وضحكت كاتي، وأخبرت سيسي بما كان بينها وبين أمها من حديث ذلك اليوم، واستهوت فكرة الحصالة سيسي حتى إنها نهضت - مع أن الليل كان قد انتصف - وافرغت إحدى علب اللبن في وعاء ثم صنعت الحصالة لتوها، وحاولت أن تزحف إلى الكرار الضيق المزدحم لتثبت العلبة بالمسامير، ولكنها تعثرت في رداء نومها الفضفاض، فخلعته وزحفت عارية إلى الكرار، ولم يكن يتسع لجسمها كله فبرزت خارجه مؤخرة ظهرها العارية الكبيرة المتألقة، على حين جثت على ركبتيها تدق العلبة في الأرض، وانتابت كاتي نوبة من القهقهة حتى إنها خشيت أن تصاب بنزيف، واستيقظ السكان الآخرون على صوت القرقعة العالية التي تنبعث في الثالثة صباحا، وأخذوا يدقون على السقف من تحت وعلى الأرض من فوق، وانتابت كاتي نوبة أخرى من القهقهة حين سمعت سيسي تتمتم من الكرار بأن السكان ينتابهم مثل هذا الجموح إلى الضجيج، حينما تكون بالمنزل امرأة مريضة، وسألت قائلة: كيف يمكن لأي شخص أن ينام؟
ودقت المسمار الأخير بخبطة مفزعة.
وثبتت العلبة في مكانها، ولبست سيسي رداء نومها مرة أخرى، وبدأت تدخر لشراء الأرض بأن وضعت في العلبة خمسة سنتات، ثم عادت إلى الفراش، وأنصتت في انفعال حين أخبرتها كاتي عن الكتابين، ووعدت بأنها سوف تحضر الكتابين، وأنهما سيكونان هديتها للطفلة في يوم تعميدها.
وقضت فرانسي يومها الأول في هذه الدنيا نائمة في استرخاء بين أمها وسيسي.
وانطلقت سيسي في اليوم التالي لتحضر الكتابين، وذهبت إلى مكتبة عامة وسألت أمين المكتبة كيف تحصل على نسخة من شكسبير والإنجيل لكي تقتنيهما بصفة دائمة.
ولم يستطع الرجل أن يساعدها بشأن الإنجيل، ولكنه قال: إن لديه في السجلات نسخة بالية من شكسبير، أوشكوا أن يدخلوها في عداد المستهلكات، وإنها تستطيع أن تشتري هذه النسخة، فاشترتها سيسي، وكانت مجلدا قديما مهلهلا يحتوي على مسرحيات شكسبير وقصائده جميعا، وكانت على صفحاته حواش مشوشة وشروح مسهبة لمعاني المسرحيات، ويشتمل على سيرة المؤلف وصورته ورسومات تصور مشاهد من كل مسرحية، وكانت الصفحة مكونة من عمودين طبعا بالبنط الصغير على ورق رقيق، وكلف هذا المجلد سيسي خمسة وعشرين سنتا.
أما الإنجيل فقد كان أرخص، وإن كان الحصول عليه أشق قليلا، على أنه في الحق لم يكلف سيسي شيئا، وكان مكتوبا على صفحة العنوان اسم «جيديون».
واستيقظت سيسي ذات صباح، بعد شرائها مجلد شكسبير بأيام قليلة، ولكزت عشيقها الذي كانت تقضي معه الليل في فندق هادئ من فنادق الأسر، ونادته قائلة: «يا جون» مع أنه اسمه كان شارلي: ما هذا الكتاب الذي فوق المزينة؟ - إنه نسخة من الإنجيل. - إنجيل بروتستانتي؟ - نعم، هذا صحيح! - سوف أسرقه ... - هيا افعلي، لقد وضعوه هناك من أجل ذلك. - لا! - نعم! - لا تخدعني! - إن الناس ينتزعونه، ويقرءونه، فيصلحون من شأنهم ويتوبون، ويعيدون الإنجيل إلى مكانه، ثم يشترون نسخة أخرى، حتى يستطيع الآخرون من الناس أن ينتزعوها ويقرءوها ويصلحوا من شأنهم، وبذلك لا تخسر الشركة التي تصدره شيئا.
ولفت سيسي الإنجيل في فوطة من فوط الفندق التي انتزعتها هي الأخرى وقالت: حسنا، هذه نسخة من الإنجيل لن يستردوها.
وغمر جون خوف شديد، وقال: عجبا! إنك سوف تقرئيه وتصلحين من شأنك، وحينئذ أعود أنا إلى زوجتي.
Unknown page