Shacir Andalusi
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Genres
فلا جرم يسوء ظن السري العالمي المطلع على أسرار هذه الدسائس والمناورات بجميع النظم السياسية التي قامت عليها حكومات عصره، وقد اختبر منها نظام القيصرية في روسيا، ونظام الجمهورية في فرنسا، ونظام الملكية الدستورية في إنجلترا، ونظام الملكية المتوسطة بين الإطلاق والتقييد في ألمانيا، فلم يحمد خبرته لنظام من هذه الأنظمة، ووجدت بين أوراقه فاتحة قصة شرع في تأليفها، وسمى بطلها باسم السيد أڤنير
Avenir ، ومعناها بالفرنسية «المستقبل»، فألقى على لسان هذا البطل بيانا مفصلا عن عيوب كل نظام منها بين عجز ولي الأمر عن العمل النافذ أو شطط القوة التي توكل إليه حين ترفع عنه قيود الرقابة والمراجعة، وإنما يتم التوسط بين العجز والشطط - في رأي السيد أڤنير - بتوزيع السلطة بين ولاة الأقاليم من جهة، وحصر السلطة العامة في الدولة كلها بين يدي واحد منهم يختارونه وتؤيده المجالس النيابية. وكانت ثقته بمؤتمرات السلم أقل من ثقته بالنظم السياسية في زمانه، فلم يشترك قط في دعوة من دعواتها، ولم ينتظر من ورائها نفعا قريبا لقضية السلام التي كان يعمل لها في سره وجهره، والتي أوصى لها بجائزة من جوائزه بعد وفاته، بل قال يوما للنبيلة برتاڤون ستنر
Suttner : «إن مصانعي ربما أبطلت الحروب قبل مؤتمراتكم؛ ففي اليوم الذي يستطاع فيه إبادة الجيشين المتقاتلين في لمحة عين، قد يرجى أن تتفق الأمم المتحضرة على اجتناب الحروب وتسريح الجيوش.»
ومن سخرية الحظ أن ثروة نوبل جلبت له شيئا مذكورا من ألقاب الدول التي جرى العرف على تسميتها بألقاب الثقة والتقدير، أو ألقاب الجدارة والاستحقاق، فزادته شكا ولم تزده ثقة، ونقل عنه أنه كان يقول إنه مدين لألقابه من حكومات الشمال لبراعة طباخه وللمعدات الأرستقراطية التي كانت تقدر براعة ذلك الطباخ، وإنه مدين بألقابه الفرنسية لصداقة أحد الوزراء، وبألقابه من أمريكا الجنوبية لزيارة هذا الرئيس، أو لولع ذلك الرئيس بتمثيل أدوار التشريف والإنعام.
وبقيت طمأنينة واحدة يعتصم بها في هذه الحيرة لو وجد سبيله إليها، وتلك هي طمأنينة الإيمان بعقيدة من العقائد الدينية.
فهذه أيضا حيل بينه وبينها في عصر المذاهب المادية والقلاقل الاجتماعية، وشكوك العلم والفلسفة واضطراب الأقوال عن إرادة الله وشعائر العبادة بين أحبار الدين الواحد - بل المذهب الديني الواحد - في القطرين المتجاورين، فحار كيف يطيع أوامر الله ويؤدي شعائر العبادة على سنة حبر من هؤلاء الأحبار، وقنع آخر الأمر بأن يهتدي إلى عقيدته الصالحة بوحي من ضميره، وأن يعلم كيف لا يخالف إرادة الله متى آمن بوجود الله، وإنه ليؤمن بوجوده ويؤمن يقينا أنه لا يخالفه في شيئين واجبين على كل ذي دين وكل ذي مروءة، وهما فعل الخير ونشدان الكمال الإنساني على هدى المثل العليا، وليس بها من خفاء. •••
إذا كانت لتراجم المشاهير صفحتان: ظاهرة وباطنة؛ فهذه هي الصفحة الباطنة التي تعنينا من سيرة ألفريد نوبل؛ لأنها هي السيرة التي نعرف منها صاحب الجوائز، ونعرف منها بواعث عمله الباقي الذي تناط به ذكراه، رجل يودع لطيف المزاج بحث عن الطمأنينة والثقة، فلم يجدهما في حياته، فتعزى بالعمل لتحقيق الطمأنينة والثقة بعد مماته، وحرص على تقدير العاملين لهما وشعورهم بهذا التقدير وهم بقيد الحياة، وما العمل لتحقيق الطمأنينة والثقة إلا العمل - بعبارة أخرى - لتحقيق السلام والإيمان بالمثل الأعلى، مناط الثقة التي لا يدركها المشغولون بالواقع المحدود، ويزيده كلفا بهذه الغاية أنه اخترع شيئا يصلح للتعمير في نطاقه الواسع، فلم يلبث أن رآه بين أيدي الناس سلاحا من أسلحة الحرب والدمار، فهو يرصد المال الذي ربحه من هذه الصناعة للتكفير عن سوء أثرها في أيدي ساسة الأمم وزبانية الحروب، وما كان له من باب للتكفير غير هذا الباب إلا إلغاء ما صنع ومحو ما اخترع، وليس ذلك بالنافع ولا بالمستطاع. •••
أما سيرته الظاهرة فقد أصاب حين قال إنها لا تشتمل على حدث ذي بال؛ فإن «المتفجرات» لها دويها الذي يزعج الأسماع، ولكنها عند من يخترعها لا تعدو أن تكون سلسلة من الأرقام والمعادلات وتجارب المحاولة والتنفيذ.
كان عمانويل نوبل - أبو ألفريد - يجهل أصله، ويعتقد أن اسم «نوبل» غريب عن اللغة السويدية، وربما كان اسم قس إنجليزي انتقل إلى بلاد السويد في عصر من عصور الاضطهاد الديني مع من هاجر من إنجلترا إلى الشمال في تلك العصور، ولم يكن لهذا الاعتقاد من أساس غير الظن؛ لأن هذا الاسم محرف من اسم بلدة نوبولوف السويدية
Nobbelov ، وقد تسمى به في القرن السابع عشر أول رجل من أسلافه تعلم في مدرسة عالية، واتخذ له اسما منسوبا على حسب النظام المتبع في تقييد أسماء الطلاب بالجامعات، ومما بقي من أخبار هذا السلف - بترس أولاڤي
Unknown page