روتر
زار ولي عهد رومانيا مصرا في الشتاء السابق قاصدا إلى اليابان، على ما أظن، وقد دعيت رحلته يومئذ «حمية النسيان» فصارت اليوم «رحلة الشفاء». أرسلوه يجوب الأقطار؛ ليسلو زوجته وولده وليقدم على إهمالهما وإنكارهما؛ لأنه هو الآخر فعل فعل الملك إسكندر واقترن بابنة ضابط بسيط، غير أن إسكندر اليوناني تزوج بعد ارتقائه العرش يوم لم تكن في الدولة فوق إرادته إرادة. أما كارول الروماني فحاول التملص من وثق تجعله إنسانا مركبا، مقيدا، رهين أهواء المناورات الدولية، فتنازل عن العرش الموعود، ورفض تاجا يهيئه له المستقبل، ورضي بأن يبقى رجلا بسيطا حرا سعيدا بزوجته وولده، وأن يتمتع بالحقوق العامة كأحد رعايا رومانيا دون أن يطمح إلى ميزة أخرى.
كان ذلك؛ فأرسلوه يسرح عواطفه بين ماء القارة ويابستها. وعندما عاد بعد ستة أشهر إلى عاصمة رومانيا كان خطيب هيلانة اليونانية. وإذ وقف يشكر الذين شربوا نخبه في الوليمة الرسمية التي أقيمت احتفاء بعودته، رفع الكأس بيد ثابتة وقال بصوت جلي أدهش الحاضرين: «علمت في رحلتي هذه أن المرء يخص وطنه قبل كل شيء.»
ولما كنت أقرأ وصف المهرجانات المعدة في أثينا احتفالا بمجيء الملك قسطنطين والعائلة المالكة كنت أفكر على رغم مني في امرأة تمزق قلبها أصوات الفرح. هي وحدها تلبس السواد في وسط الزينة والأبهة، وتبكي تحت نقاب الأرامل، بينما الملكة تركز على جبهتها تاجا كادت تفقده وترصع صدرها بجواهر العرش. تلك المرأة وحدها تذكر في وسط النسيان الشامل، وشيء كثير أن يكون للمرء قلب واحد لا ينسى.
وهناك امرأة تشبهها في بخارست، غير أن زوجها حي سعيد وقد تملكته من جديد أطماع الملوك وأطماع أنصاف الملوك، وتهلل شعبه بهداه، أو على الأقل زعم أنه تهلل. الجريمة التي يعاقب عليها القانون بصرامة في طبقات المجتمع على اختلافها يرغم على ارتكابها من يعد بعد الملك منبع الشرف في الدولة، ويحسبون امتثاله وذله عقلا وحصافة، فيسارع ملك آخر إلى تسليمه يد ابنته وحياتها. ومن توفرت له هذه المزايا فلا بد أن يكون في الغد ملكا عظيما ...
أرملة إسكندر في أثينا، وأرملة كارول في بخارست: ترى أي المرأتين أشقى؟
الشباب والموت
لم يهمل سادتنا العلماء موضوعا هو في نظر بعضهم الموضوع الأمثل.
نحن نسمي هذه الدنيا «وادي الدموع»، ثم نشفق على الذين يغادرونها، وأقصى ما نتمنى هو أن نعمر طويلا متمتعين بخصائص القوة والصحة والشباب.
لقد استولت تلك الأمنية على قلوب الناس فجعلتهم آنا كاذبين محتالين، وآونة خونة مارقين. كم أفسدت من عمل نبيل! وكم قادت إلى فظيع الجنايات!
Unknown page