Sawt Min Thallaja
الصوت المتحدث من الثلاجة: مجموعة قصصية
Genres
Less is More ، أو الأقل أفضل. التخلص من الدهون فيه كل المنافع للجسم. ترشيد التفكير طريق مضمون للراحة. فهل الدرس المستفاد، يا سيدي المتعقل الحكيم، أن أحذفه من حياتي؟ لقد فتحت الثلاجة مرارا طيلة الفترة السابقة، ولم أحاول أن أدعوه للحديث، أو حتى أوجه له التحية. مرة حياني، ولم أرد. ثم اختفى صوته بعدها. أنا لا أريد أن أفقده. تبا للكرامة. أين سمعت جملة «لا كرامة في الحب»؟ هل قالها أحد أمامي فعلا، أم أن الجعان يحلم بسوق العيش؟ سأتفرغ لإنهاء المقالتين المطلوبتين، وليذهب الكون بأسره إلى الجحيم بعدها.
بلل وسادتي طرف من دموعي. وحين قمت من النوم، كنت سأفتح الثلاجة على نحو بديهي كي ألقي عليه التحية؛ لعله متيقظ، أو لم ينم من الأمس. لكني تنبهت محولا اتجاهي للحمام. وبينما كنت أغسل أسناني، رددت اسم حبيبتي القديمة. كنت أستخدمه كتميمة حظ، أنطقه كي يبعد عني الأرواح الشريرة، والأفكار المرهقة، والذكريات السيئة تلك التي تطاردني بإخلاص الظل، وضراوة كلب مسعور. أحببت صوتي حينما يردد اسمها. يبث في اطمئنانا أعجب له. إنه اطمئنان حقيقي، رغم يقيني أنها ليست هنا لتداوي جروحي. لكن لاسمها مفعول سحري غامض ...
دخلت على الفيسبوك، فتحت صفحتها، تطلعت إلى صورتها. الحمد لله أننا لم نتزوج. بعد 15 سنة انقلب شكلها إلى إنسانة أخرى، يذوب الضمور في نضارتها، وينخر العجز ابتسامتها. أقول لنفسي ربما لو دامت العلاقة لكنت أراها الآن أجمل البشر. لا أعرف. ولم أتعود تخيل مصائر البشر خارج قصصي. انقلبت صورتها إلى نيجاتيف شبحي، ومللت من التسلل إلى صفحتها، سانا قانونا يحظر فعل ذلك إلى يوم الممات. وبينما يجتاحني سكون مرعب، شفط الأصوات كلها من جسمي وشارعي وسمائي، قررت - وبكاء عظيم يضطرم بين ضلوعي، مستعدا لإحالة عيني إلى بركان - أن أفتح الثلاجة وأحكي له عن وحدتي. لعله يجبر روحي الكسيرة، ويجبر بخاطري الذليل.
استقبلني بترحاب اعتبرته أسفا مشبعا، ووقعت أرضا، أحكي وأبكي ... وهو يفسح لي المجال، كي أخرج الأحجار التي أنتجها قلبي طيلة عشرين سنة سابقة. تخلصت من كل مساجيني. ذكرى ابنة عمتي التي أحببتها ولم تحبني. ذكرى ابنة الجيران الشقراء التي انتقلت إلى حيث لا أعلم. ذكرى زميلة العمل التي مزقني حبها، ورفضتني لأنها تريد الأغنى. وحبيبتي التي لم أنجح في الفوز بها، واتهمتني بالتقصير. من قال إني مقصر أو متواكل أو أي شخص من هذا القبيل الأحمق؟! أنا إنسان عبقري. أعظم من قابلت. إذا أردت فعل شيء فلا بد أن أفعله على نحو صحيح، كامل الصحة أو يقارب ذلك. إذا أردت كتابة مقال عن السد العالي، أقرأ لمن يمجده، ومن يراه وبالا، ثم أعلن وجهة نظري على وسادة حريرية وثيرة من العلم والمعرفة. إذا أردت أن أذكر جملة لسعد زغلول في قصة، ينتهي بي الحال إلى