إلا أنهم لم يتركوه ينعم بأكذوبته المهلهلة التي ساقه إليها الحرج والنكاية والمزاح وراحوا يقولون له بعدما أوسعوه سخرا وأشبعوه هذرا: يا مكابر! أتذكر سبعين نمرة بين كبيرة وصغيرة قرأتها منذ أيام ولا تذكر نمرا أربعا قرأتها منذ دقائق؟! طيب ... ها نحن أولا معك، أعد علينا النمر الأربع ولك عن كل واحدة جنيه!
فحار وأبلس، ابتأس وعبس، وألقى يد السلم واستسلم، وزادت تجعيدة حديثة إلى جانب كل تجعيدة قديمة في ذلك الوجه المشدوه. •••
تلك نماذج غير منتقاة من سهوات السيد أمين حديثها وقديمها، نضعها إلى جانب إخلاصه واستقامة طبعه فنفهم المركب الذي ركبه همام من تفويض الرقابة إليه، وأصدق ما يوصف به أنه كالسفينة التي لها شق متين يكافح الأمواج والرياح، وشق هزيل محلول الدسر والألواح، ولا مناص من السفر عليها، ولا أمان في البقاء على الساحل.
فأما الرقابة فلا حيلة غيرها.
وأما الرقيب فغير أمين لا يوجد.
وكل ما يملك همام من اختبار فهو الإكثار من التوصية والإلحاف في التحذير والمعاودة بالتنبيه، وقد فعل جهده ثم أغمض عينه، وآوى إلى السفينة وهو يترقب الغور كما يترقب ساحل النجاة.
مضحكات الرقابة
ترى لو شهدنا حوادث الحياة كلها دفعة واحدة، هل تصعب أو تهون؟ وهل يقع أثرها في النفس فاجعا أو مضحكا سخيفا مغريا بالهزء والابتسام؟
تشغلنا الحادثة أياما وشهورا فلا نفكر إلا فيها، ولا نحسب أن في الدنيا أمرا جديرا بالتفكير والاهتمام غيرها، ولا نظن أننا نطيق العيش ونصبر على البقاء لو تحقق ما نحذره منها، ولا نرضى من أحد أن يستخف بها ويستكثر ما نعيره إياها من الهم والقلق والأهبة، ثم تمضي الحادثة وتتبعها العاقبة بعد العاقبة فتصبح عندنا - نحن لا غيرنا - تسلية نرويها ونضحك منها ونتفرج بها كما نتفرج برؤية المشاهد الفنية التي تقع لشخوص المسارح الخيالية!
ترى لو رأينا الحادثة وعاقبتها، أو الحوادث وعواقبها، دفعة واحدة هل تكون كلها فاجعة كما نراها في حينها؟ أو تكون كلها خفيفة مسلية كما نراها بعد فواتها؟ وهل يكون اجتماع الحوادث بمثابة الفاجعة تضيفها إلى الفاجعة فلا تقوى النفس على احتمالها؟ أو تكون بمثابة الشيء يلغيه ما بعده فيطفئ بردها حرها، ويذهب قيظها بشتائها؟
Unknown page