61

Shacir Andalusi

شاعر أندلسي وجائزة عالمية

Genres

انظر يا بلاتيرو، كيف تتناثر الأزاهير في كل صوب زرقاء. قرنفلية. حمراء. لا لون لها. يخيل إليك أن السماء تمطر الورود والرياحين، وهذا جبيني، وكتفاي، ويداي، تغمرها الورود، ما تراني أصنع بكل هذه الورود؟

أحسبك تعلم من أين تأتي هذه الخلائق اللطاف؛ فإنني أنا لا أعلم ينبوعها الذي تفيض منه كل يوم، وتنضر به وجه هذا الأديم فتشيع فيه حلاوتها، بين بيضاء وزرقاء. وإليك ... إليك هذا مزيد من الورود، ومزيد من الورود، كأنها لوحة من صنع (فرا انجليكو) تنبت رياضها في مواقع الركوع والسجود.

يخال الناظر أن الرياحين تلقى علينا من عليين في السماء السابعة كأنها صيب من الثلوج الدفيئة تهبط على الأبراج، على السقوف، على الأشجار. ألا ترى إلى كل شيء خشن الملمس ترق حواشيه ويحلو مرآه بزينتها الساحرة في كل مكان؟! ورود. ورود. ورود.

وإني لأحسب - يا بلاتيرو - أن النواقيس تدق، وهذه الحياة - حياتنا كل يوم - تنضو عنها قسوتها، وتتنزل في مكانها حياة غيرها أحكم منها وأرفع وأنقى، يمدها ينبوع من النعمة المباركة يسمو بها إلى تلك النجوم، تلك التي أخذت تلمع بين أشتات الورود. مزيد من الورود، وإن عينيك يا بلاتيرو - وأنت لا تراهما - لوردتان جميلتان أراهما، وأنت ترفعهما إلى السماء في خشوع واتضاع، بين تلك الورود.

الحفرة

بلاتيرو العزيز، إنك إن أدركت أجلك قبل أجلي، فلن تحمل إلى مستنقع الموت، ولا إلى تلك الهاوية، ولن تحملك عربة الدلال إلى طريق الجبل، كما تحمل الحمير والكلاب والخيل التي ليس لها من يحبها ويرعاها، ولن تبدو ضلوعك المحمرة من نقر الجوارح والغربان كأنها عروق الزورق الماثلة تحت سماء الشفق الأرجواني، منظر نافر على طريق السالكين إلى محطة القديس جوان في سيارة الساعة السادسة، كلا ولن تظل هنالك وارمة منتفخة بين الأصداف الغضة في قاع الحفرة تخيف الأطفال الناشطين في طلب الجلبة والسورة بين صفوف أشجار الصنوبر متطلعين إلى الهاوية من حافة الطريق.

هون عليك يا بلاتيرو وعش في سلام. إنني سأدفنك عند ساق الصنوبرة الكبيرة في ذلك البستان الذي تهواه، وتنام ثمة على مقربة من بهجة الحياة والجمال، يلعب الأطفال إلى جوارك، وتتعلم البنات الصغار تطريز الثياب على كراسيهن الصغار في جانبك، وتطلع على أشعاري التي توحيها إلي الوحدة، وتسمع أغاني الغاسلات عند حديقة البرتقال، ويزيدك ضوضاء البئر فرحا وبردا في رقادك الطويل، ويدور الحول وأنت تسمع شدو القنابر والبلابل والعصافير، كأنها بين خضرة المروج الخالدة وقبة السماء قبة أخرى وجيزة من النغم والغناء دون تلك القبة الأبدية الزرقاء.

الحسكة

أخذ بلاتيرو يظلع عند مدخل الأرض الخضراء، فترجلت مسرعا لأرى. - ما بالك يا بني!

فرفع بلاتيرو يده اليمنى، وتعلقت تلك اليد لا وزن ولا قوة، ولا تكاد تلمس الرمل المتقد تحتها، ليكشف عن باطن الحافر، وأراه!

Unknown page