وقد أدى معرفة العرب بما جاء في هذا الكتاب إلى ردة فعل شديدة لديهم ، إلى درجة أن امرأة من قبيلة « بني افقم » تسللت ذات ليلة إلى تلك الكنيسة واحدثت فيها ، فاثار هذا العمل الذي كان يدل على مدى ازدراء العرب بكنيسة « أبرهة » واحتقارهم لها ، غضب « أبرهة » ، هذا من جانب ومن جانب آخر كان « ابرهة » كلما زاد في تزيين تلك الكنيسة زاد ذلك من حقد العرب ، وحنقهم عليه ، واحتقارهم لكنيسته ، فتسبب كل ذلك في أن يحلف أبرهة على السير إلى الكعبة وهدمها ، فسير لذلك جيشا عظيما ، وقدم أمامه الفيلة المقاتلة ، وخرج متوجها صوب مكة وهو يعتزم هدم الكعبة بيت الله الحرام!!
فلما عرف زعماء العرب بغايته ، وادركوا خطورة ذلك العمل وايقنوا بان استقلال العرب وسيادتهم تتعرض لخطر السقوط ، لم يمنعهم ما عهدوه من قوة « ابرهة » وانتصاراته بل خرج بعضهم إلى حربه فقاتلوه بكل شجاعة وبسالة مدفوعين بدافع الغيرة والحفاظ على الشرف المهدد بالخطر.
فقد خرج « ذونفر » وهو من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، ودعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب « أبرهة » ولكن سرعان ما تغلب « ابرهة » عليه بجيشه الكبير ، ثم خرج له بعد ذلك « نفيل بن حبيب » وبقي يقاتله مدة طويلة فهزمه « ابرهة » واخذ له اسيرا ، فطلب « نفيل » العفو منه فاشترط عليه أن يدله على طريق مكة ليعفو عنه ، فدله نفيل حتى الطائف ، واوكل الدلالة على بقية الطريق إلى شخص آخر يدعى « ابورغال » فدله أبورغال على الطريق حتى أرض « المغمس » وهي منطقة قريبة من « مكة » فنزل « أبرهة » وجيشه بالمغمس ، فارسل أبرهة رجلا من الحبشة على عادته إلى ضواحي « مكة » فاستولى على أموال قريش من الإبل والغنم فساق إليه في جملة ذلك مائتي بعير لعبد المطلب ، ثم امر رجلا آخر يدعى « حناطة » ليدخل « مكة » ويبلغ أهلها عنه ما جاء من اجله ، وهو هدم البيت المحرم الكعبة المعظمة ، وقال له : سل عن سيد اهل هذا البلد وشريفها ، ثم قل له : ان الملك يقول لك : « إني لم آت لحربكم ، انما جئت لهدم هذا البيت ، فان تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي في
Page 162