على ما عليه اللفظ، لم يجز، لأنك إن جعلتها خبرًا لليدين، لم يستقم أن يكون المبتدأ مثنى، والخبر مفردًا، وغن جعلتها مبتدأة، لم يجز أن تقول: يد إحداهما كذا، كما لا تقول: زيدٌ أحدهما كذا، إنما تقول: الزيدان أحدهما خارجٌ.
فإذا لم يخل إذا أفردها من أن تكون خبر ابتداء، أو مبتدأ ولم تسغ جملها على واحد منهما، علمت أن المراد بالإفراد التثنية، كأنه قال: يداك يدان، إحداهما كذا،
والأخرى كذا، فالجملة التي هي: إحداهما كذا، في موضع رفع، لأنها صفة ليد، وهي نكرة، ورجع الذكر إلى اليد من الصفة، بلفظ التثنية، لنه حمل الكلام على المعنى، دون اللفظ.
وقال: وراحتك الأخرى فوضع الراحة موضع اليد، لا يكون إلا كذلك، ألا ترى انك لو قلت، يداه تجودان، ورجله الأخرى تفعل كذا، لم يكن كلامًا، فإنما جاز هذا لوضعه الراحة موضع اليد.
ونظير وضع الراحة موضع اليد هنا، وضعهم الكف موضعها أيضًا، فيما أنشدها أبو عبيدة: