فقلت له: «أخبرني إذن عن ثورة عرابي باشا والمقتلة التي حدثت بسببه وتدخل الدول واحتلال الإنجليز مصر.»
فقال: «أنا محرر في جريدة الإنديبندانس التي يرأس تحريرها روشفور الذي أظن أنك سمعت عنه، وأنت تعرف أن فرنسا وإنجلترا نقيضان في السياسة، وأننا نضع في وجه إنجلترا كل ما يمكننا من العراقيل، ولم أحضر أنا ولي صفة النيابة عن أمتي، بل جئت بصفتي الشخصية فقط ، ولكن الأمة تعلم بمجيئي وتوافق عليه، وقد عرف ولاة الأمور الإنجليز مقاصدي وقبضوا علي في وادي حلفا لإرجاعي، ولكن لما بلغت إسنا اتفقت مع العرب على أن يحملوني سرا إلى الأبيض عن طريق الكعب، وقد استقبلني المهدي مرحبا بي كما ترى؛ ولذلك فإني أرجو الخير على يده.»
فقلت: «وهل تظن أنه يقبل اقتراحك.»
فقال: «إذا رفض اقتراحي فإني أظن أنه يعمل لإيجاد علاقات حسنة بينه وبين أمتي، وهذا يكفيني. وأظن أنه بما أني جئت مختارا فهو لا يعارض في سفري ثانيا إلى بلادي.»
فقلت: «هذا مما أشك فيه. قل لي، هل لك عائلة؟»
فقال: «نعم، لي زوجة وولدان في باريس، وهم لا يغيبون عن بالي، وأرجو أن أراهم قريبا. ولكن أخبرني لم يعارض المهدي في سفري؟»
فأجبته قائلا: «إني أعرف هؤلاء الناس، وإلى الآن لا أظن أن هناك ما يدعو إلى الخوف على حياتك، ولكني لا أقدر أن أقول متى وكيف يمكنك أن تسافر إلى بلادك، وأرجو أن المهدي يرفض اقتراحاتك التي أظن أنها ربما تفيده، ولكني أرجو أيضا أن تعود سالما لعائلتك التي تنتظرك بنافد الصبر.»
وكنت قد أمرت الخدم بإحضار شيء نأكله، وطلبت إحضار جوستاف كلوتز - خادم ودنفان الذي كان قد فر من جيش هكس وانضم إلى المهدي - لكي يأكل معنا، وما كدنا نشرع في تناول الطعام حتى دخل اثنان من ملازمي الخليفة وطلب من أوليفيه بان أن يتبعهما، فدهش لهذه الدعوة الفجائية وبدا عليه الخوف وهمس إلي بأن أسأل عنه، ودهشت أنا أيضا لأن لغته العربية لم تكن مفهومة، فلماذا يطلبه الخليفة وحده؟ وكنت أقول ذلك لمصطفى «كلوتز» وإذا بملازم يطلبني أنا أيضا، ولما دخلت على الخليفة وجدته قاعدا وحده وأشار علي بالقعود فقعدت إلى جانبه.
ثم قال لي بلهجة الذي يسر إلي شيئا: «يا عبد القادر أنت واحد منا، قل لي ماذا تظن في هذا الفرنسي؟»
فقلت: «أظن أنه مخلص وأن قصده حسن، ولكنه لا يعرفك ولا يعرف المهدي، ويجهل أيضا أنكما تعتمدان على معونة الله وحده ولا تحتاجان إلى معونة إنسانية، وأن هذا هو سبب انتصاراتكم المتتابعة؛ لأن الله يكون على الدوام مع المؤمنين به.»
Unknown page