كانت هذه طريقته في الانتقام، ولكنها لم تثبت على هذا اليهودي المسن قط، ولم تصدق فرانسي هذا القول مرة واحدة.
وبينما هو يقلب في الحوض بعصاه والسباب ينطلق من بين شفتيه على لحيته البيضاء المبقعة، إذا بنوبة من الجنون تتملكه حين طلبت فرانسي قطعة من المخلل من قاع الحوض، وأخذت عيناه تدوران ولحيته تنتفض، وأخيرا اصطاد قطعة غليظة من المخلل الجيد ذات لون أصفر ضارب إلى الخضرة وأطراف صلبة، ووضعها على قطعة من الورق الداكن اللون، وأخذ منها البنس في راحته التي أصابها الخل بالندوب، ومضى يسب ويلعن، ثم انزوى في مكان خلف المحل حيث هدأت أعصابه، وهو جالس مطرق بلحيته يحلم بالأيام السالفة في بلده القديم.
وبقي المخلل طول اليوم وفرانسي تمص قطعة وتقضمها، ولم تكن تأكلها تماما، ولكنها كانت تريد أن تحصل عليها فحسب، وحين كان الطعام في البيت لا يتجاوز في كثير من الأحيان الخبز والبطاطس، كانت أفكار فرانسي تنصرف إلى أكل المخلل اللاذع، ولم تكن تعرف لذلك سببا، ولكنها كانت تشعر بعد يوم المخلل أن الخبز والبطاطس قد عاد إليهما طيب مذاقهما، أجل، كان يوم المخلل يوما تتطلع النفس إليه.
6
وعاد نيلي إلى البيت، ثم أرسلته أمه هو وفرانسي لشراء لحم نهاية الأسبوع، وكان ذلك سنة متبعة، تقتضي من الأم أن تصدر في شأنها أوامر مفصلة: اشتري من محل هاسلر عظاما للحساء بخمسة سنتات، ولكن لا تشتري شرائح اللحم من هناك، بل اطلبيها من محل ويرنر، أحضري شريحة مستديرة من اللحم بعشرة سنتات، ولا تقبلي أن يعطيها لك من وعاء اللحم المفروم، وخذي بصلة معك أيضا.
ووقفت فرانسي وأخوها أمام المنضدة وقتا طويلا، قبل أن يلحظهما الجزار، وسألهما أخيرا: ماذا تطلبان؟
وبدأت فرانسي المساومة قائلة: أعطني شريحة مستديرة من اللحم بعشرة سنتات. - مفرومة؟ - لا. - إن إحدى السيدات اشترت منذ لحظة شرائح لحم مفرومة بربع دولار، وقد فرمت لحما أكثر من اللازم، والباقي في الصحن يساوي عشرة بنسات فحسب، أقسم بشرفي إنني فرمته منذ لحظة فقط.
وكانت أم فرانسي قد حذرتها من الوقوع في مثل هذه الحيلة، وألا تشتري من وعاء اللحم المفروم مهما قال الجزار. - لا، إن أمي قالت لي: شرائح مستديرة من اللحم بعشرة سنتات.
وقطع الجزار في غضب قطعة من اللحم ورماها على الورقة بعد أن وزنها، وكان على وشك أن يلفها حين قالت فرانسي في صوت مرتعش: أوه! لقد نسيت، إن أمي تريدها مفرومة. - تبا لك!
وقطع اللحم وضغطه في المفرمة وهو يفكر في مرارة أنه خدع مرة أخرى، وخرج اللحم قطعا لولبية حمراء طازجة، وجمعها في يده، وكان على وشك أن يرميها على الورقة ... وإذا بفرانسي تقول: إن أمي قالت لي افرمي هذه البصلة مع اللحم.
Unknown page