74

Series of Faith and Disbelief - Introduction

سلسلة الإيمان والكفر - المقدم

Genres

مرتبة الإيمان الإيمان لغة: التصديق، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف:١٧]، يعني: ما أنت بمصدق لنا. أما في الشريعة فللإيمان أيضًا حالتان: الحالة الأولى: أن يطلق على الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام، فحينئذ يراد به الدين كله، كقوله ﷿ في الذين آمنوا: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة:٢٥٧]، (فآمنوا) هنا تشمل الظاهر والباطن. وقوله ﵎: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد:١٦]، وقوله ﷿: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران:١٢٢]، تشمل أيضًا الظاهر والباطن، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:٢٣]. وقوله ﷺ: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)، هنا تشمل الظاهر والباطن؛ لأنها مفردة غير مقيدة بالإسلام؛ ولهذا حصر الله الإيمان فيمن التزم الدين كله باطنًا وظاهرًا، في قول الله ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الأنفال:٢]، يعني: لا يوجد الإيمان إلا في هؤلاء؛ فانظر إلى صفتهم وأفعالهم، وسوف تجد أفعالهم وأعمالهم باطنة وظاهرة: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال:٢] هذه باطنة: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال:٢]، أيضًا باطنة: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:٢]، أعمال باطنة بالقلب: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ [الأنفال:٣]، ظاهرة: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الأنفال:٣]، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال:٤] فأطلق الإيمان وحصره فيمن جمع بين الظاهر والباطن، وقال ﷿: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات:١٥]، هذه أعمال قلبية: ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:١٥]، (في سبيل الله)، عمل قلبي بالنية؛ لأنه يريد إعلاء كلمة الله. وقال ﷿: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:١٥ - ١٧]، فسرهم بمن اتصف بذلك كله أيضًا في قوله ﷿: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة:٢ - ٥]، ووصفهم أيضًا بالإيمان في قوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:١٣٣] إلى آخر الآيات، وقال ﷿: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:١٥٦]، إلى آخر الآيات. ثم قال جل وعلا: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف:١٥٧]، وقال أيضًا -وهي من أوضح الأدلة في ذلك-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون:١]، الذين من صفاتهم: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون:٢ - ١١]، وقال أيضًا: ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل:٢ - ٣]، وغير ذلك من الآيات. بل أتى أيضًا نصًا صريحًا جدًا فسر الإيمان بهذه الأعمال كلها، كما في قوله: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة:١٧٧]. وروي عن النبي ﷺ: أن أبا ذر ﵁ سأله فقال له: (ما الإيمان؟ فتلا عليه رسول الله ﷺ: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» [البقرة:١٧٧] إلى آخر الآية)، فأتى بهذه الآية جوابًا عن سؤاله عن الإيمان، ثم قال له أيضًا: (ما الإيمان؟ فتلاها عليه، فقال: إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك)، يعني: هذه أيضًا علامة من علامات الإيمان، كما قال ﵊: (إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن)، هذه علامة من علامات الإيمان. وأيضًا فسر النبي ﷺ الإيمان بالباطن والظاهر، كما في حديث وفد عبد القيس في الصحيحين وغيرهما: (آمركم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم)، هذه عادة الصحابة في الجواب حينما يسألون أن يقولوا: الله ورسوله أعلم، بعض الناس يكررون هذه الكلمة الآن في غير موضوعها، تسأله عن الشيء الفلاني حصل أو لم يحصل؟ يقول: الله ورسوله أعلم لو قلت له: أين الكتاب الفلاني؟ قال: الله ورسوله أعلم. كلا. كيف: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول ﵊ في حياته كان ينزل عليه الوحي فيخبره بهذه الأشياء؛ لذلك كان يقول الصحابة: الله ورسوله أعلم، لكن هل الرسول يعلم كل شيء؟ نعم، حتى بعد موته ﷺ لا يجوز أبدًا أن تقول: الله ورسوله أعلم في كل شيء. (قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا من المغنم الخمس)، فهذه أعمال ظاهرة دخلت في مسمى الإيمان، وقد جعل رسول الله ﷺ قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا من الإيمان، وكذا قيام ليلة القدر، وأداء الأمانة، والجهاد والحج، واتباع الجنائز، وغير ذلك، يقول ﵊: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، تمامًا مثل كلمة الإسلام في قوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران:١٩]، تشمل الظاهر والباطن؛ لأنها غير مقترنة بالإسلام وقد أتت مفردة: (الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وهذه الشعب المذكورة قد جاءت في القرآن والسنة في مواضع متفرقة، منها ما هو من قول القلب، ومنها ما هو من عمل القلب، ومنها ما هو من قول اللسان، ومنها ما هو من عمل اللسان أو الجوارح، ولما كانت الصلاة جامعة لقول القلب وعمل القلب، وقول اللسان وعمل اللسان وعمل الجوارح، سماها الله تعالى إيمانًا، كما في قوله ﵎: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة:١٤٣]؛ لأن الصلاة مشتملة على جميع أنواع الإيمان، فقد روى سعيد بن منصور، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود ﵁، فذكرنا أصحاب محمد ﷺ وما سبقونا به، فقال عبد الله (إن أمر محمد ﷺ كان بينًا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيمانًا أفضل من إيمان بالغيب، ثم قرأ: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة:٢ - ٣])، فهنا حمل معناها عل

5 / 16