Ṣayd al-Khāṭir
صيد الخاطر
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publisher Location
دمشق
٤٦٣- ولقيت الشيخ أبا منصور الجَوَالِيْقِيَّ١، فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقنًا، محققًا، وربما سئل المسألة الظاهرة، التي يبادر بجوابها بعض غلمانه، فيتوقف فيها حتى يتيقن، وكان كثير الصوم والصمت، فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.
٤٦٤- ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح، فراحوا عن القلوب، وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم، فقل الانتفاع بهم في حياتهم، ونسوا بعد مماتهم، فلا يكاد أحد يلتفت٢ إلى مصنفاتهم.
فالله الله في العلم بالعمل، فإنه الأصل الأكبر. والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة، فقدم مفلسًا، على قوة الحجة عليه.
١ موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي "٤٦٦-٥٤٠هـ": عالم بالأدب واللغة، مولده ووفاته ببغداد.
٢ في الأصل: أن يلتفت.
٩٥- فصل: إن الله ﷿ يمهل ليبلو صبر الصابر
٤٦٥- سبحان الملك العظيم، الذي من عرفه خافه، وما أمن مكره قط من١ عرفه.
٤٦٦- لقد تأملت أمرًا عظيمًا: أنه ﷿ يمهل حتى كأنه يهمل، فترى أيدي العصاة مطلقة، كأنه لا مانع؛ فإذا زاد الانبساط، ولم ترعو٢ العقول، أخذ أخذ جبار؛ وإنما كان ذلك الإمهال ليبلو صبر الصابر، وليملي في الإمهال للظالم، فيثبت هذا على صبره، ويجزي هذا بقبيح فعله، مع أن هنالك من الحلم في طي ذلك ما لا نعلمه، فإذا أخذ أخذ عقوبة، رأيت على كل غلطة تبعة، وربما جمعت، فضرب العاصي بالحجر الدامغ.
١ في الأصل: ما.
٢ ترعوي: تنزجر وتتعظ.
1 / 159