ثم إن ذلك كان في مرض الوفاة ، وفي آخر مجلس جلسه على المنبر ، وكان ذلك من جملة ما عهد به إلى أمته ، ومات عليه , ولم ينسخه شيء ، وتقلد ذلك جملة الشيعة من أمته ، فوجب على من علمه أن يبينه عند الحاجة إليه ، ولا يكتمه ، فإن توهم متوهم ، أو زعم زاعم ، أن الأمر في ذلك منوط برأي الإمام ، رد عليه : أن هذا حكم من الأحكام نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على منعه ، فلا رأي لأحد في إباحته ، بل لو وقف رجل من آحاد الناس مسجدا ، وشرط فيه شيئا اتبع شرطه(1) ، فكيف بمسجد وقفه النبي صلى الله عليه وسلم ، ونص فيه على المنع من أمر وأسنده إلى الوحي ، وجعله من جملة عهده عند وفاته ، والرجوع إلى رأي الإمام إنما يكون في مساجد لا تعرض في شروط واقفيها لمنع ولا لغيره ، على ما في ذلك أيضا من توقف ونظر(2) .
وإن خطر ببال أحد أن يقول : إن المسجد الشريف قد زالت معالمه وجدره ، ووسع زيادة على ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم ، فلا يجديه(3) هذا شيئا ؛ فإن حرمة المسجد وأحكامه الثابتة له باقية إلى يوم القيامة ، ولو اتسع وأزيلت معالمه وجدره وأعيدت ، عادت على هذا الحكم من غير تغيير ، فإن الحكم المذكور منوط بالمسجد من حيث هو ، لا بذاك الجدار بعينه ، وقد بني في زمن عمر ، ووسع في زمن عثمان وغيره في القرن الأول وبعده ، ولم يخرجوا عن هذا الحكم .
Page 21