إكرام الله لمصعب بالشهادة في غزوة أحد
لم يمض عام على بدر وإذ بقريش تجمع رجالها وترفع المعنويات، وتقوم بتعبئة رهيبة للثأر لما حصل في بدر.
ويخرج جيش جرار ويلتقي جيش التوحيد بجيش الشرك في أحد، ويتخلى الرماة عن أمر رسول الله ﷺ، وينزلون من على ظهر الجبل ليجمعوا الغنائم بعد ما رءوا أهل الشرك يفرون، ولكن هذا كان مخالفة لأمر النبي ﷺ فغير دفة المعركة، وإذ بهم يرون خالد بن الوليد ﵁ ينقض انقضاض الأسد مع جموع من الفرسان، لتتحول كفة المعركة بين غمضة عين وانتباهتها، وينتشر الذعر والرعب بين صفوف المسلمين، ولما رأى المشركون ذلك جعلوا هدفهم الأوحد رسول الله ﷺ، ويلتفت مصعب إلى الأمر ويعرف الخبر، ويرفع اللواء خفاقًا عاليًا، ويزأر كالأسد في عرينه، وترتفع صيحات التكبير، وإنما يريد بذلك أن يلفت أنظار الأعداء إليه حتى لا يصلوا إلى النبي ﷺ، فينقض عليه الفارس ابن قمئة ليطعن مصعبًا ﵁ طعنة في يمينه، فيقع اللواء فيأخذ مصعب اللواء بشماله، فيطعنه طعنة أخرى فيقطع يده اليسرى، فينقض مصعب ﵁ على اللواء بعضديه ليضل اللواء خفاقًا عاليًا شاهقًا! فينقض عليه الفارس مرة أخرى ليطعنه في صدره، فيسقط اللواء ويسقط كوكب الشهداء، يسقط مصعب ﵁ وأرضاه.
أيها الأحباب! وبعد انتهاء المعركة -بإيجاز شديد- يأتي الحبيب ﷺ ليتفقد أحوال الشهداء، ويقف أمام جثة حمزة التي مثل بها تمثيلًا فضيعًا، ويبكي بكاء طويلًا، وتنزل الدمعات غزيرة من عيني رسول الله ﷺ، وبالرغم من أن كل الأبطال الذين سقطوا كانوا يمثلون الطهر والعفاف والعظمة، إلا أن النبي ﷺ وقف أمام جثمان سيد الدعاة وسيد الشهداء وأول السفراء مصعب بن عمير ويقول النبي ﷺ: (﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب:٢٣]) .
اللهم هيئ لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه! اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين! اللهم رد المسلمين إلى الإسلام ردًا جميلًا، اللهم خذ بأيديهم إليك، اللهم وفق ولاة أمورهم وحكامهم للعودة إلى كتابك وسنة نبيك ﷺ.
اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام والتميكن للموحدين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد يا رب العالمين.
اللهم اقبلنا وتقبلنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم! أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمرنا الله جل وعلا بذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
10 / 9