ما قتل غيره أحيا ما قاساه، أي: أشد حياة، كما أنه أيسره وأسهله يجعل الحياة مجازًا عن لازمها الذي هو كون صاحبها مألوفًا لا ينفر عنه، فيرجع أحيا ما قاساه وأيسره إلى ما هو المألوف منه جدًا له، وما هو السهل منه جدًا عليه، نعم، إن جعل أحيا أفعل تفضيل من الإحياء على الشذوذ، حتى يكون المعنى: ما قتل غيري من الهوى أشدما قاسيته إحياء لي وأيسره علي، هان الخطب. انتهى كلامه، ومن خطه نقلت، أما الأول فلم يذكره ابن الحاجب، وأما الثاني فلم يقف على كلامه حتى يفهم مراده.
تتمة: قال ابن الشجري: إن قيل: كيف كرر المعنى في قوله: والبين جار على ضعفي وما عدلا، لأنه أثبت للبين الجور، وفى عنه العدل، والمعنى فيهما واحد؟ فالجواب: إن الجائر في وقت قد يعدل في وقت آخر، فيوصف بالجور إذا جار، وبالعدل إذا عدل، وشبيه بذلك في التنزيل قوله تعالى في وصف الأوثان: ﴿أموات غير أحياء﴾ [النحل/٢١] فوصفها بأموات قد دل على أنها غير أحياء، والمعنى: أنها أموات لا تحيى في مستقبل الأزمان، كما يحيى الناس عند قيام الساعة، انتهى. أقول: يحتمل أنه من العدول، أي: جار علي ولم يفارقني.
وهذا البيت مطلع قصيدة للمتبني قالها أول صباه، وهو من الشعراء المحدثين الذين لا يصح الاستشهاد بكلامهم، وإنما أورده المصنف لزيادة إفادة، ولأن العلماء قد بحثوا فيه فاقتدى بهم، وبحث معهم، وكذا الحال في سائر ما أورده في هذا الكتاب من شعره.
والمتبني هو: أبو الطيب أحمد بن الحسين الكوفي الكندي، ولد بالكوفة في سنة ثلاث وثلاثمائة إلى محلة تعرف بكندة، فيها ثلاثة آلاف بيت من بين رواء ونساج، واختلف إلى كتاب فيه أولاد أشراف الكوفة، فكان يتعلم دروس العاوية شعرًا ولغة وإعرابًا، وقال الشعر في صباه، واشتهر صيته في الآفاق،
1 / 46