ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ثم وقف وأخذ يجول في أنحاء الحجرة، وهو يهمهم ويزمجر زمجرة النمر الجريح، وكلما حام حوله طائر الشعر أطرق وزمزم حتى يلتقطه فيسرع إلى أوراقه فيدون البيت أو البيتين، وكان من يراه وهو يذرع أرض الحجرة شاخص العينين، يلوح بذراعيه أحيانا، ويضرب بقدمه الأرض أحيانا، ويتحدث إلى الشموع والحيطان أحيانا، يظنه مجنونا ذهب عقله وطار لبه.
فرغ المتنبي من قصيدته قبل أن تظهر خيوط الصباح، فطوى أوراقه، وألقى بنفسه على سريره، ولكن هيهات لمثله أن ينام! فلما شاع نور الشمس في الأفق، تناول نزرا من الطعام، ثم ارتدى ملابسه، وأمر مسعودا بإعداد جواده، ولما هم بالركوب رأى أبا الحسن بن سعيد في انتظاره، فابتدره ابن سعيد: هل أتممت القصيدة؟ - نعمت أتممت قاصمة الظهر، وقارعة الأبد. - أرجو ألا تقسو فيها على أعدائك يا أبا الطيب. - ليكن ما يكون.
ولما بلغا قصر سيف الدولة، نزل أبو الطيب عن جواده فتلقاه نجا في بشر وترحاب، وهمس في أذنه قائلا: اليوم يومك يا أبا الطيب. فإن أعداءك هنا جميعا، وقد جمعوا مكرهم، وألقوا حبالهم وعصيهم. فهز المتنبي كتفه في تيه، وقال: إن هؤلاء لا يهزون شعرة من مفرقي:
أنا الذي بين الإله به الأق
دار والمرء حيثما جعله
جوهرة تفرح الشراف به
وغصة لا تسيغها السفله
ودخل المتنبي قاعة الرسل، فرأى سيف الدولة في صدر الإيوان، وحوله الوزراء والفقهاء ورجال العلم والأدب، وكان بالمجلس عدد عديد من أعداء المتنبي بينهم الزاهي والنامي وأبو الفرج السامري، وكان على رأس هؤلاء أبو فراس وأبو العشائر، وقد أخذا ينظران ذات اليمين وذات الشمال في قلق واضطراب.
دخل المتنبي فسلم على الأمير مطأطئ الرأس حزينا، ورد سيف الدولة تحيته مدلا عابسا، وسكت الجمع، وتحفز أعداء أبي الطيب للوثوب، فشرع ينشد حتى إذا بلغ قوله:
Unknown page