119

وما كاد يسأل نفسه هذا حتى شاع في جوانب نفسه إحساس مضطرب مؤلم رهيب كاد يسحقه وألح بالنظر على نجم وضيء في ذيل الدب الأكبر، وذكر أن كوسما الفلاح صاحب حقل البطيخ سمى هذه المجموعة الجليلة من النجوم عجلة أثقال، وضايقه أن يذكر هذا الوصف المرذول الوضيع وشخص إلى الحديقة المظلمة السوداء بنظره كأنما يريد أن يقابل بينها وبين السماء الوضيئة وأن يفكر فيهما ويتدبر أمريهما ثم قال لنفسه: «إذا حرم العالم طهر المرأة وحسنها وهما باكورة أزهار الربيع فماذا عسى أن يبقى للإنسان مما هو مقدس جليل؟»

وصور لنفسه وهو يقول ذلك سربا من الغادات الفاتنات كأزهار الربيع جالسات في ضوء الشمس على المروج الخضراء في ظل الأغصان المتهدلة بالثمار والنوار، وجعلت صدورهن وأكتافهن الرقيقة البديعة التكوين وأعضاؤهن اللينة تتحرك أمام عينيه وتشيع في جسمه هزات لذة سارة، وكأنما أدارت رأسه هذه الصورة فأمر يده على جبينه يمسحه بها.

وجعل يسائل نفسه: «لماذا يثور ثائري لأن لياليا ليست بأول من أحب ريازانتزيف؟»

ولم يدر كيف يجيب عن سؤال كهذا ثم مثلت لعينه فجأة صورة سينا كرسافينا فقر ثائر نفسه، وحاول أن ينيم إحساساته التي أيقظتها هذه الصورة، ولكنه كان كلما عالج ذلك ازداد شعورا بما يجعله ينشدها كما هي: نقية لم تمسسها يد.

وقال لنفسه لأول مرة: «نعم ولكني أحبها.»

ونفى هذا كل ما عداه من الخواطر واستحوذ على نفسه حتى لجالت الدموع في عينيه. وما هي إلا برهة ثم راح يسأل نفسه وعلى وجهه ابتسامة مرة: «لماذا إذن توددت إلى سواها من النساء قبلها؟ نعم إني لم أكن أدري أنها موجودة. وكذلك لعمري لم يكن ريازانتزيف يعرف لياليا. وكان كلانا وقتئذ يحسب أن المرأة التي يشتهي أن يفوز بها هي الوحيدة التي لا غنى له عنها، وكنا في ذلك على ضلال ولعلنا الآن مخطئون أيضا. فلا معدى لنا عن إحدى اثنتين: أن نعف أبدا أو أن نتمتع بالحرية الجنسية دون قيد ما ونبيح للنساء مثل ما أبحنا لأنفسنا. وعلى هذا لا يكون ريازانتزيف ملوما من أجل أنه أحب نساء غير لياليا بل من أجل أنه لا يزال على صلة بعدة منهن، وليس هذا مما أصنع أنا في شيء.»

وزهاه هذا الخاطر وأشعره الطهر، ولكن هذا الإحساس لم يدم إلا هنيهة ثم ذكر ما تخيله من منظر الفتيات الجميلات اللينات في ضوء الشمس، وغلبه ذلك حتى ملك عليه حواسه وصار ذهنه ميدانا تتدافع فيه الخواطر المتناقضة وأتعبه النوم على جانبه الأيمن فانقلب وتمطى على الأيسر وقال يخاطب نفسه: «الحقيقة أنه ما من امرأة عرفتها تستطيع أن ترضيني طول حياتي، والذي أسميته الحب الحقيقي مستحيل لا سبيل إلى تحقيقه، ومن الهذيان أن يحلم المرء بشيء كهذا.»

ولم يجد للتمطي على جانبه الأيسر ما قدره من الراحة، فعاد إلى الأيمن وهو قلق يتصبب تحت الغطاء الدافئ وتصدع رأسه: «إن العذرية مثل أعلى وفي تحقيقه فناء الإنسانية فهي إذن جنون - والحياة ماذا هي إن لم تكن بالجنون كذلك؟»

وكاد ينطق هذه الكلمات بصوت عال وعض على نواجذه حتى أومضت لعينه نجوم صفر.

وهكذا ظل إلى الصباح يتقلب وقد أثقلت قلبه وذهنه الخواطر الموحشة، ولما أراد أن يتخلص منها راح يقنع نفسه أنه هو أيضا أناني شهواني مستهتك وأن شكوكه ليست إلا نتيجة الشهوة المخبوءة، غير أن هذا لم يزده إلا مضا ولم يرفه عنه إلا هذا السؤال البسيط: «لماذا أعذب نفسي هكذا؟»

Unknown page