112

Al-Taʿrīf bi-Shaksbīr

التعريف بشكسبير

Genres

ولماذا لم يكتب شيئا بعد سنة 1612؟ •••

ومحصل الأجوبة عن هذه الأسئلة جميعا أن حياة روتلاند وموته يفسران لنا كل سؤال منها نحار في جوابه إذا أصررنا على نسبة الروايات إلى شكسبير، ولكن الكاتب الروسي يزيد الحيرة في الحقيقة حيرتين؛ إذ هو يناقض القائلين بموافقة الروايات لحياة باكون وموافقتها لحياة أكسفورد، ولا اتفاق بينهم فيما عرضه من سؤال أو جواب. •••

وأول اعتراض يرد على الذهن المستقل - فضلا عن الذهن المتعصب لشكسبير - أن المنكرين تذكروا كل سؤال ونسوا سؤالا واحدا هو أولى بالتقديم من كل ما سألوا عنه، وكان عليهم أن يسألوا قبل ذلك: ما هو فضل العبقرية في حسبانهم؟ وأين مكان الملكات الممتازة إن أسقطوا من حسبانهم خوارق العادات وأجروا كل شيء في التأليف مجرى المعهود المقدور في عادات المعقول؟

ففي الروايات «معلومات» لا تستقى من ثقافة العصر كائنا من كان مؤلفها وبالغا ما بلغ من علوم عصره ومحصول جامعاته، ولم يكن في طاقة ذلك المؤلف أن يقسم عوارض علم النفس على حسب المرضى المصابين بانحراف العقل وانتكاس الخليقة ذلك التقسيم الدقيق الذي نقرأه اليوم في أدوار هملت وتيمون الأثيني والملك لير ولادي مكبث وريتشارد الثالث وغيرهم من المرضى «النموذجيين» في أوصاف علماء النفس المحدثين، وما كان في طاقة المؤلف أن يستبطن تلك العوارض والأعراض ويقسمها حسب أطوارها بما يستقيه من دروس جامعاته ومعاهده، ما لم ندخل في الحسبان فضل العبقرية وقدرتها على خوارق العادات في وعي السرائر واستطلاع خبايا الضمائر وتصوير كل أولئك في قالب شبيه بقالب الحياة.

على أن الغريب عندنا في القرن الحاضر أو في القرن التاسع عشر لم يكن غريبا في عصر شكسبير، وهكذا كل عصر من عصور الانتقال والانقلاب له معارفه العامة التي يتبادلها الناس من المختصين وغير المختصين ومن المتفرغين لها وغير المتفرغين، فليس من اللازم أن نلجأ إلى فرض العبقرية لنفهم قدرة شكسبير على العلم بمصطلحات الرياضة والملاحة ومراسم القانون؛ لأن رياضة الفروسية كانت خبرا مشاعا في عصر اليصابات، وكان قيام ملكة على العرش حافزا قويا بين النبلاء للتنافس في النخوة والبطولة وبراعة الفروسية والصيد والمسابقة، ومن لم تكن له ثروة النبيل فلا حجاب بينه وبين ساحات الطرد والصيد وحلبات المبارزة والسباق، ومما اشتهر عن شكسبير أنه هجر بلده هربا من تهمة التعرض للصيد في بعض ساحاته الممنوعة، وأنه كان على صلة حميمة بكثير من فرسان عصره، وأنه كان لمعرفته بالخيل تعهد إليه خيول السادة المترددين على المسارح قبل أن يشتغل بالتمثيل، وما كان ليفوته وهو يحرس تلك الخيول أن يسمع من أخبارها ومزاياها ما يغنيه في كتابة ما كتبه عن ألعاب الفروسية وأحاديث الفرسان.

أما الملاحة فقد كان حديثها على كل لسان في عصر المغامرات البحرية والرحلات إلى الأقطار المعلومة أو المجهولة، ولم يكن ناد من أندية العامة عند فرضة لندن يخلو من عشرات الملاحين من شتى الأمم يتحدثون بما شهدوه وما سمعوه وفيه ما يغني السامع عن ركوب البحار لوصف ما وصفه الشاعر في بعض رواياته، وهو مكتوب لأناس يسمعونه ويسمعون أمثاله في غير المسارح ومشاهد التمثيل، وقد كتب الشاعر سوذي

Southey

سيرة نلسون، فقال قراؤه من جنود البحر إنه كان يتسلل بين أدوات السفن كأنه قطة السفينة المنذورة أو كلبها المنذور، وسوذي لا يسمو في عبقريته إلى أوج شكسبير، وسفن القرن السادس عشر أو السابع عشر لا تحتوي من الدقائق ما احتوته السفن في عصر نلسون، ولا تحتاج مصطلحاتها إلى علم وافر بالملاحة كعلم الملاحة الحديث، وليس لنا - بعد كل تقدير - أن ننفي خروج شكسبير من وطنه ونقطع باستحالة وصف البحر في رواياته على المشاهدة والتجربة وممارسة الملاحة في بعض الرحلات، فإن في سيرته - كما تقدم - فترة مجهولة بعد سنة 1584 تزيد على ست سنوات لا يجوز البت في خبر من أخبار حياته ولا في مزاولة من شتى مزاولاته ما لم تنكشف لنا أخبارها على وجه اليقين، فإن لم يكن قد ثبت أنه قضى هذه الفترة في رحلات البحر ومشاهدات السياحة فلم يثبت كذلك أنه بقي خلالها في مكان معلوم لم يفارقه إلى مكان قريب أو بعيد.

ومصطلحات القانون في الروايات لا تزيد على القسط الذي يلتقطه الذهن اليقظ من معاملاته أو من محادثاته مع الفقهاء والمسجلين، وكانت لشكسبير معهم - ولا ريب - أحاديث في بلدته حيث يختلف القرويون إلى المسجلين وكتاب العقود شهودا أو موقعين أو أصحاب شأن في ورقة من أوراق التوثيق، وكانت له عقود ومشاركات كما كانت له أسمار يستمع فيها لفقهاء القانون وأصحاب القضايا ورواد المحاكم والدواوين، وفي استطاعة مثله - ولو لم يقصد - أن يتلقف من معارف القانون ما يعينه على مساجلاته القانونية، فإذا قصد أن يحيط ببغيته منها فلا يعييه أن يدرك ما يبتغيه.

ولقد قيل إن كثرة الكلام على الصناعات ما عدا الصناعة التي مارسها الشاعر - وهي التمثيل - دليل على أن الكاتب من غير الممثلين، والأحجى لا يكتب رواياته ليمثل الممثلين ولا ليعرض على النظارة أدوات فنه ومصطلحات عمله، وإنما يكتب ليمثل الصناعات والصناع جميعا ما عدا الصناعة التي يرونها منه حين يرونه على المسرح في تلك الأدوار، وليس الإكثار من ذكر المسرح والتمثيل دليلا على خبرة المؤلف بالشؤون المسرحية أو قيامه بتمثيل الأدوار أو توجيهه للممثلين، وإنما يدل على ذلك وضعه للرواية على النحو الذي يهيئها للغرض ويهيئ للممثلين فيها أداء أدوارهم وإلقاء أقوالهم على أيسر سبيل، وهذه هي القدرة التي أحسها أستاذ المسرح الشكسبيري في زمانه سير هنري إيرفنج الذي مثل أشهر الأدوار في روايات شكسبير، فإنه يقول إن هذه الأدوار لا يتأتى لأحد لم يشتغل بالتمثيل أن يكتبها هذه الكتابة وينسقها هذا التنسيق. •••

Unknown page