Sessions of Ramadan by Al-Uthaymeen
جلسات رمضانية للعثيمين
Genres
تفسير قوله تعالى: (ولا حبة في ظلمات الأرض ..)
قال تعالى: ﴿وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ [الأنعام:٥٩]: حبة، صغيرة أو كبيرة؟ كلها، صغيرها وكبيرها.
﴿فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ [الأنعام:٥٩] تصوَّر ما هي الظلمات التي تكون في الأرض؟! يعني: افرض -مثلًاَ- أن الظلمات تتوارد أو تتكاثف عليه الحُجُب في الأرض، لنفرض أن حبة في قاع البحر مندفنة في التراب، في ليلة مغيمة، ممطرة، مظلمة، ننظر الظلمات الآن كم تكون؟ الظلمة الأولى: التراب الذي على هذه الحبة.
والثانية: الماء، ماء البحر.
والثالثة: ماء المطر؛ لأن المطر له ظلمة.
والرابعة: ظلمة الليل.
والخامسة: ظلمة السحاب.
كل هذه الظلمات الخمس داخلة في قوله: ﴿ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ [الأنعام:٥٩] هذه الحبة الصغيرة الدقيقة في هذه الظلمات يعلمها الرب ﷿.
قال تعالى: ﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ﴾ [الأنعام:٥٩]: وهذا أعم ما يكون تعميمًا من بعده تخصيص؛ لأنه ما من شيء إلا رطب أو يابس، كل رطب أو يابس فهو معلوم لله ﷿ مهما كان وفي أي مكان.
وهذا دليل على عموم علم الله ﷾، وليس المقصود منه أن يخبرنا الله ﷿ عن هذه الصفة العظيمة من صفاته فحسب، بل المقصود شيء آخر.
ماذا يعني كمال صفة العلم لله ﷿؟! هو أن نتعبد لله تعالى بمقتضى هذا العلم، هذا هو المهم، أن نتعبد لله بمقتضى هذا العلم، إذا أردتَ أن تعمل معصية، إن ذكرتَ أن الله يعلم تُقْدِم عليها أم لا؟ لا تُقْدِم، ما تُقْدِم عليها.
ما دمتُ أعلم يقينًا بأن الله يعلم فإنه لا يمكن أن أقدم عليها أبدًا؛ إلا ناقص الإيمان -نسأل الله العافية- هذا يمكن؛ لكن مع تمام العلم، ومع تمام الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء لا تقدم عليها؛ لأن الله قال لنا في الكتاب: ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ [الانشقاق:٦] تصوَّر هذه الملاقاة التي ستكون المحاسبة فيها عن علم.
كذلك أيضًا: الفائدة الثالثة، الفائدة الأولى: أن نعرف هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والثانية: أن نتعبد لله بمقتضاها.
والثالثة: أن نعامل عباد الله بمقتضاها أيضًا، فلا نخون أحدًا، ولا نخدعه في غير موضع الخداع، الخيانة لا نخون أحدًا.
الخداع نُقَيِّم، لا نخدعه في غير موضع الخداع، في موضع الخداع نخدعه.
الخيانة لا نخون أبدًا بدون تفصيل.
والخداع لا نخدع في غير موضع الخداع؛ لأنه في موضع الخداع يجب الخداع، بل هو صفة كمال، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء:١٤٢] .
الخيانة صفة نقص، لا يجوز أن نخون، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنفال:٧١] ولم يقل: فخانهم، قال: ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:٧١]؛ لأن الخيانة ذم، كما قال الرسول ﵊: (لا تخن من خانك) ولم يقل: لا تخدع من خدعك، بل قال: (الحرب خدعة) ويُذكر أن علي بن أبي طالب لما بارزه عمرو بن ود، وخرج إليه من الصف، صاح به علي ﵁، قال: [ما خرجتُ لأبارز رجلَين فظن عمرو أن معه آخر، فالتفت، لما التفت ضربه علي؛ حتى طيَّر رأسه] نعم، هذه خديعة؛ لكن خديعة في محلها أم لا؟! في محلها.
وتكون صفة كمال.
لأن هذا الرجل خرج لأي شيء؟ ليقتل علي بن أبي طالب، إذًا: له أن يتوصل إلى حماية نفسه وقتل عدوه بأي طريق.
المهم أن المقصود من ذكر هذه الصفة العظيمة (العلم) ثلاثة أمور، ما هي؟ الأول: معرفة عموم علم الله، وهذه الصفة العظيمة.
الثاني: أن نتعبد لله بمقتضاها.
الثالث: أن نعامل عباد الله بمقتضاها.
كثيرٌ من الناس إذا أمكنه أن يخون أحدًا أو أن يخدعه في غير محل الخداع خانه وخدعه؛ كأنه لا يدري أن الله يعلم ﷿، وهذا من ضعف الإيمان.
4 / 10