وهناك فئة؛ هذه التي تلوح بالشهادات الجامعية، والألقاب العلمية، وتتباهى بالثقافة، وتعلن بكل تواضع أن البشرية خلفها بمراحل.
تجار كلام أقاموا نفوسهم معلمين يلقنون سواهم الوطنية، والفلسفة الاجتماعية، والمثالية العقائدية، وبايع بعضهم بعضا ملوكا للفكر.
فأما العقائد فهي إما مستوردة رأسا أو عن طريق الترانزيت، وأما الأفكار فينبشونها بالمجرفة من بطون الكتب في أي صفحة من أي كتاب علقت به المجرفة.
كأنما من شروط الوطنية ألا تثبت العقيدة الوطنية بنا في هذا الوطن، وكأنما من ضروريات الأفكار عدم الفكر.
وبعد أن يتم وصف الكلام - لا فرق من أي كتاب تدحرج - يطوفون على الناس منادين بأنهم فاتحون في دنيا الهداية عالما جديدا.
كلنا ناقدون، كلنا ناقمون، ولكن سفينة النجاة لن تبحر في أوقيانوس من زبد الأشداق، ورغوة الأفكار، ولن تسير شراعاتها أرياح الهتافات.
خير لنا أن نبقى على اليابسة الصحراء ثابتة أقدامنا من أن نحاول أن نسبح في الضباب.
وأريد أن أتحدث عن الرجل العادي.
أما الرجل العادي، فلا ينادي بالأمير، ولا الشيخ، ولا البيك، حتى ولا أستاذ.
الرجل العادي هو سائق الترامواي، وبائع الخضار، والحمال، والفلاح، وسائس الخيل. لقد فقد احترام النفس جمهور هذا الشعب.
Unknown page