طر بت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب
فقال الفرزدق: فإلى أي شيء طربت؟ فقال الكميت:
ولم تلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب
فقال: ويحك! فأي شيء ألهاك وأي شيء أطربك؟ فقال الكميت:
ولا أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية ... أمر سليم القرن أم مر أعضب
فنزل الفرزدق عن بغلته، واخترط سيفه ثم قال: والله لئن لم تأت بعذر لاملأنه منك! وكان يدل عليه للقرابة التي بينهما، فقال الكميت:
ولكن إلى أهل الفضائل والتقى ... وخير بني حواء والخير يطلب
إلى النفر البيض الذين بحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب
بني هاشم رهط النبي محمد ... بهم ولهم أرضى مرارًا وأغضب
فأغمد الفرزدق سيفه وقال: يا ابن أخي! لقد ذهبت مذهبًا عظيمًا، وطربت إلى مطرب ما نطرب نحن إليه، وإنما نطرب إلى هذه الدراهم، فقل بملء فيك فإنك أشعر العرب! هذا آخر ما أورده الزجاجي.
والطرب: خفة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور، وكلاهما جائز هنا، وشوقًا: مفعول له قدم على عامله وهو أطرب، وبه رد أبو حيان على من منع تقمه، والبيض: النساء الحسان، ورسم المنزل: ما بقي من آثاره لاصقًا بالأرض، وتطر به بمعنى أطربه، والزجر: العياقة، وهو ضرب من التكهن، تقول: زجرت أنه يكون كذا، وهمه: فاعل يزجر، والطير: مفعوله، والسانح: ما مر من اليسار إلى اليمين من طير أو ظبي، والبارح عكسه، والعرب تتيمن بالسانح وتتشاءم بالبارح. والأعضب بمهملة فمعجمة: المكسور القرن.
1 / 32