وظل عمر ينظر إلى الهلال، أما مصطفى فسأله بمرح: ألم يقنعك ما ضحيت به من عمر؟
فقال بحنق: الحقيقة لا تقنع. - يا عزيزي لست المسئول الوحيد عنها. - الإنسان إما أن يكون الإنسانية جمعاء، وإما أن يكون لا شيء.
فقال مصطفى ضاحكا: إنني لم أستطع أن أكون مصطفى فحسب، فكيف يمكن أن أكون الإنسانية جمعاء؟ - يا لفداحة الفشل! ... لا أصدق ما حل بكما من تدهور!
لم يستطع مصطفى أن يتجاوب معه في جديته، ولكنه أشار إلى عمر، وقال: دعك من عمر؛ فهو يعاني أزمة حادة ... لقد كره العمل، والنجاح، والأسرة ...
نظر عثمان إلى عمر متسائلا، ولكنه لم يحول وجهه عن النيل، فقال مصطفى: كأنما يبحث عن نفسه.
فقطب عثمان كالمنزعج، وقال: أليس هو الذي أضاعها؟
ثم خاطب نفسه متأوها: هل انتهى الحال إلى التأملات الفلسفية؟
فقال مصطفى، وكان يغالب الاستسلام للمرح طوال الوقت: طالما اعتقدت أنه يريد أن يبعث جانبه الفني المكبوت، وحاول ذلك وما زال، ولكنه يحلم أحيانا بنشوة غريبة. - زدني فهما.
فتحول عمر نحوهما قائلا: أرح نفسك، واعتبره مرضا.
فحدجه بنظرة ثاقبة، وتمتم: لعله مرض حقا؛ إذ إنك ضيعت جانبك الصحيح المعافى.
Unknown page