وتساءلت جميلة رافعة رأسها عن الدبة: متى نسافر يا بابا؟
ولاح له مصطفى كنصب تذكاري للحب والزواج. كان المشير، والمعين، والشاهد، وكل يوم يؤكد صداقته له وللأسرة. ولم يدر شيئا بعد عن المياه التي تجرف قاع النهر. - وذكرني الدكتور بأيام الشعر.
فضحك مصطفى قائلا: الظاهر أنه لم يسمع عن روائعي الدرامية الحالية؟ - وددت لو أحكي له قصتك مع الفن. - ترى، هل يؤمن النطاسي الكبير بالفن؟ - زوجته مغرمة بك، ألا تقنع بذلك؟ - إذن فهي مغرمة باللب والفشار.
وكانت زينب تراقب السفرجي من خلال الديكور المقوس، وما لبثت أن قالت: هلموا إلى العشاء.
وأعلن عمر أنه سيكتفي بشريحة من صدر الدجاج، وفاكهة، وكأس واحدة من الويسكي. فتساءل مصطفى: والبطارخ على سبيل المثال، هل ألتهمها وحدي؟
وراح مصطفى يتحدث عن إفطار مستر تشرشل الذي نوهت به إحدى الصحف في أثناء زيارته لقبرص. وقد تردد قليلا عند بدء الطعام، ثم ما لبث أن أكل وشرب بلا حساب. ولم تستطع زينب كذلك أن تقاوم الإغراء، وشربت زجاجة من البيرة، وواظبت بثينة على اعتدالها التي تعتده أمها نوعا من الاعوجاج. وقال مصطفى: الطعام أجدر من الجنس بتفسير السلوك البشري.
فنسي عمر نفسه، وقال بمرح لأول مرة: يخيل إلي أنك مصاب بعقدة الدجاج.
وعقب العشاء لم يجتمع شملهم أكثر من نصف ساعة، نامت بعدها جميلة، ومضت الأم وبثينة إلى زيارة في نفس العمارة، فخلا عمر إلى مصطفى في الشرفة الكبيرة، حيث استقرت بينهما زجاجة ويسكي، ووعاء ثلج فوق منضدة زجاجية السطح. ولم تند عن الأشجار حركة واحدة، وانتشرت حول المصابيح غلالة ترابية. وبدا النيل من ثغرات أعالي الشجر ساكنا، هامدا، شاحبا، معدوم المرح والمعنى، وشرب مصطفى وحده، وتمتم باستياء: يد واحدة لا تصفق.
فأشعل عمر سيجارة وهو يقول: ما أفظع الجو! لم أعد أحب شيئا حبا خالصا.
فقال مصطفى ضاحكا: أذكر أنك كرهتني يوما ما.
Unknown page