87/أ ثم زاد فيه المهدي سنة إحدى وستين ومائة ، ولم يزد بعده أحد شيئا ، ثم عمر الخليفة الناصر سنة ست وسبعين وخمسمائة في صحنه قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره ، ثم احترق المسجد الشريف بالنار التي خرجت من الخلوة في ليلة الجمعة ، أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، فكتب بذلك إلى الخليفة المستعصم(1) فأرسل الصناع والآلات مع حجاج العراق ، سنة خمس وخمسين وستمائة ، فسقفوا في هذه السنة الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي والشرقي ، إلى باب جبريل ، وسقفوا الروضة الشريفة إلى المنبر ، ثم قتل الخليفة سنة ست وخمسين ، واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن ؛ الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول ، فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة من سنة ثمان(2) وخمسين من جهة صاحب مصر الملك المظفر قطز المعزي ، ثم انتقل الملك آخر هذه السنة إلى الملك الظاهر بيبرس الصالحي ، فعمل في أيامه باقي المسجد ، وجعلت الأبواب أربعة ، ثم لما حج سنة سبع وستين أراد أن يدير على الحجرة الشريفة درابزينا من خشب ، فقاس ما حولها بيده ، وأرسله سنة ثمان وستين ، وعمل له ثلاثة أبواب ، وطوله نحو قامتين ، ثم في سنة ثمان وسبعين في أيام الملك المنصور قلاوون عملت القبة على الحجرة الشريفة ، ثم في سنة أربع وتسعين في أيام الملك العادل كتبغا زيد في الدرابزين الذي على الحجرة ، حتى وصل سقف المسجد الشريف ، ثم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وسبعمائة جدد سقف الرواق الذي فيه الروضة الشريفة ، ثم جدد السقف الشرقي والغربي في سنة خمس وسبعمائة(1) ، ثم أمر بعمارة المنارة الرابعة مكان التي هدمها سليمان بن عبد الملك ، فعمرت(2) سنة ست وسبعمائة ، ثم أمر بإنشاء الرواقين في صحن المسجد من جهة القبلة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، ثم في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون جددت القبة التي على الحجرة الشريفة ، ثم أحكمت في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون سنة خمس وستين وسبعمائة(3) ، بأن سمر عليها ألواح من خشب ، ومن فوقها ألواح الرصاص . ثم في أيام سلطان العصر ، الملك الأشرف قايتباي ، في شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة عمر قبة أخرى ، وأنشأ في المسجد ، ثم أعقب ذلك نزول صاعقة من السماء ، فأحرقت المسجد بأسره ، وذلك في ليلة ثالث عشر رمضان سنة ست وثمانين(4) ، فأرسل السلطان الصناع والآلات سنة سبع وثمانين ، وعليهم الخواجا شمس الدين بن الزمن(5) ، فهدم الحائط القبلية ، وأراد أن يبني بجوار المسجد مدرسة باسم السلطان ، ويجعل الحائط مشتركا بين المسجد والمدرسة ، ويفتح فيه بابا يدخل منه إلى المسجد ، وشبابيك مطلة عليه ، فمنعه جماعة من أهل المدينة ، فأرسل يطلب مرسوما من السلطان بذلك ، فبلغه منع أهل المدينة ، فقال : استفتوا العلماء ، فأفتاه القضاة الأربعة وجماعة بالجواز ، وامتنع آخرون من ذلك ، وجاءني المستفتي يوم الأحد رابع عشر من رجب من السنة المذكورة ، فجمعت الأحاديث المصدر بها ، وأرسلتها لقاضي القضاة الشافعي ، فذكر أنه يرى اختصاصها بالجدار النبوي ، وقد أزيل ، / وهذا الجدار ملك السلطان ، يفتح فيه ما شاء ، ولا يصير وقفا إلا بوقفه ، فذكرت الجواب عن ذلك من تسعة وعشرين وجها ، وألحقتها بالأحاديث مع ما ذكر معها ، وأفردتها تأليفا ، ورأيت ليلة الثلاثاء سادس عشر من رجب في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في همة ، وأنا واقف بين يديه ، فأرسلني ، لا أدري إلى عمر ، أو غيره ، ولا أدري هل أرسلني إليه لأدعوه ، أو لأبلغه رسالة ، ولم أضبط من المنام إلا هذا القدر ، فاستيقظت وأنا أرجو أن لا يتم لهم ما أرادوه ، ثم برز مرسوم السلطان بالفتح حسبما أفتاه من أفتاه ، وسافر القاصد بذلك في أواخر رجب ، وأرسل إلي رجلان من كبار أرباب الأحوال يخبراني أن هذا الأمر لا يتم ، ففي رمضان جاء الخبر بأن ذلك قد رجع عنه ، وعدلوا إلى الفتح من الجهة الغربية ، وأفتى بعض الحنفية بجواز ذلك ، لأن دار أبي بكر رضي الله عنه كانت من تلك الجهة ، وكان له باب مفتوح فيفتح نظيره ، فوجب أن ينظر في ذلك .
Page 31