وقال جوني وهو يفكر: لقد نال من المتاعب أكثر من نصيبه، وإنه لرجل طيب. - أظن أنها لا تزال على قيد الحياة. - ولكنها مريضة جدا، وهم يقولون إنها لن تعيش طويلا. - إن هؤلاء المرضى يتشبثون بالحياة طويلا.
وفزع جوني من الملاحظة التي أبدتها زوجته، وصاح قائلا: كاتي! - أنا لا أبالي! أنا لا ألومها لأنها تزوجت صعلوكا وأنجبت منه طفلا، إن ذلك حقها، ولكني ألومها لأنها لم تتعاط الدواء اللازم في الوقت المناسب، لماذا تلقي بمتاعبها على كتفي رجل طيب؟ - ما هكذا يكون الحديث! - إنني آمل أن تموت، وأن تموت سريعا! - اصمتي يا كاتي! - نعم إنني آمل ذلك حتى يستطيع أن يتزوج مرة أخرى، امرأة مرحة سليمة تنجب له أطفالا يعيشون، إن ذلك هو حق كل رجل طيب.
ولم يقل جوني شيئا، وشعرت فرانسي بخوف مبهم ينمو في قلبها حين كانت تنصت إلى حديث أمها، ونهضت وذهبت إلى أبيها وأخذت يده في يديها وضغطت عليها بقوة، وبدت عينا جوني في ضوء القمر شاخصتين في دهشة، وجذب الطفلة إليه وأمسكها في قوة، وكان كل ما بدر منه هو: انظري كيف يسير القمر على الماء!
وبدأت الجمعية بعد الرحلة مباشرة تستعد ليوم الانتخاب، ووزع أفرادها على أطفال الحي أزرارا لامعة بيضاء رسم عليها وجه ماتي، وحصلت فرانسي على بعض منها وأخذت تحملق طويلا في ذلك الوجه، وأصبح ماتي في نظرها شخصا غامضا كل الغموض، حتى لقد حل في مخيلتها محل شيء من قبيل الروح القدس الذي لم يره أحد قط، وإن كان الناس يحسون بوجوده، وكانت الصورة تمثل وجه رجل أشقر له شعر فضي وشارب يشبه مقود الدراجة، كأنه وجه أي رجل سياسي من محترفي السياسة، وودت فرانسي لو استطاعت أن تراه بلحمه ودمه مرة واحدة فحسب.
وأثارت تلك الأزرار الأطفال كثيرا، واستخدموها في أغراض تجارية وفي الألعاب وكعملة محلية، وباع نيلي قلنسوة لصبي نظير عشرة أزرار، واستبدل جيمبي بائع الحلوى بخمسة عشر زرارا من فرانسي قطعة من الحلوى تساوي بنسا (وكان قد اتفق مع الجمعية على أن يأخذ نقودا نظير الأزرار)، وتجولت فرانسي تبحث عن ماتي، ووجدته في كل ماكن، وجدت الصبية يلعبون لعبة الرمية بوجهه، ووجدته قد انبسط على عربات النقل ممثلا حلية مصغرة، وكان ماثلا أيضا بين الفضلات التي في جيب نيلي، واختلست النظر إلى مصرف الماء فوجدته طافيا على السطح شاخص الوجه، ووجدته في الأرض الجرداء في أسفل النافذة الحديدية، ورأت فرانسي بنكي بيركنز بجوارها في الكنيسة يسقط زرارين في «الصحن» بدلا من البنسين اللذين أخذهما من أمه، ورأته يدخل بعد انتهاء القداس محل الحلوى، ويشتري أربع سجائر من حلوى كابورال نظير سنتين، وكانت فرانسي ترى وجه ماتي في كل مكان، لكنها لم تر ماتي أبدا.
وتجولت فرانسي في الأسبوع السابق للانتخاب مع نيلي، والصبية يجمعون «الوقود» الخشب اللازم للألعاب النارية الكبرى، التي سوف تشعل في ليلة الانتخاب، وساعدت على تخزين الوقود في الكرار.
واستيقظت مبكرة يوم الانتخاب، ورأت الرجل الذي أقبل، وطرق الباب، ثم قال حين رد عليه جوني: نولان؟
وأجاب جوني: نعم هو بعينه. - اذهب إلى صناديق الانتخاب في الساعة الحادية عشرة.
وبعد أن راجع اسم جوني في قائمته ناول جوني سيجارا، وقال: مع تحيات ماتي ماهوني.
ثم غادرهم وذهب إلى الديمقراطي الذي يليه، وسألت فرانسي أباها: أما كنت ستذهب دون أن يخبروك بذلك؟ - أجل، ولكنهم يفسحون لكل منا الوقت حتى ترجح كفتهم في التصويت ، وإنك لتعلمين أن كل شخص لا يأتي في جماعة، ولذا فالتنبه الفردي أضمن.
Unknown page