قراءة كل كراسات مذكراته، ثم أكتب بعدها ذلك السطر الذي كنت أبحث عن إجادته. إذا أردت كتابة عمل يدور عن حرب أكتوبر، أبحث عن جميع روايات أدب الحرب، وكل ما كتب عن الحرب بأنواعها العسكرية والسياسية والنفسية، والجرائد والمجلات المتوافرة من تلك الفترة، لأقتني وأقرأ وأحلل، وأصل إلى أفكار وألفاظ بل إيقاع المرحلة، ثم أكتب ذلك العمل، أو لا أكتبه. هذا أنا، وهذه هي شخصيتي. أرادت هي بيتا، وأردت أنا أيضا. لكن لا بد أن يكون كل شيء كما ينبغي. مشروع الزواج يحتاج إلى أساسيات، وكماليات، بل تأمينات للغد صممت أن أحققها على نحو كامل الصحة أو يقارب ذلك. لكن ... إمكانياتي المادية وقفت عائقا. عند تخطيطي للمشروع، وجدت عوائق ستمنع ذلك. تراجعت ... أهملت الحلم ... تركته يغيم ... تتراكم عليه فضلات التجاهل. يا قوم، مبدئي واضح ... إما أن أفعلها بشكل صحيح، أو لا أفعلها. واخترت الثانية. لم تفهم ذلك، فرحلت، ولا ألومها. أمسحها بأستيكة من على قلبي إن ارتسمت عليه في لحظة ما متمردة. هذه هي حكايتي. فلا تذلني بعاهراتك يا صديق الثلاجة الغامض. لست في حاجة لمن يهين رجولتي، أو يسبني بالنقصان. نعم، أنا وحيد، وقد أبقى هكذا. لكني لا أريد قضاء المسافة إلى القبر في قبر آخر من التقطيم. سأغرق شجوني في قصصي، وأنفي الوقت في مقالاتي، ولا أريد دموعا علي أو - لاحظ - ضحكات علي، من أي أحد قريب أو بعيد.
طبطب علي بصوت يعافر كآبته، واعتذر لي كمن يستغفر. بينما اعتقلني بكاء غزير، قهر كرامتي، ثم رفعها في شموخ من جديد. •••
بعدها، تباعد حضوره أو حضوري. اهترأت العلاقة كالثوب الذي يقدم. لم أتفاجأ؛ فهي سنة العلاقات في عصرنا. صحيح أن علاقتنا كانت مختلفة، لكن العصر الذي نعيشه واحد، وغالب. أنت ملعون بالعصر الذي تولد فيه، ولا يمكنك اختراقه للوراء لتعيش الماضي الأقل قبحا.
تنهدت في ألم حار لما عدت إلى تناول الفيتامين الذي كتبه لي الطبيب كي يوفر لي قدرا من العمق في أثناء النوم. لم يكن بدواء ناجح كل النجاح، إلى جانب أنه - في الوقت ذاته - فاتح شهية؛ مما سيعيد فتح أبواب شهيتي على مصاريعها، لينطلق طوفان جوعي مجددا، مكتسحا الموائد، ومدمرا قوامي، ومغرقا أملي في التحسن. علاقتي ب «محفوظ» أبعدتني عن هذا الدواء. تزاوج حديثه مع معدتي فأنتج شبعا من نوع غريب. لماذا خلقنا الله نتوق إلى وليف، ولماذا لم يجعلنا نسخة قوية من روبنسون كروزو؛ شخص قادر على قضاء حياته كلها فوق جزيرة يعمرها وحده دون أي إنسان معه؟! أجبت هذه الأسئلة مئات المرات في قصص كتبتها للأطفال، ولا زلت - رغم ذلك - أسألها في عناد ومرارة وتعب. الاتزان العاطفي نعمة. قد يحنو القدر عليك، ويضعها في طريقك، أو لا يحنو. وإذا لم يحن ... فأتمنى أن يرحمني من منطقة التفكير في رأسي، ويأمرها أن تحنو هي علي. إنها تطرح فيروسات الشك بخصوبة. فيروسات مزمنة الإلحاح، خبيثة الموهبة، تعرقلني في أسئلة مثل هل كان «محفوظ» صادقا معي؟ هل ابتكر هذه المغامرات النسائية كي يدفع عنه حقيقة كونه وحيدا مثلي، وربما خجولا لم يكلم فتاة في حياته؟ لا أدري. قد يكون ذلك حقيقة، أو محض وهم. طيب، هل كانت تجربة التواصل عبر الثلاجات لدراسة شخصيتي؟ هل هناك مكتب ما يفعل ذلك معي، ومع غيري، بهدف التسلل إلى حيوات مواطنين بعينهم، أو حتى على نحو عشوائي، لدراسة طبقات اجتماعية محددة؟ كنست هذه الأفكار بسرعة. بعضها وقع من بارانويا أنا أكثر عقلانية من المشي وراءها، وبعضها طار من انفجارات فيلم عن شرير يريد السيطرة على العالم ... ولو أن العالم شرير بالفعل، ومسيطر عليه إلى حد. أضحك متهكما إذا ما سمعت شاعرا - دائما ما يكون شاعرا - يهذي في رومانتيكية قائلا إن المشاعر هي الصدق الوحيد في أي زمان. لكن هناك أصابع خفية تكون وعي من تظنهم صادقين أيها الأبله. تشكلهم كما الصلصال كي يشتروا سلعهم، ويتغذوا على ثقافتهم، ويؤمنوا بما يبغونه من أفكار، ويمارسوا ما يريدونه من فساد. المشاعر أراجوز في سيرك عالمي ... فهل كنت من مرتادي هذا السيرك، وهل تلاعب «محفوظ» بي كما يتلاعب البهلوان بالكرات؟ إن أفكاري لا تتوقف عن الكلام، وتلقي في طريقي بنقر وحفر، ملاحظة مثلا أن لثغة «محفوظ» في حرف الراء مماثلة للثغتي في نفس الحرف، والاسم الثنائي لمستأجر أرضه الزراعية هو ذاته الاسم الثنائي لموظف البنك الذي يسلمني أرباح وديعتي البنكية. لك أن تتخيل أنها أخرجت فيلما قصيرا قابلت فيه «محفوظ» في المنام، ووجدته يشبه صورة لي بجوار بحر مطروح منذ ربع قرن؛ بنفس القميص التركواز المفتوح، والنظارة الشمسية الخضراء العدسات، الذهبية الإطار، التي استعرتها من ابن خالي. لا يا أفكاري السخيفة، أنا لست بمختل. حلي عني الله يبارك لك. انشغلي بهواية كالصمت مثلا. ابتلعي طنا من سد الحنك. اذهبي وراء الشمس، أو في رحلة استكشافية للعالم الآخر. أصدري قرارا بمصادرتك، أو حكما شرعيا بتحريمك . دعي الحية تلوشك، والعو يلهفك، والقبر يلمك. غوري في 60 ألف داهية سوداء، أو أي لون أغمق من الأسود!
علاقات محرمة
جرت علاقة غير شرعية بين كلمة
beauty center ، وترجمتها بالعربية «مركز تجميل»؛ فأثمرت ابن سفاح اسمه «بيوتي سنتر». هذا الولد نشأ فاسدا، وأباح بيته للعلاقات المشبوهة. وفي ليلة هناك، دارت علاقة بين زومبي وبلاطة بيضاء أثمرت عرائس آية في الدمامة، وجوههن أكثر بياضا من شحوب الموتى، يلطخن عدسات التصوير، وهواء المدينة، ومخيلة العزاب. فر المستقبل منهن، لكن بغباء، إلى الماضي، وسقط كلاهما - أستغفر الله العظيم - في الفاحشة، مما أثمر كائنا مشوها، يلازم ظلالنا جميعا، ويتسلل إلينا خلال نومنا في الظلام، كي يعقرنا؛ فتتجمد أفكارنا، وتعقم أحلامنا. ... متى ستعود إلى مجتمعنا أخلاق رفض العلاقات المحرمة؟!
Unknown page